“تاريخ الطاقة”

“تاريخ الطاقة”
Spread the love

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو/

ربما يكون النقاش حول الطاقة النووية هو النقطة الأساسية في النهاية. وبما أن التقانات تتحسن مع مرور الزمن فهو على يقين من أن أحفادنا وأحفاد أحفادنا سيمتلكون طرقاً أفضل للتعامل مع ما نخلفه من فتات وبشكل أفضل منا.
يغطي هذا الكتاب الرائع والمعنون بـ”الطاقة: تاريخ بشري” للباحث ريتشارد رودس العديد من الاختراعات والابتكارات إضافة إلى حياة بعض الأفراد الذين قاموا بتشكيل طرائق حياتنا. يعلم المؤلف الذي كتب سابقاً 20 كتاباً كيفية التعامل مع موضوع بتلك الضخامة كموضوع الطاقة وكيفية موازنة العمق والمجال أثناء خوضه عبر تاريخ إنتاج الطاقة واستهلاكها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة خلال القرون القليلة الماضية.

يبدأ الكتاب مع نمو السكان في القرن السادس عشر والحاجة للأخشاب من أجل بناء السفن والزمن اللازم لإعادة التحريج. وبعد مائة عام من التحول من الخشب إلى الفحم تمكن سكان لندن من التنعم بالدفء رغم زيادة عدد سكان المدينة بنسبة 75%.

أدى ذلك التحول إلى ارتفاع معدلات سرطان سخام المداخن وظهور تبقع قاتم على المباني وزيادة الأمراض التنفسية بين سكان المدينة.

كان استخراج الفحم مهنة محفوفة بالمخاطر ومستنفذة للجهد وغالباً ما تسند إلى الأطفال إلى أن حظر القانون مثل تلك الممارسات. ولكن الماء كان هو التحدي الأكبر وأفضى حل مشكلة تصريف المياه إلى العديد من التجارب والاختراعات مما يعني أن الطلب على الطاقة قد أدى إلى استحداث اختراع يفضي إلى عواقب بغيضة مما ولد ابتكاراً آخر.

يستكشف رودس الابتكار كتفاعل معقد بين الموصولية والتعاون والمراسلة والفشل والنجاح والتوقيت.

أوجد جيمس واط مثلاً مركزاً للابتكار أثناء عمله في صيانة الأدوات الرياضية في جامعة غلاسكو. بدأ التجارب على البخار بمفرده ثم شارك أفكاره مع معاونيه. وكان هذا الحال سائداً عبر تاريخ الطاقة حيث يقوم مخترع ما بحل مشكلة دون غيرها بينما يحل المخترع التالي مشكلة أخرى وليس الأولى وفي النهاية يشير تراكم العمل إلى عدد أكبر من المشاكل تفوق مقدرة أي شخص على حلها. ومع نهاية هذا الفصل يعثر واط على شريك طموح وبذلك يُستخدم محرك بولتون وواط لتجفيف المناجم وكذلك في المصانع والمعامل. يولد هذا الاكتشاف التلوث وبالتالي فصلاً آخر في الكتاب.

تسوغ الكهرباء كموضوع أكثر تعقيداً من البخار تصدى له بينجامين فرانكلين ولويجي جالفاني واليساندرو فولتا وهمرفي ديفي وهانس كريستيان اورستيد ومايكل فاراداي وغيرهم من الأسماء اللامعة في كتب التاريخ والعلوم في المرحلة الثانوية. ومن بين الأشياء الأكثر روعة حول هذا الكتاب مقدرته على الاستقاء من مناطق دراسية متباينة. كما أن حكاية التيار الكهربائي المتناوب وشركة كهرباء ويستنغهاوس هي أحد الأمثلة على نسج رودس الرشيق للتاريخ والهندسة والعلوم والأعمال.

يمكن اعتبار تلك العلاقات المتداخلة وعلاقة تلك المساعي ذات الاهتمامات الإنسانية النقطة الأساسية لهذا الكتاب. يظهر في هذا الكتاب إسهام للصحلفية الأميركية ايدا تاربيل التي تقدم بعض الإضاءات المعاصرة حول أمور مثل الدمار البيئي الناتج من آبار النفط.

كتبت تاربيل في بداية القرن العشرين سلسلة من المقالات والتي أصبحت تاريخاً لشركة النفط “ستاندارد أويل” ومهدت الطريق للصحافة الاستقصائية كما عهدناها اليوم.

يتحدث الكاتب في أحد الفصول عن زيت الحوت ويذكرني بما كتبه هيرمان ميلفيل عن الحيتان في كتابه موبي ديك.

يتحدث رودس أيضاً في أحد الفصول عن دور الخيول. يصعب اليوم تخيل شوارع نيويورك وقد تكدس فيها روث الخيول بارتفاع عدة سنتيمترات حيث يفرز كل حصان ما بين 30 و50 رطلاً من الفضلات الصلبة كل يوم. يذهب رودس لربط تلك الفضلات مع الزيادة الأكبر في النفايات الحضرية ويضيف بعض المفردات حول الذباب الناقل للأمراض الذي يتكاثر في الروث. ولكنه لا يربط تلك الفضلات الصلبة المحلية بإنتاج الطاقة بالرغم من إحراق 13% من مثل تلك النفايات لتوليد الكهرباء والحرارة وفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية في عام 2014. ويركز عوضاً عن ذلك على النفايات وعلاقتها بتلوث الهواء وخاصة نتيجة لاستخدام الفحم ولاحقاً على الفضلات الناتجة عن استخدام البترول.

يمنح رودس لاحقاً معاملة سيئة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية. وهو أمر متوقع من رجل ألف كتاب “صنع القنبلة الذرية” حيث شجع لفترة طويلة الطاقة النووية استناداً إلى السجلات الصحية والتكاليف الكلية. ويقول في هذا الكتاب إن الحوادث النووية المؤسفة في ثري مايل ايلاند وتشيرنوبل وفوكوشيما دايشي “يفترض ألا تحصل في المقام الأول”. ويقول أيضاً إن التخلص من النفايات النووية هي “مسألة سياسية في الولايات المتحدة ولكنها لم تكن اليوم أو على مدى سنوات عديدة مشكلة تقنية عصية على الحل. ينافي مفهوم الابتعاد عن مثل تلك النفايات لمئات الآلاف من السنين كيفية تعامل البشر مع الأنواع الأخرى من المواد السامة التي ننتجها”.

يستمر هذا التاريخ على مدى 300 صفحة من الكتاب ويقنع القراء إن التنظيف والتطهير أمران لازمان بعد كل اختراع من اختراعات الطاقة.

ربما يكون النقاش حول الطاقة النووية هو النقطة الأساسية في النهاية. وبما أن التقانات تتحسن مع مرور الزمن فهو على يقين من أن أحفادنا وأحفاد أحفادنا سيمتلكون طرقاً أفضل للتعامل مع ما نخلفه من فتات وبشكل أفضل منا.

يصر رودس على أن “التقانات تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتطور عبر انتشار الأفكار وتنامي الابتكارات والتغيرات في البنية التحتية، وبالتالي تستحق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مكاناً أكبر في التاريخ البشري للطاقة”.

ويقول إن “الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لم تشكل في عام 2017 سوى 10% من الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة”. ولكن تلك النسبة المتدنية تمثل توسعاً سريعاً. ذكرت مجلة “فورتشن” في أوائل هذا العام أن “مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية شكلت 62% من مشاريع الطاقة الجديدة في عام 2017”.

ويشير الكاتب إلى أن أحدث مفاعل نووي أميركي (تعود بعض مكوناته لعهد سبعينات القرن العشرين) قد بدأ العمل فيه عام 2016 وبفارق 20 سنة عن آخر مفاعل سابق يدخل قيد الإنتاج.

يوجد في الولايات المتحدة 99 مفاعلاً نووياً ويبلغ متوسط أعمارها 37 سنة وفي المقابل تم الانتهاء من أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية في العالم في نيفادا عام 2014 ولكنها لا تخلو من المشاكل.

يوضح رودس أن أي عملية لإنتاج الطاقة لها نواقصها. تتطلب الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الكثير من الأرض وتكون أكثر نجاحاً في الجانب الغربي من الولايات المتحدة عنها في الساحل الشرقي.