هآرتس: التوتر بين الولايات المتحدة وإيران يلجم موقتاً العمليات الإسرائيلية في الشمال

هآرتس: التوتر بين الولايات المتحدة وإيران يلجم موقتاً العمليات الإسرائيلية في الشمال
Spread the love

عاموس هرئيل – محلل عسكري اسرائيلي/

تأخرت وسائل الإعلام الأميركية أكثر من أسبوع، لكن أمس (الأحد) وصل أخيراً الخبر المطلوب الذي يتحدث عن دور إسرائيل في عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني. بحسب التقرير في قناة التلفزيون إن. بي. سي، الاستخبارات الإسرائيلية هي التي زودت الأميركيين بمعلومات شاملة عن الجدول الزمني لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، منذ إقلاع طائرته من دمشق وحتى وصولها إلى مطار بغداد، بعد وقت قليل من منتصف ليل 3 كانون الثاني/يناير.
في مقال آخر، نشرت “النيويورك تايمز” تقريراً وصف بدقة تسلسل الأحداث في الأسبوع الذي حدث فيه الاغتيال، وجاء فيه أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان الزعيم الأجنبي الوحيد الذي علم مسبقاً من رئيس الإدارة الأميركية بنيتّه قتل سليماني. تتطابق هذه المعلومات مع تقديرات سُمعت في وسائل الإعلام الإسرائيلية بعد الاغتيال. يتضح لاحقاً أيضاً، أن كلام نتنياهو، قبل يوم من الاغتيال في أثناء ذهابه في زيارة إلى اليونان، بشأن المتابعة اليقظة التي تقوم بها إسرائيل لما يحدث من خلال “علاقة وثيقة مع صديقتها الكبيرة الولايات المتحدة”، يمكن أن يدل على معرفته بشيء ما.
في الأمس، في مستهل جلسة الحكومة، تطرق نتنياهو مجدداً إلى الوضع في إيران، وهاجم النظام في طهران بشأن مسؤوليته عن إسقاط طائرة ركاب أوكرانية عن طريق الخطأ، وأثنى على شجاعة المتظاهرين ضد النظام، وهنأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قراره فرض عقوبات إضافية. لكن الإقلال من الكلام الذي فرضه رئيس الحكومة على وزرائه مستمر، وهؤلاء يقللون من التطرق إلى ما يحدث في الخليج.
يبدو أن الحذر الإسرائيلي يشمل، حتى الآن، أيضاً كبحاً للعمليات الهجومية في الجبهة الشمالية. التقرير الذي نسب إلى إسرائيل، في الأسبوع الماضي، بشأن الهجوم على قافلة سلاح بالقرب من معبر البوكمال على الحدود العراقية – السورية، يبدو أنه ليس موثوقاً به. إذا كان صحيحاً أن الهجمات الإسرائيلية أوقفت، يمكن الافتراض أن ما يجري هو أمر موقت فقط – حتى تتوضح الصورة بين الولايات المتحدة وإيران.
في هذه الأثناء، يبدو أن الأصداء التي أحدثها الاغتيال تؤدي إلى انعكاسات غير متوقعة. أراد الإيرانيون أن يصوروا إطلاق الصواريخ على قواعد أميركية في العراق، في الأسبوع الماضي، كنهاية مرحلة انتقامهم العلنية لمقتل سليماني. لكن التوتر الذي يسود منظومة دفاعهم الجوي أدى إلى إسقاط طائرة أوكرانية بصاورخ أُطلق من الأرض وأدى إلى مقتل 176 راكباً وأفراد طاقم الطائرة الذين لا علاقة لهم قط بالمواجهة مع الأميركيين، بعد وقت قصير من إطلاق الصواريخ. وجد النظام نفسه في وضع حرج – في البداية رد، كعادة الأنظمة التوتاليتارية، بأكاذيب ومحاولات لطمس الحقائق. عندما لم يعد هناك من مفر، أخبر الزعماء الإيرانيون شعبهم الحقيقة، لكنهم بذلك أججوا من جديد موجة الاحتجاجات التي قُمعت بعنف في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. الآن، المتظاهرون الشجعان يخرجون إلى شوارع طهران ويهاجمون سلوك النظام في قضية الطائرة. وهذا بمثابة غرزة دبوس في صورة الوحدة التي حاولت طهران أن ترسخها من خلال التشييع الشعبي الهائل والطويل للجنرال في الأسبوع الماضي. وبخلاف نجاح النظام في فصل إيران عن العالم وعن الإنترنت في المرة السابقة، هذه المرة يجري تهريب صور عن التظاهرات في الزمن الحقيقي إلى الخارج. عدد المشاركين لا يبدو كبيراً، لكن المشهد مؤثر – وهو يأتي من قلب طهران، وليس من محافظات بعيدة في الأطراف.
ثمة شك كبير فيما إذا كان ترامب أو حتى مستشاروه، وهم أكثر خبرة منه في أسرار الشرق الأوسط، توقعوا هذا كله عندما قرروا القيام بالاغتيال. بيْد أن إيران غارقة اليوم في مصائب خطيرة. العقوبات الصارمة على النظام التي بدأ بسببها الإيرانيون سلسلة هجمات عسكرية في الخليج في أيار/مايو الماضي لم تُرفع؛ الاحتجاج الداخلي في إيران يعود من جديد، وعدم الهدوء الإقليمي يمكن أن يشعل مجدداً أيضاً الاحتجاجات التي هدأت مؤخراً ضد حكومتي العراق ولبنان، الصديقتين لطهران.
يبدو أن المرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي، واقع تحت وطأة ضغوط متناقضة. من جهة، لم تنجح إيران في إقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات ولا انتقمت بصورة مقنعة لدماء سليماني الذي كان مقرباً جداً من المرشد. من جهة ثانية، المسّ علناً مرة أُخرى بأهداف وحياة أميركيين يمكن أن يؤدي إلى رد قاس من ترامب الذي أكد أنه لن يتردد في استخدام القوة بطريقة يخرج فيها عن سياسات الذين سبقوه. من جهة ثالثة، للميليشيات الشيعية في العراق حساب مفتوح خاص بها على موت سليماني وعناصر الميليشيات في الاغتيال – وليس واضحاً إلى أي حدّ سيطيعون تعليمات طهران. من جهة رابعة، تواصل طهران توسيع خروقاتها للاتفاق النووي، وهذا التوجه سيزيد فقط من التوتر مع واشنطن.
السير جون جينكينز، أحد الخبراء البريطانيين الكبار في موضوع الشرق الأوسط الذي كان سفيراً لبلاده في السعودية، ذكّر هذا الأسبوع في مقال نشره موقع Arab News بالمعضلة التي واجهت القيادة الإيرانية في ذروة الحرب الإيرانية – العراقية في الثمانينات. في نهاية الأمر، قرر آية الله الخميني “تجرّع كأس السمّ” كما وصف ذلك، وإنهاء الحرب.
الاتفاق مع العراق منح يومها إيران سلاماً ووقتاً لإعادة الإعمار، كتب جينكينز. الخيار مشابه في أساسه أيضاً هذه المرة. إذا اتخذ (الإيرانيون) القرار غير الصحيح، فإن كل الرهانات تصبح باطلة”.
بغض النظر عن مديح ترامب لنفسه، يعبّر اغتيال سليماني عن حدث دراماتيكي، وربما تاريخي أيضاً. الأزمة في الخليج لن تنتهي في وقت قريب. وتداعياتها سيُشعر بها وتُدرس في شتى أنحاء المنطقة في الأشهر القادمة.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية