مفاوضات فيينا النووية مع إيران هل هي محطة حاسمة حقاً؟!

مفاوضات فيينا النووية مع إيران هل هي محطة حاسمة حقاً؟!
Spread the love

بقلم: حسن صعب* |

بعد أسابيع من التصعيد السياسي في إطار المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وتحديداً حول ما يُسمى الملف النووي الإيراني ، عاد طرفا المواجهة إلى طاولة التفاوض (غير المباشر) في العاصمة النمساوية فيينا، وذلك بعد تراجع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن اشتراط عودة الإيرانيين للالتزام الكامل بقيود الاتفاق النووي المبرم بين مجموعة (1+5) وإيران، في العام 2015، قبل رفع العقوبات الأميركية عن إيران ، بموازاة تراجع إيران برفض أي تفاوض مع إدارة بايدن قبل إقرارها رفع العقوبات مسبقاً، ودفعة واحدة، لأن تطبيق الاتفاق لا يحتاج إلى مفاوضات جديدة .
وبالإضافة إلى التصعيد السياسي الذي سبق العودة إلى التفاوض غير المباشر، حصل تصعيد عسكري و«نفسي»، وأيضاً بشكل غير مباشر، من خلال خطوات أو إجراءات اتخذها الأميركيون والإيرانيون كلٌ منهما ضد الآخر، أو من خلال كيانات أو قوى حليفة لأحد الطرفين، في سياق الضغوط المتبادلة قبل العودة «المتوازنة» إلى طاولة المفاوضات، والتي تتيح للطرفين ادعاء تحقيق انتصار أمام شعبيهما، أو في مواجهة القوى الداخلية المعارضة للعودة إلى الاتفاق الذي أُبرم في العام 2015، في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما .
وقد صبّت عمليات التخريب المجهولة المصدر (المعلومة) التي جرت خلال الأشهر الأخيرة، في منشأة نطنز النووية الإيرانية (وغيرها)، مقابل تصعيد يمني (حوثي) في الهجمات بالطائرات المسيّرة المفخخة والصواريخ البالستية ضد منشآت سعودية حيوية، والهجمات ضد أرتال عسكرية أو لوجستية أميركية في العراق، في إطار سياسة تصعيد الضغوط غير المباشرة بين طرفي المواجهة الرئيسين: الولايات المتحدة وإيران، حسب قراءات بعض المراقبين.
من هنا يمكن فهم أبعاد ما يجري في فيينا اليوم، مع ربطه بعامل الوقت الذي يدهم إدارة بايدن وحكومة الرئيس روحاني معه، قبل موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، في حزيران المقبل، لناحية احتمال وصول رئيس «متشدد» قد يطيح بالاتفاق النووي، ويدفع ببلاده لاستئناف كل أشكال المواجهة مع الغرب و«إسرائيل»، وربما مع «قنبلة نووية»، ستُضاف إلى الترسانة الإيرانية الهائلة من الصواريخ البالستية الدقيقة وغيرها من الأسلحة المتطورة!
على الضفة الأميركية تحديداً، تسعى إدارة بايدن لإعادة إيران إلى الاتفاق النووي – لكن ليس بأي ثمن كان – بهدف إزالة الهواجس الغربية (والإسرائيلية)، الحقيقية أو المصطنعة، من احتمال تحوّل برنامج إيران النووي السلمي إلى المسار العسكري، والذي يهدّد بسباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط قد يمسّ أمن ومصالح الغرب والكيان الإسرائيلي بشكل مباشر!
أيضاً، تريد إدارة بايدن «التخفّف» قدر الإمكان من تحمّل أعباء مشاكل وأزمات المنطقة التي لا تنتهي، والتي كلّفت الإدارات الأميركية المتعاقبة آلاف مليارات الدولارات، ومن دون «إنجازات ملموسة» على الصعد الاستراتيجية، والتي خطّطت لها هذه الإدارات على مدى عقود!
إن إدارة بايدن تعتقد بأن «الانسحاب» المدروس من المنطقة، مع مواصلة الحفاظ على «التفوق النوعي» الإسرائيلي، وتقييد حركة إيران والدول والقوى الحليفة لها (من فلسطين إلى اليمن)، والتي لا تزال تشكّل خطراً حقيقياً على المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، من شأنه أن يتيح للولايات المتحدة «الاستدارة» بشكل ناجح لمواجهة تنامي التحدي الصيني، في المجالين الآسيوي والعالمي، وعلى الصعد الاقتصادية والعسكرية بالخصوص؛ والأمر عينه ينطبق على التحدي الروسي، وبدرجة أقل على التحدي الكوري الشمالي وبقية التحديات المتأتية من صعود دول أقل تأثيراً على المستوى الدولي.
وتنطلق إدارة بايدن في سياستها الجديدة من تصوّر شامل لمستقبل الزعامة الأميركية الأحادية للعالم، والتي باتت مهدّدة بالفعل من قبل الصين والاتحاد الروسي ودول أخرى صاعدة، في آسيا وأوروبا وغيرهما، ولو على المديين المتوسط أو البعيد❊!
أما على الضفة الإيرانية، فإن حكومة الرئيس روحاني تبدو «متحمّسة» للعودة إلى الاتفاق النووي مع دول (1+5) لكن ليس بأي ثمن –بهدف تقوية “التيار الإصلاحي”قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في حزيران، بحيث تُثبت صحة خياراتها بما يخص الاتفاق النووي، والذي «أغضب» بعض «التيار المتشدد» في إيران، من ناحية؛ ولامتصاص النقمة الشعبية على سياسات حكومة روحاني الاقتصادية والاجتماعية، والتي تصاعدت بتأثير العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب في العام 2017 والأعوام التي تلته، على مؤسسات وشركات وأشخاص في إيران، والتي كانت لها تداعيات سلبية جداً، حسب إقرار المسؤولين الإيرانيين.
وكما تواجه إدارة بايدن معارضة داخلية قوية للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران من دون تعديلات أو شروط جديدة على إيران، تشمل قيوداً إضافية وبعيدة المدى على برنامجها النووي، ووقفاً لكل أشكال الدعم الإيراني للحركات أو القوى المعادية للهيمنة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، فإن حكومة روحاني تواجه أيضاً معارضة جديّة لأي «تعديلات» في الاتفاق النووي قد يتم التوافق حولها في فيينا، أو في مراحل لاحقة؛ ناهيك عن التأثير الحاسم للإمام الخامنئي، المرشد الإيراني الأعلى، في هذا الملف، والذي حدّد موقفه أخيراً بأن العودة إلى الاتفاق النووي لم تعد أولوية لدى بلاده، بعد الإنجازات التي حقّقتها في ظل الحصار الغربي الخانق، سواء في المجال النووي السلمي، أو في المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والعلمية،وبعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي الشامل مع الصين، وبما قد يحوّل إيران في غضون سنوات قليلة إلى دولة عظمى، إقليمياً، وربما عالمياً، لن يُجدي ضدّها أي خيار عسكري أو سياسي، ومن قبل أي دولة (أو مجموعة دول) كانت.
لكن، وفي المحصّلة، وفي قراءة معمّقة للعقليتين الأميركية والإيرانية اللتين تديران السياسات الكبرى لكل من الولايات المتحدة وإيران، وبعيداً عن المواقف السياسية والمناورات التي ينفّذها طرفا الأزمة النووية❊، ومع التحييد «المفترض» لأي تأثير إسرائيلي أو خليجي كبير على مسار التفاوض الجاري في النمسا، فإن التوقع المرجح يتمثل في العودة «المبدئية» من قِبل الطرفين الرئيسيين للاتفاق النووي، مع تدرّج «سريع» في رفع العقوبات الأميركية على إيران، وتراجع «مدروس» من قبل الإيرانيين عن «الخروقات» التي حصلت للاتفاق النووي (رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وتركيب أجهزة طرد متطورة..)،وذلك بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران، والتي قد تحسم اتجاه الأمور لجهة تكريس الاتفاق النووي مجدداً، أو تجاوزه بشكل نهائي!

*باحث لبناني.