عن الدور المصري في التهدئة بين “إسرائيل” و”حماس”

عن الدور المصري في التهدئة بين “إسرائيل” و”حماس”
Spread the love

لعبت الوساطة المصرية دوراً محورياً في التوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بعد 11 يوماً من العدوان الإسرائيلي.

وقد أعاد هذا النجاح المصري الأمل في أن تلعب مصر دورها العربي السابق في القضية الفلسطينية وصولاً إلى حل عادل يؤمن حقوق الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، وضمان حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من اعتداءات المستوطنين واستيلاءاتهم على أراضي الفلسطينيين، كما جرى في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى وهو ما أدى إلى التصعيد الأخير.

وكانت مصر قد أجرت اتصالات مكثفة مع طرفي النزاع وجهات أخرى لإعادة العمل بالتهدئة التي كانت قائمة بين إسرائيل وحركة حماس والتي لعبت القاهرة دوراً أساسياً في التوصل إليها وتجديدها في كل مرة يتم خرقها. وقد زار مسؤولون مصريون “إسرائيل” مرتين خلال المعركة حيث أجروا محادثات لوقف إطلاق النار.

وظهر أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد تركت للقاهرة أمر التوصل إلى هدنة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وهو ما أكده الجانب الأميركي وتجلى في الاتصال الهاتفي الذي أجراه بايدن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ أشاد بايدن بالدور الذي أدّته القاهرة للتوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. وهي المرة الأولى التي يتصل فيها بايدن بالسيسي منذ توليه الرئاسة.

من جهته، أكد السيسي ثبات الموقف المصري إزاء ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية. وعبّر في تغريدة على “تويتر” عن تقديره لبايدن “لدوره في إنجاح المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار وتحقيق التهدئة” في غزة.

وأمر السيسي بإرسال وفدين إلى إسرائيل وغزة لمتابعة إجراءات تنفيذ الهدنة والاتفاق على الإجراءات اللاحقة التي من شأنها الحفاظ على استقرار الأوضاع بصورة دائمة. كما أعلنت مصر عن تقديم مساعدات بنصف مليار دولار للمساهمة في إعادة إعمار غزة، وعن قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار.

وكان لافتاً الدور المصري الرسمي والإعلامي والديني من العدوان على غزة والاعتداء على المسجد الأقصى ومحاولات طرد سكان حي الشيخ جراح، إذ كان صريحاً بمناصرة الفلسطينيين والانحياز مجدداً إلى القضية الفلسطينية، والضغط على إسرائيل لوقف العدوان، وفتح معبر رفح لاستقبال جرحى في المستشفيات المصرية وإرسال أطباء وسيارات إسعاف إلى القطاع المحاصر.

التدخل المصري في وقف التصعيد الأخير له أبعاد عدة إنسانية واستراتيجية وقومية. فالقاهرة حريصة على أرواح سكان غزة الأشقاء بعد سقوط مئات الشهداء والجرحى نتيجة القصف الإسرائيلي، وهي تقوم دوماً بدورها الإنساني عندما تتعرض غزة لاعتداءات إسرائيلية، وتقوم بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات، ونقل الجرحى وعلاجهم في مستشفياتها، وتقدم مواد غذائية وإغاثية وأدوية. وقامت خلال العدوان الأخير بإرسال سيارات إسعاف وأطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية.

كما أن استقرار الوضع في قطاع غزة يؤدي بدروه إلى الاستقرار في مصر، وسيناء. إذ تخشى القاهرة من استغلال التنظيمات الإرهابية للأنفاق مغ غزة لتهريب الإرهابيين والأسلحة والذخائر والمتفجرات التي تهدد الأمن القومي المصري.

أما على المستوى القومي، فلعل أبرز نتائج المعركة الأخيرة تتمثل في استعادة مصر لدورها العربي وإمساكها مجدداً بالملف الفلسطيني. فقد أوصل النظام المصري للإدارة الأميركية عبر سياسته الأخيرة تجاه قطاع غزة أنه هو من يمسك بالملف الفلسطيني سواء كان في العلاقة مع حركة حماس وقطاع غزة أو بملف المصالحة الفلسطينية. كما أن واشنطن وإسرائيل نفسها تعتبران أن مصر هي أفضل وسيط لهما مع حركة حماس لإنهاء تصعيد الصراع مع غزة.

وقد وجّه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشكر لمصر على دورها في العدوان الأخير، قائلاً إن “الأشقاء في مصر واكبوا المعركة معنا يوماً بيوم ومارسوا دورهم التاريخي لكبح جماح العدوان”.

ويأمل بعض المراقبين أن يؤدي دور مصر الأخير في التوصل إلى الهدنة في عودة دورها الريادي في القضية الفلسطينية، وصولاً نحو تسوية دائمة على أساس حل الدولتين والحقوق الفلسطينية استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية. ويشيرون إلى قدرة القاهرة بالتنسيق مع واشنطن وأطراف دولية أخرى الضغط على إسرائيل للقبول بحل الدولتين ووقف الاستيطان والضم، وإقناع حماس للقبول بتسوية سياسية، تنطلق بداية من مصالحة فلسطينية مع حركة فتح تقوم على أساس تنظيم المؤسسات الفلسطينية التي يمكنها بلورة التوافق على حل عادل يقبله غالبية الفلسطينيين.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكن لمصر حالياً أن تلعب دوراً عربياً مستقلاً عن الإرادة الأميركية وعن تحالفاتها الخليجية يصب لمصلحة الشعب الفلسطيني أم أن دورها سيكون متسقاً مع الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة؟