فيروس كورونا: عندما تكون مكافحة المرض أسوأ من المرض ذاته!

فيروس كورونا: عندما تكون مكافحة المرض أسوأ من المرض ذاته!
Spread the love

بقلم: د.صلاح عثمان/

كان من الطبيعي أن ينصب اهتمام العالم خلال الشهور الأخيرة على فيروس كورونا وكيفية تجاوز جائحته بأقل خسائر مُمكنة، فقد بلغ عدد قتلاه حتى لحظة كتابة هذا المقال (22 مايو 2020) 327.821 شخص، وبات الاقتصاد في حالة فوضى يُرثى لها، وتقلصت حياة البشر وخُطتهم اليومية والمستقبلية بشكلٍ شبه كامل، وتعثرت الدراسة بالمدارس والجامعات، واضطرب الأداء الحكومي في أغلب بلدان العالم، … إلخ. لكن تركيز الجميع على مشكلةٍ بعينها في عالمٍ يعج بالمشكلات من شأنه أن يُقوض كافة الجهود التي بُذلت أو تُبذل من أجل مستقبلٍ أفضل، لاسيما إن كانت هذه المشكلات أشد إلحاحًا وأكثر خطورة!
تستطيع أن تُدرك ذلك بسهولة بنظرة سريعة تُلقيها على موقع «وورلد ميترز» Worldometers العالمي بعداداته المتسارعة وإحصاءاته اللحظية لكافة أبعاد حياتنا المعاصرة. يكفي أن تعرف أن عدد قتلى «الجوع» و «الفقر» يوميًا يتجاوز بمراحل عدد قتلى فيروس كورونا! بل وقد تصيبك الدهشة التي تبلغ حد الصدمة حين تعرف لحظيًا – من الموقع ذاته -مقدار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أو مساحة الأراضي المتصحرة والغابات المفقودة، أو عدد من يُكابدون سوء التغذية أو يُعانون من السمنة أو يموتون بسبب أمراض المياه، أو مقدار الأموال التي تُنفقها الحكومات على التسليح وعلى تدعيم سلطاتها، أو التي يُبددها الناس على ألعاب الفيديو، أو عدد من يفقدون حياتهم بسبب الإيدز أو السرطان أو الملاريا أو المخدرات أو حوادث الطرق أو حتى الانتحار! أرقام مُخيفة تتراجع معها أرقام ضحايا فيروس كورونا على استحياء، وكأن العالم قد غطى إحدى عينية بأرباح استثماراته فأصبح ضيق النظرة، لا تُسعفه عينه الأخرى الوقحة سوى لرؤية مصالحه الآنية التي تحمل مزيدًا من الدمار للكوكب التعس بنا!
لا يعني ذلك بحالٍ من الأحوال الاسترخاء في مواجهة كورونا، أو الاستغناء عن إجراءات الإغلاق دون سندٍ علمي واضح، بل يعنى بالأحرى أننا في حاجةٍ إلى نظرةٍ أوسع تجاه المعاناة الإنسانية في مجملها، وأن نُفكر في الوباء – سواء أكان اصطناعيًا أو طبيعيًا، خطيرًا أو هينًا – كجزءٍ من كلٍ لا يُمكن تجاهله. وفيما يلي ثمانية عناصر رصدتها الكاتبة الأمريكية «سيجال صموئيل» Sigal Samuel بموقع شبكة فوكس ميديا Vox Media الإعلامية الرقمية بالولايات المتحدة بتاريخ 11 مايو 2020.

1) تراجع نسبة اللقاحات الروتينية:

يُحجم الناس عن أخذ اللقاحات الروتينية أو إعطائها لأطفالهم تحت تأثير الخوف من الإصابة بالفيروس، وحتى لو أرادوا ذلك فلن يجدوا أية استجابة من المراكز والمؤسسات الصحية التي تطلب من الجميع البقاء في بيوتهم. وقد ذكرت جريدة نيويورك تايمز بتاريخ 23 أبريل 2020 أن برامج التحصين الوطنية في أكثر من أربعة وعشرين دولة قد تم تعليقها، الأمر الذي يُهدد حياة أكثر من مائة مليون طفل، ويُنذر بالعودة الصاخبة المحتملة للإصابة بالحصبة وشلل الأطفال والدفتريا! كما حذرت منظمة الصحة العالمية WHO – وفق ما ذكرت صحيفة التليغراف البريطانية بتاريخ 31 مارس 2020 – من أن توقف برامج التلقيح بسبب فيروس كورونا قد يتسبب في مضاعفة أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالملاريا بأفريقيا جنوب الصحراء الكُبرى!

2) تجنب اللجوء إلى الأطباء حتى في حالات الأزمات القلبية والسكتات الدماغية:

أين مرضانا؟ ربما كان هذا هو السؤال الذي يتردد بكثرة هذه الأيام على ألسنة الأطباء من مختلف التخصصات في كافة دول العالم، وهو سؤالٌ يفرضه القلق من انخفاض أعداد المترددين على عياداتهم بشكلٍ حاد في خضم جائحة كورونا، لاسيما أولئك الذين يُعانون من أعراض النوبات القلبية والسكتات الدماغية. وقد صرحت «مارثا غولاتي» Martha Gulati (رئيسة قسم أمراض القلب بجامعة أريزونا Arizona لشبكة «ستات نيوز» STAT News الإخبارية الأمريكية قائلة: «ما يثير قلقي هو أن بعض هؤلاء الناس يموتون في بيوتهم بسبب خوفهم من الذهاب إلى الطبيب أو المستشفى». ومن المعروف أن سرعة التماس العلاج ضرورية لكل من يُعاني من أعراض نوبة قلبية أو سكتة دماغية، وأنه كلما تم تقديم الإسعافات مُبكرًا ازادت فرصة التخفيف من تلف القلب والدماغ وتقليل خطر الإصابة بالشلل!
ثمة تحذيرات أيضًا تثير القلق من أننا سنشهد ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، ومن المحتمل أن تتأثر إجراءات مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية Human Immunodeficiency Virus (HIV) نظرًا لعدم إجراء الاختبارات الضرورية، وهو ما عبَّر عنه «ديفيد هارفي» David Harvey (المدير التنفيذي للائتلاف الوطني للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا National Coalition of STD Directors) بقوله: «إننا نشهد خللاً تامًا في برامج الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا هنا في الولايات المتحدة».

3) تأجيل الجراحات الاختيارية، بما في ذلك جراحات السرطان وزرع الأعضاء:

قد يتطرق إلى ذهنك حين تُفكر في الجراحات الاختيارية تلك التي تتعلق بتجميل الأنف أو استبدال مفصل الورك، لكن القائمة في الحقيقة تمتد لتشمل كافة الجراحات التي تتم جدولتها بشكلٍ مُسبق لكونها لا تستدعي تدخلاً طبيًا طارئًا، كجراحات السرطان وزرع الأعضاء وغيرها من الجراحات اللازمة لإنقاذ الأرواح، وهذه جميعًا مُعلقة أو شبه مُعلقة الآن، لاسيما في المستشفيات الحكومية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن أغلب المستشفيات تُعاني من نقصٍ حادٍ في تجهيزات الحماية الشخصية، وتسعى إلى الحفاظ على ما في حوزتها لتوفيره للأطباء وأعضاء الهيئات التمريضية الذين يواجهون فيروس كورونا. هذا بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على أجهزة التنفس الاصطناعي وغُرف العناية المُركزة مجانًا لمن أصيبوا بالفيروس، خصوصًا في المناطق التي تضررت بشدة.
على سبيل المثال، أوصت الكلية الأمريكية للجراحين The American College of Surgeons بتأجيل جراحات إزالة زوائد القولون السرطانية لمدة ثلاثة أشهر، وتأجيل كافة جراحات الأورام السرطانية إذا كان العلاج الهرموني بإمكانه المساعدة لفترةٍ ما. وكنتيجة لذلك تداول الأطباء والمرضى كثرة من القصص المُفجعة، منها مثلاً حالة المريض «زاك برانسون» Zach Branson (المولود بمرضٍ نادر، والبالغ من العُمر ثلاثة وثلاثين عامًا، حيث أخبره الأطباء في كلورادو Colorado أنه بحاجة إلى زراعة كبد جديد، وتم تحديد يوم الخامس والعشرين من مارس 2020 لإجراء جراحة زرع الكبد من مُتبرع، لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك، حتى لقد صرَّح طبيبه بأنه لن يعيش إلا ما يقرب من ثلاثين إلى خمسة وأربعين يومًا، ومع ذلك جاء قرار المستشفى التي كان سيُجري بها الجراحة صادمًا: «إن جراحته اختيارية»، وهو ما عدته أسرته «حُكمًا بالإعدام»! صحيح أن «برانسون» قد تمكن في أبريل من إجراء الجراحة بعد أن تم تحويله لمستشفى أخرى، إلا أن كثرة من ذوي الحاجة إلى زراعات الأعضاء لم يكونوا محظوظين مثله، ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن على امتداد دول العالم!
في هذا الصدد، ووفقًا لدراسة أجراها مجموعة من الجراحين ونُشرت في المجلة البريطانية للجراحة British Journal of Surgery بتاريخ 12 مايو 2020، من المحتمل أن يكون الأطباء قد قاموا بإلغاء أو تأجيل 28.4 مليون عملية جراحية اختيارية خلال اثني عشر أسبوعًا فقط من جائحة كورونا! كذلك حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف UNICEF) في السادس من مايو 2020 من أن ملايين الأمهات والأطفال المولودين خلال جائحة كورونا سيتعرضون للتهديد بسبب اضطراب النُظم الطبية وتعطل الخدمات الصحية، وحيث أنه من المتوقع ولادة 116 مليون طفل خلال التسعة أشهر اللاحقة ليوم الإعلان عن جائحة كورونا، فسوف يتعين على الأمهات والرُضع مواجهة المشكلات المرتبطة بحالات الإغلاق وحظر التجوال وعدم استعدادية المراكز الطبية ونقص الإمدادات والمعدات اللازمة، أو آثار ذلك كله اللاحقة!

4) جائحة الجوع Hunger Pandemic وتسونامي الفقر Poverty Tsunami:

قد تجر جائحة كورونا كارثةً أخرى وراءها أشد وطأة على العالم والإنسانية، ألا وهي تلك التي أطلق عليها «ديفيد بيسلي» David Beasley (المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة UN World Food Program) وصفًا دقيقًا فقال: «إنها جائحة الجوع التي تلوح في الأفق»، مُحذرًا من أننا يمكن أن نرى ملامح المجاعة فيما يقرب من ثلاثين دولة، ومؤكدًا أن تحليل برنامج الأغذية العالمي يُوضح أن ثمة ثلاثمائة ألف شخص يمكن أن يموتوا بسبب الجوع يوميًا على مدار الثلاثة أشهر المقبلة إذا لم يستمر تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود المُغلقة!
الأدهى من ذلك أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة ستؤدي إلى تفاقم مشكلة الفقر العالمي، حيث أظهر تحليل قامت به كلية لندن الملكية King’s College London بالتعاون مع الجامعة الوطنية الأسترالية Australian National University، ونُشر يوم 9 أبريل 2020، أن 8% من سكان الأرض (حوالي 500 مليون شخص) سوف تدفع بهم الأزمة الاقتصادية إلى مستنقع الفقر، الأمر الذي من شأنه أن يمحو جهود التنمية الاقتصادية لثلاثة عقودٍ خلت. وقد علَّق أحد المشاركين في التحليل على نتائجه قائلاً: «لقد فوجئنا بهول كارثة تسونامي الفقر المحتملة في مرحلة ما بعد فيروس كورونا بالبلدان النامية»!

5) خطر التعرض لجائحة بكتيرية:

قد تؤدي جائحة كورونا أيضًا إلى جائحة بكتيرية محتملة نتيجة تفاقم أزمة مقاومة «الضد حيويات» (المضادات الحيوية Antibiotics)؛ فعلى الرغم من أن «كوفيد-19» ليس بكتيريا، وإنما فيروس لا يتأثر بالضد حيويات، إلا أن التقارير الأولية من المستشفيات تشير إلى أن نسبة عالية جدًا من المرضي (قد تصل إلى 90% في بعض المناطق) يتم علاجهم بالضد حيويات للتصدي للالتهابات الثانوية الناجمة عن أمراض الجهاز التنفسي أو بسبب الإقامة بالمستشفيات، كما أن كثرةً من الناس يتناولون الضد حيويات من تلقاء أنفسهم ظنًا منهم أنها تُوفر لهم الحماية من الإصابة بالفيروس! وقد يؤدي الاستخدام المُفرط للضد حيويات إلى تكيف البكتريا بحيث لا يمكن القضاء عليها، وتلك أزمة ضخمة وخطيرة في الوقت ذاته؛ ففي الولايات المُتحدة يموت شخص واحد على الأقل كل 15 دقيقة نتيجة الإصابة بعدوى بكتيرية لم تعد الضد حيويات قادرة على مقاومتها. ويتضخم العدد ليصل إلى سبعمائة ألف حالة وفاة سنويًا على مستوى العالم، وسوف يزداد العدد تضخمًا إذا لم نكن بالغي الحذر الآن!

6) خسائر فادحة في البحث العلمي الطبي:

أدت جائحة كورونا إلى تعطيل التجارب السريرية لكافة العلاجات بخلاف ما يتم تجربته للتصدي لفيروس كوفيد-19، وقد يكون هذا التعطيل مُدمرًا ومُهددًا لحياة المرضى الذين هم في أمَّس الحاجة إلى علاجات جديدة للأمراض المستعصية أو النادرة. وفي الوقت ذاته، يمكن أن يؤدي إبقاء مرضى نقص المناعة في المستشفيات على قوة التجارب السريرية إلى تعرضهم لخطرٍ الإصابة بفيروس كورونا، ومن ثم حتمية فقدانهم للحياة، وليس من السهل معرفة كيفية تحقيق التوازن الأمثل!
من جهة أخرى انخفضت نسبة الأوراق الأكاديمية المُقدمة من النساء بشكلٍ حاد نتيجة اضطلاعهم بنصيب الأسد من واجبات رعاية الأطفال بعد إغلاق المدارس، الأمر الذي يُعرقل المسيرة البحثية للدراسات النسوية في الجامعات ومراكز البحوث، وليس من الواضح ما إذا كُن سيجدن من يتقبل أعذراهن القسرية خلال فترة الحظر، مقارنةً بزملائهن من الرجال!

7) تفاقم ظاهرة التنمر والاعتداء الجسدي:

كشفت التقارير الاجتماعية خلال الجائحة عن أن كثرة من الناس الذين كانوا بالفعل أسوأ حالاً من قبل، لاسيما الفتيات والنساء، والمُشردين، والملونين، والمِثليين ومُزدوجي الميل الجنسي ومُغايري الهوية الجنسية LGBT، هم أكثر من شعروا ويشعرون بالآثار القاسية للأزمة الحالية.
لا شك أن التباعد الاجتماعي يستلزم بقاء الناس في منازلهم، لكن العُزلة المنزلية قد تكون أشد خطورةً على فئات بعينها؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً يُعاني سنويًا ما يقرب من عشرة ملايين شخص من العُنف المنزلي، وقد ازداد هذا الرقم قطعًا خلال فترة العُزلة، وتفيد تقارير الخط الساخن الوطني للعنف المنزلي أن من يُمارسون هذا العُنف يستخدمون الفيروس كذريعة لعزل أفراد الأسرة وممارسة العُنف ضدهم.
في فرنسا – على سبيل المثال – قفزت بلاغات العُنف المنزلي بنسبة 30% منذ بدء الجائحة، كما ازدادت مكالمات الخطوط الساخنة بنسبة 30% في قبرص، وبنسبة 33% في سنغافورة. وحذرت المفوضية السامية لحقوق اللاجئين بالأمم المتحدة UNHCR من أن اللاجئين والنازحين داخليًا ومعدومي الجنسية هم أكثر الأشخاص عُرضة للإيذاء البدني والجنسي! أما الذين يُكابدون قسوة التشرد فهم أكثر الأشخاص عُرضة للموت أو للإصابة بالفيروس على خلفية معاناة عديدين منهم من حالات مرضية كامنة مثل التهابات الجهاز التنفسي الكامنة، وكذلك في معية الافتقار إلى الرعاية الصحية، وعدم وجود أماكن لغسل اليدين في الشوارع. ويُقدر عدد المُشردين في الولايات المتحدة وحدها بما يزيد عن نصف مليون شخص بلا مأوى!
قد تكون المشكلة أكثر خطورة ووضوحًا في البلدان النامية التي تكثر فيها العِمالة اليومية غير المنتظمة، ففي الهند مثلاً، اضطر مئات الآلاف من العُمال المُهاجرين بعد قرار الإغلاق إلى قطع مسافات طويلة سيرًا على أقدامهم بُغية العودة إلى ديارهم، بعد أن وجدوا أنفسهم بلا عملٍ وبلا مأوى! وفي ولاية لويزيانا Louisiana الأمريكية شكَّل السود ما نسبته 70% من عدد الوفيات، وأدت تراكمات عقودٍ طويلة من العُنصرية والعبودية إلى نتائج صحية واقتصادية كارثية في ظل القمع النظامي بالولايات المتحدة، تجلت في ارتفاع نسبة الفقر وأمراض القلب والسكر وغيرها بين أصحاب البشرة السوداء، وهؤلاء بالطبع كانوا في مقدمة حصاد الموت لفيروس كورونا!
8) مأساة الحيوانات:

ربما استعادت الحيوانات البرية طبيعتها المسلوبة خلال جائحة كورونا نتيجة قرارات الحظر، لكن ماذا عن الحيوانات التي تمتلئ بها حظائر المستثمرين والمُربين؟ لقد تعرضت هذه الحيوانات لعمليات قتل جماعي مُروعة ومُخزية، إذ لم يجد رُعاتها أماكن للذبح بعد إغلاق المسالخ ومصانع معالجة اللحوم التي أصبحت نقاطًا ساخنة لانتشار الفيروس، ما دفعهم لقتلها بأنفسهم والتخلص منها! قد يعتقد البعض أن مصير هذه الحيوانات هو الموت سواء أرسلت إلى المسالخ أو قُتلت في حظائرها، لكن الأمر مختلف تمامًا، على حد تعبير «ليا جارس» Leah Garcés (رئيسة جمعية الرفق بالحيوان Mercy for Animals)، ولك أن تتخيل مقدار المأساة التي تعرضت لها هذه الحيوانات، والتي بلغت حد الجنون في الإسراف وانعدام الرحمة.
لقد فضحت الجائحة عيوب النظام الزراعي – الصناعي لحضارتنا، مثلما فضحت تراكم الانكسارات فيما يمكن أن نسميه «نُظم تخزين البشر»، وأهمها بالطبع دور المُسنين والملاجئ والسجون!

لم تشمل القائمة السابقة بؤر الصراع المسلح على مستوى العالم، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، ولا ضحايا الهيمنة لدى الدول القمعية، ولا قتلى النزاعات الطائفية، ولا أولئك الذين ألقت بهم عثرات الخدمات الحكومية المتوقفة جزئيًا في مفارق طرق الحياة. لم تتطرق القائمة أيضًا إلى تأثيرات إغلاق المدارس والجامعات في ثلاثٍ وسبعين دولة على الفئات العُمرية المختلفة، بما في ذلك توقف برامج التغذية المدرسية، وعدم تكافؤ الفرص في الوصول إلى بوابات التعلم الرقمية، وتراجع مردودات التعلم المرجوة، وارتفاع معدلات التسرب المتوقعة بعد انتهاء الإغلاق، وتعثر مسيرة البحث العلمي بصفة عامة… إلخ. كل ذلك يستدعي كثرةً من الدراسات والبحوث العاجلة والمستقبلية من قبل الجامعات ومراكز البحوث والمنظمات الدولية والمحلية قبل أن نجد أنفسنا في متاهةٍ يستغرق الخروج منها ردحًا طويلاً من الزمن!
ما نود قوله في النهاية أن حكومات العالم ومؤسساته السياسية والاقتصادية والصحية أصبحت في ورطة صنعتها بنفسها لنفسها؛ فقد روَّعت شعوبها من خطورة فيروس كورونا حتى قبل أن تُدرك أبعاد تأثيراته المُحتملة، وأطلقت لوسائل إعلامها العنان كي تُضخم من عدد ضحاياه، وهوَّلت من حجم الجائحة بما يُوحي بأن نهاية العالم باتت وشيكة، واتخذت قرارات الإغلاق الكامل أو الجزئي دون تقديرٍ مُشبع لعواقبها، ودون أن تحمل في جِعابها سُرُجًا تضيء الطريق في مرحلة ما بعد انتهاء الإغلاق؛ وحين حملتها قراراتها إلى شفا هاوية الانهيار المجتمعي – الاقتصادي إذا بها تود التراجع في خضم حالة الفزع وفوبيا الإصابة بالفيروس!
ربما كان الرأي العلمي المتفق عليه الآن أن فيروس كورونا سيستمر معنا لفترة طويلة، شئنا أو أبينا، وأننا مضطرون إلى التعايش معه تحت وطأة ظروفٍ صعبة مقبلة … وعلى من قام بتحضير العفريت وإخراجه من قمقمه أن يقوم بصرفه، وأن يبحث قبل ذلك عن غطائه المفقود!

Optimized by Optimole