عن مستقبل تركيا وإردوغان

عن مستقبل تركيا وإردوغان
Spread the love

بقلم: نشوة مريش* |
تتسارع الأحداث في تركيا على نحو سلبي لم يكن يتوقعه حتى أشد المتفائلين بأن تدخلات الرئيس رجب طيب إردوغان في عدد من دول المنطقة العربية ستترك أثرها على مستقبله السياسي وعلى دور تركيا الإقليمي.
مقربون من الرجل يتحدثون عن انه يعيش في ما يشبه الصدمة بعد الجولة الثانية لانتخابات اسطنبول البلدية(23 حزيران – يونيو الفائت). تلك الانتخابات التي كانت رسالة شعبية واضحة له شخصياً ولحزبه “العدالة والتنمية” الحاكم منذ 17 عاماً بأن المزاج التركي بدأ بالتحول وليس فقط بالتغير. وهذا طبعاً له أسباب عديدة على راسها السياسة الخارجية والتي افضت منذ عام 2011 الى ما يشبه صفر علاقات جيدة بعد أن كانت استراتيجية داوود اوغلو وزير خارجيته السابق والمنظر لحزب العدالة والتنمية هي (صفر أعداء). تلك السياسة انعكست بدورها مشاكل اقتصادية كبيرة وخطيرة على الداخل التركي.
لا أحد ينكر لحزب العدالة والتنمية، وعلى رأسه إردوغان منذ أن تولى منصب رئيس الوزراء، إنجازاته العظيمة ابتداء من عام 1997 والتي أوصلت تركيا الى مراتب عالمية عليا في السياحة والتنمية والاقتصاد والبنى التحتية عدا عن الانفتاح الإقليمي الكبير على دول المنطقة وفي مقدمتها سوريا والذي بالطبع ترجم تأثيراً حقيقياً على دورها السياسي والاقتصادي عموماً.
أما في الداخل فكان رهانه الناجح على النقلات النوعية التي حققها الاقتصاد التركي ما خوله أن يكون وجهة لأهم الاستثمارات ورؤوس الاموال الى أن حل “الربيع العربي” بكوارثه على دول وشعوب المنطقة بدأ يتضح مع الوقت تورط إردوغان وحزبه بالانقلابات والثورات المسلحة ودعم الجماعات الإسلامية المتطرفة من ليبيا الى سوريا إضافة الى جماعة الإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس والسودان.
ماذا تحقق اليوم؟ إذا ما نظرنا الى خارطة المنطقة نجد أن إردوغان لم ينجز شيئاً مما وعد به أي “صفر إنجازات”. بالطبع هذا لا يعني هزيمة فعلية ومدوية ولكن بالمجمل هو خسر كل رهاناته فلم يسقط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ولا عاد “الإخوان” الى حكم مصر وتونس وحالياً هم ينازعون في ليبيا المعقل الأخير لهم في وجه حكم العسكر والذي يعتبر عقائدياً العدو اللدود لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وصولاً الى اهتزاز ثقة الشعوب العربية إجمالاً بهم وبقدرتهم على الحكم السياسي وتولي السلطة.
سقطت جميع أوراق إردوغان الإقليمية فهو على علاقة سيئة جداً بدول الخليج العربية ماعدا قطر المحاصرة أساساً. صحيح أن إيران وروسيا لا تزالان على علاقة جيدة به. لكن هذا لن يصرف مكاسب سياسية له خارجياً وداخلياً إلا في مرحلة فشل الانقلاب عليه والذي نعيش ذكراه الرابعة على وقع استمرار الاعتقالات التعسفية وقمع الحريات والسيطرة على وسائل الإعلام والقضاء والجيش. هذا كله أوصل الى تكريس حكم الفرد والذي ينافي شعار الديمقراطية التي كان يتغنى به إردوغان قبل تعديل دستور البلاد من برلماني الى رئاسي وحصر أغلب السلطات في يده.
قد يكون الاقتصاد في كلمة السر التي تجمع أنقرة وموسكو وطهران، كون العواصم الثلاثة متشابكة جغرافياً ومرتبطة بعلاقات تجارية عميقة من تصدير للمنتجات وموارد الطاقة يصعب على أحدهم فكها أو التنصل منها. لكن هذا لا ينطبق دائماً على الميدان والسياسة وخاصة في سوريا برغم انعقاد مؤتمرات أستانا وسوتشي التي جمعتهم مراراً وتكراراً. لكن نجد النتائج أقل من التوقعات وبالتقسيط وعلى القطعة ولا تزال قضية إدلب مثالاً حياً على عدم التوافق.
التنافس على زعامة العالم الإسلامي طيلة فترة تولي إردوغان الحكم أضرت كثيراً بعلاقة أنقرة بدول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية وهي اليوم تمر بأسوأ أشكالها( لدرجة الاقتتال في الساحة الليبية علناً وبشكل شرس)، إضافة الى دعمه دولة قطر المحاصرة من بعض دول التعاون الخليجي بتهمة دعم الإخوان المسلمين في المنطقة.
الملف الكردي هاجس إردوغان الدائم والحاضر في أغلب مقابلاته التلفزيونية والشعبية والسياسية. اليوم ازداد هذا الملف أهمية بعد الحرب في سوريا ودخول واشنطن على خط العلاقة مع الكرد من خلال دعمهم لوجستياً وعسكرياً، وصولاً الى تشكيل قوات سوريا الديمقراطية والتي حققت انتصاراً كبيراً على تنظيم داعش في شرق الفرات، ما يمهد – برأي بعض المراقبين – الى فرضها لاعباً أساسياً في مستقبل سوريا الجديدة، بينما يتوقع آخرون حصول الأكراد على حكم ذاتي أو ما يشبه إقليم كردستان في العراق، الأمر الذي يرفضه إردوغان بالمطلق كونه يهدد وحدة الأراضي التركية جغرافياً وديموغرافياً ما انعكس تذبذباً بالعلاقة مع واشنطن أثناء حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما واليوم لا يزال الوضع على سوئه مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.
بالعودة الى الداخل التركي، إن انتخابات بلدية اسطنبول والتي قال عنها إردوغان شخصياً إن من يحكم المدينة سوف يحكم تركيا، هي بداية الغيث فهو خسرها مرتين في غضون 3 أشهر والفارق بالإعادة كان آلاف الأصوات لمصلحة المرشح المعارض له. وقد بدأت الاستقالات من حزبه (استقاله علي باباجان أحد أهم رجالات العدالة والتنمية). كما يحكى بالأروقة عن استقالات أخرى تلوح بالأفق تمهد لإعلان حزب جديد قد يقوده عبدالله غول رئيس الجمهورية السابق يشكل ما يشبه الانشقاق عن حزب العدالة والتنمية ورسالة واضحة رافضة لما آلت إليه الأوضاع الداخلية والخارجية لتركيا طيلة فترة تفرد إردوغان بالحكم.
كل ما تقدم لا بد أن يدفع إردوغان الى القيام بمراجعة شاملة وحقيقة وصادقة لسياسته تفضي الى مصالحات أو تحالفات جديدة إذا ما أراد فعلاً إنقاذ ما تبقى من مستقبله السياسي، وإلا فإن تركيا على أعتاب مرحلة غامضة من التخبط والاضطرابات قد تستوجب انتخابات رئاسية مبكرة لن تكون لمصلحة إردوغان أول وآخر السلاطين الجدد.

*كاتبة سورية.

Optimized by Optimole