عقبات الحوار الإسلامي – المسيحي

عقبات الحوار الإسلامي – المسيحي
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم* — شهد الحوار الإسلامي – المسيحي مئات المؤتمرات واللقاءات خلال العقود الستة الأخيرة، لكن النتائج التي تمخض عنها لا تزال تعتبر قليلة وغير فاعلة. فما يصدر من قرارات وتوصيات عن هذه المؤتمرات واللقاءات غير ملزمة للحكومات في العالمين الإسلامي والمسيحي الغربي. مع ذلك ساهمت هذه الحوارات في كسر جليد العداء بين المسلمين والمسيحيين، الذي كرّسته الفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية ومن ثم الغزوات الاستعمارية الغربية للدول الإسلامية.
ولا شك أن قرار المجمع الفاتيكاني الثاني الذي أقرّ “عقيدة خلاص غير المؤمنين” في تشربن الأول – أكتوبر 1965م، قد أكد على “أن جميع الشعوب يؤلفون جماعة واحدة، حيث تمت مناقشة النظرة إلى الأديان الأخرى، وأشار إلى الإسلام معتبراً أن أتباعه يعبدون الإله الواحد ويسعون بكل قواهم للخضوع لقراراته، أما الذين لم تبلغهم رسالة الإنجيل فهم مُوجَّهون نحو الله. لقد أقرت وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني عقيدة خلاص غير المؤمنين، فاعتبر أن غير “المؤمنين” المسيحيين يدخلون في تعداد شعب الله سواء اليهود أو المسلمين أو الوثنيين وإن الخلاص في متناول أيدي الجميع.
وتعتبر هذه الخطوة تطوراً مهماً رؤية الكاثوليكية المسيحية لعقيدة الخلاص التي كانت سابقاً لا تجد أي خلاص للإنسان إلا في الإيمان بالمسيح كمخلص، حيث رأى الفاتيكان أن الخلاص هو في متناول جميع من هم من ذوي الإرادة الحسنة، وأن أولئك الذين ينتمون إلى الديانات غير المسيحية، “هم أيضًا يملكون حقائق وعندهم كنوز.. وهناك أناس يتجهون صوب الله من نواحي شتى..، وأيضاً أولئك (المسلمون) الذين يعترفون بالخالق ويؤمنون إيمان إبراهيم، ويعبدون الإله الواحد الذي سيدين البشر في اليوم الأخير”.
ولا شك أن المسيحية لم تكن تعترف بالإسلام كديانة سماوية قبل العام 1965، بينما إعترف الإسلام باليهودية والمسيحية كديانتين سماويتين، من أهل الكتاب، منذ بداية نزول الوحي على الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن صحح القرآن بعض عقائدهم في ألوهية المسيح وصلبه ووحدانية الله.
لكن ثمة اتجاهاً لدى بعض الكنائس البروتستانتية الأنغليكانية للإعتراف بوجود الوحي الإلهي عند غير أنبياء العهد القديم، مثل الوحي الذي نزل على النبي محمد(ص).
لا شك أن لا تأثير للجدل اللاهوتي الإسلامي – المسيحي في الحوار بين ممثلي الديانتين، فهو لن يقدم ولن يؤخر حيث أن كل طرف مؤمن بعقائده ومتمسك بها ولن يقنع الطرف الآخر بتغييرها. وليس هذا هو الهدف من الحوارات، إنما الهدف هو خلق مساحات التفاهم والتعاون والتعايش بين المسلمين والمسيحيين حيث اجتمعوا سواء في الشرق أو الغرب.
وأساس هذا العيش المشترك والتعاون لمصلحة المواطنين جميعاً والبشرية جمعاء، أساسه الاعتراف بالآخر وعدم شيطنته والقبول به شريكاً في المواطنة وأخاً في البشرية، وعدم اللجوء إلى العنف والاضطهاد والقمع والتمييز العنصري والديني ضد أي من أتباع الديانتين في أي بلد مسلم كان أم مسيحياً.
ولعل تطور الحوار الإسلامي – المسيحي في الشرق بين المسيحيين العرب والمسلمين العرب أهم وأولى من الحوار مع مسيحيي الغرب، برغم ضرورة الحوار الأخير. فالعالم العربي هو مهد الأديان السماوية والحفاظ على المسيحيين فيه ضرورة وواجب، انطلاقاً من التعاليم القرآنية والنبوية التي منحت الآمان لأهل الكتاب في العيش في كنف الخلافة الإسلامية، يقومون بممارسة عباداتهم في كنائسهم وأديرتهم ويعيشون مع المسلمين في القرية الواحدة والزقاق الواحد.
وإذ ينبغي منع استهداف المسيحيين العرب والمشرقيين من قبل التنظيمات الإرهابية المتطرفة كتنظيم داعش والقاعدة وغيرهما وحماية كنائسهم وأديرتهم ورهبانهم في العراق وسوريا ولبنان ومصر وفلسطين، يجب على المسيحيين وخصوصاً في الغرب المسيحي، رفض أي شكل من أشكال اضطهاد المسلمين وقتلهم وغزوهم من قبل الدول الغربية، كما حصل في أفغانستان والعراق، لعدم خلق مادة للتحريض الطائفي.
كما ينبغي على المسيحيين العرب والمشرقيين رفض أي محاولة غربية أو إسرائيلية لتحريضهم على الانفصال عن المسلمين في كيان خاص سواء في مصر أو العراق أو سوريا أو لبنان. فهذه الدعوات تؤجج العداء لهم وتبرر للمتطرفين المسلمين استهدافهم بذريعة تقسيم البلدان الإسلامية والتعاون مع المؤامرات الغربية.
ولا شك أن مسيحيي الشرق وخصوصاً العرب منهم يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين لهذه البلاد قبل الفتح الإسلامي، ويذهب بعض المتطرفين منهم إلى اعتبار المسلمين غزاة ومحتلين، برغم أن معظم المسلمين في الدول التي دخلها الإسلام قد دخلوه طوعاً وإيماناً، إذ لم يفرض المسلمون الإسلام على أهل الكتاب، بل اكتفوا منهم بدفع الجزية. بل ذهب بعض الولاة إلى تفضيل بقاء أهل الكتاب على دينهم وعدم إسلامهم حتى يدفعوا الجزية وذلك لدوافع مالية واقتصادية نفعية وليست دينية.

*رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.

المصدر: موقع حوارات
www.hiwarat.net

Optimized by Optimole