مأزق «كتارا»

مأزق «كتارا»
Spread the love

بقلم: عبده وزان — أبدت إدارة جائزة كتارا للراوية العربية سروراً كبيراً إزاء بلوغ عدد المشاركين في دورتها الراهنة 1144 روائياً، ما يعني ازدياد 140 متبارياً عن الدورة السابقة. هذا الرقم هو فعلاً مدعاة لاعتزاز كتارا بنفسها في غمرة التنافس الذي تشهده الجوائز العربية الآن. وقد يجعل الرقم المتضخم هذه الجائزة في مقدم الجوائز العالمية نظراً الى غزارة الإقبال على الترشح اليها. وهو دليل على استحواذ كتارا على اهتمام الروائيين المخضرمين والجدد والناشئين، وعلى قدرتها السحرية في اذكاء حماسة المتبارين وفي إيقاظ المواهب وكشف ما ستر منها. لكنّ هذا «التضخم» بدا اشبه بـ «عالّة» أو عبء على كتارا وإدارتها وأوقعها في مأزق ليس سهلاً الخروج منه. أي لجنة تحكيم ستتمكن من قراءة هذا العدد الهائل من الروايات؟ ولو افترضنا ان لجنة التحكيم تتألف عادة من خمسة اعضاء او ستة فهذا يعني ان على كل محكم ان يقرأ نحو 220 رواية بين منشورة ومخطوطة. ومن المستحيل فعلاً على ناقد ان يقرأ هذا العدد من الروايات وأن يكون عادلاً ومصيباً في احكامه النقدية واختياراته. ومن المفترض وفق قوانين الجوائز ان تقرأ لجنة التحكيم (كلها) الأعمال المرشحة كي تتمكن من مناقشتها والتحاور حولها واختيار ما يستحق الفوز منها. ومن المستحيل ايضاً ان تتمكن اللجنة (كلها) من قراءة هذا الكم الرهيب من الأعمال. سيحل ظلم وقد يكون فادحاً، وقد تبرز هنا لعبة الحظ، كأن تُهمل روايات مهمة ويُغض الطرف عنها فتسقط من القوائم بينما تفوز روايات تبعاً لأسماء أصحابها او أخرى لا تستحق الفوز.

1144 رواية يجب ان تختار لجنة التحكيم منها خمساً من فئة الروايات المنشورة وخمساً من الروايات المخطوطة، ما يعني ان 1134 رواية ستعاكسها امزجة لجنة التحكيم فتسقط في المباراة وتخيب أحلام اصحابها في الحصول على مبلغ الستين ألف دولار هنا ومبلغ الثلاثين ألفاً هناك. وفي الحصيلة يقع عبء خسارة المتبارين على عاتق إدراة الجائزة اولاً ثم على عاتق المحكمين الذين لا يمكنهم ان يكونوا عادلين امام هذا الكم من الروايات التي تستحيل قراءتها كلها وربما نصفها او ربعها او أقل…

لعل مأزق جائزة كتارا يقع اولاً وأخيراً في الآلية التي اعتمدتها الإدارة ليتم العمل من خلالها، ترشيحاً وتحكيماً. النيات طيبة حتماً وفكرة مكافأة الأعمال المخطوطة فكرة بديعة، وبها حققت كتارا بادرة غير معهودة مبدئياً في العالم العربي، تتيح الفرصة امام روائيين شبان وجدد كي ينشروا اعمالهم وينالوا مقابلها جائزة ذات قيمة مادية جيدة. انها احدى حسنات كتارا فعلاً. اما «البازار» الكبير أو المفتوح الذي تفردت به كتارا فهو الذي اساء اليها وإلى مشروعها. فتحت الجائزة ابوابها على مصاريعها امام جميع الروائيين وأشباه الروائيين من دون استثناء او غربلة وأمام كل ما كتب في حقل السرد الروائي وأياً يكن، حقيقياً او مزيفاً، ومن غير شروط او معايير. اكتبوا وارسلوا. اكتبوا وانشروا وارسلوا. جربوا حظكم…300 مئة الف دولار للروايات الخمس الفائزة و150 الف دولار للمخطوطات الخمس الفائزة ايضاً.

مأزق جائزة كتارا يمكن اختصاره في ما يسمى هاجس «غينيس»، هاجس الضخامة والأرقام القياسية. هذا الهاجس سيطر على اهداف الجائزة النبيلة التي تسعى فعلاً الى دعم الروائيين على اختلاف أجيالهم.

هل في العالم العربي حقاً 1144 روائياً؟ هل استطاعت دور النشر او لنقل المطابع اصدار 1144 رواية خلال سنة؟ هل تمكنت الصفحات الثقافية العربية من رصد حركة هذا الإبداع او الإنتاج ولأقل «التفقيس»؟ من هم هؤلاء؟ أين يقيمون؟ كيف يكتبون وماذا؟

مثلما يبدو هذا الرقم مدعاة للاعتزاز والفخر لدى ادارة الجائزة فهو يغدو في الحين نفسه مثار قلق وشك وظنّ لدى القراء كما لدى النقاد وأهل الإعلام. وما إن اعلن هذا الرقم حتى شاعت في عالم الإنترنت والفايسبوك موجات من السخرية والتفكهة و «القيل والقال» … إنها فرصة للتندر وإطلاق النكات ولو بدا بعضها سمجاً.

إلا أن جائزة كتارا تظل واحدة من الجوائز المهمة في العالم العربي مهما اعتراها من ثغرات، وأمام إدارتها الآن أن تعيد النظر في نظامها وفي آلية الترشح والتحكيم كي تبعد عنها شبهة الوقوع في فخ «غينيس».

المصدر: صحيفة الحياة

Optimized by Optimole