سياسة ترامب المتخبطة وإيران أمام المواجهات الإقليمية

سياسة ترامب المتخبطة وإيران أمام المواجهات الإقليمية
Spread the love

بقلم: توفيق المديني* — منذ أن استلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض يوم 20كانون الثاني/يناير 2017، و تشكيل فريقه الجديد من الجنرالات ، حتى بدأ يكشر عن أنيابه ، ويطلق التصريحات النارية من خلال ما ينشره من تغريدات «غير مؤدبة» على مواقع التواصل الاجتماعي ، ضد إيران،كموقفه الأخير :أنه لن يقتدي بسلفه باراك أوباما تجاه إيران ، ولن يكون لطيفًا معها مثله متوعدًا بإلغاء الاتفاق النووي معها، وملوحًا بأن كل الخيارات موضوعة على الطاولة لديه بما فيها الخيار العسكري لمواجهتها، موقف ارفقه بنبرة عالية في إدانة إيران على تجربتها الصاروخية البالستية الناجحة متهما إياها بخرق قرار الأمم المتحدة الذي تبنى الاتفاق حول الملف النووي الإيراني. أما مايك بنس نائب الرئيس الأميركي فقد حذرإيران من «اختبار حزم» إدارة الرئيس دونالد ترامب، بعد أيام من فرض واشنطن مجموعة من العقوبات الجديدة على طهران عقب إجرائها تجربة لصاروخ باليستي.وقال بنس في مقابلة مع شبكة «اي بي سي نيوز» أنه «سيكون من الأفضل لإيران أن تدرك أن هناك رئيساً جديداً في المكتب البيضاوي. ومن الأفضل لإيران أن لا تختبر حزم هذا الرئيس الجديد».
وتزامن مع التصعيد اللافت من جانب الرئيس ترامب، إطلاق فريق إدارته ، من الجنرالات،مواقف تصعيدية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث ركزوا جلّ اهتمامهم على طهران وخططها السياسية والعسكرية، وسيطرة نفوذها في المنطقة.وتتقاطع آراؤهم عند موقفٍ موحَّد وعميق من عدم الثقة بإيران.فقد أشارالجنرال مايكل فلين، مسؤول الأمن القومي المستقيل ، في كتابه الأخير الذي يحمل عنوان «ميدان القتال» قائلاً: «إنّنا في حرب عالمية، ولكنّ القليل من الأميركيّين يدركون ذلك، والأقلّ منهم ليست لديهم أدنى فكرة عن كيفية النَّصر فيها».أمّا الجنرال جيمس ماتيس، وزير الدِّفاع،فقد سبق له أن اتّهم إدارة أوباما بـ «تعزيز الانطباع في المنطقة بأنّ الولايات المتّحدة تتراجع»، وأدّت تحذيراته بشأن التهديدات التي تشكّلها إيران إلى توتّرات مع البيت الأبيض الذي دعاه، عندما كان لا يزال في الخدمة العسكرية، للتخفيف من حدّة لهجته حيال إيران.وأعرب الجنرال الثالث جون كيلي،وزير الأمن الداخلي، بدوره عن آراء متشدِّدة إزاء إيران و«التهديدات الإرهابية»، وهو يحظى باحترامٍ كبير داخل مؤسّسة وزارة الخارجية الأميركية.
استقالة مسؤول الأمن القومي الأميركي
وجاءت استقالة مايكل فلين من منصبه كمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض وأحد أبرز مساعدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتضرب قلب الأمن القومي الأميركي و تخلط الأوراق داخل الإدارة الأميركية، من دون أن تخلّف تداعيات جذرية على توجّهات وسياسات الإدارة الجديدة ، خصوصاً أنها تأتي في أعقاب هزيمة قاسية تلقتها هذه الادارة على جبهة الحرب مع القضاء الأميركي في قضية منع رعايا الدول الإسلامية السبع من دخول الولايات المتحدة. فالجنرال المستقيل من منصبه، بعد أقل من شهر من البدء بممارسة مهامه بشكل رسمي، هو من أوائل العسكريين الأميركيين المؤيدين لحملة ترامب الانتخابية ومن أبرز مهندسي استراتيجياته على صعيد الأمن القومي والسياسة الخارجية. كما يُعتبر فلين ركناً أساسياً في المنظومة الإيديولوجية التي رفعت حملة ترامب الانتخابية لواءها من الموقف المتشدد من المسلمين و«الإسلام الراديكالي» إلى نظرية التحالف مع موسكو وطي صفحة العداء بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي.
وفي حسابات معادلة مراكز القوى داخل فريق ترامب، تُقرأ استقالة على أنها انتكاسة كبرى للمتشددين وأصحاب الدعوات المتطرفة، وإن كان ستيفن بانون مستشار الرئيس الاستراتيجي ورمز اليمين المتطرف هو أيضاً من المستفيدين من استبعاد مستشار الأمن القومي. لكن الرابح الأكبر بلا منازع هو نائب الرئيس مايك بينس وفريق الحزب الجمهوري في الإدارة المعروف بمواقفه المعارضة لوجهة نظر فلين إزاء التقارب مع موسكو والذي يتبنى وجهة النظر الأميركية التقليدية تجاه ملفات السياسة الخارجية وتحديداً في ما يتعلق بالعلاقة الأميركية الروسية.
وفي حسابات المعارضين لإدارة ترامب، وخصوصاً في المؤسسات الأمنية كوكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي، تُعتبر الإطاحة المبكرة بمستشار الأمن القومي للرئيس الجديد انتصاراً كبيراً وتأكيداً لصوابية وجهة نظر أجهزة الاستخبارات التي سبق وحذرت الرئيس الجديد من مخاطر التمادي في العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن مخاطر دعواته إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة على الأمن القومي الأميركي. والمعروف أن رأي فلين المشكك بتقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية كان مسموعاً لدى ترامب، والأرجح أن الجنرال الذي أقالته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما من منصبه في الاستخبارات العسكرية عام 2013، قاد معركة ترامب ضد وكالات الاستخبارات الأميركية ودفع الرئيس إلى تبني مواقفه المشككة بقدرة اجهزة الأمن الأميركية واتهامها بالفساد والتحول إلى أداة سياسية بيد إدارة أوباما(1).
وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية قد سجلت في إطار مراقبتها الروتينية للدبلوماسيين الروس في الولايات المتحدة، مكالمة هاتفية بين السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلاك وفلين، تحدث فيها الرجلان في مسألة العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة أوباما على روسيا، رداً على الاتهامات بتدخّل موسكو بالانتخابات الرئاسية الأميركية وعمليات القرصنة الإلكترونية التي اتُهم بها قراصنة روس تابعون لأجهزة الاستخبارات الروسية للبريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي ولمدير حملة المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون.
يمكن بسهولة تخيل شكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يكتب تغريدته التي علق من خلالها على خبر استقالة مستشاره للأمن القومي، مايك فلين، على خلفية اتصاله السري مع روسيا، حيث ألقى ساكن البيت الأبيض الجديد بحمم غضبه المكتوم على الصحافة والإعلام، من خلال ضجره من كثرة التسريبات التي اعتبرها القصة الحقيقية، متوعداً بملاحقة المسرّبين، موكلاً ذلك إلى مدير أمنه السابق، كيث شيلر الذي يرافقه كظله في البيت الأبيض، بينما انتقلت مرحلة وضع الرئيس ترامب في الزاوية التي بدأها بمعاداته للإعلام، ثم انتقلت إلى الكونغرس الذي طالب بالتحقيق في استخدام الرئيس لهاتفه الخاص والقديم، بدلاً من الهاتف الرئاسي الذي أعطي له، معتبرين أن ذلك يعرض الأمن القومي للخطر. وبينما تتناوشه الشكوك حول علاقته بروسيا، أتت استقالة فلين لتعضد المخاوف، وتضرب سياساته الخارجية في محاربة الإرهاب في مقتل، خاصة أن مستشاره للأمن المستقيل هو من رسم كل الاستراتيجيات الخارجية من قبل، وخلال الحملة الانتخابية، مثل تلك المتعلقة بمحاربة «داعش»، والعلاقة مع روسيا، إضافة إلى الخطوط العريضة للتعامل مع إيران، وقضايا الشرق الأوسط المعقدة، ما سيعرقل جهوده في هذا الصدد (2).
ويعتبر ترامب أن أكبر الأخطار عليه هي التسريبات التي تأتي من البيت الأبيض، بحسب صحيفة «الغارديان» التي قالت إنه عين مدير أمنه السابق كيث شيلر لحسم هذه القضية داخل البيت الأبيض والتي باتت تشكل له هاجساً منذ التسريبات التي خرجت للصحافة عن مكالماته التي يجريها، وكان ترامب قال إن معاوني أوباما يقفون وراء تسريب تفاصيل محادثاته مع الزعماء الأجانب.وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس ترامب ليس على ما يرام مع الصحافة التي يعتبرها تعاديه، كما يشوب التوتر علاقاته مع مجتمع الاستخبارات، ويرى رون كوفمان الذي عمل في البيت الأبيض في أثناء إدارة جورج بوش الأب، أن تسريبات إدارة ترامب هي نصيب مقدَّر بالنسبة لأي إدارة شابة. «كانت هناك دائماً تسريبات»، يقول كاوفمان، مضيفاً: «كل رئيس في التاريخ قال إن الصحافة تكرهه، وإن هناك الكثير من التسريبات».

حدود المواجهة بين أميركا و إيران
يقول دان بيمان، المُحلِّل الأسبق لشؤون الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزية والبروفسور في جامعة جورج تاون،:«قد يكون مستشارو ترامب أسرع في إدراك النوايا الخبيثة، بسبب خبرتهم العسكرية السابقة،ولكنّهم أكثر حذراً حيال التدخّل أو الانتقام العسكري من جانب الولايات المتّحدة».وقد أضاف موضحاً:«يملك المستشارون كثيراً من الخبرات الشخصية، ويميلون إلى النَّظر للعداء الإيراني بوصفه مخطَّطا له بعمق، لا باعتباره مجرّد تصرّف من فصيل أهوج،أوحالة من حالات الفوضى،إنّهم قادرون على توقّع الأسوأ بخبرة أكثر ممّا توفَّرت لإدارة الرئيس أوباما»(3).
رغم التهديدات النارية التي أرسلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران في أواخر شهر كانون الثاني الماضي ،لا يعتقد العديد من المحللين أن العلاقات الأميركية-الإيرانية قد دخلت نفق التصعيد المفتوح حتى على العمل العسكري ، أو أن الإدارة الأميركية الجديدة وضعت الملف الإيراني فوق نار حامية.ففي البدايةيجب أخذ بعين الاعتبار خلفية ترامب كرجل أعمال في الحسبان. الديبلوماسيون و القادة السياسيون يعملون في عالم يعتبر كلامهم بمنزلة مقترحات سياسية لد تداعيات سياسية. و يتعين عليهم اختيار كلماتهم بعناية و التحدث بنغمات محسوبة حتى لا يساء تفسير مثل هذه المقترحات، وهذا ليس عالم ترامب.فخلفية ترامب هي في مجال الأعمال التجارية، وفي هذا العالم كل مناقشة قبل التوقيع على العقد (و أحيانا حتى بعد ذلك) تهدف إلى إحداث تأثير تكتيكي و ليس له أي وزن سياسي.وعادة ما تصدر تصريحات استفزازية لقياس ردّ فعل الطرف الآخر. ويعتبر التهديد و الوعيد والانفعال أدوات تكتيكية ، وليست انحرافات عن السياسات الديبلوماسية،لذا، من يأخذ ما يقوله الرئيس ترامب بشكل حرفي يرتكب خطأً كبيرًا.
من الواضح أن ترامب لم يكن عضوًا في المؤسسة السياسية الأميركية ، ولهذه الحقيقة تداعيات على السياسات الخارجية، ولعل أهمها أن ترامب لا يدين بالولاء أو الإذعان للتقاليد السياسية التي تتبعها المؤسسة السياسية في واشنطن.وهناك عدد من التقاليد المتعلقة بالسياسات التي تتبناها الولايات المتحدة و أيدها جميع الرؤساء في الفترة الأخيرة و تشمل الالتزام بالتجارة الحرة، و الاعتماد على الحلفاء و التحالفات في الشؤون الأمنية و العسكرية. وكون ترامب لا يمثل جزءًا من التقليد السياسي الأميركي ، يجعله غير ملزم بالتقيد بهذه العقيدة.
فمن المتوقع أن يبتعد ترامب عن النهج التصالحي الذي كان يتبناه أوباما تجاه إيران ،وأن يصعّد من تهديداته بشكل رمزي على الأقل ، و أن يتبنى استراتيجية القتال ضد «داعش».وتندرج السياسة المتشددة من جانب ترامب إزاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سياسة زيادة الانخراط الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، وهي سياسة تختلف عن سياسة «القيادة من الخلف» التي اتبعها أوباما.ففي عهد إدارة أوباما تراجعت علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالمملكة السعودية، على الرغم من كونها أحد الحلفاء الرئيسيين لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، ويرجع ذلك، في جانب منه، إلى سبيين رئيسيين :
الأول،من جراء إبرام إيران الاتّفاق النووي مع الدُّول الست ، في حزيران (يونيو) 2015، والذي بدأ بتنفيذه في 17 كانون الثاني (يناير) 2016، ومن هنا كان الرهان الكبير على القرار الاستراتيجي لإنجازه،حيث علّق الرئيس روحاني آمالاً كبيرةً على ذلك الاتفاق ووصف ذلك الإنجاز بأنّه يمثِّل «صفحة ذهبيّة في تاريخ بلاده»، ولاسيّما لجهة فكّ الحصار المالي والاقتصادي وعودة إيران إلى التفاعل مع الاقتصاد العالمي بشكلٍ يُعيد إنعاش اقتصادها.
والثاني، من جراءتنامي القوة الإقليمية لإيران في ضوء انخراطها في الأزمتين السورية و اليمنية.
ما هو مؤكد أن سياسة ترامب تجاه الجمهورية الإسلامية ، لم تكن كالسياسة الامريكية السابقة في عهد إدارة أوباماأوباما، ففي حملته الانتخابية توعد ترامب إيران برد قاس على أي سفينة إيرانية تضايق البحرية الأمريكية في مياه الخليج.فالحرب الأميركية ضد إيران لن تكون نزهة من وجهة نظر العارفين بخبايا منطقة الشرق الأوسط، و الولايات المتحدة الأميركية التي دخلت في ثلاث حروب في منطقة الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين . فإيران محاطة بدول إسلامية تربطها علاقات عدائية مع أمريكا مثل أفغانستان وباكستان ولها حدود طويلة معهما، ناهيك عن جارتها الشمالية العراق، إضافة إلى إطلالة إيران على مياه الخليج العربي بمساحة طولها 1660 كيلومتراً تقريباً، وتتحكم بمضيق هرمز الاستراتيجي، ناهيك عن جبهتها البحرية على بحر قزوين وطولها حوالي 880 كيلومتراً، واضعين في الاعتبار أيضاً علاقاتها الجيدة مع روسيا والصين.
فقد تكبد ت الولايات المتحدة الأميركية مبالغ طائلة في الحربين الأفغانية و العراقية ،ولا سيما في العراق (2003-2011)،الذي استنزفت فيه موارد مالية أمريكية كبيرة قدّرها ترامب في إحدى تغريداته بنحو 3 تريليونات دولار، الأمر الذي قاد إلى إنهاك الاقتصاد الأميركي ،ورفع نسبة الديون الأميركية إلى نحو 19500مليار دولار،إضافة لوجود فائدة سنوية على هذه الديون تقدر بنحو 546 مليار دولار،فضلاًعن ارتفاع الميزانية العسكرية والمساعدات الخارجية المقدمة لدعم الحلفاءلضمان هيمنة الإمبريالية الأميركية على النظام الدولي،وهو ما مثل عبئًا اقتصاديًا ثقيلاًعلى الولايات المتحدة.
ولايجب إغفال أن الحروب الأميركية الرامية إلى إدامة سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي، لم تجعل الولايات المتحدة أكثر أمانًا، فقد ترتب عليها زيادة العمليات الإرهابيةالموجهة ضدها، سواء في أفغانستان و العراق، أوحتى في الداخل الأميركي ،وعلى مستوى آخر،فقد ترتب على تبني واشنطن سياسات هجومية، ثم انشغالها في مرحلة تالية بإنهاء حروبها في الشرق الأوسط إعطاء الفرصة للقوى المناوئة لها ،إقليمياً ودوليًا لتعزيز قوتها، كما ظهر ذلك جليًا في الحرب الإرهابية الكونية ضد الدولة الوطنية السورية،حيث برزت إيران كقوة إقليمية حقيقية في منطقة الشرق الأوسط، و حققت روسيا من خلال التدخل العسكري في سوريا عبر عاصفة السوخوي منذ 30 أيلول/سبتمبر 2015، إلى تحقيق التوازن الاستراتيجي في النظام الدولي الذي كانت الولايات المتحدة الأميركية تهيمن عيه بإطلاقية منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، ونجاح الصين في تطوير قدراتها الاقتصادية و العسكرية .
يرى العديد من المحللين في الغرب أن المواجهة الأميركية-الإيرانية ستكون بالوكالة، وهناك من يرى أن ترامب يعدّ «لمنازلة مع طهران في اليمن»، وأن عدة خيارات تنظر فيها إدارته، على ما تردد. ومنها تعزيز القدرات العسكرية للقوات الحكومية اليمنية الرسمية، عن طريق تزويدها «بالمستشارين ودعمها بعمليات الطائرات المسيّرة»، بالإضافة إلى العمل على قطع طرق الإمدادات العسكرية عن طريق البحر للحوثيين وهو ما اقتضى توجيه المدمرة «يو أس أس كول» إلى قرابة السواحل اليمنية ، للقيام بهذه المهمة.
ولا يبدو أن نشر الولايات المتحدة الأمريكية المدمرة «يو إس إس كول» أمام السواحل اليمنية، في 3 شباط2017، بهدف حماية الملاحة الدولية في باب المندب ينفصل عن التصعيد مع إيران خلال الفترة الأخيرة، وعن اتجاه الإدارة الأمريكية إلى التركيز على تطبيق استراتيجية المحاصرة لإيران بسبب مواقفها من الأزمات الإقليمية المختلفة، التي تتناقض كليًا مع المحور الداعم للحركات الإرهابية والتكفيرية،والمتكون من الولايات المتحدة الأميركية،وتركيا،والدولة الخليجية، والكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق قالت دورية «فورين بوليسي» الأميركية أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت خطوات تصعيدية ضد قوات «الحوثيين» المدعومة من إيران في اليمن، كجزء من خطة أوسع لمواجهة طهران عبر استهداف حلفائها. ونقلت عن مصادر متابعة للنقاشات داخل الإدارة إشارتها إلى نشر الولايات المتحدة المدمرة «كول» قبالة الساحل اليمني لحماية حرية الملاحة في مضيق باب المندب، ودرسها خطوات أخرى بينها توجيه المزيد من ضربات الطائرات المسيرة «درونز» وإرسال مستشارين عسكريين لمساعدة القوات الحكومية اليمنية.وأبلغ أحد المستشارين العاملين مع فريق الأمن القومي الأميركي المجلة أن «هناك رغبة داخل الإدارة في القيام بعمل قوي جداً» ضد إيران في اليمن، وأن الولايات المتحدة «قد تنخرط في شكل مباشر في قتال الحوثيين» إلى جانب حليفيها السعودي والإماراتي.
وأضافت «فورين بوليسي» أن «مساعدي ترامب يرون في اليمن ساحة مهمة لإظهار تصميم الولايات المتحدة في مواجهة إيران، ولتغيير ما يعتبرون أنه فشل إدارة باراك أوباما في التصدي لتنامي القوة الإيرانية في المنطقة. لكن ثمة مخاوف من أن تؤدي المقاربة القاسية للوضع اليمني إلى رد فعل إيراني ضد الولايات المتحدة في العراق وسورية»(4).
وعلى الصعيد اليمني و بعد احجام أميركا خلال السنتين من العدوان السعودي الخليجي الأميركي على اليمن ، إحجامها عن العمل العسكري العلني أو حتى التدخل العلني المباشر في الميدان ، فإنّ ترامب و في الأسبوع الثاني من ولايته أقدم على توقيع أمر تنفيذي بإجراء عمل عسكري مباشر في اليمن (إنزال ادعى أنّه نفذ ضد القاعدة الإرهابية و كان الإخفاق فيه مدويًا ) ثم و هنا الأخطر ادعى أن الصواريخ اليمنية التي أخرجت الفرقاطة السعودية «المدينة» من الميدان كانت في الحقيقة تستهدف القطع البحرية الأميركية و أنّ اميركا لن تتهاون مع الأمر وستعالجه بما يقتضي من حزم لمنع «المتمردين اليمنيين » على حد قوله و يقصد بهم الجيش اليمني و أنصار الله بقيادة عبد الملك الحوثي ، لمنعهم من تهديد البحرية الأميركية و إبقاء باب المندب مفتوحا (5).
خلفيات التصعيد الأميركي ضد إيران
منذ أن فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، احتلت عملية استشراف سياساته وتوجهاته في التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيزًا كبيرًا من تحليلات المحللين والمراقبين.وجاء التهديد الأميركي الأخير ضد إيران ، ليؤكد مرّة أخرى أن المحدّدات التاريخية لخلفيات لهذا التصعيد، هي التي يجب أخذها بعين الاغتبار ، ومنها:
1-العداء التاريخي الذي يتحكم في العلاقات الإيرانية الأمريكية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران،و الذبي لا يزال قائما ولم يتغير، حتى الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» الذي وعد خلال حملته الانتخابية قبل أن يصبح رئيسا بفتح صفحة جديدة مع طهران، عندما استلم الرئاسة كانت سياساته محكومة بهذا العداء، فأقرت أسوأ عقوبات أمريكية أو أممية ضد إيران في عهده. والاتفاق النووي الذي وصلت إليه إدارته جاء من منطلق هذا العداء، ولم يكن حبا في إيران، بل أنه جاء وفق استراتيجية وجدها أوباما، الأفضل لمواجهة «العدو الإيران».
2-لطالما ارتبط إحياء ذكرى الثورة الإسلامية في إيران بشعارات العداء لأميركا، وبالتأكيد على استمرار سياسات الجمهورية الإسلامية الداخلية والإقليمية والدولية على حدّ سواء. لكن الذكرى الثامنة والثلاثين حملت طابعاً أكثر حدة، يوم الجمعة 9شباط 2017، خصوصاً أنها تأتي بعد ذكرى سابقة، جرّبت إيران خلالها أجواء التهدئة إبان التوصل للاتفاق النووي مع الغرب. وانعكس هذا التصعيد في تصريحات المسؤولين، وفي شعارات المتظاهرين ممن خرجوا هاتفين ضد الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب. وجاءت أجواء الشارع مشابهة لقرع الطبول العسكرية مجدداً بين واشنطن وطهران ، أيام ما كان عليه الحال في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد.
وأظهر الإيرانيون، شعبياً ورسمياً، امتعاضاً حادّ اللهجة من التصريحات الصادرة أخيراً عن الإدارة الأميركية، ومن قرار ترامب الذي أدى لفرض عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات إيرانية، أو مرتبطة بإيران، على خلفية تجربة صاروخية باليستية، قالت عنها واشنطن في البداية إنها تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي 2231، والذي يمنع البلاد من امتلاك أسلحة من هذا النوع. وهو ما رفضته إيران جملة وتفصيلاً، كون الصواريخ غير قابلة لحمل رؤوس نووية، ما يعني عدم ارتباط الملف التسليحي بالملف النووي، بحسب مسؤوليها.
وأبدى الرئيس الإيراني حسن روحاني تحفّظاً على كل ما يجري من قبل الطرف الأميركي، وهو ما فتح ناراً تؤشر على أن مستوى العداء مع أميركا بعد وصول ترامب للبيت الأبيض بات أكثر حدة. وقال روحاني خلال كلمته بمناسبة ذكرى الثورة، إنه “يجب مخاطبة الشعب الإيراني باحترام وبأن الولايات المتحدة ستندم على استخدام هذا الخطاب. وأكد أن «بلاده لن تسكت على الخيانة الأميركية للإيرانيين، وأخذ أموالهم وحقوقهم عنوة»، في إشارة منه للأموال الإيرانية المجمّدة في المصارف الأميركية(150مليار دولار)، والتي قررت واشنطن مصادرتها قبل فترة لدفعها كتعويضات لأقارب ضحايا الإرهاب، متهمة إيران بتمويل التنظيمات الإرهابية حسب الزعم الأميركي . وأشار الرئيس الإيراني إلى أن «شكوى بلاده الرسمية ضد واشنطن باتت مسجلة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وما زالت تنتظر الإجراءات القانونية، في محاولة لمحاسبة أميركا».
واعتبر روحاني أيضاً أن «المجتمع الدولي بات معترفاً بحقوق إيران النووية»، مؤكداً أن «نشاط بلاده النووي مستمر». ومن ناحية أخرى أشار إلى أن «طهران لا تشكل تهديداً على الدول الجارة، وعلى أمن المنطقة، لكنها تقف بوجه ظلم وطمع قوى الاستكبار». وهو ما يؤشر إلى محاولة تحقيق التوازن في الرد السياسي الإيراني الحالي، على الرغم من كل التصعيد، فروحاني ذكر أن بلاده ستواجه ما يحصل بالحكمة والمنطق والصمود(6).
3-يطغى على تركيبة الإدارة الأمريكية الجديدة نزعة «الإإيرانوفوبيا» بدء من الرئيس ترامب الذي لم يغير من خطابه العدائي، ووصولا إلى أعضاء فريق عمله، الذين إن اختلفوا في وجهات النظر في قضايا داخلية وخارجية، إلا أنهم مجمعون على «معاداة إيران»، و«الإسلام السياسي»، الذي يوصف ضمنه نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فنائب الرئيس الأمريكي «مايكل بنس »يؤيد مهاجمة «إسرائيل» أهداف إيرانية لمنعها من «تطوير أسلحة نووية»،ويهاجم الاتفاق النووي مع إيران، ويعتبره ضد مصلحة «إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية.
4-المحدد الصهيوني ، بمعنى آخر حماية أمن الكيان الصهيوني ، باعتباره متلازما مع حماية الأمن القومي الأميركي،ويشكل أحد ركائز ومحددات السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة الأمريكية منذ ستينيات القرن الماضي، ومن هذا المنطلق ترسم علاقاتها مع دول المنطقة، منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ترفع راية العداء للكيان الصهيوني منذ عام 1979.
فالجديد في هذا الخصوص، أن ثمة مؤشرات تبعث على القناعة أن هذا المحدّد الصهيوني على الأرجح سيكون له دور أكبر خلال المرحلة المقبلة في رسم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، ولاسيما في التعامل مع إيران،بسبب قرب دونالد ترامب ومعظم أعضاء إدارته ولاسيما من يشغلون مناصب حساسة منهم، من اليمين الصهيوني المتطرف، وهذا تجلى أولا في وعد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس قبل الانتخابات وتأكيده على ذلك بعد الفوز حسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، ثم توجيه الدعوة لزعماء مجلس المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية للمشاركة في حفل التنصيب في سابقة نادرة، كذلك الحديث عن «الإرهاب الإسلامي» في حفل التنصيب، والذي يشكّل ركيزة مهمة في الخطاب الإعلامي والسياسي لليمين الإسرائيلي.
إضافة إلى تقاطع تصريحات دونالد ترامب ووزرائه الأساسيين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو ووزرائه المتطرفين في معاداة إيران والاتفاق النووي الإيراني. والحال هذه، فإنّ جملة هذه المؤشرات تعني أن الكيان الصهيوني يستغل التوجه اليميني للإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة ترتيب الأولويات للسياسية الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، ورسم ملامحها بناء على إستراتيجية «إيران أولا» من منطلق عدائي بحت.

5-إن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية باختبار صاروخي يوم 29كانون الثاني 2017،لا يشكل خرقًا للاتفاق النووي.ولم يكن الاعتراض الأمريكي على التجربة الصاروخية الإيرانية دافعه مخاوف أمريكية حقيقية من احتمال أن يكون هذا الصاروخ الإيراني معداً لحمل رؤوس نووية،أو باعتبارها خرقاً لقرارات مجلس الأمن،فواشنطن تعرف جيداً أن إيران لم تصل بعد إلى قرار إنتاج صواريخ تحمل رؤوساً نووية، كما تعرف أن إطلاق هذا الصاروخ ليس له أدنى علاقة بالاتفاق النووي الموقع مع إيران، لكن التحرك الأمريكي أتى متزامناً مع تحرك «إسرائيلي» في مجلس الأمن قام به داني دانون مندوب «إسرائيل» في الأمم المتحدة الذي طالب فور الكشف عن هذه التجربة الصاروخية، مجلس الأمن بالتحرك. وبناء على ذلك دعت واشنطن إلى جلسة لمجلس الأمن بهذا الخصوص. كما أن هذا التحرك الأمريكي جاء أيضاً بالتزامن مع تأكيدات بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» أنه سيطرح على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائه به في منتصف هذا الشهر «الحاجة إلى استئناف فرض العقوبات على إيران: عقوبات ضد الصواريخ البالستية، وعقوبات إضافية ضد الإرهاب، ومعاجلة الاتفاق النووي الفاشل».
وكان إسقاط، أو إفشال الاتفاق النووي مع إيران هو الهدف وما زال، وكانت صواريخ إيران البالستية هي الهدف الثاني بعد أن تجاوزها إطار الاتفاق النووي، وجاءت التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة لتعطي نتنياهو فرصة الدخول في شراكة استراتيجية «إسرائيلية» – أمريكية جديدة عنوانها إيران، ولعل هذا ما استهدفه نتنياهو عندما جدد في لقائه مع نظيرته البريطانية تيريزا ماي ( لندن- 6/2/2017) دعوة «الدول التي تتحلى بالمسؤولية» إلى إتباع مثال الولايات المتحدة عبر المطالبة بعقوبات جديدة على إيران. وكان نتنياهو شديد الحرص على إطلاق كل ترسانته من التحريض ضد إيران، لذلك أعاد اتهام إيران بأنها «تسعى إلى القضاء على «إسرائيل» وتقول هذا علناً، وهي تسعى إلى غزو الشرق الأوسط، وتهدد أوروبا والغرب والعالم».الموقف «الإسرائيلي» واضح: إيران هي الهدف، سواء بتجديد الهجوم على الاتفاق النووي لإفشاله، أو بالتحريض ضد القدرات الصاروخية الإيرانية(7).
6- سلطت صحيفة «ترود» الضوء على محاولات الولايات المتحدة تقويض التعاون الروسي-الإيراني، مؤكدة أنها ستبوء بالفشل .وجاء في المقال:بينما يبحث البيت الأبيض عن طريقة لتقويض التعاون الروسي-الإيراني، دعا المخرج السينمائي المعروف أوليفر ستون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كشف الحقيقة أمام العالم عن دور وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» في تغيير النظام في أوكرانيا.وكتبت «وول ستريت جورنال»، يوم الاثنين 06/02/2017، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبحث عن طريقة لتقويض التعاون السياسي والعسكري بين روسيا وإيران.ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مصدر في البيت الأبيض أن لدى الادارة الاميركية «إسفينا تستطيع دقه بين روسيا وإيران، ونحن مستعدون للنظر في هذا الخيار». كما أشار متحدث البيت الابيض للصحيفة إلى أن الرئيس وبطانته «لا يبنون الأوهام» بشأن موسكو. بيد أنهم لا يرون في موسكو تهديدا وجوديا للولايات المتحدة كما كان أيام الحرب الباردة(8).
من الواضح حتى الآن أن الرئيس ترامب حريص على العلاقة مع روسيا في ملفات كثيرة، من أبرزها ملف الحرب على الإرهاب، خاصة في سوريا، ويتلكأ في مجاراة الاتحاد الأوروبي في التصعيد ضد روسيا حرصاً على هذه الشراكة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لذلك من الضروري أن نسأل: هل يمكن أن يضحي ترامب بهذه الشراكة الاستراتيجية المهمة مع روسيا وينساق للضغوط «الإسرائيلية» لاستهداف إيران؟
الإجابة عن مثل هذا السؤال تدفع إلى البحث عن الموقف الروسي، وهل يمكن لروسيا أن تضحي بالحليف الإيراني لكسب الشريك الأمريكي أم لا؟ أم أن لروسيا منظوراً آخر هو نزع فتيل المواجهة بين واشنطن وطهران، والحفاظ على العلاقة مع واشنطن من دون خسارة إيران؟
حتى الآن موسكو تدافع عن إيران، وترفض الاتهامات «الإسرائيلية» والأمريكية، وأعلنت أنها تختلف مع دونالد ترامب بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني، وأكدت رفضها اتهام إيران بأنها «راعية للإرهاب»، حسب ما ورد على لسان المتحدث باسم الرئيس الروسي. كما أكد سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي أن بلاده «لا ترى أنه يوجد أي عقبات تذكر (حتى بعد تجربة الصاروخ) أمام تنفيذ الاتفاق النووي»، مشدداً على أن إطلاق إيران لصواريخ باستخدام تكنولوجيا متقدمة لا يشكل خرقاً لخطة العمل المشترك، والقرار الدولي رقم 2231، ورأى أيضاً أن إعادة فتح هذا الملف فيه مخاطرة كبيرة جداً.واضح أن روسيا ضد استهداف إيران، لكن، وعلى حد قول صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن إدارة ترامب تسعى إلى دق أسفين بين روسيا وإيران، وأن واشنطن تسعى إلى استكشاف سبل من أجل تفكيك التحالف العسكري والدبلوماسي بين روسيا وإيران.هل يمكن أن تنجح واشنطن في هذا المسعى، وأن يكون الملف السوري هو المدخل لذلك؟
الاتفاق النووي بين ممارسة الابتزاز الأميركي و إنقاذ الاقتصاد الإيراني
ورغم أن ترامب هدّدخلال حملته الانتخابية بالتخلي عن الاتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والقوى الدولية، فإن المعارضين للاتفاق داخل المؤسسة السياسية الأميركية والعسكرية يرون أنه قام بتعطيل البرنامج النووي الإيراني،وإطالة أمد امتلاك إيران القنبلة النووية من دون أن يمنعها كليا،إضافة على ما سبق ،فإن إدارة أوباما السابقة كانت مترددة في فرض العقوبات الأخرى غير المرتبطة بالبرنامج النووي،أي تلك العقوبات المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية ، وذلك خوفا من تداعيات تلك الخطوة على الاتفاق النووي مع إيران.
أما ترامب ، فإنه يريد أن يمارس المزيد من الضغوطات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ،من خلال تشديد العقوبات الاقتصاديةعليها،عبر تعديل القانون الذي ينص على معاقبة الشركات الأجنبية التي تتعاون مع شركات إيرانية يمتلك الحرس الثوري الإيراني حوالي 50% أو أكثر من أسهمها، و ذلك من خلال جعلهذه النسبة حوالي 25% فقط،و النص على أن أي تعاملات إيرانية بالدولار الأميركي سوف تخضع للاختصاص القضائي الأميركي،و أخيرًا، إصدار عقوبات أكثر صرامة بحق أي شركات تخترق الحظر الأميركي المفروض على الشركات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني(9).
وعلى النقيض من ذلك، يرى مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية أن نقض الاتفاق النووي الإيراني ليس خيارًا منطقيًا، و أنه يجب على ترامب تطبيق هذا الاتفاق من خلال ضمان التزام إيران به(10).وقد أكدت على نفس المعنى سوزان مالونوي، نائب مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجر،إذ رأت أن النواب الجمهوريون داخل الكونغرس سوف يعرضون الاتفاق النووي للخطر، وذلك بسبب إصرارهم على تصعيد الضغوط على طهران باستخدام الوسائل الاقتصادية و العسكرية من أجل كبح النفوذ الإيراني و تعزيز الدور الأميركي في منطقة الشرقلا الأوسط(11).
في ظل وجود المقربين من ترامب أمثال السيناتور توم كوتن من ولاية تكساس، والعمدة السابق لمدينة نيويورك رودولف جولياني، والسيناتور السابق جون كيل من ولاية أريزونا، والذين أظهروا موقفاً عدائياً تجاه إيران. إضافة إلى دونكان هانتر، عضو الكونجرس السابق عن الحزب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا، الذي طالما دافع عن فكرة الاستعمال التكتيكي للأسلحة النووية ضد إيران. لذا فانه «على الأرجح سيعتمد ترامب موقفاً حاداً تجاه إيران». ومن هنا فمن المتوقع أن تعود الولايات المتحدة الأميركية إلى سياسة الاحتواء فيما يخص مواجهتها مع طهران، وربما ستعتمد سياسة العقاب من خلال الضغط العسكري .
من الواضح أن ترامب لا يمتلك بعدسياسة محددة للتعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، فكل ما يمتلكه هو موقفه من الاتفاق النووي، حيث أعلن عنه قبل الفوز في الانتخابات الرئاسية. كما قال حرفيا في إحدى المناسبات إنّ الاتفاق النووي هو «أسوأ ما يمكن أن يكون قد تمّ التفاوض عليه على الإطلاق»، وقد وعد في حال فوزه بأن يجعل من تفكيك الاتفاق النووي «الأولوية رقم 1» لديه.لكن في المقابل، ترامب كان قد ذكر أيضا أنّه سيقوم بإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي لتحسين شروطه، وتشديد القيود على إيران، ومراقبة التطبيق التام لكافة بنوده، بشكل لا يسمح لإيران باستغلاله لغايات أخرى، حسب وجهة نظره. وانطلاقا من هذه المعطيات، فإن من غير المعروف ما إذا كان ترامب سينهي الاتفاق فعلاً، أو سيقوم بإعادة التفاوض عليه
غير أنّه من المتوقع ان يتخذ ترامب إجراءات تعزز من نفوذ الولايات المتحدة على إيران، ومن بين هذه الإجراءات:
1ـ الضغط على الاقتصاد الإيراني، وتحديدا الجهات الاقتصادية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وذلك من خلال الحد من رغبة الشركات الأجنبية في الدخول إلى الأسواق الإيرانية.
2ـ وضع شروط على الشركات الدولية المتعاملة مع الشركات الإيرانية أن يكون انجاز المعاملات بالدولار الأميركي فحسب.
و بالمقابل ، كان هناك رهان إيران على إسهام الاتفاق النووي في إنقاذ الاقتصاد الإيراني، الذي ظل خاضعً لحصار اقتصادي دولي منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث ضربت العقوبات مفاصل اقتصادية رئيسة، وأدّت إلى تراجع النفط بأكثر من النصف، وذلك من 100 بليون دولار إلى أقلّ من 50 بليوناً، وأدّت التحوّلات الجيوسياسية إلى انهيارٍ متواصلٍ للنقد الإيراني. ومن هنا كان الرهان الكبير على القرار الاستراتيجي لإنجاز الاتّفاق النووي مع الدُّول الست، ولاسيّما لجهة فكّ الحصار المالي والاقتصادي وعودة إيران إلى التفاعل مع الاقتصاد العالمي بشكلٍ يُعيد إنعاش اقتصادها.
وإذا كانت إيران قد استلمت 32 بليوناً و600 مليون دولار من أموالها المجمّدة على أن يفرج عن المبالغ الباقيه بمعدّل 700 مليون دولار شهرياً، وفق ما أعلنه محافظ البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف، فإنّ هناك اختلافاً حول أرقام مجموع الأموال المجمّدة، حيث يقدّرها الجانب الإيراني بنحو 150 بليون دولار، في حين يقدّرها الجانب الأميركي بنحو 55 بليون دولار. وبدلاً من أن تحصل إيران على المبالغ المتبقّية، وجدت نفسها مُطالَبة من الولايات المتّحدة بدفع غرامات كبيرة تنفيذاً لأحكام قضائية، تعويضاً لضحايا الإرهاب حسب الإدعاءات الأميركية ، يصل مجموعها إلى نحو 46 بليون دولار.
وشكل هذا الموقف الأميركي خيبة أمل كبيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية ،إذ إنّه على الرّغم من مضيّ نحو عامٍ على بدء تنفيذ الاتّفاق النووي، أُصيبت إيران بخيبات أمل لجهة عدم تحقيق أي تقدّم في مسار رفع العقوبات الدولية عنها، حتّى أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي وصف «رفع الحظر على الورق لا قيمة له»، ووجَّه الانتقاد إلى الولايات المتّحدة للصعوبات التي يُواجهها الاقتصاد الإيراني في التعامل مع النّظام المالي الدولي. فالمصارف الأميركية ممنوعة من العمل مع إيران، وشمل هذا المنع المصارف الأوروبية ومعظم المصارف التي تقوم بتسوية الصفقات المالية وتسديد اعتماداتها، خوفاً من الغرامات التي قد تتعرّض لها كما حصل لعدد من المصارف الكبيرة بسبب انتهاكها العقوبات المالية الأميركية.
في العام 2010، صُنِّف الاقتصاد الإيراني بأنّه ثالث أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، وبأنّه التاسع والعشرون في العالَم بحجم 337.9 بليون دولار. وقد شكَّل النفط والغاز 80 في المئة من الصادرات الإيرانية التي جلبت 60 في المئة من دخل الدولة. ويتميّز الاقتصاد الإيراني بإمكانات طبيعية وثروات ضخمة من المواد الأوّلية، فهناك ما يقارب 20 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة. وتمتلك إيران 10 في المئة من احتياطي النفط المؤكّد في العالَم، و15 في المئة من الاحتياطي العالَمي من الغاز الطبيعي.
ومع الإعلان عن سلسلة خطط ومشروعات استثمارية لشركات غربية عدّة في إيران، توقَّع البنك الدولي أن يُحقِّق الاقتصاد الإيراني نموّاً في حدود 5 في المئة خلال العام الماضي، مرتفعاً من 2.8 في المئة بنهاية العام السابق، و1.9 في المئة في العام 2014، وذلك تزامناً مع رفع العقوبات الدولية. كذلك توقَّع صندوق النقد الدولي أن يُسهِم رفع العقوبات في زيادة إنتاج النفط والصادرات، وخفض تكلفة التجارة والمعاملات المالية الدولية، فضلاً عن عودة الاستثمارات الأجنبية التي في حال تحقيقها بالفعل، سيُسهم ذلك في تسريع معدّلات النموّ الحقيقي بنِسب تراوح بين 4 و5.5 في المئة خلال العامَين 2016 و2017، في حين تهدف الحكومة الإيرانية إلى تحقيق نموّ 8 في المئة خلال السنوات العشر القادمة، وهي بحاجة إلى استثمارات أجنبية مباشرة يصل حجمها إلى نحو 50 بليون دولار، وعلى أساس زيادة سنوية متوقَّعة بما قيمته 3.5 بليون دولار بدءاً من نهاية العام الحالي، تكون بحاجة إلى استثمارات تُقدَّر بنحو 185 بليون دولار بحلول عام 2020(12).
السعودية هي الدولة الإرهابية الأولى في العالم
فيماتحاول الولايات المتحدة الأميركية ومعها «إسرائيل»إلصاق تهمة الإرهاب بالجمهورية الإسلامية الإيرنية من دون وجه حق، فإن الدولة الراعية الأولى للإرهاب في العالم هي المملكة السعودية ، وغيرها من الأنظمة الخليجية التي تدعم الحركات الظلامية والتكفيرية في كافة أرجاء المعمورة، وإرهاب آل سعود ووحشيتهم لا يقتصر على الداخل السعودي فحسب،وإنما امتد ليطول الشعب اليمني الذي يكابد إرهابا ممنهجا من قبل آل سعود بتواطؤ أميركي وبريطاني مفضوح.وقد تناول موقع روسي هذا الموضوع يوم 12شباط 2017 ، مدللاً فيها على النفاق الأميركي، والكيل بمكيالين، وتعمد الإدارة الأميركية شيطنة إيران، وهي من تحارب الإرهاب بالقول والفعل، بينما تضع هذه الإدارة يدها بيد رعاة الإرهاب الحقيقيين من آل سعود.‏
وفي مقال للكاتب جون وايت قال إن الرئيـــــس الأمريــــكي دونـــــــالـــد ترامــــــــــب أثبت نفسه بأنه رئيس أطلق العنان للحقائق المزعجة جنباً إلى جنب مع الأكاذيب الصارخة، حيث إنه وفي واحدة من أكاذيبه الكبرى ادّعى الأخير بأن إيران تدعم الإرهاب.‏ وقال الكاتب إنه وفي الحقيقة، فإن معظم الناس يجب أن يعلموا أيضاً أن الدولة رقم واحد في احتضان الإرهاب ورعايته في العالم اليوم هي السعودية، الصديق الحليف الحقيقي لأمريكا، لا بل ما هو أكثر من ذلك، هو أن واشنطن تدرك ذلك منذ فترة طويلة وبشكل جيد جداً لكنها تنكر ذلك حيث برز هذا الأمر في رسالة بالبريد الالكتروني في إيلول 2014 من جون بودستا لهيلاري كلينتون (واحدة من العديد من بين دفعات رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين جون بوديستا، رئيس حملة هيلاري كلينتون للبيت الأبيض، وكلينتون التي تم كشفها من قبل ويكيليكس) حيث كتبت بوديستا في حين أن هذا الجيش شبه العسكري يمضي قدماً، نحن بحاجة إلى استخدام أصول الاستخبارات الدبلوماسية والتقليدية لدينا للضغط على حكومة قطر والسعودية، التي تقدم الدعم المالي واللوجستي السري لتنظيم «داعش» الإرهابي والجماعات المتطرفة الأخرى في المنطقة.‏
وأضاف الكاتب يوجد مزيد من الأدلة حول دور السعودية والدول الخليجیة الأخرى في دعم نشاط الإرهاب وهو شهادة زكريا موسوي عام 2015، حول أحداث 11 أيلول حيث كشف الخاطف أن أعضاء من العائلة المالكة في السعودية قد دعمت تنظيم القاعدة، وذهب موسوي بتسمية أعضاء معينين من الأسرة المالكة في السعودية الذين كانوا قد تبرعوا بأموال إلى جماعة إرهابية في الفترة التي تسبق أحداث 11 أيلول الدامية، ولكن حتى من دون أي دليل على صلات مباشرة بين السعوديين ومختلف الجماعات الإرهابية الوهابية.‏
وأوضح الكاتب أنه في عام 2015 نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية تقريراً للمخابرات جرى تسريبه والذي جمعته وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية «بي اف في» والتي كشفت أن السعودية ودول الخليج الأخرى من قطر إلى الكويت كانت تدعم نشاط الجماعات المتطرفة في ألمانيا، وهي المزاعم التي تتفق مع تلك التي أدلى بها دونالد ترامب في مقابلة أجراها مع إن بي سي حين واجه الصحافة في أب عام 2015، وخلال المقابلة، قدم مراسل إن بي سي تشاك تود بيان عام 2011 لترامب وقال إنه فيما يتعلق بالسعوديين، فإن السعودية هي أكبر ممول في العالم للإرهاب، والسعودية تسخّر عائدات النفط، لديها والمال الخاص بها، لتمويل الإرهابيين الذين يسعون لتدمير شعبنا في حين يعتمد السعوديون علينا لحمايتهم.‏ وأكد الكاتب ان وحشية وكذب السعوديين تدع مجالاً كبيراً للشك، ففي حين أنها لا ترهب وتذبح شعوبها من الداخل فحسب، بل كانت في الوقت ذاته تشارك في جرائم الحرب البشعة في اليمن، هذه الجرائم التي تعتبر جرائم حرب، وأمريكا وبريطانيا مشاركتان ومتواطئتان في هذه الجرائم.‏
واختتم الموقع بالقول فلماذا لا يتم مواجهة كل هذا الأدلة والمعارف المكتسبة عندما يتعلق الأمر بدور السعودية في دعم الإرهاب والتحريض على التطرف، حيث تستمر أمريكا في الاعتماد على الرياض حليفتها في المنطقة بعد إسرائيل؟ والإجابة بسيطة جداً وهي التجارة والمصالح المتعددة.
الهوامش:
(1)-أحمد أمين ، ما بعد استقالة فيلين،هل يعود ترامب لحض الإستبلشمنت، صحيفة العربي الجديد، 15شباط/فبراير 2017.
(2)- عمار عوض ،استقالة فلين تضرب قلب الأمن القومي الأمريكي وتخلط الأوراق ،صحيفة الخليج 15فبراير2017
(3)- عدنان كريمة ،ترامب «الإيراني» وتحدّيات استقرار الشرق الأوسط، نشرة أفق الإلكترونية تصدرعن مؤسسة الفكر العربي ، العدد 738، تاريخ 9شباط،فبراير 2017.
(4)- مجلة «فورين بوليسي»: اليمن ساحة المواجهة الأولى بين ترامب وإيران، صحيفة الحياة تاريخ 6شباط/فبراير2017.
(5)-العميد د.أمين محمد حطيط، هل يتجه ترامب الى حرب على إيران والمنطقة؟ صحيفة الثورة السورية 8شباط2017
(6)- فرح الزمان شوقي ،توتر متصاعد وتهديدات مطعّمة باستعدادات عسكرية ،صحيفة العربي الجديد11شباط/فبراير2017.
(7)- د.محمد السعيد إدريس، أمريكا وإيران.. جس نبض صحيفة الخليج 10/2م2017
(8)-إيران مقابل أوكرانيا:ماذا يستطيع ترامب أن يعرض على روسيا؟أخبار الصحافة ، ناريخ النشر 7شباط/فبراير 2017.
(9)-نور سلمان ، اتجاهات متعارضة: الملامح الأولية لسياسة ترامب الشرق أوسطية، مجلة اتجاهات الأحداث الصرية، العدد 19، كانون الثاني –شباط 2017، دورية أكاديمية تصدر كل شهرين عن مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة، (ص96).
(10)- المرجع السابق عينه.
(11)- المرجع السابق عينه.
(12)- عدنان كريمة ،ترامب «الإيراني» وتحدّيات استقرار الشرق الأوسط،مرجع سابق.

المصدر: مجلة الوحدة الإسلامية، السنة الخامسة العاشرـ العدد 183 ـ(جمادى الآخرة 1438 هـ ( ـ(مارس /آذار 2017م)

*باحث وكاتب تونسي.

Optimized by Optimole