الشرق الأوسط الجديد وفقاً لبوتين

الشرق الأوسط الجديد وفقاً لبوتين
Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – مراسل عسكري إسرائيلي —

•الذكرى السنوية السادسة لنشوب الحرب الأهلية السورية جرى إحياؤها هذا الأسبوع في سورية بسلسلة من المذابح والقصف المتبادل، وكانت ذروتها هجوماً منسقاً بعمليات انتحارية استهدفت وسط العاصمة دمشق. بيد أن وقوع عشرات القتلى في قلب منطقة يسيطر عليها النظام لا يغير ما يبدو أنه أصبح أكيداً: هذه هي السنة التي جرى فيها إنقاذ الطاغية بشار الأسد من الهزيمة، فالتدخل الروسي الذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2015 من خلال إرسال بضع عشرات من الطائرات الحربية إلى سورية، غيّر تماماً وجه الحرب. وفي نهاية 2016 حقق النظام إنجازه الأكبر- إخضاع المتمردين في مدينة حلب. وعلى الرغم من أن القتال ما يزال مستمراً في أنحاء الدولة، يبدو أن حكم الأسد ليس معرضاً حالياً لخطر الانهيار الفوري.

•لقد أصبحت سورية ملعباً كبيراً تتنافس فيه الدول العظمى، والدول المجاورة، وطوائف وعشائر، بينما مئات الآلاف من المدنيين السوريين يُذبحون، ويتحول ملايين منهم إلى نازحين في بلدهم أو إلى لاجئين خارج حدود الدولة. وقد تخطى تأثير الحرب حدود سورية نفسها، فموجة اللاجئين من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى بضع هجمات إرهابية دموية، غيرت الواقع السياسي الداخلي في أوروبا، وأثرت بطريقة غير مباشرة على الجو الذي أدى إلى نتائج مفاجئة في انتخابات الولايات المتحدة.

•لقد استند نجاح المحور الشيعي بقيادة إيران في دعم نظام الأسد في نهاية المطاف إلى القوة الجوية الفتاكة التي استخدمها الروس. وقد استفاد من ذلك كل من طهران وموسكو: عادت روسيا لتفرض واقعاً دولياً بوصفها دولة عظمى. وبخلاف الادعاءات التي صدرت عن دول عربية حيال الولايات المتحدة خلال فترة حكم أوباما، أثبتت روسيا أنها لا تتخلى عن حلفائها، ونصّبت نفسها قائدة لعملية سياسية هدفها التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سورية، وامتلكت نقاط قوة ستكون لها انعكاسات على ساحة الاشتباك الأساسية لها مع واشنطن في شرق أوروبا – كما استخدمت سورية حقل تجارب لتسويق منظومات السلاح الحديثة من إنتاجها.

•هذا الأسبوع جرى الحديث عن إرسال طواقم كوماندوس روسية إلى غربي مصر لتقديم المساعدة إلى جيش الجنرال حفتر الذي يناضل من أجل السيطرة على ليبيا. وتكذيبات الطرفين المعنيين لم تكن مقنعة. تمدّ موسكو ذراعها العسكرية الطويلة إلى أماكن يمكن أن تخدم مصالحها، وبالنسبة إلى ليبيا يبدو أن هناك ثلاثة أسباب: الرغبة في موطئ قدم لها طريق تزويد النفط الليبي لأوروبا؛ وتوقع أن يسمح حفتر للسفن الروسية بالرسو في مرافئ ليبيا؛ بالإضافة إلى تصفية حساب مع حلف شمال الأطلسي، الذي في رأي موسكو، أنه خدعها في قضية القصف الذي أدى إلى إسقاط نظام القذافي في 2001.

•كما أنه من المتوقع أن تربح إيران من الهجوم المتواصل الذي تقوده الولايات المتحدة من أجل احتلال مدينة الموصل شمال العراق وتحريرها من قبضة تنظيم داعش. وسيتيح طرد مقاتلي داعش من المدينة تواصلاً برياً للنفوذ الإيراني- الشيعي من طهران مروراً بالموصل حتى دمشق وصولاً إلى سهل البقاع وإلى بيروت. ويبدو أن الخطوات التي جرى الحديث عنها في الأسابيع الأخيرة – محاولة إقامة مرفأ إيراني في منطقة طرطوس في اللاذقية في سورية، وبناء مصنع لإنتاج الصواريخ لحزب الله في لبنان – هي جزء من خطة كبرى: فالمقصود ليس الترابط البري فقط بل تأسيس قوس نفوذ شيعي يمتد من الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط في الشمال ويصل إلى اليمن في الجنوب. والآن انتقلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي طوال سنوات شددت على التهديد النووي الإيراني (بتشجيع قوي من جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو)، إلى الحديث عن “إيران في المنطقة” كمصدر أساسي للقلق.

•تتحدث إسرائيل عن هذه المخاطر. فقد كشف نتنياهو خطة المرفأ الإيراني أثناء زيارته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأسبوع الماضي. لقد بحث الإيرانيون مع الأسد استئجار أرض لمدة 50 عاماً بحجم الأرض التي حصل عليها الروس كمرفأ في مدينة طرطوس. والخبر عن نقل مصانع للسلاح الإيراني في الفترة الأخيرة إلى لبنان ووضعها في خدمة حزب الله نشرته صحيفة كويتية.

•هاتان الخطوتان مثيرتان للقلق. كما أن وجوداً إيرانياً على شاطئ البحر الأبيض المتوسط يقلق أيضاً دول الاتحاد الأوربي. وسيقلص نقل خطوط إنتاج الصواريخ إلى لبنان اعتماد حزب الله على شحنات تهريب السلاح التي تعرضت أكثر من مرة إلى قصف غامض على طرق سورية. وما تحتاج إليه إسرائيل الآن للرد، هو وضع سياسة متبلورة مع سلم أولويات واضح من أجل كبح الخطوات الإيرانية المقبلة.

•لقد وضع نتنياهو لنفسه هدفاً طموحاً جداً هو القضاء على البرنامج النووي الإيراني وعارض اتفاق فيينا، لذلك فهو لا يسمح لنفسه بالتباهي بأن الاتفاق من شأنه عرقلة الخطر النووي لأكثر من عقد. وفي الحقيقة، إن تهديدات إسرائيل بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية، بالإضافة إلى تحديد قنوات ممكنة لفرض عقوبات ضد النظام في طهران، ساهما في قيام تحرك أميركي ودولي لفرض العقوبات – وساعدا في فرض تسوية اتفاق فيينا على الإيرانيين. والآن يتعين على نتنياهو المناورة في حقل لا يقل تعقيداً، بين التدخل المتزايد لروسيا في المنطقة وإدارة ترامب التي لا تزال تتلمس طريقها.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية