ظاهرة اللجوء السوري بين الحاجات والسياسات

ظاهرة اللجوء السوري بين الحاجات والسياسات
Spread the love

إعداد: الباحـــــث د . أحمد محمد طوزان —


ملخص

تكوِّنُ ظاهرة لجوء أعداد من السوريين إلى المناطق الآمنة، داخليّاً وخارجيّاً، جانباً مؤلماً للغاية من جوانب الأزمة السورية، إذ بدأت بالتشكّل منذ أن دارت عجلتها تطحن أوصال البلاد أواسط العام 2011، إلى أن بلغت ذروتها في العامين المنصرمين، حيث طغت أخبار اللاجئين السوريين حتى على وقائع الميدان الملتهب، وتكمنُ مشكلةُ بحثِ هذه الظاهرة في أنَّ خلفياتها ودوافع تشكّلها لم تقتصر على الحاجات الإنسانية التي تغلب عادة على مثل هذه الظواهر، في ساحات الحروب وميادين النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، بل شكّلت في الوقت نفسه سلاحاً استعملته الأطراف الفاعلة في المشهد السوري إلى جانب الأسلحة التقليدية، فحصدت به ولو بطريقة غير مباشرة أرواح الكثير من السوريين ودموعهم وآلامهم، بحجم لا يقل عن ذلك الذي سقط بالرصاص والقذائف المستخدمة في ساحات الحرب السورية المستعرة، الأمر الذي خلق تنافراً صريحاً بين حقيقة كون اللجوء وسيلة تلبي الحاجات الإنسانية للاجئين من جهة، واستخدامه كأداة لتحقيق المصالح السياسية لأطراف الصراع من الدول الفاعلة في الميدان السوري من جهة أخرى. وتضافُ إلى ما تقدم من إشكاليات البحث في هذه الظاهرة غلبةُ التعاطي الإعلامي مع وقائعها ومجرياتها على الطابع العلمي البحثي الذي لا بد منه، لتحليل جذورها والعوامل المغذية لها واقتراح ما يلزم لمواجهة تأثيراتها وتداعياتها، وهو ما توخته مفردات هذا البحث الذي التزم –قدْر الإمكان- بالجِدِّية والموضوعية، لتأصيل الأسباب والعوامل التي دفعت الكثير من السوريين لمغادرة البلاد كلاجئين، وما رافق ذلك من استخدام سياسي لحركتهم، خاصةً من جانب الحكومة التركية، مع تسليط الضوء على أبرز المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي يعيشونها في دول العبور واللجوء، وصولاً لإثبات وقوعهم بين مطرقة حاجاتهم التي دفعتهم لمثل هذا الخيار وسندان السياسات، وصراع المصالح الذي باتت الأزمة السورية ميداناً خصباً له بين معظم القوى الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة العالمية، ثم تقييم حجم تداعيات ظاهرة اللجوء السوري بصورة عامة والتوصية بما يمكن أن يتخذ من التدابير والإجراءات التي تُخفف من وطأته على واقع ومستقبل السوريين ووطنهم.

المحتويات

مقدمة.
أولاً –تعريف مفهوم اللاجئ وأوضاعه القانونية.

ثانياً -أرقام اللجوء السوري حول العالم.
1- في دول الجوار
2- م الظاهرة: أسبابها، طريقة التعاطي معها، وتداعياتها.
2- الرؤى المستقبلية لمواجهة تداعيات الظاهرة.

خاتمة.

مقدمة

تتشعب تداعيات المشهد السوري الدامي، في جميع الميادين الداخلية والإقليمية والدولية، ويكاد الباحث في شعابها، يضيع بين إلحاح الأولويات في تسليط الضوء على جوانبها وصورها ومواضع التأثير التي تطالها، إلا أن العنصر البشري في هذا المشهد يظل بلا شك العنصر الرئيس والأهم فيه، لكونه –وبكل أسف– وقود الحرب وضحيتها في الوقت نفسه، إذ يدفع السوريون أثماناً باهظة من دمائهم وآلامهم في طريق تحقيق مشاريع، باتت تُمسك بمعظم خيوطها قوىً خارجية إقليمية ودولية، ولا يقتصر نزيف السوريين على الدماء بل يوازيه فداحة وخطورة نزيف يعانيه الوطن السوري بأكمله لطاقاته وكوادره، من خلال موجات اللجوء التي حملت معها أعداداً غفيرة من السوريين -وعلى رأسهم الشباب والكوادر العلمية- إلى خارج البلاد، تحت وطأة عوامل عديدة بعضها إنساني مُلّح وبعضها الآخر حمل دوافع اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ومما اتسمت به هذه الظاهرة هو أنها لم تكن في مطلق الأحوال تُعبر عن حاجات اللاجئين وطالبي اللجوء، بل شكّلت جزءاً من المشكلة السورية، من خلال حلقات من التسييس المتعمد والمنهجي لآلامهم، لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، من قبل بعض أطراف الأزمة في الإقليم، الأمر الذي خلّف تأثيرات سلبية لا يُستهان بها في الداخل السوري، بل ويُتوقع أن يُخلّف المزيد من السلبيات في المستقبل ما لم يجرِ احتواؤه بالطريقة والوقت المناسبين .
ومن الطبيعي أنَّ فهمَ أي ظاهرة بشرية معاصرة بهذا الحجم أو دراستَها، إنما يتطلب بداية تأصيلها والبحث في جذورها والعوامل التي عززت حضورها، وصولاً لتقييم حجمها واقتراح ما يلزم من إجراءات للحدّ من تداعياتها السلبية، وسوف تتم محاولة تحقيق الأهداف المنشودة في هذه الورقة، من خلال التعريف بداية بوضعية اللجوء من الناحية القانونية، ثم الانتقال لبيان ما تُشير إليه أحدث الإحصائيات المتوافرة عن أعداد اللاجئين السوريين ومناطق توزعهم حول العالم، وتوضيح أهم العوامل التي عززت بروز هذه الظاهرة في وقت مبكر من عمر الأزمة السورية، وفي طليعتها سياسات الحكومة التركية ودورها في إدارة أزمات اللاجئين السوريين واستثمارها، وفقاً للمصالح التركية عبر مراحلها المختلفة، ومن ثم يتطرّقُ البحث لأبرز المشكلات التي يواجهها اللاجئون وطالبو اللجوء من السوريين، على الصُعد القانونية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ليتم الوصولُ أخيراً إلى بناء تقييم موضوعي لتلك الظاهرة، واقتراح ما قد يلزم من إجراءات وتدابير لوقف عجلتها والتقليل من تداعياتها السلبية في الحاضر والمستقبل

أولاً- تعريف مفهوم اللاجئ وأوضاعه القانونية

تُنظم أوضاع اللاجئين على الصعيد العالمي اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967، وقد تم اعتماد هاتين الوثيقتين القانونيتين في إطار الأمم المتحدة، ويقتصر مفعولهما على الأشخاص الذين يستحقون وصف اللاجئين، بحسب التعريف الوارد فيهما للاجئ، أما تقدير من هو اللاجئ، أي تحديد وضع اللاجئ فيظل من صلاحية الدول التي يكون اللاجئ على أرضها بعد أن يتقدم بطلب للاعتراف له بتلك الصفة. ويوجد إلى جانب اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 عددٌ من الاتفاقيات الإقليمية الخاصة باللاجئين، خاصةً في إفريقيا وأمريكا وأوروبا، حيث تعالج أحكامها مسائل منح اللجوء ووثائق السفر.
وتنطبق صفة لاجئ بموجب المادة الأولى من اتفاقية 1951 على:
– كلّ من وُجِدَ خارج البلاد التي يحمل جنسيتها، بسبب آرائه السياسية وليس قادراً على الحصول على حماية هذه البلاد أو لا يرغب في ذلك، نظراً إلى خوفه المبرر من التعرض للاضطهاد؛ ذلك إذا كان ناجماً عن انتمائه العرقي أو الديني، أو عن جنسيته أو انتسابه إلى فئة اجتماعية معينة.
– كلّ من لا جنسية له –وهو خارج بلد إقامته السابقة- وليس قادراً على العودة إلى ذلك البلد، بسبب خوفه المُبرَّر من الاضطهاد…أو لا يرغب في العودة.
وتنص الفقرة ( و) من المادة ذاتها على الآتي:
“لا تسري هذه الاتفاقية على أي شخص توجد بحقه أسباب جدية تدعو إلى عَدِّهِ:
أ‌- اقترف جريمة بحق السلام أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، كما هو معرّف عنها في الوثائق الدولية الموضوعة والمتضمنة أحكاماً خاصة بهذه الجرائم.
ب‌- ارتكب جريمة جسيمة خارج بلد الملجأ قبل دخوله هذا البلد كلاجئ.
ج-ارتكب أعمالاً مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة. ”
وهنا ينبغي التمييز بين المهاجرين واللاجئين، فالمهاجر هو شخص يُغادر بلده بإرادته، لأسباب غير تلك الواردة في التعريف المشار إليه أعلاه من أجل الإقامة في مكان آخر، وقد يكون دافعه في ذلك هو الرغبة في التغيير أو المغامرة أو لأسباب عائلية أو غير عائلية ذات طابع شخصي، وإذا كانت دوافعه اقتصادية سُميّ مهاجراً اقتصادياً.
وقد نصّت اتفاقية 1951 على مجموعة من الحقوق الأساسية للاجئ التي يتعين على الدول مراعاتها، ويمكن تقسيم هذه الحقوق إلى ثلاث مجموعات:
– المجموعة الأولى : وهي الحقوق التي تضمن للاجئ حقوقاً لا تقل عن تلك الممنوحة للأجنبي، حيث تمنح الدول للاجئ حقوقاً لا تقل عن تلك الممنوحة للأجنبي ما لم تمنحه اتفاقية 1951 معاملة أفضل، وهذا يعني أن للاجئ الحق بالاستفادة من جميع التسهيلات والامتيازات التي تقدمها الدول للأجانب المقيمين على أراضيها، سواء أَنصت عليها الاتفاقية أم لا ، فاللاجئ يختلف عن الأجنبي في أن للأخير دولة تحميه، بينما يفتقر الأول لتلك الحماية، ومن واجب الدولة المضيفة أن تتعامل مع اللاجئ على هذا الأساس، ومن أمثلة الحقوق التي يحظى بها اللاجئ في هذه المجموعة الحق باكتساب ملكية الأموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق المتعلقة بها وسائر العقود المتعلقة بهذه الأموال. وكذلك حق الانتماء للجمعيات غير السياسية وذات المنافع غير المادية.

– المجموعة الثانية: وهي الحقوق التي لا تقل عن تلك الممنوحة للمواطن، حيث نصت اتفاقية 1951 على إلزام الدول الموقعة عليها بمعاملة اللاجئ معاملة، توازي تلك التي تقدمها الدول لرعاياها، ومن أمثلة هذه الحقوق: الحق في ممارسة الشعائر الدينية والتربية الدينية للأولاد، وحقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، وحق التقاضي والإعفاء من الرسوم.

– المجموعة الثالثة: وهي زمرة الحقوق التي نصت عليها اتفاقية 1951، وهذه الحقوق تقل من حيث مضمونها عن تلك التي تمنحها الدول لمواطنيها، ولكنها تضمن للاجئ معاملة أفضل من المعاملة المقرّرة للأجنبي العادي، ومنها على سبيل المثال: الإعفاء من شرط المعاملة بالمثل، والإعفاء من التدابير الاستثنائية، وإلزام الدول الأطراف بإصدار وثائق السفر للاجئين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن اتفاقية 1951 تُلزم “الأطراف المتعاقدة”، أي الدول التي صادقت عليها أو انضمت إليها، ولهذا فإنَّ بيان حقوق اللاجئين في أي دولة، إنما يقتضي بداية معرفة فيما إذا كانت من الدول المتعاقدة في تلك الاتفاقية، ومما يُشار إليه في هذا السياق أن الاتفاقية سمحت للدول الأطراف بالتحفظ على الكثير من الحقوق السابق ذكرها، إلا أنها حظرت إبداء التحفظات على الحقوق الآتية: عدم التمييز في تطبيق أحكام الاتفاقية، والحق في ممارسة الشعائر الدينية، وحق التقاضي، والحق في عدم الطرد والإعادة القسرية.
ويثور في هذا الصدد السؤال الآتي:
ما مصير حقوق اللاجئين في الدول غير الموقعة على اتفاقية 1951؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال في توجُّهٍ فقهي واسع، يرى أن المغالاة بالادعاء بأن الدول غير المصادقة على اتفاقيات اللاجئين ليست ملزمة قانوناً بأي شيء تجاههم هو أمر غير محق قانوناً، كما هو الحال أيضاً بالنسبة إلى القول بأن الدول المصادقة وغير المصادقة على اتفاقيات اللاجئين ملزمة بتوفير كل الحقوق والمزايا المنصوص عليها في تلك الاتفاقيات التي لم تنضم إليها ولم تصادق عليها، إذ يُشير الواقع القانوني والعملي إلى أنَّ بعضَ الحقوق الخاصة باللاجئين دون غيرها اكتسب بالفعل صفة العرف القانوني الدولي، أو من مبدأ من المبادئ القانونية التي تُقرّها الأمم المتمدنة بوصفها مصدراً من مصادر القاعدة القانونية الدولية وفقاً لنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فأصبحت ملزمة لكافة الدول بمعزل عن المصادقة والانضمام، ومن أهم تلك الحقوق هو: الحق في عدم الرد أو الإعادة القسرية، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 33 من اتفاقية 1951 بشأن مركز اللاجئين على أنه:
” يحظر على الدولة المتعاقدة طرد اللاجئ أو إعادته بأي كيفية كانت إلى الحدود أو الأقاليم التي قد تهدد فيها حياته أو حريته، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو بسبب آرائه السياسية”.
ومما يُلاحظ في النص السابق أنه وسّع من نطاق تطبيقه المكاني فاستعمل عبارة “الأقاليم التي قد تُهدد فيها حياته أو حريته ..” ولم يقصر الحماية من الرد أو الإعادة القسرية إلى الدولة الأصل. ورغم الحصانة القانونية الصريحة لهذا المبدأ، إلا أنّ دولاً عدة وعلى رأسها تلك المتمدنة تلجأ لأساليب عديدة لتعطيل تطبيق هذا المبدأ، كَتبني تفسير ضيّق لتعريف اللاجئ، أو ابتكار ما سُميّ بــــ ” بلد الملجأ الأول ” أو ” الدولة الثالثة الآمنة “، إضافة لما يُعرف بفرضية عدم الدخول“ Deemed Non – Entry “ حيث لا تعترف الدولة المستقبلة لطالب اللجوء بدخوله فعلاً لأراضيها، ما لم تقم سلطاتها الرسمية بإدخاله رسمياً، على أساس أن عبور الحاجز على الحدود غير كافٍ لعَدِّ طالب اللجوء قد دخل إقليم الدولة، وبالتالي فإنها لا تكون ملزمة تجاهه بأي حق، وعلى الأخص تلقي طلبه والسماح له ببدء إجراءات اللجوء .هذا، وإلى جانب اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 المعنيين بشؤون اللاجئين، يوجد حول العالم العديد من الاتفاقيات الإقليمية كتلك المعمول بها في أوروبا وأمريكا اللاتينية وفي إفريقيا، ورغم أهمية تلك الترتيبات جميعها إلا أن الأوروبي منها بات على المحك لما تحظى به القارة العجوز من حصة الأسد في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء، وعلى رأسها ما يُسمى بنظام ” دبلن ” ، حيث أنشئ نظام دبلن الخاص باللاجئين بموجب معاهدة دبلن التي أقرت يوم 15 حزيران 1990، ووقعت عليها اثنتا عشرة دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، ودخلت حيز التنفيذ في 1 أيلول 1997، أعقبتها وعلى دفعات مجموعة من الدول غير الأعضاء في الاتحاد، ومن بين الدول الأعضاء في المعاهدة: فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وقبرص، واليونان، ومالطا، والبرتغال، وإسبانيا، والمجر (هنغاريا)، ورومانيا، وبلغاريا، ولاتفيا، وليتوانيا، وإستونيا، وفنلندا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، والتشيك، والنمسا، وكرواتيا، وهولندا، والسويد، والدانمارك، وبولندا، وبريطانيا، ولوكسمبورغ، وإيرلندا، وسويسرا، وأيسلندا، والنروج، ولختنشتاين. وأُدخلت تعديلات على المعاهدة في 18 شباط 2003، سُمّيت بموجبها “معاهدة دبلن 2″، وفي 3 كانون الأول 2008، اقترحت المفوضية الأوروبية تعديلات إصلاحية أخرى في المعاهدة تمت الموافقة عليها في حزيران 2013، ودخلت حيز التنفيذ في 19 تموز من العام ذاته تحت اسم “معاهدة دبلن 3”.
وتهدف معاهدة دبلن، بصورة عامة، إلى تحديد الدولة المسؤولة عن تلقي طلبات اللجوء ودراستها والبت فيها من الناحية القانونية أو الإنسانية، وفق معايير تضمنتها المعاهدة.
كما تسعى المعاهدة إلى منع تعدد طلبات اللجوء من الشخص الواحد داخل أوروبا، بحظرها على صاحب الطلب أن يقدم طلبات لجوء في دول أوروبية أخرى أعضاء في معاهدة دبلن، وحصره في دولة واحدة فقط.
وتتناول معاهدة دبلن في مضامينها الكثير من المعايير القانونية والإجراءات العملية المنظمة لتعاطي الدول الأعضاء فيها مع قضايا اللجوء، وبموجب هذه المعاهدة:
– لا يُسمح لأي شخص بتقديم طلب لجوء في أكثر من دولة من دول المعاهدة، تجري إعادته إلى الدولة الأولى التي أُخذت بصماته فيها، كما يحق للشخص تقديم طلب لجوء ثان في أي دولة عضو إذا كان قدم طلباً آخر في دولة مماثلة، لكن بشرط ثبوت مغادرته دول منطقة دبلن مدة خمس سنوات، وأن يكون بَصَم في إحدى سفارات هذه الدول، وعشر سنوات إذا كان بصم في إحدى دوائر اللجوء.
– إذا كان طالب اللجوء قاصراً ولم يكن برفقة أحد أفراد أسرته البالغين، وكان أحدهم موجوداً بشكل قانوني في دولة عضو أخرى، فإن تلك الدولة هي المسؤولة عن البت في طلب لجوئه لإلحاقه بذويه.

ويبقى أخيراً سؤال هام: متى تزول صفة اللاجئ عن حاملها؟
يبين استقراء أهم النصوص الدولية المتعلقة بشؤون اللاجئين أن صفة اللاجئ ترتفع عن الشخص إذا تحقق فيه واحد من الأسباب الآتية:
1- عودة اللاجئ إلى دولته الأصلية باختياره.
2- تجنّس اللاجئ بجنسية جديدة، ويُقصد بذلك حالة اكتساب اللاجئ جنسية جديدة غير جنسيته الأصلية، ويُشترط أن يكون اللاجئ قد اكتسب الجنسية الجديدة بناء على طلبه، دون أن تكون قد فرضت عليه، وأن يكون في استطاعته الإفادة من حماية الدولة صاحبة الجنسية الجديدة.
3- تغير الظروف في دولة اللاجئ الأصلية، فالملجأ هو حماية قانونية تُمنح لأجنبي، بسبب ظروف معينة كان يعيشها في دولته الأصلية، وهذه الظروف هي التي أدّت لعَدِّه لاجئاً في نظر القانون الدولي، وفي الوقت ذاته بررت لدولة الملجأ القيام ببسط حمايتها القانونية عليه، والمقصود بتغير الظروف كل تغيير سياسي أو إقليمي يقع في الدولة الأصلية، بحيث تزول الظروف التي كانت تتسبب في انفصام أو تدهور الرابطة الطبيعية بين اللاجئ ودولته الأم، ومن ثم تعود تلك الرابطة إلى حالتها العادية.

ثانياً -أرقام اللجوء السوري حول العالم 

يواجه الباحث عن أرقام وإحصائيات دقيقة لأعداد طالبي اللجوء واللاجئين السوريين في الخارج صعوبة كبيرة في تحقيق مراده، سببها أن تلك الأرقام باتت تتحرك حول العالم بشكل شبه يومي، وعدم تولي تلك العملية مؤسسات متخصصة في مجال الإحصاء، وقد اعتمدنا في الأرقام التي سنوردها في هذا البحث على أرقام المفوضيّة السامية للاجئين في الأمم المتحدة إضافة لبيانات نشرها بعض المواقع الإلكترونية الموثوقة، وكانت النتائج على النحو الآتي:

1- في دول الجوار

أرقام اللاجئين فيها الدولة
مليونان إلى مليونين وخمسمئة ألف لاجئ، وتُعد تركيا من أوائل الدول التي قصدها طالبو اللجوء السوريين، بحكم قربها الجغرافي من مساحات واسعة من مناطق الصراع العسكري داخل البلاد، وصلتها المباشرة ببعض أطراف ذلك الصراع. تركيا
مليون ومئة ألف لاجئ وهم يُشكلون 25% من عدد السكان المقدر بأربعة ملايين وأربعمئة ألف نسمة . لبنان
أكّدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين السوريين في الأردن وصل حتى الرابع من تموز 2016 إلى 657.334 الف لاجئ. وأن عدد اللاجئين السوريين في المخيمات بلغ 141.65 الف لاجئ موزعين بين مخيمات الزعتري ويضم نحو ثمانين ألفاً، ومخيم الأزرق ويضم 37.157 الف لاجئ ، ومريجيب الفهود يضم حوالي أربعة وعشرين ألفاً. وقالت المصادر: إن 516.78 الف لاجئ يعيشون في المدن والقرى الأردنية. وتشكل الإناث ما نسبته 50.7% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين بعدد يبلغ333.136 الف لاجئة، مقارنة مع 49.3% من الذكور بعدد مقداره 323.998 الف للاجئ لاجئاً بينما تبلغ نسبة الاطفال من أبناء اللاجئين 51.6%.
وبلغت نسبة اللاجئين السوريين في الأردن الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عامًا قرابة 44.8% من إجمالي عدد اللاجئين بعدد بلغ 294.420 الف لاجئ. الأردن
مئتان وتسعة وأربعون ألف لاجئ، استقروا في المناطق الشمالية في العراق مثل أربيل ودهوك ونينوى و 38% منهم في مخيمات.
العراق


2- في الدول العربية غير المجاورة لسورية

الدولة أرقام اللاجئين فيها
مصر مئة واثنان وثلاثون ألف لاجئ يعيشون جميعهم داخل المدن المصرية

دول الخليج العربي لا تزال مسألة استقبال دول الخليج العربي للاجئين موضوع جدل، حيث حكومات تلك الدول لم تمنح اللجوء لأي سوري، سواء أكان مقيماً فيها أم غير مقيم، وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن عدد اللاجئين في السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين هو: صفر.
الأمر الذي دعا نائب مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للقول بأن تقاعس تلك البلدان الخليجية الغنية في الأزمة السورية مخزٍ، وبالمقابل تعلن حكومات تلك البلدان أنها منحت ملايين الدولارات وبما يُقدر بـ 500 مليون دولار لمساعدة اللاجئين خلال عامين ونصف العام.

3- في أوروبا

الدولة أرقام اللاجئين فيها

ألمانيا أعلنت وزارة الداخلية الألمانية في شهر كانون الثاني 2016 أن حوالي مليون ومئة ألف شخص سجلوا طلبات لجوء في البلاد، وأن حوالي أربعمئة وثمانية وعشرين ألفاً منهم من الجنسية السورية، وفي دراسة أعدّها المكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين الألماني فإن نحو خمسمئة ألف سوري سيلحقون بذويهم في ألمانيا تحت عنوان “لمّ الشمل” سواء للزوجة أم الزوج أم الأولاد وفي حالات إنسانية قصوى الآباء والأمهات.
وتشير الإحصائيات إلى أن توجه الحكومة الألمانية الحالي هو زيادة نسبة اللاجئين السوريين، ممن يخضعون لنظام الحماية الجزئية الذي لا يعطيهم الحق بلم شمل عائلاتهم خلال فترة زمنية محددة، إذ صرّح المتحدث باسم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بتاريخ 12 تشرين الأول 2016 أن ” من بين ما يقارب 33698 طلب لجوء تقدم بها سوريون تم منح 23909 منهم الحماية الجزئية” ، كما تشير تقارير إعلامية إلى أن تسعة آلاف سوري تقريباً هم من حصلوا على صفة اللاجئ طبقاً لمعاهدة جنيف بينما تم رفض عشرين طلباً، ومنذ كانون الثاني 2016 وحتى أيلول عالج المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين مع مئتين وواحد وعشرين ألف طلب لجوء من سوريا حصل نحو مئة وواحد وأربعين ألفاً منهم على اللجوء وفقاً لمعاهدة جنيف بينما حصل نحو خمسة وسبعين ألفاً على الحماية الجزئية فقط .
السويد خمسة وستون ألف لاجئ وتُعد السويد من دول اللجوء الأولى التي قصدها طالبو اللجوء من السوريين بسبب قلة عدد سكانها واتباعها لسياسة متساهلة لقبول اللاجئين
فرنسا ستة آلاف وسبعمئة لاجئ، وقد أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند استعداد بلاده لاستقبال أربعة وعشرين ألف لاجئ على مدى عامين .
بريطانيا سبعة آلاف لاجئ، وقد أعلنت الحكومة البريطانية استعدادها لاستقبال ما يقارب عشرين ألف لاجئ آخرين على مدى 5 سنوات
دول أوروبية أخرى ثمانية عشر ألفاً وثمنمئة لاجئ في المجر، وفي الدنمارك أحد عشر ألفاً وثلاثمئة لاجئ، أما النمسا فإن المعلومات المتوافرة تشير إلى أنهم بحدود ثمانية عشر ألفاً، وتشهد دول أوروبية أخرى استقبالاً لطالبي لجوء من السوريين بين نيسان 2011 وتموز 2015 دون توافر ارقام دقيقة عن أعداد أولئك الأشخاص وتوزيعهم بين تلك الدول وهي إسبانيا وهولندا وسويسرا وبلغاريا وإيطاليا واليونان.

4- في الأمريكيتين وأستراليا

الدولة أرقام اللاجئين فيها

الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 30 آب 2016 قالت مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس: إن الولايات المتحدة بصدد تحقيق هدف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، باستقبال عشرة آلاف لاجئ سوري قبل نهاية العام المالي الحالي، في أيلول 2016. وأعلنت رايس أنه من المقرر وصول عشرة آلاف لاجئ سوري إلى الولايات المتحدة يوم الاثنين 29 آب 2016 .

كندا منحت كندا أكثر من ألفين وثلاثمئة وسبعين لاجئاً سوريّاً حق اللجوء من كانون الثاني 2014 مع الوعد بقبول عشرة آلاف لاجئ على مدى ثلاث سنوات، وقد وصل العدد المقبول إلى ألف وأربعة وسبعين لاجئاً.

أستراليا صرّح رئيس الوزراء الأسترالي ” توني آبوت ” أن بلاده تستقبل اثني عشر ألف لاجئ سوري، وأنه من الممكن أن يتضاعف عدد الاشخاص المسموح باستقبالهم في أستراليا من خلال برنامجها للجوء الإنساني، الذي يُحدد بـ 13750 لاجئ سنوياً .
ومع ذلك فإنه و خلال جلسة لمجلس الشيوخ الأسترالي في آب 2016 قال مسؤولو الهجرة إن ستة وعشرين لاجئاً سورياً فقط وصلوا إلى البلاد منذ الإعلان عن الحصة المقررة في سبتمبر أيلول .

ثالثاً – السياسة التركية حيال ظاهرة اللجوء السوري

يوجد في تركيا وفقاً لتقارير الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين ما يُقارب مليوني لاجئ من السوريين، وبحسب مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين، يتوزع حوالي مئتين وثمانية وخمسين ألفاً من هؤلاء اللاجئين، على 25 مخيماً في 10 مدن تركية حدودية، في حين يتوزع الباقي داخل المدن والبلدات في باقي أنحاء تركيا، وأكثر من 53% منهم هم من النساء، وتقل أعمارهم عن 18 عاماً.
ورغم أن حالات اللجوء الإنساني، ومنها حالة اللاجئين السوريين، تتخذ عموماً في معالجتها الجوانب الإنسانية، إلا أن حالة اللجوء السوري في تركيا اتخذت طابعاً استثنائيا،ً بسبب ذلك التناغم الواضح والصريح بين سياسات الحكومة التركية حيال الأزمة السورية وطريقة تعاطيها مع حركة اللجوء السوري إليها ومنها إلى أوروبا، وما خلّفه ذلك من تأثيرات سلبية في واقع اللاجئين السوريين فيها، الأمر الذي شكّل مادة دسمة لا يستقيم أي بحث في توجهات السياسة التركية الإقليمية أو الدولية دون التطرق لها، ويُعزز هذا الاستنتاج استخدام موضوع اللاجئين السوريين في تركيا، كبرنامج سياسي لكثير من الأحزاب السياسية التركية، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الحاكم، في حملاتها الانتخابية أثناء انتخابات 7 حزيران العام 2015 ، بعيداً عن مبادئ القانون الدولي ذات الصلة بموضوع اللجوء الإنساني .
ومما لا تخطئه عين الباحث في الميدان التركي، فإن سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية حيال قضية اللاجئين السوريين، كانت جزءاً لا يتجزأ من سياستها حيال الأزمة السورية ورؤيتها لتطوراتها، ولهذا السبب فهي لم تتخذ مساراً ثابتاً وإنما تباينت تبعاً لمجريات وتطورت الأزمة السورية على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى – التضخيم والدعاية
تمتد هذه المرحلة من الأشهر الأولى للأزمة السورية أواسط آذار العام 2011 وحتى أواسط العام 2012، حيث استقت الحكومة التركية رؤيتها المستقبلية لتطورات الأزمة السورية في هذه المرحلة من الحالة الليبية، وساد الاعتقاد لدى ساستها أن وجود تطابق في الظروف والأهداف بين الوضعين الليبي والسوري، يجعل تطابق النتائج وارداً بنسبة كبيرة، على هذا الأساس فقد رأت القيادة الحاكمة في تركيا أن أياماً وربما كانت شهوراً فقط تفصلها عن تدخل عسكري إقليمي ودولي في سوريا، يبدأ بفرض مناطق الحظر الجوي، ويفضي بالنتيجة إلى إسقاط “النظام” السياسي الحاكم في سوريا على الطريقة الليبية، وأنه لا بأس من تأمين فرص التعجيل في تحقيق ذلك، ولو اقتضى الأمر التضحية بأهم مبدأ من مبادئ العلاقات الدولية ألا وهو ” احترام السيادة الوطنية للدول”، وبالفعل سعت الحكومة التركية إلى تعزيز رؤيتها حول عدم شرعية “النظام” السياسي القائم في سوريا، من خلال إثبات النفور الشعبي الواسع داخل أوساط المجتمع السوري من حكومته، وأرادت أن يتم ذلك على حدودها وأمام عدسات وسائل الإعلام العالمية، فجهزت -وفقاً لروايات متواترة نقلها شهود عيان من المناطق الحدودية- المخيمات لاستقبال النازحين المنتظرين ممن لم يكونوا قد غادروا منازلهم بعد، وشجّعت ” انشقاق” الموظفين الحكوميين العسكريين والمدنيين عن الدولة السورية، من خلال إقناع الكثيرين من أفراد هذه الشريحة من السوريين بترك وظائفهم والتوجه مع عائلاتهم باتجاه حدودها، بحجة أن ذلك سيعجّل في سقوط “النظام” السياسي في البلاد وأنه سيكون حالة مؤقتة، يعاودون بعدها حياتهم الطبيعية في ظل نظام جديد، وأعلنت تركيا سياسة الحدود المفتوحة أمامهم تحت عناوين الأخوة والتضامن الإسلامي، واستقبلتهم في مخيماتها، بعد قيام فرق إعلامية متخصصة بتسجيل بيانات مصوّرة عن ” انشقاق ” كل منهم، وفي هذه المرحلة لم تكن العمليات العسكرية المناوئة للحكومة السورية قد اتخذت طابعها الواسع، واقتصر عدد أولئك الذين تجاوزوا الحدود على آلاف من السوريين كانوا في غالبهم من الموظفين الحكوميين وعائلاتهم، وكانت الحكومة التركية تنتظر بفارغ الصبر الوقت الذي يرى فيه الغرب أن الوقت قد حان لإنهاء معاناة هؤلاء اللاجئين، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو في تصريح نقلته عنه صحيفة “حرييت” التركية بتاريخ 20/8/2012 حيث قال: “إن تركيا ربما لا تستطيع قريباً استيعاب المزيد من اللاجئين الفارين من سوريا، وهو ما يعني أنه قد يتعين على الأمم المتحدة إقامة مخيمات في منطقة آمنة داخل سوريا …. إذا زاد عدد اللاجئين على 100 ألف لن يكون هناك مكان لإيوائهم ويحب أن نكون قادرين على إيوائهم في سوريا ” .

المرحلة الثانية – دحرجة المشكلة صعوداً
تمتد هذه المرحلة من بدايات العام 2012 وحتى مطلع العام 2015 ، حيث أدركت حكومة العدالة والتنمية في تركيا أن التدخل العسكري المباشر في سوريا ليس وارداً لدى صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ، فانتهجت الحكومة التركية مع الدول العربية الداعمة لفكرة إسقاط النظام السياسي في سوريا، مساراً جديداً شكّل العنصر البشري السوري عصبه المحرّك، فعمدت لتنظيم النشاط المسلح بمواجهة الدولة السورية وعززت دعمها العسكري واللوجستي لتلك التنظيمات، ما أدى لزيادة رقعة المواجهات مع الدولة السورية، وزيادة حجم الدمار في ساحات القتال داخل المدن والبلدات السورية، خاصة في حلب وإدلب، بصورة دفعت لتعاظم ظاهرة لجوء غالبية سكان تلك المدن والبلدات إلى الأراضي التركية القريبة لأعداد غير مسبوقة، وهنا بدأت أعداد اللاجئين السوريين المجتازين للحدود التركية تتدحرج صعوداً، وسيطرت مجريات العمل العسكري على اهتمام القيادة الحاكمة في تركيا وصارت القيادة التركية تنظر لقضية اللاجئين على أراضيها وفقاً لمنظورين متوازيين: الأول، منظور العامل المساعد في الجهد العسكري، من خلال توفير معسكرات التدريب والتجنيد والملاذ الآمن لأسر وعائلات المقاتلين؛ أما المنظور الثاني فكان تهيئة وضع مناسب لتحقيق فكرة “منطقة الحظر الجوي” في عمق الأراضي السورية في حال نضوج قرار غربي بهذا الخصوص. ولم يكن للبُعد الإعلامي أهمية تُذكر، إذا ما استثنينا بعض التقارير ذات الأبعاد الإنسانية البحتة.

المرحلة الثالثة – تصدير اللجوء والابتزاز السياسي
استشعرت الحكومة التركية في مطلع عام 2015 أن الأزمة السورية مقبلة على جمود عسكري وسياسي طويل، لأسباب كثيرة أهمها: فقدان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب الرغبة الجادة في إسقاط الدولة السورية عسكرياً، تحت وطأة خطوات الإرهاب الثقيلة العابرة للحدود التي بدأت تطرق أبواب العواصم الأوروبية، في مقابل تزايد الممانعة الروسية لمثل ذلك الخيار التي وصلت لحد المؤازرة العسكرية المباشرة للجيش السوري في مواجهة خصومه.
يُضاف إلى ما تقدم الإرباك الداخلي الذي بدأ يعانيه حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ أصبحت قضية اللاجئين السوريين مادةً دسمةً لانتقاده تستخدمها الأحزاب المعارضة بل والمؤيدة له في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال أكّد حزب الحركة القومية أـن:” اللاجئين السوريين أضرّوا بشكل كبير بتركيا وأمنها وشعبها، وأن كل ذرة دعم تُقدم للاجئ السوري، المواطن التركي أحق بها”.
كما صدر عن حزب الشعوب الديمقراطي تصريح جاء فيه: “إن عدم الاستقرار الناتج في المنطقة سببه الرئيس تعنّت تركيا في الوقوف ضد النظام السوري، وقيامها باستقبال أكثر من مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين، ولو تعاملت تركيا مع الموضوع بشكل دبلوماسي لما حدثت حالة عدم الاستقرار هذه، على تركيا إرسال اللاجئين السوريين لبلادهم”. وتزامن ذلك مع اضطرابات أمنية باتت تظهر، من خلال تفجير هنا أو هناك، وما أثير عن صلات حقيقية مدعومة بالوثائق والأدلة الحسية بين الحكومة التركية وجماعات متطرفة كـ ” جبهة النصرة ” و ” داعش “.
وانعطفت الحكومة التركية إزاء كلّ هذه المعطيات باتجاه مسار جديد، تجسّد في فتح كل الطرقات أمام طوفان السوريين الراغبين بالهجرة إلى القارة الأوروبية رغبة في حياة أفضل من تلك التي عاشوها في المخيمات التركية، إضافة لأولئك الذين لم يكن اللجوء في تركيا خياراً لهم ولكنهم قرروا استعمال الأراضي التركية كممر للعبور إلى أوروبا، وصارت السلطات التركية تتغاضى بشكل ملحوظ عن مهربي البشر الذين سيّروا المئات من مراكب الموت لتحمل السوريين من شواطئ مدينة أزمير على بحر إيجة باتجاه الجُزر اليونانية، وفي هذا الصدد صرّحت المنظمة الدولية للهجرة أنه: بدءاً من مطلع تشرين الأول 2015 وصل أكثر من 160 ألف شخص إلى الجزر اليونانية من تركيا، بينهم 99 ألفاً نزلوا في جزيرة ليسبوس، و22 ألفاً في جزيرة كيوس، و 21500 في ساموس، و 7500 في ليرون ، وبهذا نجحت تركيا في نقل ثقل أزمة اللاجئين السوريين إلى ساحات القارة الأوروبية، لتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد:
الأول، يتجسد في الضغط على القادة الأوروبيين، ومن خلفهم الإدارة الأمريكية لإعطاء الضوء الأخضر لتركيا بتنفيذ حلمها في “المنطقة الآمنة” في عمق الأراضي السورية، كحل وحيد يضمن عدم انسياب موجات اللجوء السوري إلى القارة العجوز، ويثبت أن هذه الظاهرة في القارة الأوروبية ما هي إلا نتيجة لتجاهل المجتمع الدولي لرؤيته حيال الأزمة السورية القائمة على فكرة استعمال القوة العسكرية المباشرة، لإزاحة النظام السياسي الحاكم فيها؛ أما الثاني؛ فيكمن في دفع الدول الأوروبية عامةً، وخاصةً المركزية منها كألمانيا وفرنسا باتجاه التفاوض مع الحكومة التركية، لضبط حدودها وحركة عبور اللاجئين عبر أراضيها في الاتجاه الأوروبي، وهو تفاوض ترى فيه القيادة التركية نوعاً من التفوّق الذي طالما تطلّع إليه الأتراك في علاقتهم مع
جيرانهم الأوروبيين. وفيما يلي مخطط بياني يوضح كيفية تنامي حركة اللاجئين السوريين عبر الحدود التركية باتجاه القارة الأوروبية في الفترة ذاتها:

وإذا كان الأتراك قد فشلوا في تحقيق هدفهم الأول في انتزاع القرار الدولي، بإنشاء ما سمّوه بـــ “المناطق الآمنة”، إلا أنهم نجحوا في تحقيق هدفهم الثاني، من خلال مفاوضاتهم مع الاتحاد الأوروبي، وحصلوا على مكاسب مالية وسياسية، كرّستها المعاهدة التي أُبرمت بين تركيا والاتحاد الأوروبي بتاريخ 4 شباط 2016 تحت عنوان: “إعادة القبول” وبموجبها يحق لدول الاتحاد الأوروبي إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، وفي حال تعذر ذلك إعادتهم إلى آخر بلد عبروه قبل دخولهم إلى حدود الاتحاد الأوروبي؛ ذلك بمقابل حصول تركيا على مساعدات مالية عاجلة بقيمة ثلاثة مليارات يورو، يعقبها مبالغ أخرى يتم النظر في مقدارها على ضوء تطور الأوضاع. يُضاف إلى ما تقدم امتيازات أخرى، أهمها: تسهيل منح تأشيرات السفر إلى منطقة “شنغن” للمواطنين الأتراك، وإحياء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ، وبنتيجة هذا الاتفاق أعلنت وزارة الخارجية التركية في 30 كانون الأول 2015 إجراءات جديدة، للحصول على التأشيرات للقادمين السوريين إلى تركيا عبر المطارات والمعابر البحرية، على أن يبدأ العمل بتلك الإجراءات بتاريخ 8 كانون الثاني 2016، وصرّحت الحكومة التركية أن هذه الإجراءات تأتي في سياق “مكافحتها للهجرة غير الشرعية”، وكانت أولى نتائج تطبيق هذه الإجراءات ترحيل أكثر من مئة سوري من قبل السلطات اللبنانية، كانوا قد علقوا في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت ليلة 8 كانون الثاني 2016، بسبب إلغاء الرحلتين الجويتين اللتين كان من المقرر مغادرتهم على متنها إلى تركيا .
ورغم أن منظمة الهجرة الدولية قد أعلنت في 13 أيار2016 أن عدد المهاجرين وطالبي اللجوء الوافدين إلى اليونان في نيسان 2016، قد تراجع بنسبة تناهز 90% إثر الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي، عما كان عليه الحال في آذار من العام ذاته، حيث سجّلت المنظمة وصول 3360 شخصاً في نيسان مقابل 26971 شخصاً في آذار ، إلا أن انتقادات قانونية حادة وكثيرة وَجَّهها العديدُ من المنظمات الحقوقية الناشطة في مجالات حقوق الإنسان واللاجئين إلى ذلك الاتفاق لما انطوى عليه من ابتزاز تركي واضح وصريح، تجلّى بتجاوز أوروبي عن السجل التركي غير النظيف في مجال حقوق الإنسان عموماً وحقوق اللاجئين خصوصاً
وقد دار معظم تلك الانتقادات حول النقاط الآتية:
– نصَّ الاتفاق على إعادة كل المهاجرين غير الشرعيين الذي يعبرون من تركيا إلى اليونان، وفق سياسة “واحد مقابل واحد”، على أن يُفرض على طالبي اللجوء إلى أوروبا التقدم بطلباتهم إلى السلطات التركية نفسها التي تُقرر فيما إذا كان سيجري قبولهم ضمن السقف المحدد بـــ 27 ألف لاجئ، وهنا يثور السؤال بالغ الأهمية: ما هي تلك الأسس التي ستُعتمد لإعادة المهاجرين أو إبقائهم أو إعادتهم لبلادهم؟ هل هو الدين أم الكفاءة أم الجنسية؟
– جاء الاتفاق –في الحقيقة- خالياً من تحديد آليات واضحة وشفافة لتنفيذ هذا الجانب منه، الأمر الذي استدعى انتقادات واسعة أطلقها العديد من المنظمات والمؤسسات الإنسانية وعلى رأسها “منظمة أطباء بلا حدود” التي وصفت الاتفاق بأنه: ” أحد اوضح الأمثلة على حالة الاستخفاف الراهنة، موضحة أنَّ مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يحرم اللاجئين من المعاملة الإنسانية، وكذلك حقوقهم في طلب الحرية، من الأخطار التي يتعرضون لها عند إعادتهم لبلادهم”. وأعلنت منظمة العفو الدولية في السياق ذاته أن الاتفاقية الأوروبية التركية تُمثّل “مقايضة محتقرة للبشر تحاول تسويق انعزال أوروبا كإجراء إنساني”، وقال “جون دلهاوزن” مدير قسم أوروبا ووسط آسيا في المنظمة: ” إن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا اتفاقٌ جُزافي وغير قانوني، وتبين النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية أنه من قبيل الخيال تصوُّر أن تركيا قادرة على احترام حقوق ما يزيد عن ثلاثة ملايين من اللاجئين وطالبي اللجوء وتلبية احتياجاتهم”.ويُضيف قائلاً: “في إطار مساعي الاتحاد الأوروبي المحمومة لمنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول أوروبا، فقد تعمَّد تقديم صورة غير صحيحة عما يحدث فعلياً على أرض الواقع في تركيا. ومن المتوقع أن يعاني أي نظام جديد لطلب اللجوء في بلد يؤوي أكبر عدد من اللاجئين في العالم. وإذا كان من المحمود دعم تركيا وتشجيعها على وضع نظام لطلب اللجوء يعمل بكفاءة تامة، فلا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يتصرف، وكأن هذا النظام موجود بالفعل” .
– عَدَّ الاتفاق الأوروبي تركيا بلداً آمناً للاجئين السوريين، كشرط قانوني أولي يضمن إعادتهم من اليونان إليها، بموجب أحكام هذا الاتفاق، دونما مراعاة لحقيقة قانونية مهمة مفادها أن تركيا ورغم كونها من أُولَيات الدول التي وقعت على اتفاقية 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين، إلا أنها ما تزال تحافظ على المحدودية الجغرافية لمنح حق اللجوء، وتحصر منح صفة اللجوء القانونية الدولية لأفراد من الدول الأوروبية فقط ، في حين يندرج وجود اللاجئين السوريين في تركيا تحت ما يُسمى بــــ “الحماية المؤقتة” أو ما يُعرف بنظام “الكيمليك”، حيث يخضع المشمولون بهذه الحماية لأحكام قانون وطني هو قانون الأجانب والحماية المؤقتة، وليس لأحكام اتفاقية 1951 الدولية، الأمر الذي يجعلهم في جميع الأحوال تحت رحمة المشرّع التركي، المرهون بشكل كبير بطبيعة النظام السياسي الحاكم في البلاد وتوجهاته، وبالتالي فإن تركيا بهذا المفهوم لا يمكن عَدُّها بلداً آمناً من الناحية القانونية، مادامت ترفض الاعتراف لهؤلاء اللاجئين بحماية قانونية دولية لا يخضع مستقبلهم فيها لتقلبات المزاج الرسمي التركي، ويُعبَّرُ عن مثل هذه الخطورة بمصطلح “تأثير الدومينو”، حيث يفتح الإخفاق في مراجعة الوضع الفردي لطالبي اللجوء الطريق لسلسلة من الإعادات إلى دول أخرى، وهذا يعني أن اتفاقية إعادة القبول هيأت الظروف لإعادة أشخاص إلى أماكن لا يمكن ضمان احترام حقوق الإنسان فيها، وهذا ما يُعرف بـــ ” تأثير الدومينو ” ويعد منع حودث هذا التأثير معياراً من معايير القانون الدولي العام، ويجب منعه أيضاً في تنفيذ اتفاقات إعادة القبول .
هذا، وفي السياق نفسه ذكرت صحيفة ” الغارديان ” البريطانية في عددها الإلكتروني الصادر يوم 21/5/2016 أن الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، يشهد المزيد من الفوضى بعد أن قضت هيئة قضائية مستقلة تنظر في دعاوى استئنافية في اليونان بعدم ترحيل لاجئ سوري إلى تركيا، الأمر الذي يُحتمل أن يُشكل سابقة لآلاف الحالات المشابهة الأخرى، وأشارت الصحيفة إلى أن محكمة الاستئناف أيّدت دعوى طالب اللجوء الذي كان من أوائل السوريين الذين تم وضعهم على قائمة الترحيل بموجب بنود الاتفاق الأوروبي التركي، وأفادت وثيقة أصدرتها المحكمة الاستئنافية في جزيرة ليسبوس اليونانية بأن تركيا لن تعطي اللاجئين السوريين حقوقهم المستحقة بموجب المعاهدات الدولية، ولذلك أبطلت المحكمة أمر ترحيل مُقدم الاستئناف، وخلصَ حكم المحكمة إلى أن الحماية المؤقتة التي تعرضها تركيا على مُقدم الطلب لا توفر له حقوقاً متساوية بالتي أقرّتها معاهدة جنيف، ولفتت الصحيفة إلى أن قرار المحكمة يضيف القواعد القانونية والعملية للاتفاق الأوروبي التركي، وأنه رغم ترحيل نحو 400 طالب لجوء إلى تركيا بموجب ذلك الاتفاق، إلا أنه لم يتم حتى لحظة نشر المقال إعادة أي لاجئ سوري إلى الأراضي التركية رغماً عن إرادته .
يُضاف إلى ما تقدم ما يثيره الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية وبعض منظمات المجتمع المدني التركي عن خروقات الحكومة التركية لحقوق الإنسان، حيث يُشار إلى أنه وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا للعب دور الحارس المفترض لحدود القارة الأوروبية في وجه حركة طالبي اللجوء في أوروبا من السوريين، وتسعى لمقايضة ذلك بالحصول لمواطنيها على حق السفر لأوروبا دون تأشيرة دخول، لا تزال دول أوروبية عديدة تقبل طلباً من كل أربع طلبات لجوء مقدمة إليها من مواطنين أتراك، لأسباب متعددة بينها سياسي.
يثير الاتفاق الأوروبي التركي تساؤلاً مشروعاً بالغ الأهمية: لماذا حصلت تركيا على ما لم يحصل عليه لبنان والأردن؟ والإجابة على هذا السؤال تبدو بديهية، وهي تؤكد حقيقة استعمال الحكومة التركية لمعاناة وآلام اللاجئين السوريين كورقة مقايضة سياسية مع الجانب الأوروبي،؛ذلك أن لبنان والأردن استقبلا الملايين من اللاجئين السوريين، وتحملا أعباءهم المالية والاجتماعية، وبقراءة سريعة لأرقام اللاجئين فيهما نجد أن هاتين الدولتين تتحملان أعباء تزيد عن تلك التي تتحملها تركيا، إذ يبلغ عدد سكان تركيا حوالي خمسة وسبعين مليون نسمة، وتستضيف حوالي مليونين وخمسمئة ألف لاجئ سوري أما لبنان فلا يتعدى سكانه أربعة ملايين وأربعمئة ألف نسمة ويستضيف حوالي مليون ومئة ألف لاجئ سوري، بينما تقول السلطات الأردنية إنَّ اللاجئين السوريين يشكلون 20% من تعداد سكانه البالغ سبعة ملايين نسمة، وقد أعلن الأردن في مطلع شهر تشرين الثاني 2015 أنها تحتاج لنحو ثمانية مليارات دولار أمريكي للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين حتى العام 2018 ، وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم ما يُقارب ثمانية وعشرين مليون دولار منها فقط، في وقت تحصل تركيا وحدها على مساعدة فورية قدرها ثلاثة مليارات يورو وهي الدولة التي يقع ترتيب اقتصادها بالنظر إلى ناتجها المحلي الإجمالي في المستوى السابع عشر عالمياً ، في حين يُعاني الأردن ولبنان تحديات اقتصادية كبيرة منذ وقت يسبق الأزمة السورية بسنوات، ففي لبنان تشير الدراسات الاقتصادية لانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بين العامين 2009 وحتى 2012 من 8,5 % إلى 1,4% ، وانخفض في الفترة ذاتها ذلك الناتج في الأردن من 5,5 % إلى 2,7% ، وكان التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن في العام 2010، قد كشف عن زيادة جيوب الفقر في الأردن من 22 إلى 32 في الفترة الممتدة بين العامين 2006 – 2008، وهي المناطق التي يكون ما نسبته 25% أو أكثر من سكانها تحت خط الفقر الخاص بالدولة، وأشار التقرير إلى أن المحافظات الثلاث الأكثر اكتظاظاً بالسكان وهي: عمّان، وإربد، والزرقاء، تحتوي 57% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، وهي المحافظات ذاتها التي تشير الإحصائيات الخاصة باللاجئين السوريين في الأردن إلى أن 58% منهم مسجلين فيها، في حين تضم محافظة المفرق حيث يقع مخيم الزعتري حوالي 30% من اللاجئين، بأعلى معدلات فقر وأمية في الأردن .

رابعاً- أبرز المشكلات التي تواجه اللاجئين السوريين في طريق اللجوء

تتنوع المشكلات التي يواجهها اللاجئون السوريون في مراحل اللجوء عبوراً واستقراراً، تحت عناوين كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية، وهي بلا شك كثيرة لا يتسع لها مقام البحث في هذه الدراسة، ولكن يمكننا أن نبين أهم تلك المشكلات بما يخدم أهداف البحث من تسليط للضوء على أبرز تلك المشكلات التي يُعاني منها اللاجئون السوريون في دول الجوار السوري: تركيا، ولبنان، والأردن، ثم نتصدى لجانب من المشكلات التي تواجههم في القارة الأوروبية تباعاً على الوجه الآتي:

1- في تركيا
يغلب على المشكلات التي تواجه اللاجئين السوريين في تركيا الطابع الاجتماعي والسياسي والقانوني، وقد تصدينا لجوانب واسعة من تلك المشكلات، خاصةً القانونية منها في سياق ما تقدم من بحثنا في سياسة الدولة التركية حيال قضية اللجوء السوري على أراضيها، ويُضاف إلى تلك المشكلات ما يعانيه اللاجئون من صعوبات في التعايش مع المجتمع التركي في ظل اختلاف اللغة والثقافة ونمط العيش، إضافة لبعض مظاهر الاستقطاب المذهبي والعرقي داخل المناطق التي تشهد كثافة في وجودهم، والتي تتركز في غالبها جنوب شرق البلاد وهي مناطق تعاني أصلاً من مشكلات داخلية اقتصادية واجتماعية وأمنية، ويشير بعض الدراسات المتخصصة إلى أن 50% من اللاجئين السوريين في تركيا بحاجة إلى خدمات دعم نفسية ومعنوية .
كما يعاني اللاجئون السوريون في تركيا من مشكلات في تعليم أبنائهم، لعدم قدرة النظام التعليمي التركي على استيعابهم في جميع مراحل التعليم، إلى جانب عائق اللغة، حيث يُعرف الأتراك بأنهم يعتمدون اللغة التركية كلغة وحيدة في مؤسساتهم التعليمية، ويترتب على هذه المشكلة تزايد ظاهرة عمالة الأطفال بين اللاجئين السوريين في تركيا، حيث تضطر عائلات سورية معينة لإرسال أطفالها للعمل بدافع الحاجة المادية، وغالباً ما يتعرض أولئك الأطفال لصور من سوء المعاملة بدءاً من ضعف الأجور وانتهاء بالاعتداء الجسدي .
ويواجه اللاجئون السوريون على الصعيدين السياسي والأمني ردود فعل سلبية، يُبديها جانب من الشارع التركي المعارض لسياسة الحدود المفتوحة أمامهم، خاصةً في ظل ما تنتهجه الحكومة التركية الحالية من استخدام سياسي صريح ومُبتذل لوجود أولئك اللاجئين على الأراضي التركية، سواء في أروقة المصالح الحزبية الداخلية أم في سياق العلاقات الإقليمية والدولية، فضلاً عن الهواجس الأمنية الملّحة التي تنتاب الأحزاب التركية المعارضة، بسبب ارتباط مخيمات اللاجئين بالتنظيمات المسلحة الناشطة على الأراضي السورية وما يعنيه ذلك من تزايد مخاطر تسرب السلاح والتطرف إلى العمق التركي في المستقبل، خاصةً بعد أن تورط بعض السوريين في عمليات تفجير انتحارية داخل المدن التركية، الأمر الذي بات ينعكس نظرة سلبية إلى الوجود السوري في تركيا برمته، وهي نظرة تولد حالة من عدم الاستقرار في وضع هؤلاء
اللاجئين على الصعيدين القانوني والسياسي، وقد تتطور باتجاه التضييق على اللاجئين السوريين، خاصةً فيما لو تمكنت الأحزاب التركية المعارضة من انتزاع مكاسب انتخابية كبيرة على حساب حزب العدالة والتنمية الحاكم في أي انتخابات مستقبلية، وبكل تأكيد فإن ما انتاب اللاجئين السوريين في تركيا من مخاوف ترددت بينهم خلال ساعات المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حصلت بتاريخ 15/7/2016، يُعدُّ دليلاً قاطعاً على حالة عدم الاستقرار النفسي الذي يعانون منه مع تقلبات الوضع السياسي التركي غير المستقر على المدى المنظور.

2- في الأردن
يُتيح الأردن في الأوضاع العادية دخول السوريين إلى أراضيه بجواز سفر، دون الحاجة إلى تأشيرة أو تصريح بالإقامة وفقاً لشروط معينة، أما في حالات اللجوء فالأردن ليس من الدول الموقعة على اتفاقية 1951 الخاصة بحماية اللاجئين وبروتوكولها الملحق لعام 1967، وبالتالي فإن الحكومة الأردنية تتعاطى مع شؤون اللاجئين على أراضيها، بعيداً عن القواعد الدولية المتّبعة بهذا الخصوص وبما ينسجم مع سياستها الداخلية والإقليمية، ورغم توقيع الحكومة الأردنية على مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في العام 1998 في إطار سياسة الأردن حيال اللاجئين على أراضيه من غير الفلسطينيين، متضمنة تعريفاً للجوء وطالبيه، إلا أن ما جاء في تلك المذكرة لا يشكل التزامات قانونية على عاتقها، خاصةً أنها افتقرت لمجموعة هامة من الحقوق القانونية التي يتمتع بها اللاجئون على المستوى الدولي وفقاً لاتفاقية 1951، كالحق في السكن والعمل والتعليم العام وحرية التنقّل والإغاثة والمساعدة العامة. وبالتالي فإنه ونتيجة لمحدودية التزامات الأردن القانونية تجاه اللاجئين السوريين، لا يزال اللاجئون داخل الأردن في معظم شؤونهم تحت رحمة مزاج صانع القرار الأردني وتوجهاته السياسية بعيداً عن أي رقابة دولية حقيقية.
ومما يلاحظ أن نظرة الأردن الرسمية إلى اللاجئين السوريين، تتماهى إلى حدٍّ بعيدٍ مع طريقة تعاطيه مع الأزمة السورية عموماً التي يطغى عليها التردد والانفعال المحكوم بالهواجس الأمنية، ولعلَّ أوضح دليل على ذلك مبادرة السلطات الأردنية في 21 تموز 2014، إلى حصار عشرات آلاف طالبي اللجوء السوريين في منطقة صحراوية قاحلة داخل الأردن، شمالَ ساتر ترابي شيّدته تحت اسم منطقة منزوعة السلاح، تنتهي بعد عدة مئات من الأمتار جنوب الحدود السورية الأردنية، ذلك إثر هجوم لتنظيم “داعش”، على مركز حدودي قريب حصل في ذلك التاريخ، بالتزامن مع تعلّيق الأردن المساعدات بشكل شبه كلّي إلى 70 ألف شخص عالق هناك معظمهم نساء وأطفال.
وبالنظر إلى ما تقدم من وضعهم القانوني المكشوف، يُعاني اللاجئون السوريون في الأردن من صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة، خاصةً في ظل انخفاض مستوى خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية التي تُقدم لهم في مخيمات اللجوء سيئة الصيت وعلى رأسها مخيم الزعتري، فضلاً عن ظهور حالات نفور من بعض الأردنيين من وجودهم بينهم داخل المدن الأردنية، وتُشير دراسات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أنه ومنذ العام 2014، بدأت الحكومة الأردنية تُعيد اللاجئين السوريين من المُدن الأردنية إلى مخيمات اللجوء مع تقييد حركتهم خارجها، وهو ما ترافق مع إجراءات إدارية تحدّ من حصول اللاجئين السوريين على خدمات الرعاية الصحية خارج المخيمات ما لم يحصلوا على شهادات طلب اللجوء من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبطاقة خدمة من وزارة الداخلية، وطلبت الحكومة الأردنية في الوقت ذاته من المفوضية الامتناع عن تقديم شهادات طالب اللجوء لكل لاجئ يُغادر مخيم اللجوء بعد تاريخ 14 تموز2014، دون الحصول على كفالة رسمية، الأمر الذي يعني من حيث النتيجة حظر مغادرة اللاجئين السوريين لمخيمات اللجوء.
وفي أواخر تشرين الثاني من العام 2014 تراجعت الحكومة الأردنية عن قرارها بالسماح للسوريين بالحصول على خدمات الرعاية الصحية مجاناً، بسبب العبء المالي الكبير لهذه الخدمات، وصار لزاماً على اللاجئين السوريين دفع نفقات علاجهم في المستشفيات الأردنية، شأنهم شأن الأردنيين من غير المتمتعين بمزية التأمين الصحي.
ورغم التركيز الكبير لبرامج المساعدة الإنسانية، على تقديم الحماية القانونية للاجئين السوريين في الأردن، إلا أن هناك الكثيرين من أولئك اللاجئين لا يعرفون شيئاً عن حقوقهم وواجباتهم، وهو ما شكّل البيئة الخصبة لتعرضهم للكثير من الانتهاكات وحالات الاستضعاف، سواء في المخيمات أم في المدن، وبحسب التقارير الإعلامية فقد ارتفعت حالات الزواج القسري والمبكر مقارنة بما كان الوضع عليه قبل الأزمة السورية، كما ازدادت حالات العنف الأسري والجنسي، وفي هذا السياق فقد تضمنت دراسة أعدتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع منظمة الإغاثة والتنمية الدولية مطلع العام 2015، تحت عنوان: “العيش في الظل” بيانات تم جمعها خلال زيارات منزلية لنحو 150ألف لاجئ سوري يعيشون خارج المخيمات في الأردن، حيث أشارت الدراسة إلى أن ثلثي اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر الوطني، بينما يعيش واحد من كل ستة لاجئين سوريين في فقر مدقع، إذ يعيش الفرد الواحد بأقل من 21 دولاراً في الشهر. وأشار التقرير إلى أنَّ أكثرَ من نصف المنازل التي تمت زيارتها من قبل الباحثين، كان يعاني من عدم وجود وسائل التدفئة. بينما افتقر ربع المنازل للكهرباء، وأكثر من عشرين في المئة لم يكن فيها مراحيض. من ناحية أخرى، شكّل الإيجار أكثر من نصف الإنفاق الشهري، ما أجبر أعداداً كبيرة من اللاجئين على مشاركة السكن مع أسر أخرى لخفض الإنفاق. وبناء على نتائج هذه الدراسة فقد حذر المفوض السامي السابق لشؤون اللاجئين “أنطونيو غوتيريس” قائلاً: “ما لم يزد المجتمع الدولي دعمه للاجئين، فستلجأ الأسر لاختيار استراتيجيات تأقلم سلبية أكثر جذرية من أي وقت مضى”، مضيفاً: ” سيتسرب المزيد من الأطفال من المدرسة بحثاً عن العمل وستتعرض الكثير من النساء إلى خطر الاستغلال، بما في ذلك ممارسة الجنس من أجل البقاء” .

3- في لبنان
انطلقت الحكومة اللبنانية في تعاطيها مع السوريين العابرين لحدودها من غير المعابر القانونية مع بداية الأزمة السورية العام 2011 بمنطق التساهل، ولم يكن – بتقديرنا – لدوافع إنسانية، وإنما استجابة لتصور بعض الساسة اللبنانيين، ممن كانوا يتحكمون بالقرار الحكومي في لبنان، ويتخذون منهج العداء للحكومة السورية بأن هؤلاء العابرين للحدود هم في معظمهم من المعارضين المناوئين للحكومة، وأنهم يشكلون حاضنة وعصباً لمواجهتها في المناطق الحدودية التي ارتحلوا منها، وهو ما ترجمه أولئك، من خلال رفض اتخاذ أي إجراء يحد من تلك الحركة عبر الحدود بالاتجاهين، تحت غطاء سياسة سمّوها بسياسة ” النأي بالنفس”، وظل وجود هؤلاء السوريين في لبنان وحركتهم عبر حدوده موضع استثمار سياسي وأمني بمواجهة الدولة السورية، وقد سمّى بعض الباحثين هذه السياسة بــ ” الاستثناء السوري ” ، إلى أن بدأ الانكشاف الأمني للحدود يؤرق مضاجع اللبنانيين جميعهم، من خلال انسياب حركات التطرف إلى الداخل اللبناني بسلاحها ومتفجراتها وسياراتها المفخخة، إلى جانب ما اكتشفه الساسة اللبنانيون -ممن استثمروا هذا الانكشاف لتأمين مستلزمات المجموعات المسلحة المناوئة للدولة السورية- من أنَّ جانباً كبيراً من السوريين الموجودين على أراضيهم، كانوا مؤيدين للدولة السورية وقيادتها، من خلال مشاركتهم الكثيفة في الانتخابات الرئاسية السورية التي أجريت في السفارة السورية هناك. وعلى الفور بادرت الحكومة اللبنانية في تشرين الأول 2014 لاعتماد ما سُمي حينها بـ “سياسة النزوح السوري” وجاءت في ورقة حددت فيها الحكومة اللبنانية أهدافها في “تقليص أعداد النازحين ” من خلال وقف النزوح على الحدود باستثناء الحالات الاستثنائية وتكليف قوى الأمن الداخلي والبلديات بـ “ضبط أمن النزوح” وتخفيف الأعباء من خلال التشدد في تطبيق القوانين على النازحين لحماية اللبنانيين في مجالات العمل والعمالة .
ومن الناحية القانونية يُعد وجود اللاجئين السوريين في لبنان من غير الحاملين لوثائق الإقامة غير شرعي؛ ذلك بحسبان أن لبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وهو ما
يضعهم في وضعية المحدودية القانونية من حيث الحماية و ما يتمتعون فيه من حقوق في ذلك البلد، ورغم أن الحكومة اللبنانية سمحت للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين افتتاح مكاتب لتسجيل اللاجئين السوريين على أراضيها، فما زالت الحماية التي يمنحها ذلك التسجيل محدودة بمنح بعض الخدمات دون أن تُمكّن اللاجئين من الحق في طلب اللجوء أو الحصول على الإقامة القانونية في لبنان، يُضاف إلى ما سبق ما يُعانيه اللاجئون السوريون من تبعات حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تسود لبنان منذ سنوات، وما يعنيه ذلك من اضطرارهم للحد من تحركاتهم واختيار أماكن عيشهم خشية تعرضهم للأعمال الانتقامية أو الاعتقال أو الاحتجاز، فقد أكّد 73% من شريحة مؤلفة من 1256 لاجئاً ولاجئة خضعوا لتقييم أجراه المجلس النرويجي للاجئين في العام 2014، أن حرية الحركة كانت التحدي الأكبر الذي واجهه اللاجئون في لبنان، وقالوا: إنهم لم يتمكنوا من الحركة في المكان الذي كانوا يعيشون فيه، الأمر الذي أدى إلى عدم وصولهم إلى الخدمات، خاصةً الرعاية الصحية، ونظراً لمحدودية قدرة البالغين على الحركة فصار اللاجئون يضطرون في الغالب لإرسال أطفالهم إلى العمل بدلاً عنهم، الأمر الذي حُرم معه أولئك الأطفال من الذهاب إلى المدارس إلى جانب ما يتعرضون له من سوء معاملة واستغلال بمختلف أشكاله .

4- في أوروبا
تبدأ مشكلات اللاجئين السوريين في أوروبا، منذ اللحظة التي تطأ فيها أقدامهم أراضي تلك القارة، حيث تنقسم الدول الأوروبية بالنسبة إليهم بين دول عبور كاليونان والمجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا وصربيا والنمسا، ودول استقرار منشود كألمانيا والسويد وهولندا والنروج والدنمارك وفنلندا وفرنسا وبريطانيا، وبصورة عامة تتسم سياسات دول ما يُسمى بمجموعة فيسغراد (المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا) بالقسوة في التعامل مع اللاجئين العابرين لحدودها، حيث نقل بعض وسائل الإعلام الكثير من التسجيلات المصورة للمعاملة اللإنسانية التي تعرض لها اللاجئون من قبل رجال الشرطة في تلك الدول وعلى رأسها المجر، يُضاف إلى ذلك استغلال مهربي البشر لمعاناة أولئك اللاجئين من خلال إرغامهم على التنقل بوسائط تفتقر لأدنى متطلبات الأمان والكرامة الإنسانية، ولعل الأمثلة على ذلك باتت أكثر من أن يحصيها بحث بهذا الحجم، ومن أكثرها شيوعاً كانت صورة جثة الطفل السوري” إيلان” البالغ من العمر 3 سنوات ممددة على الشواطئ التركية على بحر إيجة، بعد محاولة إبحار فاشلة باتجاه اليونان، وشاحنة الموت أو العار كما يسميها النمساويون وهي شاحنة كانت تستعمل لنقل الدجاج المبرد لصالح شركة سلوفاكية قبل أن يتم العثور عليها بتاريخ 27 آب 2015 مركونة على جانب طريق عام شرقي النمسا قرب العاصمة وفيها 71 جثة مكدّسة منهم 59 رجلاً و 8 نساء و 4 أطفال يحملون وثائق سفر سورية .
ورغم فظاعة تلك الصور إلا أن الساسة الأوربيين يقفون حائرين ومرتبكين في مواجهة أكبر موجة لجوء تواجههم منذ الحرب العالمية الثانية، خاصةً بعد أن أبدت حكومات دول مجموعة “فيسغراد” رفضها مبدأ اقتسام أعباء اللاجئين عبر توزيع إلزامي لهم على مختلف الدول الأوروبية يقابله تساهل ألماني سويدي هولندي في استقبالهم، الأمر الذي بات يهدد جدياً مستقبل العمل باتفاقية ” شنغن” للمرور الحر بين الدول الأوروبية ولائحة “دبلن” الخاصة بتنظيم اللجوء، وانعكس تفاقماً في أزمة اللاجئين طالبي اللجوء وغالبيتهم من السوريين، حيث شهدت دول العبور الأوروبي إغلاقاً متكرراً لحدودها في وجههم، إلى جانب تعقيد الإجراءات الخاصة بمنحهم الإقامة المؤقتة، ولمّ شمل عائلاتهم، ومن أمثلة تلك الممارسات سعي النروج لإرجاع 5500 لاجئ دخل أراضيها من منطقة “مورمانسك” شمالي روسيا في العام 2015، على متن دراجات كانت الحكومة النرويجية قد طلبت من مواطنيها جمعها لتلك الغاية، وأما في الدنمارك التي استقبلت 16 ألف لاجئ غالبهم من السوريين، فقد بحث البرلمان الدنماركي جملة من المقترحات المثيرة للجدل منها إتاحة إمكانية مصادرة أموال طالبي اللجوء على الأراضي الدنماركية بما فيها المصوغات الذهبية إذا تجاوزت قيمتها 1400 دولار أمريكي، وقالت وزيرة الاندماج في الحكومة الدنماركية “إنغر ستويبرغ” إنَّ المبالغ المصادرة ستستخدم في تحمل نفقات الإسكان والرعاية الصحية والتعليم المقدمة للاجئين وطالبي اللجوء، كما تضمن مشروع قانون كان قد تقدم به حزب يمين الوسط الدنماركي، بعد فوزه في انتخابات العام 2015 بتأييد من أحزاب تحمل طروحات معادية لسياسات استقبال اللاجئين كحزب الشعب الدنماركي والتحالف الليبرالي وحزب الشعب المحافظ إجراءات تقضي تأخير لم شمل أُسر اللاجئين لثلاث سنوات، إلى جانب تعقيد عملية حصولهم على حق الإقامة الدائمة في الدنمارك .
ولم يقتصر الارتباك والانقسام على الحكومات الأوروبية، بل تجاوزها إلى الرأي العام لشعوبها، حيث يرى العديد من القوى السياسية والاجتماعية الأوروبية أن موجة اللجوء الراهنة تتهدد، الوجه المسيحي لأوروبا، ويخشون على أوروبا مستقبلاً تطغى فيه الثقافة الإسلامية على الميدان الأوروبي، إلى جانب المخاوف الأمنية المتزايدة، خاصةً أن نسبة لا بأس بها من اللاجئين وطالبي اللجوء، كانت قد انخرطت بشكل أو بآخر في نشاطات مسلحة في كلٍّ من سوريا والعراق، الأمر الذي يعني احتمال بقاء ارتباطات الكثيرين منهم بالتنظيمات المسلحة التي كانوا ينشطون معها ومنها تلك المتطرفة المرتبطة بتنظيمي القاعدة و داعش، وقد لقيت تلك المخاوف مكانها في برامج الأحزاب اليمينية الانتخابية فزادت شعبيتها في غير بلد أوروبي، خاصةً بعد الأعمال الإرهابية التي طالت كلّاً من باريس وبروكسل وبرلين، ولعل ما تواجهه ألمانيا بوصفها البلد الأكثر استقبالاً للاجئين وطالبي اللجوء السوريين في القارة الأوروبية من حركات شعبية مناهضة لاستقبالهم دليل واضح على تنامي تلك المشكلة في المجتمع الألماني والمجتمعات الأوروبية عموماً .
إذ شهد بعض المدن الألمانية منذ مطلع العام 2015 مظاهرات منتظمة لأنصار حركة “بيغيدا ” والتي تختصر اصطلاح: أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب، وهي الحركة التي ظهرت في العشرين من شهر تشرين أول من العام 2014، وقد وصل تعداد المشاركين في هذه المظاهرات أحياناً إلى الآلاف، كما حصل في الثاني عشر من شهر كانون الثاني 2015 عندما تجمع نحو 25 ألف شخص في إحدى التظاهرات التي نظمتها الحركة، وقد تزايدت هذه المظاهرات بشكل ملحوظ في أعقاب الاعتداء الذي طال صحيفة ” شارلي إيبدو” في العاصمة فرنسية باريس في السابع من شهر كانون الثاني 2015، والذي نفذه شخصان من أصول مسلمة وفقاً للسلطات الفرنسية، مما تسبب بمقتل 12 شخصاً معظمهم من العاملين في الصحيفة، حيث عملت حركة “بيغيدا” على “استغلال” هذا الهجوم لزيادة عدد أنصارها وحشد أعداد أكبر في التظاهرات.
وبالمقابل يشهد عدد من المدن الألمانية مظاهرات ضخمة مناهضة لحركة “بيغيدا”، بمشاركة مسؤولين ألمان رفيعي المستوى، تدعو إلى استقبال المزيد من اللاجئين ووقف العنصرية، وتدعم التقارب والاندماج بين مختلف شرائح المجتمع الألماني، وهي تضم معظم حركات اليسار الألماني وحركات مناهضة الرأسمالية ومناصري انفتاح ألمانيا على العالم، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الشيوعية وحزب الخضر، فضلاً عن المهاجرين واللاجئين من الجنسيات المختلفة، بما فيها السورية.
وتمكن مشكلة اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين في مثل هذه الحركات الرافضة لاستقبال اللاجئين، في سعيٍ من تلك الحركات لسن قوانين تحرمهم من حقوقهم الاجتماعية والثقافية، ما سيضطرهم للقبول بتغييرات جذرية في نمط حياتهم، تبدأ باللغة الجديدة وأسلوب التواصل مع الآخرين، خاصةً أن الأطفال يشكلون حوالي نصف اللاجئين السوريين في ألمانيا، وقد اشارت دراسة أجريت في جامعة ميونيخ على 100 طفل سوري إلى أن 60% منهم يُعانون العزلة و 20% منهم يشكون من اضطرابات ما بعد الصدمة .
وصادقت الحكومة الألمانية تحت وطأة هذا الشدّ والجذب بتاريخ 26 أيار 2016 على ما سُميّ بقانون الاندماج الجديد، بخصوص ضوابط تعاطيها مع ملف اللاجئين وطالبي اللجوء على أراضيها، وتتلخص أبرز أحكام ذلك القانون في النقاط الآتية:
1. ستخصص الحكومة الألمانية ميزانية لخلق فرص عمل أكثر للاجئين، كما سيتم تسهيل سبل التحاقهم بسوق العمل عبر إزالة عقبات قانونية أمامهم، بحسبان أن قانون العمل الألماني الحالي يعطي أولوية إلى المواطنين الألمان ومن دول الاتحاد الأوروبي عند التقدم لطلب وظيفة، أما قانون الإندماج الجديد فسيخفف من صرامة تلك الشروط، ويعطي الأولوية نفسها أيضاً للاجئين.
2. ينال طالب اللجوء حقّ الإقامة المؤقتة طوال مدّة التدريب، فور حصوله على فرصة تدريب مهنيّة، ويتم تمديد الإقامة لستة أشهر إضافية بعد الانتهاء من فترة التدريب المهني، لإعطائه فرص البحث عن عمل في ألمانيا، وفي حالة عثوره على عمل يحصل طالب اللجوء على إقامة لمدة سنتين، مع إلغاء شرط السن الأقصى للحصول على فرصة التدريب المهني.
3. يخضع طالبو اللجوء لدورات اندماجية بمعدل 100 ساعة، وهي دورات إجبارية لكل طالب لجوء، يتمتع بخدمات ومساعدات مالية من الدولة، وينطبق هذا الأمر أيضاً حتى على من يتقن اللغة الألمانية منهم. ويتعرف طالب اللجوء في هذه الدورات على تاريخ ألمانيا وقوانينها وقيمها. كما ستعمل الحكومة الألمانية على الزيادة في دعم مراكز اللغة لتمكين طالبي اللجوء من مزاولة دروس اللغة فور وصولهم إلى ألمانيا، وفي حال تملّص طالب اللجوء من تطبيق إجراءات الدمج كعدم الالتحاق بدورات الاندماج مثلاً، فسيعرّض نفسه لعقوبات قانونية، مثل: التخفيض في مستوى المساعدات المالية أو في الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة.
4. يحقّ لأيّ لاجئ، وفقاً للقانون القديم الساري، الحصول على إقامة دائمة بعد ثلاث سنوات من حصوله على رخصة الإقامة بصفة لاجئ، شرط ألا تتغير الأوضاع في بلده بشكل جذري. أما القانون الجديد فيضفي الصفة المؤقتة على تلك الإقامة، من خلال مطالبة اللاجئ باستيفاء بعض الشروط، مثل: التمكن من اللغة الألمانية والحصول على دخل سنوي يضمن تحمل نفقات عيشه في ألمانيا، وفي حال اختلال هذه الشروط يجري ترحيله خارج ألمانيا.
5. خوّل القانون الجديد المقاطعات الألمانية تقرير إجراءات الأنظمة الخاصة بالسكن والإقامة، بما في ذلك تحديد البلدة أو المدينة وحتى الأحياء في المدينة الواحدة التي يمكن لطالب اللجوء الإقامة فيها ؛ ذلك بهدف توزيع متساو بين طالبي اللجوء، ولتفادي نشوء ما يُسمى بأحياء “الغيتو” المغلقة وبالتالي عدم عزل اللاجئين عن المجتمع الألماني، إلا أن قواعد تحديد مكان الإقامة لا تسري على اللاجئين الذين يكون انتقالهم، بسبب العمل أو للالتحاق بتدريب مهني أو بغرض الدراسة الجامعية.
6. ورغم عبارات الاستحسان التي أطلقها المسؤولون الألمان لأحكام هذا القانون، إلا أنَّ عدداً من المنظمات الحقوقية والإنسانية المعنية بشؤون اللاجئين قد واجهته بالانتقاد، إذ عدّت منظمة “برو أزيل” لمساعدة اللاجئين أن بنود القانون الجديد، ستعوق عملية اندماج طالبي اللجوء واللاجئين في المجتمع الألماني، وطالبت المنظمة في رسالة إلى الحكومة الألمانية بالزيادة في عدد ساعات دورات الاندماج ودروس اللغة الألمانية للاجئين، كما أكدت المنظمة على ضرورة تمكيين طالب اللجوء من حقه في اختيار مكان إقامته، وعللت ذلك بالقول: “يجب مراعاة الظروف النفسية والاجتماعية لطالب اللجوء، ولذلك فهو بحاجة للبقاء بالقرب من أصدقائه وأقاربه”. أما رئيسة حزب اليسار ” كاتيا كيبنغ” فانتقدت البنود المرتبطة بالعقوبات ضد طالبي اللجوء مُلاحِظَةً: “هذا القانون يعكس عدم رغبة الحكومة في تحقيق الاندماج” .

خامساً-تقييم ظاهرة اللجوء السوري ورؤى لمستقبلها
1- تقييم الظاهرة: أسبابها، طريقة التعاطي معها، وتداعياتها
شكّلت حركة لجوء السوريين إلى الخارج سمة من أبرز سمات الأزمة السورية، بل وأكثرها إلحاحاً على الصعيدين الإقليمي والدولي خلال سنواتها الخمس، ويكاد لا يُكتب بحث أو مقال عن مجريات هذه الأزمة، إلا ويتطرق كاتبه إلى أرقام اللجوء وتصاعد مقاديرها بين السوريين كمؤشر على تعاظم تداعيات النزاع المسلح الدائر على الارض السورية، وعلى انسداد آفاق الحلول السياسية للأزمة، ورغم أهمية التصدي لظاهرة اللجوء من هذا الجانب وخاصة فيما يتصل ببناء الرأي العام العالمي وتوجهات صُنّاع القرار حيال هذه الظاهرة نفسها، إلا أن الطرف المعني بها على أرض الواقع، ألا وهو اللاجئ، لا يُدرك في الغالب، حقيقة الوضع القانوني الذي يضع نفسه فيه، وكثيراً ما نجد أن خلطاً يحصل لدى من يسعون إلى اللجوء من السوريين؛ ذلك يكون من جهة أولى بين مفهوم الهجرة لغايات وأهداف اقتصادية أو اجتماعية يُعطى فيها المهاجر حقوقاً تتدرج صعوداً حتى تصل لمرحلة الحصول على جنسية البلد الذي هاجر إليه، وبين مفهوم اللجوء الإنساني الذي يقتصر تأثيره على منح اللاجئ ملجأً إقليمياً يُبعده عن أخطار الأعمال العسكرية الدائرة في بلاده؛ ذلك من جهة أخرى، وهو خلطٌ أسهم بنسبة كبيرة في تعزيز خيار اللجوء لدى السوريين تحت تأثير الاعتقاد بأنهم مقبلون على دول تحتاجهم فعلاً، وتسعى لتوطينهم وتأمين الموارد المالية السخية لهم، وهو اعتقاد سرعان ما سيُدركون خطأه في الوقت الذي ستضع فيه الأزمة السورية أوزار النزاع المسلح في أي محطة من محطات التسوية السياسية، ذلك فضلاً عن الأعباء التي باتت تُثقل كاهل الدول المستقبلة لهم وعلى مختلف الصُعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، وستجعل –بلا شك- المعايير القانونية الموضوعة لديها لقبول اللاجئين أكثر صرامة وتقييداً لوجودهم على أراضيها في المدى المنظور .
وينقسم طالبو اللجوء واللاجئون السوريون بصورة عامة؛ ذلك بحسبان الأسباب التي دفعتهم لمغادرة البلاد إلى أربع شرائح وفقاً للآتي:
الشريحة الأولى – أشخاص كانوا يقيمون في مناطق سيطرت عليها مجريات الاضطراب الأمني ووقائع الحرب الدائرة في البلاد، فاضطروا لمغادرتها خشية تعرضهم للموت أو الاعتقال أو الخطف، وهؤلاء هم من ينطبق عليهم تعريف اللجوء الإنساني بالمعنى القانوني للكلمة؛
الشريحة الثانية – أشخاص انخرطوا في النشاطات المعارضة للدولة السورية سياسياً أو عسكرياً، ثم قرروا مغادرة البلاد كلاجئين، إما لتأمين شروط حياة أفضل لهم ولعائلاتهم مع استمرار نشاطهم السياسي أو العسكري، أو لرغبتهم بالابتعاد تلك النشاطات ومواطن الخطر التي تداهمهم في الداخل السوري بسببها؛
الشريحة الثالثة – أشخاص ليسوا من سكان المناطق المضطربة أو مناطق النزاع المسلح، ولم تتهدد مجريات الحرب حياتهم بشكل مباشر بأي صورة من صور الخطر، إلا أنهم عانوا بسببها من أزمات اقتصادية وتدهور كبير في قدراتهم المعيشية فقرروا المغادرة كلاجئين بحثاً عن عمل أو معونة اقتصادية في الخارج؛
الشريحة الرابعة – أشخاص ليسوا من المتضررين المباشرين بمجريات الحرب، وقدراتهم الاقتصادية جيدة، إلا أنهم آثروا مغادرة البلاد كلاجئين بحثاً عن الهجرة إلى إحدى دول الغرب الغنية لتأمين مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، وأحياناً يحصل ذلك للتخلص من واجبات الخدمة العسكرية لمن هم في سن تكليف تلك الخدمة العاملة أو الاحتياطية.
وعليه، إنَّ تقييم قضية بحجم قضية لجوء السوريين في الخارج، يقتضي أولاً الاعتراف ًبأنها باتت من قضايا الأمن الوطني السوري على الصُعد كافة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويرتكز هذا الاستنتاج على الآتي:
– حملت موجات اللجوء إلى الخارج، خاصةً في العامين الأخيرين معها أعداداً كبيرة من الخبرات الوطنية، من الأكاديميين، وأساتذة الجامعات، والأطباء، والمهندسين، والمهنيين المحترفين وغيرهم. والكثير منهم هم من الكوادر التي أنفقت الجامعات والمؤسسات الرسمية السورية عليها الكثير من الوقت والجهد والمال، خلال عقود من الزمن لتأهيلها وإكسابها الخبرات التي حملتها هذه الكوادر، الأمر الذي يجعل من مغادرتها للبلاد بهذه الطريقة خسائر محققة وجسيمة، يتطلب تعويضها عقوداً أخرى من الزمن وأموالاً طائلة لتأهيل البديل، رغم أنَّ الدمار الذي لحق بالبلاد وبنيتها التحتية لا يحتمل مثل هذا الانتظار والأعباء، وبالتالي فالخسارة هنا هي خسارة في الحاضر والمستقبل على حد سواء.
– جذبت دعايات اللجوء البراقة أعداداً غفيرة من السوريين الشباب في سن التعلّم والعمل لمغادرة البلاد، مدفوعين بآمال العلم والعمل والثروة في القارة الأوروبية، ولكن الواقع الذي واجهوه هناك لم يكن بالصورة التي توقعوها، وغالبيتهم اليوم تعيش في دول اللجوء الأوروبي دون دراسة أكاديمية أو عمل حقيقي، الأمر الذي لا يعني فقدان جهود هؤلاء الشباب السوريين من عجلات التنمية وإعادة الإعمار في الداخل السوري حاضراً فحسب، بل وخسارة جهود أعداد كبيرة منهم حتى في المستقبل إذا ما بقوا على هذه الحال مجرد لاجئين يتقاضون فيه ما يكفي لمعيشتهم دون حصولهم على أي تأهيل علمي أو مهني.
– تُعد مخيمات وتجمعات اللاجئين السوريين في دول الجوار مجتمعات هشة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، إذ تغيب فيها برامج التعليم والرعاية الاجتماعية والصحية الفعّالة، كما لا يحظى اللاجئون فيها بفرص كسب تكفيهم لإدارة مختلف شؤون معيشتهم، وهو ما يعني سهولة اختراق تلك المجتمعات من التنظيمات المعارضة التي اختارت المواجهة العسكرية مع الدولة السورية، حيث تتكاثر نشاطات تجنيد الرجال والشباب وحتى الأطفال في صفوف من يحملون السلاح بمواجهة الدولة، والكثيرون منهم يجدون طريقهم في النهاية في مصاف التنظيمات المتطرفة دينياً كجبهة النصرة و داعش كمقاتلين احترفوا الحرب كمهنة لهم، وبموازاة ذلك تنتشر بين عائلات أولئك المقاتلين ومحيطهم الاجتماعي ثقافة العنف وإنكار الآخر، وهي أفكار كلما زاد انتشارها ازددنا بُعداً عن موجبات أي تسوية تضمن للسوريين بكل أطيافهم، حياة مستقبلية آمنة في الداخل السوري، وإصلاح مثل هذا الدمار الثقافي والفكري هو أصعب بمئات المرات من إصلاح ما هدمته الحرب من البنية التحتية المادية .
وإلى جانب تقييم مخاطر هذه القضية الشائكة على الأمن الوطني السوري، فإنه لا بد من تقييم الأداء الرسمي لمؤسسات الدولة السورية والذي يشير إلى شبه غياب لأي ردود فعل رسمية، فإذا ما استثنينا بعض الإشارات الإعلامية الخجولة التي أُشير فيها لمعاناة السوريين ممن يطلبون اللجوء في الخارج، فإن الإعلام السوري بشقيه الرسمي وشبه الرسمي تجاهل تماماً القيام بأي توعية لأولئك الأشخاص حول المخاطر التي قد تواجههم وتبديد الأوهام التي كانت شرائح واسعة منهم وخاصة الشباب يتلقونها حول حياة علمية أو عملية رغيدة في انتظارهم بمجرد وصولهم لدول اللجوء الأوروبي.
أما أجهزة الدولة التي تنهض بخدمات الهجرة والجوازات فقد تعاملت مع الأعداد الهائلة من المقبلين على استصدار وثائق السفر من الكفاءات والشباب بطريقة روتينية، وكان حريّاً بها على الأقل القيام باستبيانات ميدانية طوعية بينهم غرضها الوصول لإحصائيات تقريبية حول أعدادهم وأعمارهم وجنسهم ومؤهلاتهم العملية والمهنية والأسباب التي استدعتهم للسفر، وصولاً لإعداد قواعد بيانات خاصة بتلك الشرائح التي يغلب الظن أن خروجها من البلاد هو لطلب اللجوء، الأمر الذي يساعد الدولة في اتخاذ القرارات المناسبة حيال مثل هذه الظاهرة غير الطبيعية، على مختلف الصُعد .
وكذلك الأمر لم يُلاحظ أي تحرك محسوس، من قبل جهات الضابطة العدلية وعلى رأسها تلك المتخصصة في مكافحة الاتجار بالبشر تجاه شبكات تهريب الأشخاص التي تستّرت تحت غطاء مكاتب السفر، فحقق القائمون عليها أرباحاً طائلة في وقت كانوا جزءاً مما عاناه الكثيرون من عابري الحدود لطلب اللجوء من موت وفقد وانتهاكات جسيمة جسدياً ونفسياً.

2- الرؤى المستقبلية لمواجهة تداعيات الظاهرة
بغرض الابتعاد عن التنظير في مثل هذه القضية، فإن الوقت مازال ملائماً لاتخاذ الكثير من الإجراءات والتدابير التي من شأنها التقليل من تداعياتها السلبية، ومنح صانع القرار السياسي والاقتصادي في البلاد معطيات واقعية تُمكّنه من اتخاذ القرار الملائم حيالها، ويمكننا تلخيص هذه المقترحات العملية وفقاً لمستويات التأثير فيها على الوجه الآتي:
على مستوى الإعلام والاتصال
– التركيز الإعلامي على قضايا اللجوء السوري في الخارج، عبر مختلف وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والخاصة ومواقع التواصل الاجتماعي، وافتتاح مواقع وصفحات إلكترونية متخصصة في الموضوعات المرتبطة بها، على أن يتولى ذلك متخصصون إعلاميون ورجال قانون ومرشدون نفسيون واجتماعيون، بغرض توعية السوريين من المخاطر التي قد تواجههم في حال اختيارهم مغادرة البلاد كلاجئين، عبر إلقاء الضوء على مشكلات ومعاناة اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين حول العالم سواء أكان يتصل ذلك بأوضاعهم في أثناء عبورهم البحار والحدود، أم بمخاطر فقدانهم لهويتهم الثقافية والدينية والاجتماعية وذوبان أبنائهم في مجتمعات أخرى بعيداً عن هويتهم الأم، إلى جانب توعيتهم بخصوص الأوضاع القانونية التي قد تنطبق عليهم فيما لو اختاروا اللجوء. بالإضافة إلى ترجمة النصوص القانونية الأجنبية التي تخصهم إلى اللغة العربية وتوفير الاستشارات القانونية بخصوص تفاصيلها والأحكام التي ينبغي عليهم التقيد بها.
– تشجيع تأسيس منظمات ومؤسسات ومراكز بحثية سورية غير حكومية تُعنى بقضايا اللاجئين (على غرار تلك المعروفة في أوروبا) بتمويل نظيف، يسعى القائمون عليها إلى كسر الصورة الذهنية النمطية التي يروجها الإعلام الغربي عن اللاجئ السوري من خلال تصويره على أنه شخص هارب من اضطهاد سلطات بلاده له؛ ذلك من خلال التواصل مع طالبي اللجوء واللاجئين السوريين في الخارج بحياد تام بغرض إعداد إحصائيات دقيقة لأعدادهم حول العالم، وبيانات حول فئاتهم العمرية وكل المعلومات المتعلقة بأوضاعهم المعيشية والاجتماعية، وتقديم المساعدات القانونية والاجتماعية لهم، والدفاع عنهم في دول الملجأ تجاه ما يتعرضون له من انتهاكات جسدية ونفسية، وتوفير الترجمة السريعة للنصوص القانونية الأجنبية التي تخصهم، مع توفير الاستشارات القانونية بخصوص تفاصيلها والأحكام التي ينبغي عليهم التقيد بها، وتوعيتهم كي لا يقعوا فريسة سهلة للمنظمات الأجنبية التي تسعى في كثير من الأحيان لاقتحام حياتهم بحثاً عن تنفيذ برامج سياسية أو أمنية أو حتى عسكرية من خلالهم.
على المستوى التنظيمي والجنائي
اعتماد حلول عاجلة من قبل كل الجهات الرسمية ذات الصلة، لوقف نزيف الخبرات والشباب؛ ذلك من خلال معالجة بعض الأسباب الداخلية التي قد تدفع بعضهم لمغادرة البلاد ومنها:
– طرح مزايا يمكن أن تؤدي لتخفيف أعباء الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية التي تتسم بطول مدتها بسبب الأوضاع الراهنة، وأنسب طريقة لذلك هي زيادة المزايا التي ينالها الملتحقون بالخدمة العسكرية وعلى الأخص الاحتياطية منها، سواء من خلال رفع الرواتب والتعويضات بما يتناسب مع متطلبات المعيشة أم من خلال تقديم المكافآت والقروض الميسرة أو الوظائف أو المنح الدراسية الجامعية بعد فترة من الزمن للمتميزين منهم.رفع الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، وخلق فرص التدريب والعمل لآلاف من الشباب السوريين الذي أضحوا بلا عمل، بسبب الدمار الواسع الذي لحق بالبنى الصناعية والتجارية على مساحة البلاد، بالاستفادة من متطلبات إعادة الإعمار المفروض حتماً في المستقبل القريب، وربما يكون ذلك ممكناً حالياً من خلال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومنحها التسهيلات والقروض اللازمة بحسبان أنها مشروعات يمكن أن ينهض الشباب بأعبائها لتأمين متطلبات معيشتهم ، مع قابليتها للتطوير في المستقبل لتصبح مشروعات كبيرة ذات عوائد إنتاجية مرتفعة.
– توجيه إدارة الهجرة والجوازات بإعداد قواعد بيانات خاصة بالشرائح التي يغلب الظن أن خروجها من البلاد هو لطلب اللجوء متضمنة أعدادهم وأعمارهم وجنسهم ومؤهلاتهم العملية والمهنية، الأمر الذي يساعد الدولة في اتخاذ القرارات المناسبة حيال مثل هذه الظاهرة غير الطبيعية على مختلف الصُعد.
– توجيه جهات الضابطة العدلية المدنية والعسكرية بضرورة عدم التعاطي مع كل من غادروا البلاد طلباً للجوء على أنهم في أوضاع غير قانونية، وتسهيل فُرص العودة لمن قد يرغب بذلك منهم، سواء من خلال تسوية أوضاعهم الأمنية كلما كان ذلك ممكناً، أم توعيتهم بأنهم لن يكونوا عرضة لأي ملاحقات قضائية أو أمنية، بسبب طلبهم اللجوء في الخارج.
– تحفيز أداء الأجهزة الشرطية المتخصصة في مكافحة الاتجار بالبشر، بتنشيط تحرياتها حول شبكات تهريب الأشخاص والقائمين عليها، ممن تورطوا في الاتجار بآلام السوريين وحياتهم، وتسببوا بوفاة الآلاف منهم، وصولاً لإعداد تحقيقات متكاملة حول هوية أولئك الأشخاص، سوريين كانوا أم أجانب تمهيداً لملاحقتهم أمام القضاء الجزائي السوري واستصدار الأحكام المناسبة بحقهم.
– تكليف الجهات القضائية المختصة بإعداد ملفات قضائية متكاملة ومطابقة للمعايير الدولية من حيث شفافية الإجراءات والأدلة المتوافرة فيها لأولئك الذين كانوا قد ارتكبوا جرائم خطيرة على الأرض السورية كالقتل والخطف وغيرهما، ثم اختاروا مغادرة البلاد كطالبي لجوء في الخارج، والاستعانة بمكاتب قانونية متخصصة لملاحقتهم أمام محاكم الدول التي قصدوها وعدم السماح لهم باستغلال اللجوء كوسيلة للتهرب من المساءلة القانونية عن أفعالهم الجرمية.
على المستوى الدبلوماسي والقنصلي
– إنشاء قسم يتخصص في وزارة الخارجية والمغتربين بدراسة أوضاع اللاجئين السوريين في الخارج، وإعداد الإحصائيات والتقارير اللازمة حول أوضاعهم القانونية والاجتماعية في بلدان اللجوء حول العالم.
– إخضاع الدبلوماسيين وأعضاء البعثات القنصلية لدورات تدريبية، يجري من خلالها تعريفهم بالنصوص القانونية الدولية المتعلقة بأحكام اللجوء وأوضاع اللاجئين القانونية وكيفية التعاطي مع مشكلاتهم، أو التواصل معهم في البعثات الدبلوماسية والقنصلية السورية حول العالم حينما يكون ذلك لازماً.
– افتتاح بعثات قنصلية افتراضية -عبر شبكة الإنترنت- تتبع وزارة الخارجية والمغتربين، وتُدار من متخصصين على أن يكون ميدان عملها الدول التي لم يعد فيها للدولة السورية تمثيل دبلوماسي وقنصلي فيها، بسبب العقوبات المفروضة عليها، ويكون الغرض منها التواصل رسمياً مع كل السوريين الذين قد يرغبون بالحصول على الخدمات القنصلية في تلك الدول بمن فيهم طالبي اللجوء واللاجئين، وهو ما يُساعد هؤلاء على البقاء في حالة ارتباط عاطفي ورسمي مع وطنهم الأم، ويمهد الطريق في المستقبل للاستفادة من قدراتهم وإمكانياتهم، سواء أقرروا العودة إلى البلاد ، أم ظلّوا مغتربين خارجها .

خاتمة

باتت مشكلة اللجوء السوري -بلا أدنى شك- واحدة من قضايا الأمن الوطني السوري التي لا يكفي تحديدها بصفتها عرضاً من أعراض الحرب، للتسليم بنتائجها وتداعياتها الكارثية على المجتمع السوري سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؛ وإنما لا بد من وضعها على سلم أولويات التحرك الرسمي باتجاه التقليل من تأثير أسبابها ودوافعها من جهة، وتلافي –ما أمكن– تداعياتها ونتائجها السلبية من جهة أخرى، وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة لا يمكن لهيئة أو مؤسسة رسمية أو غيرها أن تقدمها بمفردها ما لم تتضافر مع جهود كل الجهات الأخرى، رسمية كانت أم شعبية أم خاصة، وطبعاً كل ذلك يبقى محكوماً بتوافر إرادة إحداث الفرق والتغيير لدى صانع القرار بهذا الخصوص.
وفي النهاية فإنه مما لا شك فيه أن كلَّ هذه التدابير والحلول المقترحة لا تُغني عن الحل الوحيد لإنهاء مآسي ظاهرة اللجوء السوري وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ألا وهو: إنهاء مسببات اللجوء، من خلال التوصل لوضع حد نهائي لعجلة الحرب في البلاد والولوج في عملية سياسية، تضمن استرجاع حالة الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي كانت تعيشه البلاد، قبل الانخراط في أتون هذه الحرب.

المراجع

الكتب والدراسات والمقالات

1- أحمد طوزان، تداعيات العولمة في إطار القانون الدولي العام ، أطروحة دكتوراه نوقشت في كلية الحقوق بجامعة دمشق بتاريخ 27-5-2013 .
2- ألكسندرا فرانسيس، “أزمة اللاجئين في الأردن”، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 21 أيلول/سبتمر 2015. http://carnegie-mec.org/2015/09/21/ar-pub-61296
3- أوليفيا كاليس، داليا عرنكي، “محدودية الصفة القانونية للاجئين من سوريا في لبنان”، نشرة الهجرة القسرية، العدد 47، أيلول/سبتمبر 2014. http://www.fmreview.org/sites/fmr/files/FMRdownloads/ar/syria/aranki-kalis.pdf
4- إيلي أبو عون، حسين مكي، “أزمة اللاجئين بين التزامات لبنان وهاجس التوطين”، الأخبار اللبنانية، 27 أيار/مايو 2016. http://www.al-akhbar.com/node/258585
5- سميرة طراد، “فرصة لتغيير سياسة اللجوء في لبنان”، نشرة الهجرة القسرية، العدد 45، آذار/مارس 2014. http://www.fmreview.org/ar/crisis/trad.html
6- عمر ضاحي، “أزمة اللاجئين في لبنان والأردن: الحاجة إلى الإنفاق على التنمية الاقتصادية”، نشرة الهجرة القسرية، العدد 47، أيلول/سبتمبر 2014. http://www.fmreview.org/ar/syria/dahi.html
7- مهدي ريس، “اتفاقيات الاتحاد الأوروبي لإعادة القبول”، نشرة الهجرة القسرية، العدد 51، كانون الثاني/يناير 2016. http://www.fmreview.org/ar/destination-europe/rais.html
8- “تأثيرات السوريين على تركيا : اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً وسياسياً”، تركيا بوست، 2 أيار/مايو 2015. http://www.turkey-post.net/p-40178/
9- دليل الإجراءات والمعايير الواجب تطبيقها لتحديد وضع اللاجئ بمقتضى اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 الخاصين بوضع اللاجئين الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جنيف، 1979.

المواقع الإلكترونية

1- المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة http://www.unhcr.org/ar
2- مركز أنباء الأمم المتحدة http://www.un.org/arabic/news
3- المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين الألماني http://www.migration-me.de/ar
4- موقع أخبار روسيا اليوم باللغة العربية https://arabic.rt.com/news/
5- موقع هيئة الإذاعة البريطانية باللغة العربية http://www.bbc.com/arabic
6- موقع منظمة العفو الدولية https://www.amnesty.org/ar
7- موقع ” دويتشه فيليه ” DW الإخباري الألماني باللغة العربية www.dw.com/ar
8- موقع قناة الحرة الإخبارية الأمريكية http://www.alhurra.com
9- موقع وكالة “رويترز” باللغة العربية http://ara.reuters.com
10- موقع صحيفة الوسط البحرينية http://www.alwasatnews.com
11- موقع صحيفة الغارديان البريطانية http://www.theguardian.com
12- الموسوعة الحرة ويكيبيديا https://en.wikipedia.org
13- موقع صحيفة الغد الأردني http://www.alghad.com
14- موقع صوت ألمانيا باللغة العربية http://germanyinarabic.com
15- موقع صحيفة الشرق الأوسط أون لاين http://aawsat.com

المصدر: مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد

Optimized by Optimole