هآرتس: احتضان بايدن لإسرائيل يضعه على مسار تصادمي مع الدول العربية

هآرتس: احتضان بايدن لإسرائيل يضعه على مسار تصادمي مع الدول العربية
Spread the love

بقلم تسفي برئيل – محلل سياسي إسرائيلي-

يصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل اليوم، وهو في داخل سجن فولاذي من “الخطوط الحمراء” التي رسمها قادة الدول العربية، قبيل وصوله. تأييده الكامل والمعلن لأفعال إسرائيل، والشيك المفتوح الذي أعطاها إياه للقيام بعملية في قطاع غزة، إلى جانب الاستعدادات لعملية برية واحتلال غزة، كل ذلك يضع الإدارة الأميركية في مسار تصادُمي مع الدول العربية المجاورة التي تخاف من انزلاق الحرب إلى أراضيها. يعرف بايدن جيداً الجبهة التي نشأت في مواجهته، وليس لديه وصفة سحرية تستطيع حلّ التناقض بين سياسته حيال إسرائيل وبين خوف الدول العربية التي تُعتبر هي أيضاً حليفة قريبة لواشنطن.
يصل بايدن إلى إسرائيل، بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يدير منذ نهاية الأسبوع حواراً بين الدول العربية، واستمع إلى كلام مباشر وواضح من الرئيس المصري والملك الأردني ووليّ العهد السعودي. صحيح أن عبد الفتاح السيسي دان هجوم “حماس” على إسرائيل، لكنه قال أيضاً: “ما تفعله إسرائيل يخرج عن إطار الدفاع عن النفس، إنها عقوبة جماعية…” الهدف من كلام السيسي إقناع بلينكن بأن إسرائيل تجاوزت الأطر التي حددها الرئيس بايدن، وتنتهك قوانين الحرب، ويجب لجمها فوراً، ليس لأسباب إنسانية فقط، بل نظراً إلى التهديد الذي تشكله للأمن القومي المصري.
الخط الأحمر الذي وضعه السيسي هو دخول عشرات أو مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية. القاهرة مستعدة لإرسال مساعدة إنسانية، ووافقت على إعادة فتح معبر رفح الذي أُغلق بعد هجمات شنّتها إسرائيل عليه أكثر من مرة. وعلاوةً على ذلك، قطاع غزة في رأي مصر، هو مشكلة إسرائيلية، وهي لن تسمح لإسرائيل بتحويله إلى مشكلة مصرية.
يتطابق هذا الموقف مع موقف العاهل الأردني الملك عبد الله الذي رسم خطوطاً حمراء مشابهة، ومفادها أن دخول لاجئي غزة إلى المملكة ممنوع. لقد اضطر أنتوني بلينكن إلى الانتظار نصف يوم، قبل أن يجد وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الوقت للاجتماع به صباح يوم الأحد، ولم يسمع بلينكن الإدانة لهجوم “حماس” التي كان ينتظرها. لقد أوضح بن سلمان، وبشكل صارم، أنه يجب وقف إطلاق النار في غزة والبحث عن حلّ غير عسكري. من غير الواضح علامَ اعتمد بلينكن عندما قال إنه أجرى محادثات جيدة جداً في السعودية، وبعد أن رفض وليّ العهد المشاركة في القمة التي نظّمها الملك عبد الله، ثم ألغاها بعد تفجير المستشفى في غزة.
“حماس” ليست قريبة من دول المنطقة. فقد حظرت السعودية في الماضي عدداً من قادتها، والأردن لا يسمح لها بالعمل من داخل أراضيه منذ سنة 1999. وزعماء “حماس” بحاجة إلى موافقة للقيام بزيارة خاصة إلى الأردن. الدولة العربية الوحيدة التي دانت هجوم “حماس” بالفم الملآن، ومن دون تلاعُب بالكلمات، هي دولة الإمارات. إذ قالت مندوبة الإمارات في مجلس الأمن إن “حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني… ولا يمكن تبرير الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر…” لكن في السياق عينه، يمكن القول إن الإمارات لا تمثل خوف الدول الموجودة على الخط الأول.
هجوم “حماس” والرد الإسرائيلي عليه حتى الآن، وما سيجري لاحقاً، أمور كلها تعيد “المشكلة الفلسطينية” إلى الحضن العربي، كقنبلة موقوتة تهدد بالانفجار فوقه، وباختراق حدود غزة والوصول إلى مناطق أُخرى في المنطقة. وفي إمكان بن سلمان تهنئة نفسه الآن لأن الخلافات التي اندلعت بينه وبين الرئيس بايدن بشأن مشكلة البرنامج النووي السعودي واتفاق الدفاع المشترك هما اللذان منعا توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
يدرك وليّ العهد السعودي جيداً الورطة السياسية التي كان سيواجهها لو وقّع الاتفاق قبل وقوع هجوم “حماس”، وعلى ما يبدو، سيمرّ وقت طويل قبل عودة النقاشات بشأن التطبيع. لكن في الوقت عينه، لا يمكنه التجاهُل أن “حماس” هي التي فرضت عليه موقفاً يمكن أن يؤذي المسار الاستراتيجي الذي أمِل بتحقيقه. وفي المحصلة، بن سلمان الذي اشترط التطبيع بـ”حياة أفضل” للفلسطينيين، وأبعدَ نفسه، بلباقة، عن مشكلة لا حلّ لها- هو اليوم الذي يرسم حدود الاتفاق العربي مع إسرائيل، ومع الولايات المتحدة.
الموقف العربي المدعوم من السعودية يطالب الرئيس الأميركي بفتح قناة سياسية توقف النار فوراً، وتلجم الدخول البري الإسرائيلي إلى قطاع غزة، من أجل تحييد تهديد نزوح اللاجئين، والبدء بمفاوضات دبلوماسية للحل. وهذا الموقف تشارك فيه تركيا التي تجري، هي وقطر، اتصالات مكثفة بحركة “حماس” من أجل إطلاق المخطوفين.
وزير الخارجية التركي أجرى حديثاً هاتفياً غير عادي مع زعيم “حماس” إسماعيل هنية، والتقى في بيروت رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي. وكرر في تصريحاته في بيروت مبادىء الخطة التي تقترحها تركيا، ومفادها إنشاء منتدى من الدول لضمان وقف إطلاق النار في غزة… كما تحاول تركيا الدفع بفكرة إنشاء قوة دولية تراقب وقف إطلاق النار حتى بدء المحادثات السياسية.
من الصعب التعامل بجدية مع الاقتراح التركي، بالأساس لأنه من الصعب على الرئيس بايدن ابتلاع هذه الحبة المرّة. هناك مذكرة وزعتها الخارجية الأميركية، جرى تسريبها إلى “هافنغتون بوست”، تمنع الدبلوماسيين الأميركيين من استخدام تعابير، مثل “خفض التصعيد”، و”وقف إطلاق النار”، و”إنهاء العنف وسفك الدماء”، و”إعادة الهدوء”، والتي تُعتبر معاكسة لسياسة الرئيس. وهذا يدل على الروح القتالية التي تهبّ على البيت الأبيض. إن فتح قناة دبلوماسية، معناه، على الأقل حالياً، انعطافة قاتلة في الموقف الأميركي. وتنفيذ ذلك والضغوط التي ستمارَس على إسرائيل لتبنّي مثل هذه القناة، سيؤدي ذلك إلى صدام هائل بين إسرائيل والكونغرس.
في المقابل، المدة الزمنية التي تستطيع خلالها الولايات المتحدة تجاهُل الضغط الدولي، بدأت بالتضاؤل، وسيصبح هذا الضغط مباشراً وعنيفاً مع بدء الهجوم البرّي. من الواضح أنه تحت وطأة هجوم من هذا النوع، سيكون من الصعب جداً، لا بل من المستحيل، إقامة ممرات إنسانية تقلل حجم الأضرار في الأرواح والدمار. حالياً، يتركز الجهد الأميركي على ذلك، لكن لا يمكن الاكتفاء بالموافقة على دخول قوافل المساعدات إلى غزة. وسيكون من الضروري تحديد مناطق لا يطالها القصف وإطلاق النار، وأيضاً تحديد ترتيبات الرقابة، والسماح بعمل منظمات الإغاثة والمساعدة الطبية، باختصار، ترسيم خريطة العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومعنى ذلك وضع قيود على حرية العمل. هناك سوابق لذلك في سورية، وفي يوغوسلافيا سابقاً، لكن السؤال هو: هل ستتمكن الولايات المتحدة من إقناع إسرائيل التي تبنّت سياسة الضربة القاضية؟

المصدر: ضحيفة هآرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole