فلسطين والامتحان الأخير للعرب والمسلمين

قطاع غزة
Spread the love

بقلم: د. فرح موسى/

سألتم إخواني العلماء باستفهام متكرر تشوبه النكرة والاستهجان!،فقلتم:حضرة البرفسور العزيز،نراكم تركزون على أمر الله تعالى الذي يستوجب تركه ومخالفته الفتنة والعذاب الأليم،فنسألكم:هل هذا الأمر متعلق بدين الناس،أم بالسياسة بأن يكون الأمر شورى بينهم،؟وكيف لنا أن نعيد قراءة التاريخ وكل تجارب المسلمين،وعلوم الأولين والآخرين،كما ترون،وفقًا لهذا الأمر وتأسيسًا عليه،وقد جعلتم من فلسطين والقدس مصداقًا حقيقيًا من مصاديقه في كل ما يكون لذلك من تداعيات في الدين والسياسة على حاضر الأمة ومستقبلها…!؟
لقد هالنا فعلًا أن يسأل أهل العلم والبحث عن أمر الله تعالى في ما يتعلق بالقدس وفلسطين!وأن يميزوا بين الدين والسياسة!وكأنهم يصدّقون مزاعم الذين ضلوا عن أمر الله تعالى،ورأوا العصمة للرسول ص في الدين دون السياسة!فلست أدري من أين أبدأ وكيف أنتهي؟؛إلا أني أعلم أن التأسيس على هذا الأمر الإلهي في فهم قضايا الأمة وما آل إليه أمرها في الدين والسياسة،هو الذي يجيب على أخطر الأسئلة الوجودية المتعلقة بالأحداث التي يعيشها العرب والمسلمون اتجاه قضاياهم المقدسة؛فنقول:إن الله تعالى لا بد أنه سائل عباده عن أمره،وإلا لما كان هددهم بالفتنة والعذاب الأليم ،كما قال تعالى:”فليحذر الذين يخالفون عن أمره….”،وهو أمر ،كما بيّنا،جاء مطلقًا،ومجردًا عن كل قيد،بل نراه يجعل من الإطلاق له قيدًا،بحيث يشمل كل مصاديق الأمور وعدم حصرها، كما هو الشأن في القيد الخاص،وأهل العلم لا يخفى عليهم هذا الأصل الأساس في فهم مطلقات القرآن وتقييداته!!!!وقد عرفتم من مقالتنا السابقة،أن الآية المباركة لا تميز بين الدين والسياسة على قاعدة قوله تعالى:”وما آتاكم الرسول فخذوه،وما نهاكم عنه فانتهوا…”،فالآية ناظرة إلى مطلق ما يأتي به الرسول وينهى عنه،وقد بين الرسول للناس كل ما يتعلق بدينهم ودنياهم بما لا يُبقي لهم الحجة في قول أو فعل،ودعونا من خرافات وترهات أن السياسة لم تكن شأناً إلهيًا،أو أن الرسول ص لم يكن معصومًا بتدبيرات الأمة وإدارة شؤونها!فهذه مقولات يعي تهافتها ومخاطرها كل من له أدنى تدبّر في كتاب الله تعالى وتدبيرات الرسول قبل الهجرة النبوية وبعدها،وخصوصًا في غزواته،وما كان منه في صلح الحديبية في بطن مكة،وقد نزلت سورة الفتح لتعطينا دروسًا في الدين والسياسة معًا!؟فإذا أراد الإخوة التبعثر الفكري والديني في متاهات التاريخ فلهم ذلك.أما نحن فنرى أن فلسطين هي غرّة الأمر الإلهي المقدس ،الذي يعني الأمة في دينها،بل في وجودها،وليس لأحد أن يساوم عليها بالسياسة ليجعل منها أمرًا بشريًا،أو شأنًا يهوديًا،إذ إن أحدًا في الدنيا لا يملك شرعية أن يزيل هوية تراب فلسطين من كونه فلسطينيًا؛ فيجعله إسرائيليًا،أو يهوديًا،أو غير ذلك مما يراه بعض الأعراب أنه مجرد قضية سياسية يمكن التشاور بشأنها لتحقيق ما يزعمون أنه السلام!؟
إن ما يتعرض له العرب والمسلمون في واقعهم السياسي،وما يسوّغ لهم من أطروحات في السياسة ليس جديدًا،فهم تاهوا قديمًا عن الوعي بمقدسات الأمة،وجعلوا منها مجرد شعائر خاوية من الفعل والأثر والهداية،وكلنا يعلم معنى أن يكون البيت مباركًا وهدًى للعالمين،وأن تكون فلسطين جوهرًا في الصلاة وقبلةً في الدين،فإذا بالأعراب يجعلون من كل ذلك أمرًا سياسيًا قابلًا للمفاوضة والتطبيع!؟إن معنى أن تكون فلسطين أمرًا إلهيًا مقدسًا،وشأنًا دينيًا ثابتًا،أن يعاد وصلها بالقرآن الكريم،بحيث يكون لها قدسية العمل العبادي ،الذي سبق للأعراب أن تكاذبوا به في وعي الإسراء والمعراج!وفي أن وصال السماء إنما يكون عبر التسبيح بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.فالله تعالى قدس فلسطين،وأعطاها كل أبعاد الدين في الوجود والكرامة والجهاد في سبيل الله تعالى،فلا يعقل أيها الإخوة أن تميزوا بين الدين والسياسة في أمر الله تعالى،وأنتم ترون كل هذه المحن والفتن التي أصابت الأمة وجعلتها على هذا البلاء العظيم في الدين والدنيا!؟
إن أخطر وأعظم ما يمكن أن يتصوّره عقل مجرم،أو سليم،أن يكون جزء كبير من عالم العرب والمسلمين شريكًا في قتل فلسطين وشعبها،أو متآمرًا على تهجير أهلها!وما هو أخطر من ذلك،هو أن لا يعي أهل الحق في القدس والقداسة، أن الذين يقتلونهم بالمال والسلاح والسياسة، هم مَن يدّعون الأخوة في الدين!فهؤلاء نسخوا فلسطين عن أن يكون لها ظل أو ظليل، وأفرغوها قديمًا من كل دين،فصبرًا يا أهل الحق في فلسطين على حر الدنيا والجهاد طالما أن العقبى هي برد اليقين والسلام.