هل ستؤثر مساءلة ترامب على إعادة انتخابه؟

هل ستؤثر مساءلة ترامب على إعادة انتخابه؟
Spread the love

بقلم: د.هيثم مزاحم/

بعد إقرار مجلس النواب الأميركي، الذي يتمتع فيه الحزب الديمقراطي بأغلبية نسبية، السير بإجراءات محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهمتي عرقلة الكونغرس وإساءة استخدام السلطة في قضية أوكرانيا، يكون ترامب ثالث رئيس للولايات المتحدة يواجه مساءلة في الكونغرس لعزله، علماَ أنه لم تتم إقالة أي رئيس من منصبه عبر عملية المساءلة.

والرئيسان الآخران اللذان حوكما برلمانياً في تاريخ الولايات المتحدة هما أندرو جونسون (1868) وبيل كلينتون (1998) لكنهما لم يتم عزلهما من منصبهما.

وقد وجّه مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، إلى ترامب تهمة سوء استغلال السلطة بأغلبية 230 صوتاً في مقابل رفض 197 صوتاً. كما صوت المجلس على اتهامه بعرقلة عمل الكونغرس بأغلبية 229 في مقابل رفض 198 صوتاً.

ويعطي الدستور الأميركي لمجلس النواب دور توجيه الاتهامات في مساءلة الرؤساء، لكن دوره ينتهي هنا، لتنتقل العملية برّمتها إلى مجلس الشيوخ الذي يقوم بالمحاكمة ويكون بيده قرار عزل الرئيس.

ومن حسن حظ ترامب أن حزبه الجمهوري يتمتع ب ـ53 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ المئة، بينما يحظى الديمقراطيون بـ45 مقعداً، بالإضافة إلى عضوين مستقلين. ويحتاج قرار إدانة ترامب وإقالته إلى ثلثي أعضاء المجلس أي 67 صوتاً، وهو أنه ينبغي أن يصوّت 20 عضواً جمهورياً مع الأعضاء الديمقراطيين والمستقلين مع قرار عزل الرئيس ترامب، وهو أمر مستبعد نهائياً، حيث أظهر التصويت في مجلس النواب اصطفاف النواب الجمهوريين خلف ترامب.

وثمة خلاف بين الحزبين بشأن توقيت المحاكمة وبعض إجراءاتها، حيث يريد الجمهوريون بقيادة زعيم الأغلبية السيناتور ميتش ماكونيل أن تكون المحاكمة سريعة وفي أوائل شهر كانون الثاني / يناير 2020 ومن دون شهود، بينما تعارض الأقلية الديمقراطية ذلك بالقول إنه يجب السماح باستدعاء شهود إلى المحاكمة وحتى شهود جدد لم يتم استجوابهم في جلسات استماع مجلس النواب.

لكن ترامب قال إنه يريد محاكمة تتيح له استدعاء الشهود، على الرغم من رغبته في محاكمة سريعة، وهما أمران يصعب الجمع بينهما.

وخلال محاكمة ترامب المتوقعة في مجلس الشيوخ في الأشهر الأولى من العام المقبل، يقوم أعضاء مجلس النواب بدور الادعاء، ويقوم أعضاء مجلس الشيوخ بدور المحلفين، فيما يترأس جلسات المحاكمة رئيس المحكمة العليا.

وقبل تصويت مجلس النواب على قرار إدانة ترامب، كانت لجان في المجلس قد بدأت منذ أيلول / سبتمبر الماضي في التحقيق بشأن مزاعم استغلال ترامب لسلطته الرئاسية عبر الضغط على رئيس أوكرانيا لفتح تحقيق ضد أحد الخصوم السياسيين.

يتمحور التحقيق في قضية المساءلة على شكوى من المخبرين بشأن مكالمة هاتفية في 25 تموز / يوليو الماضي، طلب فيها ترامب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فتح تحقيق بشأن نائب الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، وهو مرشح ديمقراطي محتمل لمنافسة ترامب في انتخابات الرئاسة المقبلة في العام 2020. إذ يُشتبه في أن ترامب حجب صرف مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار بعد موافقة الكونغرس عليها، بعدما اشترط على كييف التحقيق بشأن هانتر بايدن، نجل منافسه جو بايدن، الذي عمل بين عامي 2014 و2019 لدى شركة غاز أوكرانيا.

كما أراد ترامب من زيلينسكي أن يحقق في نظرية المؤامرة التي تم الكشف عنها والتي تتهم أوكرانيا، وليس روسيا، بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016.

وأظهرت شهادات لمسؤولين أميركيين حاليين وسابقين أمام الكونغرس أن ترامب استفاد من اجتماع البيت الأبيض الذي أراده زيلينسكي في مقابل قيام الأخير بالتحقيقات مع هانتر بايدن.

كما يتهم الديمقراطيون ترامب بإعاقة تحقيقهم برفض الامتثال لمذكرات الاستدعاء وتوجيه أعضاء إدارته إلى فعل الشيء نفسه. وقد نفى ترامب مراراً ارتكابه أي مخالفة، ووصف عملية المساءلة بأنها “محاولة انقلاب، وعملية احتيال”.

ويتوقع الآن إرسال مواد المساءلة إلى مجلس الشيوخ، حيث سينظر أعضاؤه في الأدلة، وسيستمعون إلى الشهود ويصوتون لتبرئة الرئيس أو إدانته. وسيترأس رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة المحاكمة.

وأشار زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إلى أنه يرغب في إجراءات سريعة، لكن الرئيس قال إنه لن يمانع في إجراء محاكمة قوية، بشهادة من عدد من الشهود، بمن فيهم بايدن والمخبر المبلغ عن المخالفات التي أدت شكواه إلى التحقيق في المساءلة.

ويبدو أن ماكونيل يرفض طلب الديمقراطيين استدعاء شهود جدد في المحاكمة، قائلاً إن مجلس الشيوخ “لن يقوم بالواجبات المنزلية للديمقراطيين في مجلس النواب”، إذ قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر إنه يريد أن يستمع إلى أربعة شهود آخرين، بمن فيهم رئيس أركان البيت الأبيض بالإنابة ميك مولفاني ومستشار الأمن القومي السابق لإدارة ترامب، جون بولتون.

ولكن بعد التصويت في مجلس النواب مساء الأربعاء، قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إنها ستنتظر الآن قبل إرسال مواد الإقالة إلى مجلس الشيوخ. وذكرت وسائل الإعلام الأميركية أن بعض الديمقراطيين في مجلس النواب يحضون بيلوسي على حجب إرسال المواد حتى “الوقت المناسب”. وقد تهربت بيلوسي من الأسئلة حول الموعد الذي تعتزم فيه إرسال المواد إلى مجلس الشيوخ.

ولعل الديمقراطيين يريدون الاستفادة من التأخير قدر المستطاع للتأثير على سمعة الرئيس ترامب والجمهوريين أمام الرأي العام الأميركي كي يحصدوا نتائج ذلك في تصويت الأميركيين في انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني / نوفمبر 2020.

وإذ يتوقع أن تتم تبرئة ترامب في محاكمة مجلس الشيوخ بشأن التهمتين وأن يكمل ولايته حتى بداية عام 2021، إلا أن الديمقراطيين يأملون أن تؤثر قضية مساءلة ترامب ومحاكمته على انتخابه لولاية ثانية.

لكن ترامب قد استفاد من قضية مساءلته حيث ضاعفت حملة إعادة انتخابه من جهودها لجمع مزيد من التبرعات المالية. فقد نجحت الحملة في استغلال قضية المحاكمة والعزل في جمع التبرعات، فقد تم جمع 125 مليون دولار منذ بدء التحقيقات الهادفة لعزل ترامب وبذلك وصل ما تم جمعه خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري إلى 308 ملايين دولار. وهذا المبلغ أكبر من إجمالي ما جمعه كل المنافسين الديمقراطيين ممن يتطلعون لمنافسة ترامب في انتخابات 2020.

وقد استخدمت حملة ترامب وسيلتي البريد الإلكتروني والرسائل النصية على الهاتف للوصول لأكبر عدد من الأميركيين وحضهم على التبرع لدعم حملة إعادة انتخاب ترامب وإيقاف “المهازل التي يقوم بها الديمقراطيون” في إشارة إلى قضية المساءلة والعزل.

وبقراءة هذا التفاعل مع حملة التبرعات من قبل مؤيدي ترامب والحزب الجمهوري، ومعظمهم من اليمين واليمين المتشدد المعادين للأجانب والمؤمنين بشعار “أميركا أولاً” الذي أطلقه ترامب في حملته لعام 2016، فإن ذلك يشير إلى هذا الاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، وينبئ بأن قضية العزل لن تؤثر على شعبيته لدى ناخبيه ومؤيديه، بل ربما تزيدهم إصراراً على دعمه وإعادة انتخابه. ويبقى فقط أن الحزبين سيكرّسان جهودهما لاستقطاب الناخبين الرماديين والحياديين للتصويت لمرشحهما في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

المصدر : الميادين نت