الجيش الإسرائيلي ليس قادراً على حسم المعركة في الحرب المقبلة

الجيش الإسرائيلي ليس قادراً على حسم المعركة في الحرب المقبلة
Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

الجزء الأول

•تقرير مراقب الدولة المتعلق بعملية “الجرف الصامد” المتوقع أن ينشر في نهاية هذا الشهر بعد انتهاء الجولة الحالية لزيارات رئيس الحكومة في العالم، سيثير اهتماماً جماهيرياً كبيراً حول ثلاث وجهات نظر أساسية تتعلق بالمعركة: الأداء الرديء للطاقم الوزاري المصغر خلال القتال؛ عدم استعداد المؤسسة الأمنية لمواجهة خطر الأنفاق التي بنتها “حماس”؛ والفجوات الاستخباراتية المتعلقة بتطور التهديد من غزة. وعلى خلفية النسخ الكثيرة للتقرير التي سُرّبت إلى وسائل الإعلام، يبدو أن معظم الوقائع والاستنتاجات التي تضمنها أصبح معروفاً للجمهور. على الصعيد السياسي سيستخدم التقرير كسلاح في المواجهة الدائرة بين حزب البيت اليهودي والليكود على خلفية احتمال انهيار الائتلاف الحكومي في النهاية بسبب التحقيقات ضد نتنياهو.
•لكن التقرير لا يبحث – ومنذ البداية لم يقرر مراقب الدولة البحث – في مسألة مركزية يجب أن تشغل تفكير إسرائيل. وعلى افتراض أن إسرائيل ستخوض المزيد من المواجهات مع تنظيمات إرهابية وحرب عصابات يهاجم مقاتلوها سكانها المدنيين وتُوجه صواريخها وقذائفها بصورة أساسية ضد مواطني إسرائيل، يجب على إسرائيل أن تعرف أنها قادرة على الانتصار في مثل هذه المواجهة. ويشدد الوزيران أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت لأسباب سياسية، على مطالبتهما بأن تنتهي المعركة المقبلة بالحسم ضد حزب الله و”حماس”. ولكن من دون الانجراف وراء أحكامهما القاطعة، وحتى من دون الدخول في نقاش مسألة ماهية الحسم في حرب ضد تنظيم لادولتي، من الأجدى الاعتراف بالواقع: منذ أكثر من عقد (وهناك من يقول منذ عدة عقود) لم ينجح الجيش الإسرائيلي في إنهاء مثل هذه المعارك بانتصار واضح.
•لقد انتهت الانتفاضة الثانية في صيف 2005 تقريباً بنجاح إسرائيلي في كبح حملة إرهاب الانتحاريين التي قادتها “حماس” و”فتح” والجهاد الإسلامي. وكلف الصراع الجانب الإسرائيلي خسائر كبيرة (أكثر من ألف قتيل)، وزاد في حدة الخلفية السياسية لمستقبل المناطق [المحتلة]. كما أدى إلى قرار رئيس الحكومة أريئيل شارون تحت الضغط الدولي وهجمات الإرهاب، بإخلاء المستوطنات في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. وفي الوقت عينه ساعد هذا النجاح الجيش الإسرائيلي في إقناع نفسه بأنه مستعد بصورة جيدة للمعركة المقبلة. ولكن عندما نشبت هذه الحرب في لبنان [حرب تموز/يوليو 2006]، اتضح أن هذا الافتراض غير صحيح. فعلى الرغم من الأضرار التي تسبب بها الجيش الإسرائيلي لحزب الله، إلا أنه لاقى صعوبة في تنفيذ خططه العسكرية والمناورة على الأرض اللبنانية بصورة فعالة، وفي القضاء على نيران الكاتيوشا التي استمرت حتى نهاية الحرب.
•بعد مرور عامين ونصف العام، ومع رئيس أركان جديد (لكن مع بقاء إيهود أولمرت رئيساً للحكومة) شن الجيش الإسرائيلي عملية “الرصاص المسبوك”، العملية الأولى من ثلاث عمليات ضد القطاع. وهنا أيضاً تلقت “حماس” ضربة قاسية، لكن المناورة البرية الإسرائيلية في القطاع كانت محدودة جداً في حجمها، وكان التطلّع الأساسي للقادة العسكريين هو الحؤول دون وقوع عدد كبير من المصابين. وجرى تسويق العملية للجمهور بصفتها عملية ناجحة وكتعويض شامل عن أضرار حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]. لكن عملياً، وعلى الرغم من عودة الجيش إلى التدرب بصورة جذرية وإعداد نفسه للمعركة بصورة منهجية، فإنه لم يختبر في غزة تحدياً عسكرياً حقيقياً.
•في العام 2012 ومع نتنياهو رئيساً للحكومة وإيهود باراك وزيراً للدفاع، اكتفت إسرائيل بمعركة جوية استمرت لمدة أسبوع (عملية عمود سحاب) وامتنعت عن قصد عن الدخول البري إلى القطاع. ومرة أخرى، وعلى الرغم من الأضرار التي تكبدتها “حماس” (اغتيال رئيس أركانها العسكري أحمد الجعبري، وتدمير الجزء الأكبر من صواريخ فجر الإيرانية التي كانت لديها)، فإن المعركة لم تنته بخسارة بالنسبة إلى “حماس”. والاستعداد الإسرائيلي، بوساطة مصرية، على الموافقة على تقليص المجال الأمني القريب من الحدود من 500 متر إلى 100 متر فقط داخل الأراضي الفلسطينية، جعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي الكشف عن حفر الأنفاق الهجومية.
•لقد كان هذا تطوراً أحسنت “حماس” استغلاله في معركة “الجرف الصامد” لاحقاً، في العام 2014. وأيضاً آنذاك كانت النتائج مختلطة. صحيح أن “حماس” لم تحقق أياً من الأهداف التي وضعتها لنفسها، مثل رفع الحصار عن غزة وإنشاء ميناء، لكن إسرائيل قاتلت 51 يوماً، ولم تقض على منظومة الصواريخ في القطاع وألحقت ضرراً مؤقتاً فقط بخطة الأنفاق الهجومية. لقد انتهت عملية “الجرف الصامد” مثل المعارك التي سبقتها، بتعادل مؤسف.
•هذه الأمور معروفة جيداً لدى أعضاء رئاسة الأركان العامة. ففي جلسة أجراها رئيس الأركان في ذلك الوقت، بيني غانتس، فور انتهاء العملية، انتقد بعض المشاركين بشدة أداء الجيش في الحرب، وفضّل آخرون كانوا يفكرون مثلهم الصمت. وقد اعترف التحقيق الذي أجراه سلاح الجو عن الحرب، والذي انتهى قبل بضعة أشهر، بالفجوات الصعبة في معالجة إطلاق الصواريخ. ووجد تحقيق أجرته رئاسة الأركان العامة بصورة منفردة وترأسه اللواء يوسي بكار في قضية الأنفاق، عيوباً خطيرة في معالجة الجيش الإسرائيلي لهذا التهديد طوال سنوات. على صعيد الأنفاق، يبدو أن الجيش الإسرائيلي اتخذ منذ ذلك الحين سلسلة خطوات حسنت إلى حد ما الاستعداد الإسرائيلي: بداية، نشر عائقاً هندسياً وتكنولوجياً غالي الثمن حول السياج الحدودي مع غزة (لم تختبر جداوه بعد)، وتم تطوير عقيدة عسكرية لمواجهة التهديد، وتدريب وحدات خاصة وزيادة وحدة الهندسة بما يقارب الثلث، ومن المفترض أن تتولى هذه الوحدة معالجة ذلك.

•وفي المقابل، فإن الصورة في مواجهة إطلاق الصواريخ بعيدة عن أن تكون مشجعة. والمشكلة الأساسية تتعلق باحتمال نشوب حرب غير متوقعة مع حزب الله في الجبهة الشمالية. إن حجم ترسانة القذائف والصواريخ الموجودة لدى حزب الله – والتي تبلغ نحو 80 ألفاً وفق التقديرات الأخيرة – سيجعل من الصعب على المنظومة الاعتراضية للجيش الإسرائيلي مواجهة هذا الخطر. وحتى بعد انضمام العصا السحرية في نهاية السنة، وهي تشكل طبقة وسطى بين منظومتي حيتس والقبة الحديدية، فإن الرد الدفاعي ليس كاملاً. ويمكن افتراض أن عدد الصواريخ الاعتراضية التي لدى إسرائيل سيكون أقل من عدد الصواريخ التي لدى حزب الله، نظراً لأن كلفة إنتاج الصواريخ الاعتراضية العالية لا تتيح إنتاجها بصورة غير محددة. وستضطر المؤسسة الأمنية إلى إدارة جيدة لسلاح الصواريخ الاعتراضية الذي لديها من أجل مواجهة خطط الضربات التي سيقوم بها حزب الله، والتي تتضمن إطلاق أكثر من ألف صاروخ وقذيفة يومياً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية أثناء الحرب، وذلك بعد ضربة ابتدائية من المحتمل أن تكون أقوى بكثير.

الجزء الثاني

•في مواجهة تهديد صواريخ غزة المحدود من حيث الحجم والمدى، طوّرت إسرائيل رداً قوياً بلغ الذروة في عملية “الجرف الصامد” من خلال عملية اعتراض قامت بها منظومة القبة الحديدية بلغت نسبة نجاحها 90%. لكن التحدي اللبناني أكبر بما لا يقاس. حرب ضد حزب الله ستكون كلفتها خسائر كثيرة، وستلحق تلك الحرب بالبنى التحتية في شمال البلد ووسطه ضرراً حقيقياً، حتى لو كانت الأضرار التي سيتكبدها حزب الله والدولة اللبنانية أكبر بكثير. وفي مثل هذه الظروف، ستتعرض الحكومة والجيش إلى ضغط شعبي من أجل استخدام قوة غير متناسبة ضد حزب الله. وهذه خطوة ممكنة لكن سيكون لها ثمن أيضاً، وستترافق مع انتقادات دولية (مثل تقرير غودلستون بعد عملية “الرصاص المسكوب”)، ومن المحتمل أيضاً حدوث توترات مع روسيا التي يشكل حزب الله حتى الآن جزءاً من التحالف الذي تقوده دعماً لنظام الأسد في سورية.
•لقد عثر حزب الله، وبمقدار أقل “حماس”، على حل غير مباشر لمواجهة التفوق الإسرائيلي في النيران الدقيقة وفي التكنولوجيا وفي الاستخبارات، وذلك من خلال توسيع القدرة على ضرب الجبهة الداخلية. وطرحت إسرائيل حلولاً نظرية تمثلت في “عقيدة الضاحية” التي طورها رئيس الأركان الحالي غادي أيزنكوت عندما كان قائداً للجبهة الشمالية في 2008، والتي تتحدث عن تدمير هائل للبنى التحتية التابعة لحزب الله، وصولاً إلى توصيات بتوجيه ضربات قاسية للبنى التحتية للدولة اللبنانية. لكن ليس من الواضح أيّاً من هذه المقاربات ستتبناها الحكومة في زمن الحرب، كما أنه ليس من الواضح ماذا سيكون تأثيرها. إن الجانب الإيجابي لهذا الواقع يكمن تحديداً في حقيقة أن التعادل الاستراتيجي، الذي يجعل كلاً من الطرفين يعي الأضرار المحتملة التي يستطيع التسبب بها للطرف الثاني، يساعد في إبعاد الحرب المقبلة. والمعرفة الإسرائيلية بانعكاسات التورط تكبح توجهاً مغامراً محتملاً من جانب المستوى السياسي، وتجعل من الحرب ضد حزب الله خياراً أخيراً فقط.
•ثمة علامات استفهام أيضاً بشأن الحل الهجومي للصواريخ. وفي الواقع، فإن الجيوش الغربية يبدو أنها ما تزال تتخبط في معالجة هذه المسألة منذ الفشل الأميركي والبريطاني في اصطياد منصات إطلاق صواريخ السكود العراقية التي أطلقت على تل أبيب خلال حرب الخليج سنة 1991، ومنذ ذلك الوقت لم يحدث اختراق نحو الحل. وخلال عملية “الجرف الصامد” في غزة فشل الجهد الناري في وقف إطلاق الصواريخ. وكانت نتائج ملاحقة مطلقي الصواريخ في غزة ضعيفة. وجرى في النهاية التوصل إلى وقف إطلاق النار من دون انتصار إسرائيل، وفقط بعد أن أصبحت “حماس” مستنزفة وتكبدت إصابات كثيرة في معركة دار جزء كبير منها حول الأنفاق. أما الجهد في مطاردة أهداف صعبة مثل مطاردة مطلقي صواريخ يخرجون من باطن الأرض، أو ملاحقة المجموعات التي تسرع إلى الهرب بعد إطلاق الصواريخ، فقد حقق نتائج جزئية فقط. وجرى ذلك في أرض أصغر من مساحة لبنان، وحيث لا يوجد أي تهديد حقيقي من جانب الدفاعات الجوية ضد طائرات سلاح الجو.
•حتى الخطوة العسكرية البرية في “الجرف الصامد” كانت محدودة في حجمها ونتائجها. لم يشأ نتنياهو وغانتس ووزير الدفاع آنذاك موشيه يعلون القيام بعملية برية لوقف الصواريخ، وأصدروا أوامرهم للقيام بعملية محدودة تصل إلى عمق كيلومترين لمعالجة الأنفاق. وجاء ذلك فقط بعد الضغط الشعبي الذي نشأ إثر اتضاح مدى خطورة التهديد. إن الأهداف المحدودة والمشوشة التي حددها المستوى السياسي للجيش، والإنجازات الجزئية ضد الأنفاق وفي البر، والوساطة المصرية التي يمكن اعتبارها ضعيفة ومتنازعاً عليها بين إسرائيل و”حماس” (من المعقول الافتراض أن القاهرة رغبت في استمرار المعركة والتسبب بخسائر إضافية لحماس)، بالإضافة إلى الفجوات في التحليل الاستخباراتي لنيات “حماس” في الحرب- كل ذلك جعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي التوصل إلى نتائج مرضيةـ حتى بحسب معايير رئيس الأركان العامة نفسه.
•لقد سيطر الجيش الإسرائيلي على شريط ضيق من الأرض بالقرب من السياج الحدودي، وماطل هناك لفترة من الوقت منتظراً توجيهات المستوى السياسي التي لم تصل. وقضى الجيش الأسابيع الأخيرة من القتال، بصورة أساسية، في انتظار وقف إطلاق النار. ومن المحتمل أن هذه التجربة المحبطة التي مر بها أيزنكوت عندما كان نائباً لرئيس الأركان خلال العملية، هي التي دفعته بعد اختياره رئيساً للأركان إلى وضع وثيقة تضمنت استراتيجية الجيش الإسرائيلي، وتوقع الجيش الحصول على توجيهات تفصيلية من المستوى السياسي خلال زمن الحرب.
•لقد كانت المناورة البرية وفق ضابط كبير خدم في خلال عملية “الجرف الصامد”، مضطربة وجزئية. وقال: “احتللنا قطعاً صغيرة من الأرض ودخلنا في حالة جمود لأنه لم يكن هناك وضوح بشأن الوضع النهائي الذي يسعى إليه المستوى السياسي. وحتى رئيس الأركان لم يكن يرغب في الدخول إلى عمق القطاع”. والدليل على ذلك التوقع العسكري الذي قُدم إلى الطاقم الوزاري المصغر خلال الحرب والذي توقع سقوط 500 قتيل إسرائيلي في عملية احتلال القطاع، والقول إن مواصلة الاحتفاظ بالسيطرة على القطاع سيكلف نحو 10 مليارات شيكل سنوياً.
•وكما حدث بعد عملية “الرصاص المسبوك” كرر الجيش التسويق لنفسه وللجمهور رواية التعادل بناءً على العملية البرية المحدودة للقضاء على الأنفاق. وادّعوا في الجيش أن إسرائيل أثبتت في الحرب على الأنفاق أنها لا تخاف مواجهة خصمها على الأرض، على الرغم من كون المنطقة كثيفة سكانياً، والكلفة المتمثلة في عدد المصابين مرتفعة نسبياً. لكن عند النظر بإمعان يتبيّن أن الجيش قاتل في غزة ضمن منطقة صغيرة ومحدودة ضد عدو أدنى قوة، ومن دون أن تضطر قواته إلى استخدام كل عناصر القتال المتكاملة.
•تغيّرت الأمور إلى حد ما مع أيزنكوت الذي أعطى كرئيس للأركان أهمية كبيرة للمناورة البرية وقام بعدة خطوات من أجل تحويل بعض الموارد لتحسين قدرات الوحدات البرية. يحرص المسؤولون الكبار في الجيش رسمياً على التعبير في كل مقابلة وفي كل خطاب علني عن ثقتهم بأن القدرات الجوية والاستخباراتية والبرية وفي الدفاع الجوي أصبحت مستعدة بما فيه الكفاية من أجل توجيه ضربة قاصمة إلى “حماس” وإلى حزب الله أيضاً. لكن عملياً، فإن هذه الأقوال ستختبر فقط إذا نشبت حرب أخرى في الشمال.
•منذ سنوات يقدّم سلاح الجو نفسه بوصفه الحل لمشكلة نيران الصواريخ من لبنان. لكن السؤال المطروح هو: ألا يشكل هذا السلاح الذي ما يزال يعتمد بالدرجة الأولى على طائرات حربية، جزءاً من المشكلة على الرغم من قدراته العالية؟ لم تفحص إسرائيل بجدية بدائل محتملة، باستثناء التزود الكثيف بطائرات هجومية من دون طيار (موجودة لدى عدد من الجيوش الغربية) وصولاً إلى تطوير مكثّف أرض – أرض، كما اقترح في الفترة الأخيرة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان.
•عملياً، وعلى الرغم من التحويل التدريجي الحديث للموارد نحو الطائرات من دون طيار بالإضافة إلى طائرات مقاتلة حديثة، فإن سلاح الجو يواصل الحصول على ما يريد. ولكونه اللاعب البيروقراطي الأكثر خبرة وتنظيماً، فقد نجح في إحباط كل محاولة لتقديم حل للمشكلة لا يعتمد على وجود طيار في قمرة الطائرة – وذلك من دون أن يثبت أن في قدرته القضاء تماماً على نيران ترسانة صاروخية من الحجم الذي لدى حزب الله.
•ليس هناك أدنى شك في أن سلاح الجو أصبح أكثر كفاءة في تقنية مهاجمة أهدافه، مما يتيح له قدرة (هجومية) أفضل من الماضي خلال زمن محدود، كما طرأ تقدم ملموس على العمل المشترك بين الاستخبارات والمنطقة الشمالية. فهل هذا كاف من أجل إحباط مصادر النيران في مناطق إطلاقها الواسعة في لبنان؟ ولكن هل تستطيع القبة الحديدية ومنظومات اعتراضية أخرى تحقيق الأمن والهدوء في الجبهة الداخلية؟ لقد بقيت هذه الأسئلة في معظمها أسئلة مفتوحة.
•إن ترسانة الصواريخ والقذائف التي لدى حزب الله، بالإضافة إلى صعوبة التسلل عبر أنظمة مزروعة بالعبوات الناسفة والمدافع المضادة للطائرات في جنوب لبنان، وفي المنطقة المبنية والكثيفة سكانياً في غزة، هي التحديات التي ستواجهها إسرائيل إذا نشبت حرب في المستقبل في لبنان أو في غزة. بالتأكيد لن يكشف الجيش للجمهور الخطط العسكرية لمواجهة مثل هذه السيناريوات. لكن السؤال المطروح هو: هل يكفي شحذ قدرات موجودة، وتحويل محدود لمركز الثقل في الاهتمام بين المجال الجوي إلى المناورة البرية، من أجل تقديم حل قاطع للمشكلة التي ستواجهنا؟
•في الوقت الحاضر لا تبدو هذه المسائل ملحة في الجبهة الشمالية. فحزب الله يحاول النهوض بعد الخسائر التي تكبدها في الحرب في سورية ويبدو معنياً بالحوؤل دون نشوب حرب شاملة مع إسرائيل. ويبقى الخطر الأساسي احتمال نشوب الحرب بسبب خطأ في الحسابات، وبصورة خاصة بسبب مساعي حزب الله لتهريب سلاح نوعي من سورية إلى لبنان، والنية الإسرائيلية المعلنة لمنع ذلك. وفي غزة تبدو الوقائع أقل استقراراً، فالمصلحة الظاهرية لـ”حماس” على ما يبدو هي استمرار عملية التقارب مع مصر وتأمين تسهيلات في الحركة تقلل من الضغط الاقتصادي الكبير على القطاع. لكن الإعلان هذا الأسبوع عن فوز يحيى السنوار برئاسة “حماس” في الانتخابات في غزة، لا يمكن اعتباره خبراً جيداً بالنسبة لإسرائيل.
•يعتبر السنوار عدواً شرساً لإسرائيل وهو يتبنى خطاً قتالياً غير متهاون أكثر بكثير من الرئيس السابق إسماعيل هنية. كما أن تأثيره على الذراع العسكرية سيكون أكبر من الماضي. وحتى لو انتخب هنية رئيساً للمكتب السياسي لـ”حماس” بحسب ما تشير إليه كل التقديرات، فثمة شك في أنه سيتمكن من فرض إرادته على السنوار وزملائه في الذراع العسكرية. ويجب النظر إلى التصريحات الحربية الأخيرة للوزيرين في المجلس الوزاري المصغر يوآف غالنت ونفتالي بينت، المتعلقة بغزة انطلاقاً من هذه الخلفية، وأيضاً على خلفية الاستعدادات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي سنوياً لمواجهة احتمال التصعيد.
•وعلى الرغم من ذلك، وعلى افتراض أن الجيش شحذ قدراته العسكرية في جبهة غزة بعد تولي وزير دفاع يدعو دائماً إلى إسقاط حكم “حماس” في أي مواجهة مقبلة – فإن ذلك سيكون على ما يبدو مهمة معقدة، كما يصفها بعض أعضاء المجلس. وفي ما يتعلق بالقطاع بصورة خاصة، فإن الصعوبة تكمن في الحاجة إلى تمشيط وتطهير المنطقة من خلايا الإرهاب خلال عملية السيطرة، أكثر من المواجهة مع منظومات “حماس” الدفاعية.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية