الإصلاح الممكن ..!

الإصلاح الممكن ..!
Spread the love

بقلم: زياد غصن/

لدى كثيرين قناعة باستحالة إصلاح ما دمرته الحرب اجتماعياً.
فالخراب برأيهم بات أكبر من أن تردمه مصالحات اجتماعية، أو تعويضات مالية، أو مشروعات تنموية، وغير ذلك.
ويتعزز هذا الرأي أكثر مع غياب الثقة بأداء المؤسسات المعنية، وجديتها في التعاطي مع «مخلفات» الحرب اجتماعياً، اقتصادياً، وفكرياً.
من دون شك، فإن ما خلفته الحرب من خلل اجتماعي عميق هو واقع لا يستهان به، وهذا لا يعني أنه قدر السوريين المحتوم، وأن عليهم تقبله والاستسلام لنتائجه.
فالسمة الرئيسية لمجتمعاتنا المحلية أن قابليتها للتأثر كبيرة جداً، سواء كان الهدف المراد إيجابياً أو سلبياً.. كي لا يكون حديثي نظرياً أو حماسياً بنظر البعض، أروي هنا حادثتين لهما دلالات كبيرة..
الأولى تمثلت في مشروع القرى الصحية، الذي كان ينفذ قبل سنوات الحرب بالتعاون بين الحكومة والأمم المتحدة، وشمل نحو 560 قرية سورية.. أي ما نسبته 10% من إجمالي عدد القرى في البلاد.
يلخص موظف أممي كبير لكاتب المقال نتائج ذلك المشروع بالقول: إن التواصل المباشر لخبراء الحكومة والمنظمة الدولية مع سكان تلك القرى، أثمر تغييراً جوهرياً في عاداتهم. فقد وصل الحال ببعضهم مثلاً إلى الامتناع عن عرض منتجات التبغ في واجهات المحلات التجارية، وبيعها لمن هم تحت السن القانونية.
قد يكون هذا مجرد تفصيل صغير في حياة الأفراد والمجتمعات.. إلا أنه يعبر عن رغبة في التغير، والأهم أنه لم يحدث نتيجة إجراءات قسرية كالخوف من الشرطة أو دوريات التموين. فالتواصل الشخصي مع سكان تلك القرى وفق منهجية علمية، بعيداً عن طريقة التلقين و«الأستذة»، أثمر عن بناء ثقة قوية بين الطرفين، قادت لاحقاً إلى تغيير في أنماط السلوك، وفي الأفكار والقناعات.
الحادثة الثانية رواها لي أحد أهم الباحثين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والاستقلالية العلمية، فخلال زياراته المتعددة «قبل الحرب» إلى إحدى القرى الصغيرة في محافظة إدلب في إطار مشروع تنموي تتبناه مؤسسة وطنية، لفت انتباه الباحث أن الكثير من نساء القرية ارتدين فجأة النقاب. سأل عن السبب فأجابه أحد الأشخاص المتعاونين مع المشروع: منذ نحو شهر تسلم إمامة المسجد شيخ عائد حديثاً من العراق.
وما حدث أيضاً في سنوات الحرب دليل آخر على إمكانية التأثير في المجتمعات، ويكفي أن نذكر هنا بعض السلوكيات والثقافات الجديدة التي انتشرت سريعاً هنا وهناك.
وأنا على يقين تام أن كل قارئ لديه قصص كثيرة تروى في هذا الجانب.
إذاً.. تغيير السلوكيات والأفكار والقناعات في المجتمعات المحلية أمر ممكن، فيما لو انطلقت عملية التغيير نحو بناء الثقة مع تلك المجتمعات، والتواصل المباشر القائم على فهم احتياجات السكان ومشكلاتهم، والبناء عليها في اتخاذ قرارات تكون داعمة ومساندة لعملية التغيير..
لا يمكن أن يحدث ذلك التغيير بمجرد إصدار كتيبات، أو بملصقات على الجدران، أو بمهرجانات خطابية..
الناس يتغيرون عندما يعتقدون أن ذلك في مصلحتهم، وأن مرجعياتهم المجتمعية والفكرية تفعل ذلك أيضاً، وأن ذلك ليس مناقضاً لعقائدهم وقيمهم.. وغير ذلك

Optimized by Optimole