التاريخ بين الحقيقة والتشويه

التاريخ بين الحقيقة والتشويه
Spread the love

بقلم: د. نورهان إبراهيم سلامة |

من حفظ التاريخ زاد عقله ومن لم يقرأه ضاع شأنه، فمن ليس له ماض ليس له حاضر ومستقبل، إن التاريخ حافل بالعديد من الأحداث المهمة التي كان لها دور في تغير العالم بأكمله. ولكن يكمن السؤال هنا في مدى مصداقية هذا التاريخ ! هل التاريخ بمختلف أنواعه سواء كان قديماً، إسلامياً، ووسيطاً، وحديثاً، ومعاصراً تم تحريفه لكي يتناسب مع القوة المسيطرة على العالم ؟ أم أننا لم نفهمه جيدًا ؟
لقد تعرض تاريخنا بالفعل للكثير من التحريفات سواء منا كعرب مسلمين في كتابة تاريخنا أو من الخارج كمستشرقين مسيحيين، أو من الإسرائيليات. فإن جئنا للحضارة الفرعونية فهناك العديد من الشكوك التي تدور حول أصول بناة الأهرامات فهناك من قال إنهم من قوم عاد، لأن أجسادهم ضخمة، ولكن هذا النوع من إختلاق الأقوايل والحقائق خاطئ. نتفق أن من مواصفات الفراعنة تتشابه كثيرًا مع قوم عاد في بنية أجسادهم من ضخامة وطول القامة، لكن هذا ليس دليل على أن قوم عاد هم بناة الأهرامات، فقوم عاد ينتمون إلى مدينة الأحقاف في أرم.

أما بالنسبة لطريقة بناء الأهرامات، فالفراعنة كان لهم دور كبير في مختلف المجالات. وهذا الذي أوصلهم إلى طريقة بناء الأهرامات، فضلًا عن علاقتهم التجارية بالدول الآخرى المتمثلة في الإستيراد والتصدير للعديد من المنتجات من بخور، وأخشاب وغيرها من المنتجات والمزروعات. لقد كان الفرعون يتعامل مع شعبة وخدمه بقسوة فكانت مجموعة كبيرة منهم تعمل تحت الضغط والخوف منه بكونه “ربهم الأعلى” على حسب ما يدعي الفرعون. لكن من المؤكد أن المصريين هم بناة الأهرامات وليس بقوم عاد، وبالفعل كانت أحجام الحجارة التي صنعت بها الأهرامات ضخمة جدًا. لكن ضخامة أجسادهم كانت لها الفضل في مقدرتهم على حمل تلك الحجارة التي صنعت من الطين الذي تم إستخراجه من نهر النيل وتم وضعه في قوالب ثم تسخينه لدرجة حرارة عالية مما أدى إلى تفاعل هذه المواد وتشكيلها حجارة تشبه الحجارة الناتجة عن البراكين أو تلك التي تشكلت قبل ملايين السنين، فضلًا عن إستخدامهم الطين لنقل هذه الحجارة على سكك خاصة.

كما تعرضت الملكة كليوباترا السابعة التي حكمت مصر في عصر البطالمة وهي (يونانية الأصل)، للتشويه فقيل عنها إنها قبيحة ذميمة الخلقة قصيرة القامة، في حين نجد أنها كانت ملكة جمال ووقع في حبها العديد من القياصرة.

أما بالنسبة للتاريخ الإسلامي فهذا نجده واضحًا جدًا حول قيام الأمويين بتشويه دور الإمام علي بن أبي طالب والعلويين وتشويه العباسيين لتاريخ الأمويين وذلك لوجود العديد من النزاعات فيما بينهم لمن هو أحق بالخلافة.

وبالنسبة للدولة العباسية فنجدها أيضًا تعرضت لنفس الأمر فنجد أن سيرة الخليفة هارون الرشيد تم تشويهها فنجده تارة زير نساء وشاربًا للخمور لاهيًا، أما نجده في كتب آخرى إنه رجل تقي يحج سنة ويغزو سنة وكان له الفضل في بناء بيت الحكمة.

كما نجد في تاريخ الدولة الأموية في الأندلس أن محمد بن أبي عامر نبذ من قبل عامة قرطبة بظئر هشام المؤيد بل ورد ذكره في بعض المصادر بهذا النبذ، وكانت صبح أم الخليفة هشام المؤيد هي التي أظهرته، ويقال إنها أرضعته، ولهذا كان يقال له ظئر هشام. غير أن هذه الرواية غير صحيحة، لأن محمد بن أبي عامر اتجه إلى قرطبة شابًا، في أخريات أيام الخليفة عبد الرحمن الناصر. فكيف له أن يكون ظئرًا لهشام المؤيد الذي لم يبلغ الحلم ؟!.

هذه كانت أمثلة على التشويه الذي حدث لتاريخنا الإسلامي جراء ما أقترفته أيدي العرب والمسلمين من تشويههم لتاريخ بعضهم البعض. أما إذا أتينا إلى التاريخ الحديث فنجد أن أوروبا كان لها الفضل في تشويه تاريخ الدولة العثمانية وذلك يعود لتمكن السلطان محمد الفاتح من فتح القسطنطينية العاصمة البيزينطية وإسقاط الإمبراطورية البيزنطية إمبراطورية المسيحيين آنذاك، فضلًا عن تشويههم لصورة السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان دائمًا ما يقوم بصد عروض مذهلة مغرية لسد ديون الدولة العثمانية من قبل مؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل الذي دعا لإنعقاد مؤتمر بال عام 1789م في سويسرا لوضع أيدى اليهود على فلسطين لتكون وطنًا قومياً لهم. وذلك لتحقيق هدفهم الأول والأخير وهو إسقاط الإسلام وإسقاط أي حضارة للمسلمين العرب.

ونجد مؤخراً محاولات عديدة تحدث لتشويه شخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الشريف بالإساءة إليه ببعض الرسوم الكاريكاتورية تحت شعار حرية الرأي، فهذا ليس فقط تشويه للإسلام والمسلمين في وقتنا الحالي بل هي محاولة للتشكيك تاريخ الأمة العربية وتاريخ الإسلام بأكمله منذ بدايته حتى يومنا هذا ..
أما بالنسبة لعدم فهمنا للتاريخ جيدًا ! فهذا يعتمد على المصادر التي نلجأ إليها في معرفة تاريخنا فليست كل المصادر العربية أو حتى الأجنبية كاذبة مشوهة لصورة تاريخنا، بل هناك العديد من كتب التاريخ الصادقة التي سطرت التاريخ بكل مصداقية ووضوح. لكن القضية تكمن في قوة عقولنا وقدرتها على التحليل وربط الأحداث بعضها ببعض، لأن أي كلمة نقرأها في التاريخ قابلة للنقد وهذا يعود لطبع الكاتب، فهو بشر ليس معصوم من الخطأ وقابل أن يقع تحت تأثير وضغط معين أو كرهه للشخص الذي قام بالتأريخ له يجعله يختلق آي من الأقوال ليشوه صورته أمام القارئ.