الطرق الصوفية في لبنان : غياب الدور في ظل الصعود السلفي

الطرق الصوفية في لبنان : غياب الدور في ظل الصعود السلفي
Spread the love

ذؤون آسيوية –
بقلم د. هيثم مزاحم

قليلة هي المصادر عن التصوّف والطرق الصوفية السنّية في لبنان. ولولا وجود بعض أشرطة الفيديو المنشورة على موقع يوتيوب وبعض الأخبار عن بعض الاحتفالات التي تتخللها حلقات ذكر ورقصات روحية صوفية، يكاد المرء أن يعتقد بغياب تام للطرق الصوفية في بلاد الأرز، في ظل طغيان إعلامي وسياسي وعسكري للتيارات الأصولية والسلفية على المشهد الديني في لبنان.

يقول القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي، وهو قاضٍ شرعي وأحد أتباع الطرق الصوفية في لبنان، في مقابلة خاصة مع المونيتور، إن المجتمع المسلم السنّي في لبنان في غالبيته محب للتصوّف ومؤيد له، وهو ما يظهر في أن الكثير من مفتيي لبنان هم من مؤيدي التصوّف.

وقد ذكر مصدر إسلامي مطلع للمونيتور، طلب عدم الكشف عن إسمه، أن مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني ومفتي عكار الشيخ أسامة الرفاعي، ومدير عام الأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة، وغيرهم من المفتين والعلماء البارزين هم من مؤيدي التصوّف في لبنان.

ويوضح الكردي أن الطرق الصوفية تنتشر في العاصمة بيروت وشمال لبنان وصيدا والبقاع، ويقدر أعداد أتباعها بعشرات الآلاف من اللبنانيين.

لكن الباحث في الفكر الإسلامي رضوان السيّد يقول في مقابلة خاصة مع المونيتور إن أعداد المتصوّفة في لبنان يقدّر بنحو 12 ألف مريد، وهم يتوزعون على خمس طرق رئيسية هي: القادرية، والشاذلية، والرفاعية، والمولوية والنقشبندية.

ويضيف السيد أن الطرق القديمة في لبنان ثلاثهي: الشاذلية والقادرية والرفاعية وهي موجودة في البقاع والشمال وتضاءل أثرها لصالح النقشبندية في بيروت وفي صيدا إلى حدٍ ما. ويوضح أن أتباع الطرق الصوفية يتركزون في معظمهم في المدن كطرابلس وعكار وصيدا ومجدل عنجر وغيرها أكثر منهم في الأرياف.

لكن الشيخ الكردي يقول إن ثمة انتشاراً واسعاً لأتباع الطرق الصوفية في ريف عكار ويشير إلى صعود الطريقة النقشبندية والطريقة المولوية في لبنان.

ويرى الباحث في مركز دلتا للأبحاث المعمقة في بيروت، محمود حيدر، أن التصوّف اللبناني ينتشر في منطقة الشمال، ولا سيّما مدينة طرابلس، وكذلك في مدينتي بيروت وصيدا.

ويعزو السيّد تراجع التصوّف في لبنان إلى غلبة الحداثة في هذا البلد من جهة، وعدم الاستقرار في لبنان من جهة أخرى. فالطرق الصوفية تحتاج إلى استقرار سياسي واجتماعي وأمني يوفر لأتباعها أجواء لممارسة طقوس هذه الطرق، بينما دفعت الاضطرابات السياسية والأمنية في لبنان خلال العقود الأربعة الماضية الشباب إلى الاهتمام بالسياسة والانخراط في الأحزاب والقتال، بينما انتمى المتدينون منهم إلى أحزاب الإسلام السياسي والسلفية وليس إلى الطرق الصوفية.

ويرى السيّد أن التصوّف في لبنان في معظمه موروث وأن الكثير من أتباعه هم من التجار. ويضيف أنه مع ذلك لا تزال الطرق موجودة لكن غير مزدهرة ويغلب عليها طابع الشعبية والتقاليد السرّية أكثر مما يمكن اعتباره ازدهاراً وصعوداً برغم صعود الإحيائية الصوفية في العالم العربي. ويعتبر أن لا دور للتصوّف في لبنان على غرار الأدوار التي لعبتها الحركات الصوفية في بعض الدول الإسلامية في حفظ الهوية الدينية ومواجهة العلمانية والشيوعية كما حصل في تركيا والجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً.

ويذهب السيّد إلى أن “الأحباش”، وهم أتباع الشيخ الإثيوبي الراحل عبد الله الهرري الحبشي، الذي أنشأ جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية في لبنان، يتبعون طريقة صوفية، كانوا يحيّون بعض حلقات الذكر سابقاً، لكنهم توقفوا عن ذلك خلال السنوات الماضية نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية وانكفاء الأحباش سياسياً.

وعن الطقوس التي يمارسها أتباع هذه الطرق، يؤكد الشيخ الكردي أنهم يقيمون حلقات الذكر بانتظام، مشيراً إلى أن أتباع الطريقتين النقشبندية والمولوية اللتين يميل إليهما لا يقومون ببعض الخوارق كإدخال السيوف في الجسم، إنما من يقوم بها هم أتباع الطريقة الرفاعية في حالات إثبات الكرامات عند إنكار البعض لها.

ويوضح الكردي أن التصوّف هو عملية سلوك لتربية النفس وترويضها من خلال الصلاة والذكر والعبادات الأخرى والامتناع عن الذنوب والمفاسد الأخلاقية كالحسد والرياء والنميمة الخ..

وعن موقف الصوفية من السياسة، يشرح الكردي أن الإسلام دين ودولة وأن الاهتمام بالشأن العام جزء من الدين، وأن للصوفيين موقفاً من الأوضاع العامة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخلاف الشائع عنهم أنهم لا يتدخلون في السياسة، لكنهم لا ينافسون على السلطة ولا يسعون إليها.

وعن الموقف من المذاهب والأديان الأخرى، يقول الشيخ الكردي إن التصوّف يقوم على الحب والتسامح وبالتالي ليس لدى أتباع الصوفية مواقف عدائية حادة من المخالفين لهم في المذهب أو الدين، لكنهم يرفضون الغلو في الدين.

يشير الباحث حيدر إلى أن جميع الطرق الصوفية في لبنان ظلت بعيدة عن السياسة، باستثناء “جمعية المشاريع الخيرية” (الأحباش) فقد قاربت السياسة بسبب ظروف النشأة، والتحوّلات التي طرأت على المرجعية السنّية في لبنان في العقود الماضية.

ويُعتبر الأحباش الذين يعدون بالآلاف من مريدي الطريقة النقشبندية الموزّعين في جميع المناطق اللبنانية.

وتوجد “تكيّة مولوية” في طرابلس على ضفة نهر “أبو علي” تعود إلى أكثر من أربعمئة سنة، أنشئت في عهد العثمانيين ونسبت إلى أتباع طريقة العارف الصوفي الفارسي الشهير جلال الدين الرومي، الذي يُعرف باسم “مولانا جلال الدين الرومي”. وقد حمل أتباع هذه الطريقة اسم عائلة المولوي نسبة الى “مولانا”، وتعيش اليوم غالبية أبنائها في مدينة طرابلس. وتشتهر هذه الطريقة في الرقص الدائري الروحي وبلباس الدراويش المميّز في حلقات الرقص التي تقام في شهر رمضان وفي مناسبات أخرى.

يلتقي أتباع الطريقة المولوية في طرابلس كل مساء أربعاء في المدرسة الكريمية، التي يدرّس فيها العلم الديني والتصوّف، حيث يقيمون حلقات الذكر، ويقرأون القرآن، وينشدون الأناشيد ويؤدون رقصة “الفتلات”، وينظمون “النوبة”.

وطقس “النوبة” هو تجوال ومسار لمنشدين يقرأون أدعيتهم على وقع صوت الطبول وإضاءة المشاعل.

لكن هذه الظاهرة الثقافية الدينية المتمثلة بحفلات الإنشاد والرقص الروحي الصوفي مهددة بالانقراض في لبنان، بسبب انحسار أعداد الدراويش الذين يحيون الحفلات بأناشيدهم ورقصات “الفتلات” المولوية، وقلة الدعم المعنوي والمادي الذي يمنح لهم، في وقت هيمنت على عاصمة السنّة في لبنان تيارات الإسلام السياسي والسلفيتان العلمية والجهادية من جهة، وتيار “المستقبل” المدني الليبرالي من جهة أخرى.

أما الطريقة القادرية، نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، فإن أبرز أتباعها آل الزعبي في عكار وعندهم رابطة تسمّى “الرابطة الزعبية القادرية الهاشميّة في لبنان” وهم يقولون إنهم ينتسبون إلى آل بيت النبي محمد، على غرار الكثير من المتصوفين، وبخاصة الطريقة الرفاعية.

ويترأس الطريقة الرفاعية “شيخ مشايخ الطرق الصوفية في لبنان” الشيخ جميل حليم الحسيني.

ولا شك أن ارتباط أتباع الطرق الصوفية السنّية بأهل بيت النبي تقرّبهم من الشيعة وتبعدهم عن الفكر السلفي التكفيري الذي يكفّر الشيعة أو يعتبرهم “روافض” ضالين في أحسن الأحوال.

أما التصوّف أو العرفان لدى الشيعة في لبنان فيختلف عن الطرق الصوفية السنّية، كونه يرتكز على السلوك الفردي والذكر الخاص، وليس سلوكاً جماعياً.

مصدر المقال:
المونيتور

http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2014/04/lebanon-sufi-orders-threat-rise-salafism.html#

URL for the English article: https://newageislam.com/islam-politics/lebanon’s-sufi-orders-threatened-rise/d/76678