التخوف من خطأ في تقديرات فعالية الردع للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية

التخوف من خطأ في تقديرات فعالية الردع للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية
Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – معلق عسكري إسرائيلي —

•في 12 كانون الأول/ديسمبر 2005 وافق رئيس الأركان الجديد دان حالوتس على تقديرات الاستخبارات لسنة 2006. وخلال الأشهر الأولى التي أمضاها في منصبه ركز حالوتس عمله على انجاز خطة الانفصال عن قطاع غزة وشمال السامرة. وكانت هذه هي المهمة التي كلفه بها حينها رئيس الحكومة أريئيل شارون الذي من أجل هذه الغاية قصّر مدة ولاية رئيس الأركان السابق موشيه يعلون خوفاً من عدم وقوفه مع تعهدات الحكومة بأن الخروج من غزة سيجلب الهدوء على الحدود. من بعدها أصبح حالوتس متفرغاً للاهتمام بالجبهات الأخرى.

•كانت تقديرات الاستخبارات العسكرية للوضع على الجبهة الشمالية متفائلة للغاية. ففي شباط/فبراير من ذلك العام اغتيل رئيس الحكومة السابق في لبنان رفيق الحريري. وتسبب الاغتيال بموجة واسعة من التظاهرات قرر الرئيس السوري بشار الأسد في نهايتها وتحت ضغط دولي كبير، سحب جيشه من لبنان. تأثر أعضاء شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية بما جرى بعمق، وقدروا أن تأثير الاضرابات الحاصلة كبير إلى درجة أنه يبشر بتفكك الجبهة الشمالية إلى جبهتين منفردتين، سورية ولبنان. لذا، ففي رأيهم ثمة فرص لحدوث تغير ايجابي في الواقع الإقليمي.

•وخطا رئيس الأركان خطوة أبعد من خبراء الاستخبارات، ففي ملخص التقدير السنوي قال حالوتس ان “الردع الإسرائيلي ضد حزب الله فعال”، خاصة بعد فشل حزب الله في تنفيذ هجمات ضد إسرائيل. جاء هذا الكلام بعد ثلاثة أسابيع فقط من فشل المحاولة الجريئة لحزب الله خطف جنود إسرائيليين في قرية الغجر، هذه المحاولة التي انتهت بمقتل أربعة من أعضائه بنيران قناص من لواء المظليين.

•لم يكترث حالوتس بالتحذيرات التي رأت أن تفاؤله مبالغ فيه. والنهاية معروفة: بعد مرور سبعة أشهر على ملخص تقديرات الاستخبارات برئاسة رئيس الأركان، خطف حزب الله جثتي الجنديين في الاحتياط ألدر ريغيف وأودي غولدفاسير، في هجوم شنه بالقرب من مستوطنة زرعيت. وأدت هذه الحادثة إلى نشوب حرب لبنان الثانية – وفي ما بعد إلى استقالة حالوتس ونهاية حياته المهنية العامة.

•هل من المحتمل أن تكرر إسرائيل الخطأ في التقدير لدى تحليلها الوضع الحالي في الجبهة الشمالية؟ الرأي السائد لدى جميع المنظمات الاستخباراتية يرجح بمعقولية عالية استمرار الهدوء على الحدود مع لبنان. فحزب الله غارق حتى رأسه في حرب البقاء التي يخوضها نظام الأسد في سورية، وأسياده الإيرانيون يفضلون أن يركز الحزب جهوده هناك. أما فيما يتعلق بالردع الإسرائيلي هناك فتوجد اليوم مواقف مختلفة (مرتبطة بمدى تدخل الذي يقوم بالتقدير في حرب لبنان الثانية). لكن حتى هنا فإن التوجه السائد هو أن حزب الله يتخوف من جولة قتال جديدة مع إسرائيل بسبب الأضرار التي تكبدها في 2006 ولأن التنظيم الشيعي يعرف أيضاً التحسن الذي طرأ على القدرة الهجومية للجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين.

•لكن ليس سراً أن تحديد الردع مسألة لا يمكن التحكم فيها ويمكن قياسها فقط في نظرة إلى الوراء – ونظرياً فالرصيد المتراكم للردع يمكن أن يتبدد في أية لحظة. لذا يتعين على القيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل دراسة توجهاتها الأساسية على الجبهة الشمالية طوال الوقت.

•مما لا شك فيه أن القتال في سورية يأتي في رأس سلم اهتمامات حزب الله ويكبده ثمناً باهظاً. وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي قتل في سورية خلال السنوات الأربع الماضية ما لا يقل عن 1600 مقاتل من حزب الله وجُرح أكثر من 0500. لكن في الوقت عينه فإن الهدوء الطويل مع إسرائيل مشكلة للحزب، لأنه يشكك بالحجة الأساسية التي يستخدمها حزب الله من أجل الاحتفاظ بسلاحه بعد تجريد الميليشيات اللبنانية الأخرى من سلاحها في لبنان – أي الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل.

•لذا يجب ألا نستبعد كلياً احتمال أن يخرج حزب الله عن سياسته الحالية لضبط النفس نتيجة سيناريوين محتملين: أزمة سياسية داخلية في لبنان، أو سيناريو آخر أكثر معقولية وهو مجموعة من الأخطاء في الحسابات بينه وبين إسرائيل. وهذا كاد يحصل في كانون الثاني/يناير 2015، بعد أن اغتالت إسرائيل (وفقاً لمصادر أجنبية) الناشط في الحزب جهاد مغنية وجنرالاً إيرانياً في هضبة الجولان. وردّ الحزب بعد مرور عشرة أيام بكمين وهجوم بالصواريخ المضادة للدبابات تسبب بمقتل ضابط وجندي من غفعاتي في سفوح هار دوف [مزارع شبعا].

•إن التهديدات التي تطرحها “حماس” وتنظيم “داعش” على أمن إسرائيل محدودة للغاية. وعملياً، فإن التهديد العسكري الذي يطرحه حزب الله هو الأكثر تحدياً في نظر إسرائيل. وما دامت الحدود هادئة فإن هذا هو الوقت الذي يمكن فيه للحكومة والجيش العمل من أجل تنسيق توقعاتهما بشأن المواجهة العسكرية التي يمكن أن تنشب مستقبلاً. وأهم التساؤلات المطروحة: ماذا تريد إسرائيل أن تحقق؟ هل ستكتفي بضربة جوية؟ وهل ستضرب هذه المرة البنية التحتية الاستراتيجية للدولة اللبنانية؟ (لقد امتنعت حكومة أولمرت عن ذلك سنة 2006 تحت ضغط إدارة بوش). هل سيتقرر ارسال الجيش في مناورة برية – وحتى أي عمق في أراضي لبنان؟ وبأي ثمن؟ جميع هذه الأسئلة يجب توضيحها الآن، بالإضافة إلى وعي احتمالات ان المواجهة قد تنشب أيضاً من دون رغبة الطرفين.

•نشر نداف فولك الباحث في معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط بحثاً واسعاً عن تدخل حزب الله في سورية، استند فيه إلى مجموعة أحاديث طويلة أجراها مع خبراء في الاستخبارات في إسرائيل والولايات المتحدة ولبنان.

•من وجهة نظر إسرائيلية فإن الاستنتاجات التي توصل إليها فولك أقل تفاؤلاً من استنتاجات كبار المسؤولين الإسرائيليين، صحيح أنها تحدثت عن الثمن الذي دفعه الحزب في سورية، لكن إلى جانب الثمن ففي رأي فولك راكم الحزب أرباحاً.

•يرى فولك أن حزب الله تطور خلال السنوات الماضية من كادر صغير من نشطاء إلى تنظيم ميليشيا وصولاً إلى تنظيم أقرب إلى أن يكون جيشاً، وهو أيضاً لاعب إقليمي مهم وشريك جوهري في التحالف الإيراني – السوري. وفي رأيه أن الحزب مستعد وقادر على مواصلة القتال في سورية، وعلى الرغم من أن القتال استنزفه فإنه لم يركع بعد.

•تذّكر التقديرات التي تشكك في قدرة حزب الله على الصمود في الوقت الحالي، فولك، بتقديرات مشابهة طرحت قبل حرب 2006 وثبتت حينها قدرة الحزب على الصمود. ويخلص فولك إلى القول: “من الواضح أن حزب الله لا يريد حرباً مع إسرائيل، لكن هذا لا يعني أنه لا يستطيع خوض القتال على جبهتين في وقت واحد وفي آن معاً”.

المصدر:صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية