الحرب على عفرين: سيناريو “كوباني” يلوح

الحرب على عفرين: سيناريو “كوباني” يلوح
Spread the love

بقلم: مصطفى عبدي* — تصاعدت نبرة التهديدات من قبل المسؤولين الأتراك باجتياح مدينة عفرين التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية شمالي مدينة حلب السورية، بالتزامن مع حشود تركية في ولاية كلس ودخول تعزيزات عسكرية جديدة تمركزت جنوبي وغربي إعزاز، شملت مدرعات ودبابات، وعربات عسكرية ثقيلة وإرسالها تعزيزات إلى ريف إدلب عبر معبري باب الهوى وباب السلامة الحدوديين فيما بدا أن عملية عسكرية ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية تلوح في الأفق.
صحيفة حرييت التركية تحدثت عن إرسال 7 آلاف جندي تركي مع “الجيش الحر” السوري المعارض إلى ولاية كلس لبدء المرحلة الثانية من عملية “درع الفرات” في سوريا تحت اسم “سيف الفرات” ضد الوحدات الكردية في عفرين وريفها. تركيا التي لا تتوقف عن الإعراب عن مخاوفها المتكررة من إقامة كيان كردي شمالي سوريا وتعتبره تهديداً على أمنها القومي، ولاسيما بعد نجاح الكرد في السيطرة على مناطق واسعة من الشمال السوري، تشمل معظم أجزاء محافظة الحسكة (شمال شرق سوريا) وتمتد إلى محافظة الرقة وحتى مدينة منبج في ريف حلب (غرب الفرات)، فضلا عن منطقة عفرين (شمال غرب البلاد).
كما وأن المدفعية التركية تواصل منذ أسبوع استهداف القرى الحدودية ومواقع “وحدات حماية الشعب” الكردية في جنديرس وقلعة سمعان، وجبل برصايا والشيخ عيسى ومرعناز وتل رفعت وسد الشهباء، شرقي عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي.
واضح أن تركيا ترغب في السيطرة على المناطق الممتدة من جنوب أعزاز وصولاً إلى كفرنايا مروراً بنقاط استراتيجية مثل عين دقنة وتل رفعت، مع الأخذ في الحسبان تضييق الخناق على عفرين. وعلى الرغم من أنّ التصعيد التركي (قصفاً وتصريحات) في ما يخصّ مناطق نفوذ الأكراد في سوريا ليس أمراً جديداً، غير أن التصعيد التركي الأخير ينذر بحرب شاملة قد تغامر تركيا في خوضها ولا سيما بعد أن فشلت ضغوطات مارستها على الولايات المتحدة، وتنازلات قدمتها لروسيا في مقابل وقف تخليهم عن الكرد.
المخطط التركي يلحظ في المرحلة الأولى أهمية السيطرة على المناطق الممتدة بين أعزاز وعفرين، ما يعني الوصول إلى التخوم الشرقية لمدينة عفرين، ليكتمل بذلك وضع المدينة في قوس حصار من الشرق والشمال (حيث الحدود التركية). وتتزايد المخاوف الكردية من هذا المخطط بالتوازي مع تصاعد الحديث عن قرب دخول قوات تركية إلى محافظة إدلب في إطار تفاهمات «مناطق خفض التوتر». وهنالك «خطط تركية لفتح الطريق بين ريف حلب الشمالي وريف حلب الغربي بعد السيطرة على قرى جنوب عفرين وشمال نبّل والزهراء، ما يعني بالتالي عودة الخطر ليحوم حول حلب نفسها».
وكانت “قوات سوريا الديموقراطية” قد حذرت تركيا من مواجهة عسكرية “قوية ومفتوحة”، في حال تجاوزت أنقرة الخطوط المرسومة في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، وقال إنها اتخذت قرارًا بمواجهة القوات التركية إذا هي حاولت تجاوز الخطوط المعروفة في منطقة عفرين”.
وبالعودة الى تسلسل الأحداث في شمالي وغربي حلب، نلحظ تعقد خريطة سيطرة القوى المتصارعة والدور التركي السلبي فيها، ولا سيما وأن أهداف الأخيرة دائماً ما تركز على استهداف الكرد، فتنظيم داعش ظل لعامين يسيطر على مساحات واسعة على حدوده بدءاً من شرقي أعزاز وحتى جرابلس ومنبج من دون أن تتحرك تركيا لمواجهته، وجاء تحركها فجأة بعد نجاح “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) من تحرير منبج وإعلانهم عن مخطط لتحرير جرابلس وماهو دفع تركيا إلى دخول المدينة من دون قتال بعد اتفاق مسبق قضى بانسحاب مقاتلي تنظيم “داعش”.
ولعل تزامن التصعيد العسكري التركي ضد “قسد” في ريف حلب، وهي التي تخوض حرباً كبرى ضد تنظيم داعش لاستعادة مدينة الرقة – عاصمة خلافة داعش المزعومة – سيكون له نتائج في تعطيل هذه المعركة، خاصة وأن آلاف المقاتلين من “جيش الثوار” و”لواء الشمال الديمقراطي” قد أخلوا مواقعهم في ريف عفرين وتوجهوا إلى الرقة لدعم حملة تحريرها.
الحرب على عفرين لم تتوقف منذ خمس سنوات، وهي تتشابه مع ما جرى في مدينة عين العرب (كوباني) حيث تناوبت مختلف الفصائل المدعومة تركياً على محاولة احتلالها بداية من “الجيش الحر”، وثم “جبهة النصرة”، وآخرها “داعش”.
الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة في مدى قدرتها على توحيد وتركيز جهود شركائها ضد الحرب على “داعش” وعدم الانشغال بحروب أخرى قد تعقد الوضع المعقد أصلاً ولا سيما بعد التوغل التركي في سوريا، وخاصة وأن الوضع في عفرين أصبح مرتبطاً بشكل كلي مع معركة الرقة وبالوضع في مناطق نفوذها غربي الفرات.

الحياة داخل عفرين:
تقول مصادر “وحدات حماية الشعب الكردية” أن الحياة داخل عفرين تسير بطريقة منظّمة، حيث تحاول الإدارة بمؤسساتها وهيئاتها المتشكلة متابعة شؤون الحياة، وتحاول قدر المستطاع مساعدة الناس في احتياجاتهم اليومية بالحد الأدنى، فثمّة منظمات ومؤسسات تقف على تنظيم الخدمات وتدبير احتياجات عوائل الشهداء، والنازحين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتحريك عجلة القطاع التعليمي، والقطاع الصحي، وتحسين مستوى الأمن عبر عناصر الشرطة الكردية «الاسايش» وإحالة معظم القضايا الشائكة إلى المحاكم المحلية.
وقد تمّ إنشاء الهيئات والمؤسسات الخدمية بما يملأ شتى جوانب وقطاعات الحياة بإمكانات متواضعة، حسب احتياجات المجتمع .
لكن المدينة ترزح تحت ظروف قاسية، نتيجة الحرب التي لم تتوقف على حدودها منذ أربع سنوات والصراع الدائر في حلب وإدلب وريفيهما. فالحصار الخانق الذي فرضته النظام السوري أولاً وثم التشكيلات الإسلامية “المعارضة” بالتعاقب، معطوفاً عليه الدور التركي السلبي والرافض لأي صعود لحزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي، وهو الموقف الذي ينسجم مع وجهة نظر “الائتلاف الوطني السوري” المعارض الرافض لكيان «الإدارة الذاتية»، والذي يعتبره مشروعاً انفصالياً، في الوقت الذي يشدد المسؤولون الكُرد على أنهم يسعون إلى ترسيخ سوريا ديموقراطية موحدة ومتنوعة في آن، ويعملون لتعميم نموذجهم لسوريا المستقبل.
تقع مدينة عفرين على الشريط الحدودي مع تركيا، مفتقرة إلى معابر رسميّة، وتؤكد الإدارة الكردية أنه «كان بإمكان الحكومة التركيّة التخفيف من آثار الحصار والحرب» والاستجابة للنداءات المحلية والدولية بفتح المعابر، وممرات إنسانية تُسهّل حركة المدنيين والمواد الغذائية والتجارية ولا سيما وأنه يسكن عفرين نحو نصف مليون نازح هربوا من مناطق القتال في حلب وإدلب ومختلف المدن السورية منذ بداية الأزمة. وخلال العام الأخير وصلها بحدود 80 ألف نازح هاربين من ريف حلب الشرقي والجنوبي. زد على ذلك تشديد حرس الحدود التركي الرقابة على جميع المسالك غير الرسمية والتي تعتبر نافذة وحيدة أمام الناس، ولا يتوانى الجنود الأتراك عن إطلاق النار على من يحاول اجتياز الحدود، حيث تم توثيق 39 حالة وفاة للاجئين حاول دخول الأراضي التركية، و«كأن تهريب الاحتياجات الحياتية أخطر من إدخال الأسلحة والجهاديين».

*كاتب كردي سوري.

Optimized by Optimole