يهود البلاد العربية

يهود البلاد العربية
Spread the love

مراجعة: محمد يسري أبو هدور–

ولدت المؤلفة خيرية قاسمية في حيفا سنة 1936، وحصلت على دكتوراه في تاريخ العرب الحديث والمعاصر من جامعة القاهرة.
عملت الدكتورة خيرية قاسمية كمستشارة بقسم الوثائق في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، ومحاضرة في معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة، ومن مؤلفاتها:
· النشاط الصهيوني في المشرق العربي وصداه (1908-1918).
· احمد الشقيري، زعيماً فلسطينياً ورائداً عربياً.
· مذكرات القاوقجي.
· العلم الفلسطيني.
· المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربي المحتلة منذ عام 1967.
· الصراع العربي الإسرائيلي في خرائط.

في هذا الكتاب، تتناول المؤلفة عدداً من الموضوعات المتعلقة بيهود البلاد العربية، وأحوالهم وأوضاعهم في بلادهم الأصلية قُبيل حرب فلسطين في عام 1948، وكذلك تناولت أوضاع اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين، وعاشوا في دولة الكيان الصهيوني.
وقد عملت المؤلفة على تناول الأوضاع المختلفة لليهود، فناقشت أحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادهم وبعد هجرتهم. كما ركزت على مناقشة قضية اندماجهم في مجتمعهم الجديد، والكيفية التي تقبلتها بهم العناصر الأشكنازية اليهودية ذات الأصول الأوروبية.

أوضاع اليهود في البلاد العربية قبل هجرتهم لفلسطين
تبدأ المؤلفة الكتاب باستعراض تاريخ اليهود في فلسطين والشرق الأدنى، فتمر على المحطات الرئيسية المهمة، مثل ظهور النبي إبراهيم وانتقال يوسف وأخواته إلى مصر، ثم خروج بني إسرائيل منها على يد موسى، ودخولهم في التيه، ثم غزوهم لفلسطين واستقرارهم فيها، وتدشين عصر المملكة حتى انقسامها إلى مملكتين منفصلتين، وهما مملكتا إسرائيل ويهوذا. وتتعرض بعد ذلك لتبيان العلاقة المتوترة التي نشأت بين المملكتين والقوى الكبرى الموجودة في المنطقة، مثل مصر وبابل وأشور، وهو الأمر الذي أدى إلى تدمير إسرائيل ومن بعدها يهوذا، ووقوع السبي البابلي، حيث اقتيد اليهود إلى بابل عاصمة الملك نبوخذ نصر وبقوا هناك حتى أعادهم الملك الفارسي كوروش الأول إلى وطنهم بعد أن تمكن الفرس من إسقاط الدولة البابلية.
وبعد ذلك تتطرق المؤلفة لأوضاع اليهود في العصر الهلنستي والعصر الروماني، فتذكر أهم الثورات التي قام بها اليهود ضد الرومان، ثم تعرّج المؤلفة على أحوال اليهود في العصر الوسيط، وكيف كانت علاقتهم بالمسلمين الذين سيطروا على أقاليم ودول الشرق الأدنى في القرن السابع الميلادي، وتتدرج في هذه التوصيفات حتى تصل في نهاية المطاف لشرح أحوال اليهود في ظل الدولة العثمانية بعد سقوط الخلافة في عام 1924.
بعد ذلك تخصص الكاتبة جزءاً كبيراً من كتابها لمناقشة أوضاع اليهود في الفترة الزمنية القصيرة التي سبقت هجرتهم إلى فلسطين، فتبدأ بيهود العراق، فتؤكد على أن الاحتلال البريطاني للعراق قد ساعد على تطور الطائفة اليهودية التي أظهرت ولاء تاماً له، حيث عمل الكثير من اليهود كموظفين في الحكومة. كما أن بعضهم قد عمل كمورّدين لتزويد معسكرات الجيش البريطاني بحاجاته من الأطعمة، مما أدى إلى تحقيقهم لمكاسب مادية كبيرة.
وتؤكد الباحثة قاسمية على أن اليهود كانوا يعيشون في العراق كسكان أصليين وليس كرعايا دول أجنبية، ومما يؤكد ذلك أنهم قد اعتادوا على التحدث باللغة العربية أو باللغة الكردية في المناطق التي يقطنها الأكراد. ومما يدل على صحة ما ذهبت إليه المؤلفة، ما ذكرته من كون معظم اليهود العراقيين في مرحلة ما قبل الهجرة إلى فلسطين قد واظبوا على استعمال الأسماء العربية مثل فيصل وغازي، ولم يلجأوا إلى التسمي بالأسماء التوراتية إلا في أضيق الحدود.
وتؤكد المؤلفة على الدور الكبير الذي لعبه اليهود في الاقتصاد العراقي في تلك الفترة، فقد كانوا يمارسون الكثير من المهن الحرة مثل الطب والصيدلة. كما أنهم قد احتكروا عدداً من الصناعات البسيطة مثل صناعة الأثاث والأحذية والأخشاب والأدوية والأقمشة والتبغ والجلود وغيرها، ولعلنا من الممكن أن نفهم حجم وتأثير اليهود في الاقتصاد العراقي، إذا عرفنا أن أعضاء اللجنة الإدارية لغرفة إدارة بغداد خلال السنة المالية 1935-1936، والبالغ عددهم 18 عضواً كان منهم 9 أعضاء من اليهود.
وفي الفترة بين عامي 1942-1945، حدث انتعاش اقتصادي كبير في الأسواق العراقية، وكان ليهود العراق نصيب وافٍ منها، مما لم يشجع معظمهم على الهجرة إلى فلسطين، أو الانتماء إلى تنظيمات الحركة الصهيونية الناشطة في العراق، ولكن في عام 1948 تم التضييق على اليهود بشكل ملحوظ، حيث تم إلغاء بعض الرخص الممنوحة لهم بخصوص الاستيراد والتصدير وحظر عليهم إجراء التحويلات المالية المختلفة.
في 10/3/1951، قامت حكومة نوري السعيد بسن قانون يقضي بتجميد جميع الأصول التي يمتلكها أي يهودي سجّل إسمه للهجرة إلى إسرائيل، وتم وقف كل معاملات التسجيل التي يكون اليهودي طرفاً فيها، وتم سن بعض القوانين والتي بموجبها تم سحب الجنسية العراقية من أي يهودي هاجر إلى فلسطين.
بعد ذلك تنتقل المؤلفة للحديث عن يهود سوريا، فتذكر أن اليهود هناك قد توزعوا على ثلاث فرق كبيرة، وهي: اليهود الربانيون، وهي أكبر الطوائف الثلاثة عدداً، وكان منها العديد من ذوي المناصب الكبيرة، واليهود القراؤون ويهود السامرة. وتؤكد قاسمية على أن اليهود قد عاشوا في سوريا مثلهم مثل المسلمين أو المسيحيين، واشتهرت منهم الكثير من العائلات مثل عائلة إسلامبولي وهراري والحمرا وفويرني والبقاعي وساسون وجاجاتي وغيرها.
وتذكر المؤلفة أن جميع الدساتير السورية التي تم إعلانها بعد الاستقلال، كانت تضمن لليهود حقوقاً متساوية مع الحقوق التي كفلتها لكل من المسلمين والمسيحيين السوريين، كما أن الكثير من النواب اليهود قد استطاعوا الدخول إلى مجلس النواب السوري، ومنهم على سبيل المثال يوسف لنيارو، ووحيد مزراحي، وعزرا أزرق، ورحمو نهاد.
ولكن مع ذلك، تؤكد قاسمية على أن العلاقة ما بين اليهود وباقي أطياف الشعب السوري قد شهدت بعض من التوترات، ففي عام 1925 وأثناء الثورة التي قام بها السوريون ضد الحكم الفرنسي، حدث أن تعرض المسلمون للحي اليهودي في دمشق فنهبوا المحلات التجارية وأضرموا فيها النيران، وأُختطف بعض اليهود أيضاً.
وبعد أن حصل السوريين على الاستقلال في عام 1946، وكثرت التظاهرات المعادية للصهيونية، وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 1947، زادت حدة الهجمات المعادية لليهود في سوريا واندفعت الجموع الغاضبة في حلب إلى الحي اليهودي فأحرقت معظم الكُنس فيه، كما جرى تحطيم العديد من المحلات التجارية والمنازل.
وفي فبراير شباط من عام 1948، زرع عدد من القنابل في الحي اليهودي في دمشق، وفي 1949 قُتل العشرات من اليهود في هذا الحي بعد تعرضهم لتفجيرات عدد من القنابل التي زرعها معارضون للصهيونية.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من يهود سوريا قد أعلنوا مراراً وتكراراً عن مواقفهم المعارضة للحركة الصهيونية وأنشطتها المختلفة في فلسطين، فعلى سبيل المثال قال النائب اليهودي وحيد مزراحي عقب قرار تقسيم فلسطين في 1947: (إن اليهود سيتذكرون هذا القرار الجائر وسيتذكرون أعمال الصهيونية، ويعتبرون الصهيونية عقيدة سياسية غربية منفصلة عن الدين لا تتفق مع عادات ولغة أخلاق يهود البلاد العربية، فإذا كانت الصهيونية التي تأتينا من الغرب تريد أن تجعلنا ضمن حظيرتها، فأنا أعلن من هنا أننا بريئون منها ومن أعمالها، وأرجو أن يعلم الجميع أننا لا نشاطر الصهيونية عملها، وأننا لا نتفق واياها بغاياتها وأساليبها وسنكون في مقدمة المجاهدين العاملين لدفع أذى الصهيونية عن هذه البلاد).
وتلاحظ المؤلفة أن يهود سوريا كانوا وثيقي الصلة بالمجتمع السوري، ولم يكونوا طبقة منفصلة أو منعزلة عن نسيجه العام، فقد كانوا يتحدثون اللغة العربية فقط، ولم تكن لهم أي معرفة باللغة العبرية أو باللغات الأوروبية، كما أن اليهود السوريين لم يكن لديهم أي احتكاك مباشر بالعالم اليهودي الخارجي أو بتاريخ الحركة القومية اليهودية.
وتلاحظ المؤلفة كذلك أن معظم أبناء اليهود كانوا يدرسون في المدارس المسيحية، رغم أنه يُفترض بأن التدين الشديد عند اليهود يمنعهم من مشاركة المسيحيين في الدراسة، وتؤكد المؤلفة على قوة وفاعلية اليهود في الاقتصاد السوري، حيث ظهرت منهم طبقة غنية جداً، إحتكرت عدداً من الصناعات المهمة.
بعد ذلك تتطرق المؤلفة ليهود لبنان، فتؤكد على أن دستور 1926 قد منحهم الحقوق الكاملة كمواطنين لبنانين، فلم تسجّل ثلاثينيات القرن الماضي إلا اعتداءات طفيفة تعرّض لها اليهود في لبنان. وتبرر قاسمية ذلك باختلاف لبنان عن باقي الدول العربية، حيث لم تكن توجد فيه أغلبية مسلمة أنذاك. كما أن المجتمع اللبناني كان يتألف من مجموعة من الأقليات ولا تشكل واحدة منها الأغلبية المطلقة. ولكن لما كان لبنان عضواً في الجامعة العربية فقد شارك مع باقي الدول المجاورة في الحرب ضد إسرائيل، واضطر إلى تطبيق الإجراءات الأمنية نفسها التي طبقتها الدول العربية ضد الطوائف اليهودية في ها، حيث مُنع اليهود من مغادرة لبنان وسمح لهم بالسفر إلى سوريا بتصاريح خاصة.
بعد ذلك تتناول المؤلفة أوضاع اليهود في شبه الجزيرة العربية، وفي اليمن وفي السودان، فتبيّن أوجه مشاركتهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكيف أن تأثيرهم كان أقل بكثير من تأثير بني جلدتهم القاطنين في العراق وبلاد الشام. وفي نهاية ذلك المبحث المهم من الكتاب تستعرض المؤلفة أحوال اليهود في مصر فتفرد مساحة واسعة للحديث عنهم وعن أحوالهم، فتقول إنه منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، بدأت أعداد غفيرة من يهود الإمبراطورية العثمانية ومن اليونان والبلقان وإيطاليا وإسبانيا في الهجرة إلى مصر، مدفوعين في ذلك بما عانته تلك البلاد من كساد في الأسواق بسبب المضاربة التجارية، واستقر هؤلاء في القاهرة وبعض مدن الدلتا مثل طنطا، وكذلك استقر بعض اليهود في الإسكندرية، فعاشوا في بعض الأحياء المخصصة لهم.
وتلاحظ المؤلفة أن العديد من هؤلاء اليهود قد عملوا للحصول على الحماية البريطانية أو النمساوية، عبر التجنس بجنسيات تلك الدول، وذلك خوفاً مما ستؤول إليه الأوضاع السياسية المضطربة في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين.
وتشير قاسمية إلى أن يهود مصر قد انقسموا اجتماعياً إلى ثلاث طبقات مميزة، وهي الطبقة العليا والتي تألفت من عدد كبير من العائلات اليهودية الغنية التي لها صلات مميزة بكبار الساسة والمسؤولين في الدولة، وكان بعض منهم يحمل رتبة الباشوية في العهد الملكي، وطبقة وسطى، تتكون من رجال الأعمال والصناعة والمحامين والأطباء وأصحاب المحلات والدكاكين، وطبقة ثالثة فقيرة متواضعة الحال.
وتؤكد المؤلفة ان أغنياء اليهود وكبارهم كانوا يتحدثون الفرنسية، أما فقراؤهم فقد كانوا يتحدثون باللغة العربية. وبالنسبة للمشاركة الاقتصادية ليهود مصر، فتؤكد قاسمية أن العديد من العائلات اليهودية الكبرى قد استطاعت أن تفرض سيطرتها على الاقتصاد المصري بشكل شبه مطلق. إذ “جعلت العائلات الثرية ليهود الإسكندرية من المدينة عالماً صغيراً تحكمه قوانينه الخاصة”، وكان من تلك العائلات كل من عائلة منشة والبارون زغيب ورولو، وكانت تلك العائلات قد نظّمت قوانين ونظماً معقدة تتوزع عن طريقها المكاسب والنفوذ فيما بينها وبين بعض.
ومنذ أواخر الثلاثينات في القرن العشرين، ازدادت الهجمات على اليهود المصريين بعد أن تم اتهامهم بكونهم الطابور الخامس للصهيونية، وإنهم مدعومون من الإمبريالية البريطانية والأميركية، وروّج لتلك الأفكار عدد من الصحف الشعبية مثل صحيفة الوفد وصحيفة الإخوان المسلمين. وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين تعرض اليهود للكثير من الاعتداءات، فتم احراق العديد من المخازن والمحال التجارية المملوكة لهم، وتزامن ذلك مع عمليات نقل اليهود المصريين إلى فلسطين والتي بدأت في عام 1949 واستمرت خلال الخمسينيات.

أوضاع يهود البلاد العربية داخل الكيان الإسرائيلي
تؤكد المؤلفة أن التجمع اليهودي الاستيطاني في إسرائيل، يرتكز على ثلاث مجموعات وهي مجموعة (الصبار) وهم الذين ولدوا وعاشوا في البلاد قبل قيام الدولة، ومجموعة (الأشكنازية) وهم الذين قدموا من مختلف دول أوروبا، ومجموعة (المزراحيم) وهم الذين هاجروا إلى فلسطين من الدول العربية والإسلامية.
وفقاً للمصادر الإسرائيلية التي ترجع إليها المؤلفة، فإن عدد اليهود في إسرائيل قد تضاعف خلال السنوات الأربع الأولى من قيام الدولة (1948 – 1952) من 650 ألف نسمة إلى 1,3 مليون نسمة، وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث تغيير كبير في بنية المجتمع الإسرائيلي وتركيبته.
وبحسب المعطيات الإحصائية التي تعتمد عليها الكاتبة، فإن عدد يهود إسرائيل في عام 2010، بلغ نحو ستة ملايين نسمة وفي 2013، وصل مجموع عدد سكان إسرائيل إلى ثمانية ملايين نسمة من بينهم نحو حوالي 20% من العرب.
وبعد ذلك التمهيد السريع لأعداد سكان إسرائيل، تبدأ المؤلفة في تناول اليهود العرب الذين يسكنون في إسرائيل حالياً بشكل مفصل، وتبدأ بيهود سوريا، فتذكر أن نسبة الولادات عندهم مرتفعة جداً، شأنهم في ذلك شأن بقية اليهود الشرقيين، في الوقت الذي يعتبر اتجاههم نحو الاندماج في المجموعات الأخرى كبيراً بالنسبة إلى المجموعات الشرقية الأخرى، ولهم خصوصية دينية تُميّزهم، فهم يمارسون عبادتهم في كُنس خاصة بهم في القدس وتل أبيب وحيفا، وهم معروفون بتراتيلهم وأغانيهم الدينية الخاصة.
وتؤكد قاسمية على أن يهود سوريا يحظون بتواجد مهم في مختلف المستويات السياسية في إسرائيل فبعضهم كان عضواً في الكنيست، كما أن بعضهم كان من كبار الساسة في الدولة. فعلى سبيل المثال كان موشيه ساسون سفير إسرائيل الأسبق في مصر ووالده إلياهو ساسون وزير البريد والشرطة سابقاً، من أبرز الشخصيات السياسية في هذه المجموعة.
ثم تتناول المؤلفة يهود العراق، فتذكر أنهم يأتون في المرتبة الخامسة من حيث الحجم من المجموعات الإثنية الموجودة في إسرائيل بعد اليهود المغاربة والبولونيين، والروس والرومانيين، حيث بلغ عددهم في نهاية 1985، أكثر من ربع مليون نسمة منهم ما يقارب من مائة ألف نسمة، ممن ولدوا في العراق ورحلوا بعدها إلى فلسطين المحتلة.
وتذكر الباحثة أن يهود العراق قد واجهوا صعوبات جمة في سبيل إدماجهم في المجتمع الإسرائيلي، حيث كان من الصعب عليهم التأقلم مع صعوبات اللغة والسكن والطباع المختلفة للمجتمع الذي رحلوا إليه.
وتلاحظ قاسمية أن أغلبية المهاجرين من العراق قد تم توجيههم للاستيطان في مدن التطوير وإلى المستوطنات الزراعية الجديدة، حيث وجد القسم الذي كان يعيش منه في بغداد والمدن العراقية الكبيرة الأخرى نفسه مضطراً للتكيّف مع حياة القرى الزراعية. أما الذين كانوا يعيشون أصلاً في القرى العراقية الشمالية فلم يكن الأمر صعباً عليهم لتشابه نمط معيشتهم السابق مع وضعهم الجديد في إسرائيل.
وتؤكد الدكتورة خيرية قاسمية أن هناك نخبة مميزة من بين مهاجري العراق، تلك النخبة تألفت من المتخصصين والمثقفين، فكان منها أكثر من ألف مدرس وأكثر من مائة طبيب، وعدد من المحامين والمهندسين والصحافيين، وأن هؤلاء استطاعوا بفضل خبراتهم من احتلال المركز الأول في صفوف المهاجرين الشرقيين إلى إسرائيل، سواء من حيث أوضاعهم الاقتصادية أو من حيث تقدمهم السياسي.
كما شكّل يهود العراق الطاقم الأساسي في الصحافة والإذاعة الإسرائيليتين واحتلوا مكانة مهمة في النظام السياسي، وشكّل الطلبة العراقيين العدد الأكبر من بين طلبة اليهود الشرقيين في الجامعة العبرية.
وعلى الرغم من كل ذلك، تشير المؤلفة إلى ميل اليهود العراقيين إلى التقوقع حول أنفسهم والبعد عن الاندماج مع باقي فئات ومجموعات السكان في إسرائيل. فعلى سبيل المثال فإن نسبة الزواج داخل مجموعة اليهود العراق عام 1952، قد بلغت نسبة 92% وكانت الأعلى بين كل المجموعات العراقية في إسرائيل. كما أن يهود العراق قد اعتادوا على إقامة عدد من الحفلات الفنية خلال العام، وفيها يتم سماع المطربين العرب المشهورين من أمثال أم كلثوم وفريد الأطرش وفيروز وأسمهان.
وقد برز من يهود العراق عدد من الساسة المعروفين في المجتمع اليهودي، مثل شلومو هيلل رئيس الكنيست الأسبق، وموشيه شاحال وزير المالية الأسبق، وإسحاق موردخاي الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
بعد ذلك تتناول المؤلفة دور اليهود المصريين في إسرائيل، فتنقل عن بعض الإحصاءات الإسرائيلية التي تعود لعام 1986، أن هناك 65 ألف يهودي مصري وسوداني كانوا يقيمون فيها في ذلك الوقت، وأن القسم الأكبر منهم كان يعيش في مدينة تل أبيب بينما إستوطن بعضهم المستوطنات الزراعية والكيبوتسات.
وقد عُرف اليهود المصريون في إسرائيل بالعمل في مجالات السياحة والفنادق والمصارف والخدمات الجوية والمدنية.
ثم تذكر المؤلفة بعض المعلومات المهمة عن يهود كل من اليمن وليبيا وتونس، ولكنها تبدي اهتماماً خاصاً بيهود المغرب، فتذكر أن يهود المغرب الذين يعيشون في إسرائيل يشكلون ثاني أكبر جالية فيها بعد الجالية الروسية، حيث يقدر عددهم بمليون نسمة، وهم يحتفظون بالجنسية المغربية ويزورون المغرب باستمرار، ولا يزالون يحافظون على التقاليد والعادات المغربية ويعتبرون ملك المغرب ملكاً عليهم ويحترمونه. وربما يفسّر ذلك أنه بعد وفاة الملك الحسن الثاني، قام اليهود المغاربة بإطلاق اسمه على ستة ميادين رئيسة في أنحاء متفرقة من فلسطين المحتلة.
وقد جرى توطين معظم اليهود المغاربة، بعد قدومهم من المغرب، في المستوطنات والكيبوتسات الجديدة التي بُنيت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وقد ظهر بينهم العديد من رجال السياسة المعروفين، منهم ديفيد ليفي الذي شغل عدداً من المناصب الوزارية المختلفة في حكومات متعاقبة، ويعقوب ميرغي الذي شغل منصب وزير الأديان في حكومة بنيامين نتنياهو الثانية، وشلومو بن عامي الذي شغل منصبي وزير الخارجية ووزير الأمن الداخلي.

إدماج يهود البلاد العربية في المجتمع الإسرائيلي: الصعوبات والتحديات
بعد أن استعرضت المؤلفة أوضاع يهود البلاد العربية قُبيل إعلان قيام الدولة الإسرائيلية، وبعد نزوحهم للإقامة فيها، فإنها تناولت مسألة في غاية الأهمية، ألا وهي الكيفية التي دُمجت بها تلك الجماعات داخل المجتمع العبراني، حيث تذكر أن اليهود العرب قد تعرضوا لما يمكن أن نسميه بعملية (محو للذاكرة) من أجل تسهيل اقامتهم في مجتمعهم الجديد، وذلك عن طريق توزيعهم على المدن الصغيرة والضواحي والقرى بعيداً عن المدن الكبرى، بهدف إبعادهم عن مراكز القوى والتأثير وصناعة القرار السياسي، كما أنه قد تم تشغيلهم في أعمال مهنية شاقة ومؤقتة، مثل العمل في خدمات وتعبيد ورصف الطرق، وتقطيع الأخشاب والصخور.
ومن الأمثلة المهمة التي تسوقها الدكتورة خيرية قاسمية في معرض شرحها لمشكلة اندماج اليهود العرب في المجتمع الإسرائيلي، ما نُشر في صحيفة هآرتس في أيلول سبتمبر 1980، من أخبار عن نقل جماعة كبيرة من اليهود المغاربة إلى صحراء النقب بغرض تسكينهم فيها، وإجبارهم على الإقامة في أكواخ حقيرة مزودة بأسرة حديدية وبطاطين رخيصة ومراتب مصنوعة من القش من دون أي مصادر للماء أو الكهرباء أو الصرف الصحي.
وتعدد المؤلفة الأسباب التي تبيّن صعوبة دمج اليهود العرب في المجتمع الإسرائيلي، وتحددها في التمييز الواضح ما بين السفارديم عموماً والأشكيناز، والذي يظهر بشكل واضح في الفوارق الطبقية والتعليمية والمادية والاقتصادية ما بين الطائفتين وبين بعضها البعض، وهو الأمر الذي يناقض الصورة التخيّلية الدعائية التي حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلية الترويج لها، وتستشهد المؤلفة على ذلك، بكلام الكاتب الإسرائيلي موردخاي براون الذي قال: (بعد مرور ثلاثين عام على إقامة الدولة، ننظر حولنا، ونرى أننا لسنا على الإطلاق مجتمعاً نموذجياً … فالحلم الصهيوني كان يطمح في تجمع إقليمي لليهود في فلسطين كشعب واحد، وليس لتجميع إقليمي لقبائل مختلفة، لا تلبث عند وصولها أن تتصارع مع بعضها البعض).
المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole