يسرائيل هَيوم: طرد الإيرانيين من سورية

يسرائيل هَيوم: طرد الإيرانيين من سورية
Spread the love

غرشون هاكوهين – لواء في الاحتياط/

وزير الدفاع نفتالي بينت عرض في البيان الصحافي هدف عملية الجيش الإسرائيلي في سورية: “دفع إيران إلى التخلي عن محاولة التمركز في سورية” (يوآف ليمور”يسرائيل هَيوم” 19/11/2019). بخلاف الميل السائد إلى الغموض في تحديد الهدف الاستراتيجي، تجرأ الوزير بينت وحدد هدفاً واضحاً وقابلاً للقياس. فهل الهدف الذي وضعه قابل للتحقيق. وهل من الصواب عرض هدف استراتيجي كهذا؟
معلقون عسكريون كتبوا أنه في تقدير هيئة الأركان العامة ثمة شك في أن تستطيع العمليات الهجومية، مهما كانت ناجحة، دفع إيران إلى التخلي عن رؤيتها وتطلعاتها في سورية. النظام في إيران وعناصر الحرس الثوري يعملون مدفوعين بقوة يقين. ضغوطات الواقع بالتأكيد تفرض عليهم إحداث تغيير يتلاءم مع الأوضاع، لكن ما يجري ليس تخلياً عن الرؤية.
القضية تتطلب نظرة تاريخية. بعد أن أنهى الجيش الإسرائيلي حرب 1948، طُلب منه إجراء تقليص واسع في حجم القوات، فوجد صعوبة في بلورة رد ملائم على مشكلة إرهاب الفدائيين. مع إقامة الوحدة 101 ودمجها مع كتيبة المظليين، بقيادة رئيس الأركان موشيه دايان، تطورت، بالتدريج، عقيدة العمليات الانتقامية كرد على المشكلة. لكن سرعان ما اتضح أنه على الرغم من سلسلة النجاحات العملانية، فإن أسلوب العمليات لم يؤد إلى تقليص حقيقي في عمليات الإرهاب.
وجدت حكومة إسرائيل نفسها في مواجهة معضلة استراتيجية. أعاد دايان، بقدرته الخلاقة المعروفة، تفسير منطق العمليات الانتقامية، ووضع لها هدفاً حربياً آخر. لاحظ بقدرته على التشخيص كقائد وجود فجوة بين العملية الانتقامية على صعيد تكتيكي، وبين أهمية العملية على صعيد استراتيجي. انطلاقاً من ذلك، شرح لماذا لا تستطيع هذه العمليات بحد ذاتها أن تحل مباشرة مشكلة تهديد الفدائيين.
وصف دايان، في خطاب ألقاه خلال دورة ضباط في سنة 1955، المنطق الذي يوجّه العمليات الانتقامية، قائلاً “انتصاراتنا وإخفاقاتنا في المعارك الصغيرة على طول الحدود وما وراءها، لها أهمية كبيرة. ليس فقط بسبب تأثيرها المباشر على الأمن الجاري، بل بسبب أهميتها في تقدير العرب لقوة إسرائيل وثقة إسرائيل بقوتها”.
وضع دايان في خطابه إطاراً نظرياً مبتكراً واقترح معنى جديداً لهدف عمليات الانتقام. ظل إرهاب الفدائيين سبباً للعمليات، لكنها وُجّهت إلى هدف أوسع كثيراً: موضعة مكانة إسرائيل وقوتها العسكرية في النظامين الإقليمي والدولي، الآخذين في التبلور.
نشأ بذلك إطار استراتيجي مفتوح على التطورات الإقليمية مع توقّع: إمّا أن يؤدي تواتر العمليات إلى القضاء على الإرهاب، بالتدريج، وإمّا أن يسرّع التدهور إلى حرب ونظام جديد. في هذه الأثناء، وانطلاقاً من فرصة اشتباك عملاني بمبادرة إسرائيلية مع الجيوش النظامية لمصر والأردن وسورية، بنى الجيش الإسرائيلي قدرته، وخلق الوعي بقدرته في نظر العدو، وفي نظر الساحة الدولية. وكان للنوعية التنفيذية للجيش في هذه العمليات من دون شك تأثير في بلورة العملية العسكرية المشتركة مع فرنسا، استعداداً لعملية سيناء.
بوحي من عقيدة دايان، يمكن تقديم الحرب ضد القوات الإيرانية في سورية، وخصوصاً على حدود الجولان، كذريعة لاشتباك نبادر إليه مع القوات الإيرانية، انطلاقاً من مصلحة دفاعية، وليس من مصلحة مباشرة في حرب واسعة.
إن جوهر التجرؤ على استخدام القوة، أيضاً عندما يكون الأمر متعلقاً بالسير على حافة الحرب، ينطوي على إمكان حدوث تدهور، لكنه ينطوي أيضاً على إمكان موضعة مكانة إسرائيل في المنظومة الإقليمية التي تجري بلورتها في مواجهة إيران. هدف الاشتباك إظهار تفوق عملاني، مع التشديد على قوة عملانية وجرأة استراتيجية، والتوضيح أن دولة إسرائيل لا تخاف من اشتباك عسكري، دفاعاً عن مصالحها الحيوية. هدف كهذا مفتوح على تطورات غير متوقعة، ولا يمكن السيطرة عليها، وهنا تكمن أفضليته كهدف استراتيجي قابل للتحقيق.

المصدر، صحيفة يسرائيل هَيوم الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole