بعد بوتفليقة: حسابات التحالف والانتصار

بعد بوتفليقة: حسابات التحالف والانتصار
Spread the love

بقلم: غانم لولاسي* —

الجزائر تعيد اكتشاف نفسها. بعد استقالة رئيس الجمهورية انطلقت شعلة الأولمبياد نحو ملئ الشغور الرئاسي بين ثلاث قوى متنافسة -الحراك الشعبي والجيش الشعبي والمعارضة – فالمشهد السياسي يبدو لأول مرة بعد استقلال الجزائر مثقلا بتركة من الدساتير المتداخلة والتي حبكت خيوطها من لمسات النظام السابق وهذا ما أفرز بعدا جدليا نحو تطبيق خارطة الطريق للانتقال السلمي الديمقراطي ومرور السلطة بسلاسة الى عرين الجمهورية الثانية المنشودة، فالمادة 102 من الدستور تحيل انتقال السلطة الى رئاسة مجلس الأمة وهو أحد غرفتي البرلمان وهذا بعد ثبوت المانع بأغلبية ثلثي أعضائه والذي تهيمن عليه أحزاب الموالاة ، وهذه المشهدية تختلف كليا ودستوريا عن المادة 7 و8 من الدستور الجزائري والتي تنيط السلطة التأسيسية للشعب وحتى اختيار عناصر الدستور تناط للشعب باعتباره المصدر الرئيسي والأوحد في صياغة الدساتير.

وبناءً عليه، فإن مفهوم “الانتقال الديمقراطي” يشير من الناحية النظرية إلى مرحلة وسيطة -تشهد في الأغلب الأعم مراحل فرعية- يتم خلالها تفكيك النظام غير الديمقراطي القديم أو انهياره، وبناء نظام ديمقراطي جديد.

وعادة ما تشمل عملية الانتقال مختلف عناصر النظام السياسي مثل البنية الدستورية والقانونية، والمؤسسات والعمليات السياسية، وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية…إلخ. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية قد تشهد صراعات ومساومات وعمليات تفاوض بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين، وحسب كثير من الأدبيات السابقة، فإنه يمكن اعتبار عملية الانتقال الديمقراطي قد اكتملت متى ما توفرت عدة مؤشرات منها: وضع ترتيبات دستورية ومؤسسية بالتوافق بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين بشأن النظام السياسي الجديد وبخاصة فيما يتعلق بإصدار دستور جديد، وتشكيل حكومة من خلال انتخابات عامة تكون حرة ونزيهة، على أن تمتلك هذه الحكومة القدرة والصلاحية على ممارسة السلطة وإقرار سياسات جديدة تعكس حالة الانتقال إلى الديمقراطية، فضلا عن عدم وجود قوى أخرى تنازع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية صلاحياتها واختصاصاتها، والعبور السلمي الديمقراطي في الجزائر ليست ببدع من التجارب الرائدة في الانتقالات الديمقراطية.

وبعد كسب الحراك الشعبي لجولته الأولى في إنهاء العهدة الخامسة لجماعة الجهاز الرئاسي، تتشكل في الجولة الثانية قوة أخرى منافسة للحراك ألا وهي مؤسسة الجيش والتي لطالما كانت تحافظ على برتوكالات صارمة منذ 1962 في طبخ المشهد السياسي خلف الستار المدني، وتعيين الرؤساء، فالرئيس الهواري بومدين والشاذلي بن جديد واليامين زروال كانوا وزراء دفاع. وحتى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أتى إلى الحكم باتفاق عسكري، وقيادة الجيش الأن تحرص على أن يكون الرئيس القادم متوائما ومتناغما معها لكي لا يفقدها الميزتين الرئيسيتين وهما الحصانة من أي مسألة مدنية للفترة السابقة وثانيا عدم مناقشة ميزانية الجيش أمام البرلمان الشعبي. وهذا ما سوف يجعل المشهد السياسي القادم عرضة للتجاذبات والإستقطبات الحادة بين حراك شعبي سلمي منظم وحضاري يسعى أن يكون الرئيس المقبل في خدمة واسترضاء الشعب ويحصر دور قيادة الجيش في دفع المخاطر الخارجية، ويجعلها خاضعة للسلطات المدنية المنتخبة، تحاسبها على أدائها ومصروفاتها وبين قيادة للجيش خرجت من معركة إسقاط بوتفليقة قوية ومهيمنة على عدة مكاسب أبرزها:

*أسهمت في تحقيق جزء من مطالب الحراك الشعبي في إقالة الرئيس بوتفليقة وعلى اثر ذلك كسبت تعاطفا شعبيا في أوساط شرائح شعبية واسعة.

* التبرير الضمني بالتدخل في الشأن السياسي معللة ذلك باحترام الدستور وقد نجحت فعلا بإنهاء تعنت عصبة الرئاسة والمطالبة بتنحي بوتفليقة فورا دون الرجوع الى المجلس الدستوري المخول للفصل في صلاحية الرئيس ، وهذا ما يثير ويجري في النفس مجرى الإرجاف من أن تستند قيادة الجيش مستقبلا على هذا التقليد في تبرير تدخلها في الشأن السياسي.

* ملاحقة أوليغارشية الجهاز الرئاسي من كيانات استخباراتية و أذرع مالية وتوقيف عدد منهم قد يقطع أما أي تكتلات من شأنها أن تعيق المشاريع المالية لقيادة الأركان.

*وقوف القوى المنهارة حليفة النظام السابق بالأمس الى جانب قيادة الأركان والاحتماء بها، مما يعطيها نفوذ لابأس به.

*ظهور بعض القنوات الإعلامية طيلة فترة الحراك وتركيزها على خطاب قيادة الأركان ومهاجمتها لأي طرح سلمي يكون مناقض أو مغاير في المضمون مما يفتح الباب على تخوين أي جهة مغايرة لقائد الأركان وبالتالي الإيحاء على أن البديل الديمقراطي لا بد أن يخدم مصالح الجنرال.

رهانات الحراك الشعبي الجزائري
يمتاز الحراك الجزائري بقوة كرونولجيته مع الأحداث المتغيرة، وكسره لجميع مناورات السلطة وقد استطاع أن يظفر من المعركة السياسية مكاسب كبيرة أهما إيقاف العهدة الخامسة وقطع التمديد ودفع بوتفليقة إلى الاستقالة وهذه النجاحات كفيلة بإشعال وقود العزيمة والصمود في الساحات والمنابر العامة لاستكمال مشروع التطهير إضافة إلى ذلك اتساع رقعته العددية والجغرافية مما يحصنه من أي مصادرة أو قمع تلجأ إليه أدرع وفلول النظام السابق حتى وصل الأمر إلى انضمام شخصيات حزبية وسياسية متهاوية من السلطة إليه.

وقد استطاع هذا الحراك الشعبي أن يخلق توازنات على جميع الأصعدة فمؤسسة الجيش أبدت ارتياحا كبيرا في التعاون الذي ابدأه الحراك امنيا واجتماعيا والأهم من ذلك استناد السلطة العسكرية في خطاباتها الأخيرة إلى الحراك من أجل المطالبة دستوريا بتنحي رئيس الجمهورية عن السلطة. وهذا يضفي أن يكون الحراك هو المرجعية الدستورية في كل إجراء قانوني من شأنه تقوية الحراك وجعله عمليا الفيصل في كل القرارات المفصلية. ولذلك توجب على الحراك وبخطوة عاجلة أن يفرز الهياكل السياسية من أجل مفاوضة ومنافسة القوى السياسية، ولأن الوقت لم يعد كافيا في يتعلق بالاستحقاقات الاقتصادية قبل نهاية السنة وأيضا وقف نزيف المال الفاسد وسد فجوة الصفقات المشبوهة.

وكلما أفرز الحراك ممثليه وهياكله بشكل سريع تبددت أماني المرجفين والذي يراهنون على انسحابه وإحباطه أو تفرّقه عبر أحزاب سياسية وعليه لابد من ضمانات وتعاقد جدري يستشرف التوافق بين الحراك الشعبي ومؤسسة الجيش على قاعدة المكاشفة القانونية،….

وحدها صلابة الحراك الشعبي وتنوعه الطيفي والمجتمعي واستجماعه لمقومات الجزائر الحديثة، و ما ان يظل هذا الزخم وقادا ومتماسكا سيضفي طوفانه على جميع المؤسسات السيادية وتكون عرضة للتغير الجدري بما فيها مؤسسة الجيش.

*إعلامي وباحث جزائري.

Optimized by Optimole