موقع أميركي: أميركا تعمل على تحويل احتجاجات لبنان ضدّ حزب الله

موقع أميركي: أميركا تعمل على تحويل احتجاجات لبنان ضدّ حزب الله
Spread the love

ترجمة: د.هيثم مزاحم/

بينما لا تزال الاحتجاجات في لبنان تركز على الاقتصاد والفساد، فإن واشنطن مصممة بشكل متزايد على استغلال الحركة كسلاح جيوسياسي ضدّ خصومها في المنطقة.

كتبت الصحافية رانيا خالق مقالة مطولة في موقع “ذا غراي زون” الأميركي تناولت فيها كيف توظف الولايات المتحدة الأميركية الحراك الشعبي في لبنان لتنفيذ سياستها ضدّ حزب الله، من خلال بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني التابعة لها. والآتي أبرز ما جاء في الجزء الأول من المقالة:

اندلعت احتجاجات حاشدة في تشرين الأول / أكتوبر في لبنان. تجاوزت التظاهرات الطائفة والطبقة، وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء البلاد. كان الدافع وراء هذه الحركة هو فرض الضرائب التنازلية واستمرار النظام النيوليبرالي الفاسد الذي أساء إدارة الاقتصاد وأفسد القطاع العام مع إثراء حفنة من النخب وسط انهيار اقتصادي يلوح في الأفق. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لا تزال تركز على القضايا الطبقية والفساد، فإن الولايات المتحدة مصممة بشكل متزايد على اختيار الحركة لتحقيق أهدافها الخاصة. في مقدمة جدول أعمال واشنطن، طرد حزب الله من الائتلاف الحكومي اللبناني وتهميشه كوسيلة لإضعاف إيران. لذلك تطالب الولايات المتحدة وعملاؤها داخل لبنان بحكومة “تكنوقراطية” لا مصلحة لها في مقاومة “إسرائيل”.

وأشارت الكاتبة إلى كلام السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان في شهادته أمام الكونغرس الشهر الماضي وقوله إن “هذه الاحتجاجات تتقاطع لحسن الحظ مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية ضد حزب الله”، مؤكداً على أهمية المبادرة الداخلية مدمجة بدعم خارجي (غربي).

وأشارت الكاتبة إلى أن التدخل الأميركي في الاحتجاجات اللبنانية لم يشكل بعد عملية واسعة النطاق، إلا أنه شوهد من خلال وجود أحزاب سياسية مدعومة من الولايات المتحدة ونشطاء مدعومين من أكثر الأجهزة مألوفة في آلة تغيير النظام الأميركية: الوقف الوطني للديمقراطية (NED)، والمعهد الأميركي للسلام (USIP)، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وتسعى هذه العناصر مجتمعة إلى نشر الدعوة إلى حكومة تكنوقراطية خالية من حزب الله في أعمال استفزازية في جميع أنحاء البلاد.

حراك بلا قيادة يضغط على الحكومة

ولفتت الكاتبة إلى أن الاحتجاجات، التي كان مقرها في وسط بيروت، شملت بداية قاعدة الطبقة العاملة لحزب الله ونشطاء المجتمع المدني، وهو ما يرمز إلى رفض نظام تقاسم السلطة الطائفي. لكن، في غضون أيام، بدأت الاحتجاجات تتحول إلى مزيج غريب بلا قيادة من طلاب الطبقة المتوسطة والدنيا، إلى جانب الليبراليين ونشطاء المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية المدعومة من الولايات المتحدة والجماعات اليسارية الصغيرة وناشطين معادين لحزب الله. وفي حين أن الغالبية العظمى من المتظاهرين سعوا ببساطة إلى حكومة عاملة قادرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية، فإن التكوين الحالي لحركتهم وافتقارهم إلى الإيديولوجيا بين معظم المتظاهرين قد خلق فراغاً واسعاً سمح للتدخل من جانب الجهات الفاعلة الخارجية. كان هذا صحيحاً بشكل خاص بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي ابتكرت طرقاً لاختيار حركات الاحتجاج المناهضة للحكومات والتلاعب بها لتنفيذ أهدافها في تغيير الأنظمة.

في لبنان، صممت الولايات المتحدة بشكل علني على الانقلاب على فوز حزب الله في الانتخابات النيابية لعام 2018 التي منحته الأغلبية إلى جانب حلفائه في التيار الوطني الحر، وحركة أمل. مكّن هذا الائتلاف الحاكم حزب الله من حماية مصالحه التقليدية، ومن بينها ردع “إسرائيل” وهو ذو أهمية قصوى، من دون أن يكون الحزب وجه الحكومة. وبحسب البرقيات الدبلوماسية الأميركية المسرّبة التي نشرها موقع ويكيليكس، كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع جهة الاتصال الرئيسية بالسفارة الأميركية خلال اشتباكات 7 أيار / مايو عام 2008 بين كتلتي 8 آذار و14 آذار. في اجتماعات في السفارة، طلب جعجع مراراً من واشنطن تزويد ميليشياته بالأسلحة ضد حزب الله. ورأت الكاتبة أن الاحتجاجات التي اجتاحت لبنان خلال الشهر الماضي شكّلت ضغطاً كبيراً على الائتلاف الحاكم، في حين وفرت فرصة سياسية لمعظم خصومه الانتهازيين وخاصة أولئك الذين لهم روابط تاريخية مع الولايات المتحدة.

الانتفاض ضد الأوليغارشية الفاشلة

في 17 تشرين الأول / أكتوبر الماضي، اندلعت الاحتجاجات بشكل تلقائي في وسط بيروت رداً على مجموعة من الضرائب التنازلية، بينها ضريبة على خدمة واتسآبWhatsapp، واحد من تطبيقات وسائل الاتصال المجانية الوحيدة في سوق الاتصالات باهظ الثمن. لكنّ الرسوم نفسها سبقتها سلسلة من الأحداث التي أدت إلى الانفجار الذي لا مفر منه. في أوائل شهر تشرين الأول / أكتوبر، دمرت غابات لبنان بسبب حرائق الغابات بسبب إهمال الحكومة وعجزها. الدولة على سبيل المثال فشلت حتى في دفع ثمن الصيانة الأساسية لمروحيات الهليكوبتر المجهزة لإخماد الحرائق. في الوقت نفسه، أدى النقص في الدولار الأميركي، الذي يعتمد عليه الاقتصاد اللبناني، إلى الذعر من انهيار وشيك، وهو أمر توقعه الاقتصاديون لسنوات.

تفاقم الغضب العام من حقيقة أنه بعد مرور 30 عاماً على الحرب الأهلية، كانت الدولة اللبنانية الضعيفة لا تزال غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء على مدار 24 ساعة، أو مياه الشرب، أو معالجة النفايات. كان هذا نتيجة للنظام النيوليبرالي الذي فرضته المؤسسات المالية الدولية على لبنان بعد الحرب الأهلية بالتنسيق مع النخب الحاكمة في البلاد. تدار الأحزاب السياسية الرئيسية في لبنان من قبل أمراء الحرب في حقبة الحرب الأهلية الذين استغلوا نظاماً مختلاً وظيفياً لجعل أنفسهم أصحاب مليارات. هم وأولادهم يتباهون بثرواتهم في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضحت الكاتبة أن رئيس الوزراء سعد الحريري ربما يقدم المثال الأكثر وضوحاً وسخرية: تم الكشف عن إرساله في تشرين ألأول / أكتوبر 16 مليون دولار إلى عشيقته في جنوب إفريقيا. كان هناك عامل آخر يقود الاحتجاجات هو الإحباط من النظام الطائفي في البلاد، الذي يولد الفساد والجمود. بموجب اتفاق تقاسم السلطة في لبنان.

هذه الديناميكية تجبر المواطنين اللبنانيين على الاعتماد على قادة طائفتهم في الخدمات بدلاً من الدولة، مما يؤدي إلى حكومة مركزية ضعيفة. إن مختلف قادة الطائفة فاسدون للغاية وأثروا أنفسهم من خلال المحسوبية والسرقة واقتصاد مخطط بطريقة بونزي الاحتيالية.

القطاع المصرفي القوي مسيّس أيضاً. لقد تحول إلى عدو لحزب الله من خلال شراكته وتعاونه مع العقوبات الأميركية. علاوة على ذلك، فإن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يطمح إلى إقالة وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والحلول بدل رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون. إنه يريد أيضاً إضعاف حزب الله، وهو ما يعتبره هو والقطاع المصرفي نقطة جذب للعقوبات الأميركية، وبالتالي، يحملونها مسؤولية التدهور.

لم يكن هناك أدنى شك في أن الأزمة الاقتصادية كانت في طريقها إلى لبنان، لكن العقوبات الأميركية سرعت العملية. العقوبات ضد حزب الله وأي شيء يُعتبر مرتبطاً به عن بعد هي جزء من حملة “أقصى ضغط” الأميركية ضد إيران. إنهم يهدفون إلى القضاء على برامج حزب الله للرعاية الاجتماعية، الأمر الذي يؤذي الفقراء في النهاية في دوائرهم الانتخابية، ويهدد أعمال الشيعة الأثرياء أيضاً.

فقد أدت العقوبات الأميركية التي فرضت مؤخراً إلى تصفية بنك لبناني مملوك للشيعة، يدعى جمال ترست بنك، على أساس مشكوك في صحته للغاية بأنه كان يموّل نشاط حزب الله. (كان جمال ترست، في الواقع، حليفاً وثيقاً للسفارة الأميركية وأقام شراكة مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتمويل برامج محو الأمية في البلاد).

في مثل هذا الاقتصاد المضطرب، كانت بعض العقوبات الأميركية هي كل ما يلزم لتحفيز قطاع كبير من الجمهور اللبناني. كانت هذه هي خلفية عرض الغضب الجماعي الذي اندلع في وسط بيروت في شهر تشرين الأول / أكتوبر. في البداية، احتلت المنطقة مجموعة صغيرة من المتظاهرين. وكان من بينهم نشطاء من الطبقة الوسطى شاركوا في احتجاج عام 2015 ضد نقص منشآت معالجة النفايات، وكذلك الشيعة الفقراء. أثناء تظاهرتهم، صعدوا ضد موكب تابع لوزير التربية أكرم شهيب. جاء رد فعل حراسه الشخصيين بخوف ثم بعدوان مفرط، فأطلقوا نيران رشاشاتهم في الهواء. انتشرت مقاطع فيديو لهذا المشهد العنيف على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار المزيد من المواطنين للانضمام إلى الاحتجاج. الموجة التالية من المتظاهرين استهدفوا بغضبهم وسط المدينة الذي تملكه شركة سوليدير، شركة الخصخصة وإعادة التطوير التابعة لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والتي استفادت بشكل كبير بعد الحرب الأهلية بينما تحولت أنقاض وسط المدينة إلى فقاعة من الرفاهية التي يتعذر الوصول إليها.

وشهد اليومان التاليان مجموعات من الشباب الملثمين على دراجات نارية يقومون بتنسيق حواجز الطرق في جميع أنحاء المدينة بكفاءة حيث قاموا بإحراق صناديق القمامة والإطارات. الكثير منهم كانوا من أنصار حزب الله. وفي الوقت نفسه، تضخمت الاحتجاجات، حيث ملأت الشوارع في وسط المدينة وانتشرت إلى أجزاء أخرى من البلاد، حيث جلبت الناس من جميع الطبقات والطوائف. لكن الزخم كان قصير الأجل.

لعبت قاعدة حزب الله الشعبية دوراً مهماً في الاحتجاجات في مراحلها المبكرة، … وبعد أيام من الاحتجاجات، أظهر أنصار حزب الله من الاتحادات الطلابية عرضاً قوياً في الاحتجاجات قرب المصرف المركزي. ولكن بعد ذلك، تم تحييدهم جانباً من قبل اليمين.

الأحزاب المتحالفة مع الولايات المتحدة تنضم إلى الاحتجاجات

في اليوم الثالث، سحب سمير جعجع، قائد “القوات اللبنانية” المدعومة من الولايات المتحدة، وزراءه الأربعة من الحكومة، كتضامن مع الاحتجاجات. “القوات اللبنانية” حزب يميني موالٍ لأميركا وكان من أكثر الميليشيات وحشية في الحرب الأهلية في لبنان. وقرار جعجع غيّر مجرى الحركة.

هدد وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي باستقالة وزرائه ووضع حزبه في المعارضة. في هذه الأثناء، انضم أنصار “القوات اللبنانية” و”الحزب الاشتراكي” إلى الاحتجاجات عن طريق عرقلة الطرق الرئيسية خارج بيروت: أغلقت “القوات اللبنانية” الطريق السريع الرئيسي في جل الديب ومناطق أخرى في الشمال بينما أغلق “الحزب الاشتراكي” الطرق في الجنوب.

بعد ذلك، استقال رئيس الوزراء سعد الحريري، ووضع حزب المستقبل الذي تدعمه السعودية والولايات المتحدة إلى جانب المحتجين أيضاً. أصبح حزب “المستقبل” في صفوف الاحتجاج الآن، مما عزز حصار الطرق في الجنوب إلى جانب أفراد “الحزب الاشتراكي”. ومع تكثيف هذه الأحزاب تدخلها، بدأ أنصار حزب الله من الطبقة العاملة بالانسحاب من الحراك، خاصة وأن بعض عناصر تلك الأحزاب بدأت تهتف ضد حزب الله وأسلحته. فجأة، شهدت الاحتجاجات شعوراً مألوفاً ومشؤوماً أي 8 آذار مقابل 14 آذار.

كان رئيس الوزراء الملياردير الحريري حليفاً قوياً لأميركا والسعودية التي يحمل جنسيتها. قبل استقالته، كان الحريري جزءاً من الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب الله. خشي قادة التحالف من أن يستهدف الأميركيون الحكومة بأكملها ويضعوا البلاد تحت وطأة العقوبات الساحقة دون شخصية منحازة إلى الغرب مثله. السعودية، التي كانت عاقدة العزم على نزع الشرعية عن التحالف الحاكم، أجبرت الحريري على الاستقالة تحت تهديد السلاح في عام 2017، لكنه عاد في النهاية إلى الحكومة.

هذه المرة، استفاد الحريري من الاحتجاجات في محاولة للضغط على ميشال عون لإسقاط صهره جبران باسيل وزيراً للخارجية، والذي اتهمته عناصر مناهضة للحكومة بإعطاء حزب الله الشرعية على المسرح الدولي. لكن عون لم يتزحزح، لذا استقال الحريري. لم تؤدِ استقالة الحريري إلى عرقلة الحكومة من التعامل مع الأزمة الاقتصادية فحسب، بل كشفت أيضاً دور حزب الله في الحكومة، وخاطرت بالتالي بجولة جديدة من العقوبات الأميركية. اعتقدت قيادة حزب الله أن استقالة رئيس الوزراء مدفوع من الولايات المتحدة والسعوديين، بالنظر إلى تاريخ علاقته بهم.

مع اتساع الفجوة السياسية، أصبحت الاحتجاجات يهيمن عليها بشكل متزايد أعضاء الطبقة الوسطى والمجتمع المدني المدعوم من الغرب وقطاع المنظمات غير الحكومية. حوّل هذا العنصر مطالب الطبقة العاملة الأولية للعدالة الاجتماعية إلى هجوم شامل على حزب الله وأسلحته وقيادته.

تحولت اللازمة الشعبية “كلن يعني كلن”، أو “كلهم يعني كلهم”، والتي كانت موجهة في البداية إلى مجموعة كاملة من القادة في لبنان، إلى شعار مناهض لحزب الله، مع إضافة المحتجين لعبارة: “ونصرالله واحد منهم”. وسرعان ما تبع ذلك اشتباكات بين مؤيدي أمل وحزب الله ومتظاهري الطبقة الوسطى.

كان البيت الأبيض في البداية حذراً وهادئاً بشأن الاحتجاجات، حيث لم يكن متأكداً إلى أين يمكن أن تتجه. لكن بعد يوم من استقالة الحريري في 29 تشرين الأول / أكتوبر، أصدر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بياناً يدعم الاحتجاجات وتشكيل حكومة جديدة. وفجأة، انتشرت سلسلة من المقالات والأبحاث التي تشرح كيف يجب على الولايات المتحدة أن تستغل الوضع ضد حزب الله، وبالتالي ضد إيران. تنظر واشنطن إلى كل شيء في لبنان من خلال عدسة معادية لإيران، وترى حزب الله فقط كوكيل للحكومة في طهران.

أصدر مجلس “أتلانتيك”، وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن تموّل من شركات الأسلحة والحكومات الغربية وكذلك بهاء الحريري، شقيق سعد الحريري، نداء موجهاً إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستغلال الاحتجاجات في لبنان كذريعة لنزع سلاح حزب الله بالقوة. كان المؤلف فريدريك هوف، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا وهو زميل كبير في مركز رفيق الحريري، الذي سمّي على اسم والد سعد الحريري. فأولئك الذين عملوا على قلب ما يسمى بـ”الربيع العربي” في اتجاه واشنطن خرجوا إلى العمل مرة أخرى.

واقع المنظمات غير الحكومية

لسوء الحظ بالنسبة إلى واشنطن، ظل جوهر حركة الاحتجاج يركز بشكل أساسي على الأزمة الاقتصادية. على الرغم من أن حزب الله قد انسحب من صفوف الاحتجاج، إلا أن الجماعات اليسارية مثل الحزب الشيوعي اللبناني، ومواطنون في دولة، وحركة الشعب، وغيرها من العناصر ذات التوجه الاشتراكي ظلت متورطة.

في الأسابيع الماضية، كانت هذه المجموعات تعقد مجموعات نقاش وتعمل للتأثير على أكبر عدد من المشاركين في الاحتجاج في الاتجاه اليساري. ومع ذلك، فهم يمثلون شريحة صغيرة من المجتمع اللبناني ويفتقرون إلى موارد الأحزاب المدعومة من الولايات المتحدة ومجموعات المجتمع المدني.

على النقيض من ذلك، فإن حزب “سبعة” يتمتع بتمويل وفير. أسسه جاد داغر، وهو رجل أعمال لبناني شهير كان ينتمي إلى حزب الكتائب، وهو حزب مسيحي يميني آخر قريب من الولايات المتحدة ارتكب مذابح سيئة السمعة خلال الحرب الأهلية.

تمت إضافة داغر وشركته DK Group إلى قائمة العقوبات الأميركية في عام 2014 بسبب مساعدة الحكومة السورية، لكن تمت إزالتها من القائمة في عام 2016. في المتوسط، يستغرق إزالة شركة من قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية حوالى 8 إلى 10 سنوات، مما دفع البعض إلى التساؤل عن نوع الصفقات التي أبرمها داغر لرفعه من القائمة خلال سنتين فقط.

يعتبر حزب سبعة، الذي يدعي أنه يحتقر الأحزاب السياسية، من قبل اليسار حزباً يمينياً يعمل تحت ستار اللاطائفية والليبرالية. احتفظت المجموعة بحضور مهم في ساحة الشهداء في وسط بيروت، حيث أقامت تجهيزات لتشغيل الموسيقى بصوت عالٍ وكان من الصعب إجراء أي نقاش ذي معنى في المكان. والجدير بالذكر أن المجموعة أبقت اسمها وشعارها غائبين عن جميع مواد الاحتجاج. يشتبه بعض الناشطين اليساريين الذين تحدثت إليهم الكاتبة أن حزب سبعة كان يستخدم الموسيقى الصارخة لإخفاء قدرتهم على التنظيم بفعالية.

أما المجموعة الكبيرة الأخرى الموجودة في احتجاجات وسط المدينة فكانت “بيروت مدينتي”، وهي مجموعة ليبرالية أسسها نشطاء المجتمع المدني وأساتذة من الجامعة الأميركية في بيروت. انبثقت هذه المجموعة من احتجاجات “طلعت ريحتكم” لعام 2015، والتي احتشدت ضد عدم رفع القمامة وغيرها من الاهتمامات المدنية للطبقة المتوسطة.

أحد مؤسسي “بيروت مدينتي” البارزين هو جاد شعبان، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت الذي عمل في البنك الدولي وأسس الجمعية الاقتصادية اللبنانية، وهي طاولة مستديرة للأعمال تتلقى الدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، و”بوز ألين”، ومجموعة البنك الدولي، ومؤسسة فورد. غني عن القول إن شعبان يعتبر حليفاً في واشنطن. ثم هناك مجموعات من الفنانين الذين يستخدمون شعارات من الاحتجاجات السورية، ولكن تم تحديثها للسياق اللبناني. على سبيل المثال، تم إعادة تشكيل الهتاف الشهير “إرحل إرحل يا بشار”، الذي سمع في المدن السورية في عام 2011، إلى “إحل إرحل يا عون”، في إشارة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون.

تعرب العديد من المنظمات غير الحكومية (NGOs) الموجودة عن تضامنها مع المطالب الاقتصادية في صميم الحركة الاحتجاجية. ومع ذلك، يتم تمويل هذه الجماعات من قبل قوى خارجية وتغرس في خطاب الليبرالية الأميركية والأوروبية. وخير مثال على ذلك هو”المفكرة القانونية”، وهي منظمة غير حكومية لبنانية يمولها الاتحاد الأوروبي، والسفارة السويسرية، ومؤسسة “هينريش بول شتيفتونغ” التي تمولها الحكومة الألمانية، ومؤسسة المجتمع المفتوح للملياردير المعادي للشيوعية جورج سوروس. تقدم المنظمة مشورة قانونية للفئات المهمشة، وهي سبب نبيل. ويبدو أن بعض الأعضاء كانوا يفترضون خطاً معادياً لحزب الله، لكنهم علقوا أنهم مقتنعون بأن الحزب لديه خطط لاستخدام أسلحته على المحتجين.

ومن المنظمات غير الحكومية البارزة الأخرى، “ميغافون نيوز” Megaphone News ، وهي وسيلة موجهة نحو وسائل الإعلام الاجتماعية والتي تصف نفسها بأنها مستقلة، ولكن يتم تمويلها من قبل “الوقف الأوروبي للديمقراطية”، المنظمة الشقيقة لـ”الوقف الأميركي للديمقراطية”، والتي تدعمها الحكومة الأوروبية لتغيير الأنظمة. تأسست في عام 2017، ولعبت “ميغافون” دوراً مهماً في إنتاج الشعارات والأفكار ومقاطع الفيديو والموسيقى منذ بداية الانتفاضة. هذه المجموعات المختلفة لا تشترك بالضرورة في جدول أعمال موحد ولا تتوافق دائماً. ربما الشيء الوحيد الذي يجمعها هو استياءها من حزب الله. بالنظر إلى مشاركة خصومهم السياسيين المؤيدين لأميركا والمشاعر المناهضة لحزب الله بين بعض شرائح المتظاهرين، فإن أعضاء حزب الله ينظرون إلى الاحتجاجات بشك عميق.

فعلى سبيل المثال، في تظاهرة للطلاب من الجامعة اللبنانية-الأميركية (LAU) والجامعة الأميركية في بيروت (AUB) في 26 تشرين الأول / أكتوبر، كانت هناك هتافات مؤيدة لنزع سلاح حزب الله. وهتف آخرون ضد نصر الله. بالنسبة لمؤيدي حزب الله، فإن هذا الخطاب بمثابة دعوة إلى التدمير الشامل لحركتهم.

وخلال الحدث نفسه، انضم رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري إلى الطلاب المحتجين، وشجعهم على مواصلة التعبير عن أنفسهم في الشوارع. كان دعم خوري المفاجئ لحرية التعبير بمثابة مفاجأة لبعض الذين عملوا تحت إدارته. يصفونه بأنه يميني ويتماشى مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

منذ تولي خوري الجامعة الأميركية في بيروت، شكا أعضاء هيئة التدريس المؤيدون لفلسطين وحزب الله من عدائه الشديد. كان خوري، على سبيل المثال، هو الذي منع الأستاذ الفلسطيني-الأميركي ستيفن صلايتة من الحصول على وظيفة دائمة في الجامعة. ولكن خوري الآن أصبح فجأة بطل حرية التعبير.

اختطاف الاحتجاجات

ورأت الكاتبة أن عدم وجود قيادة للحركة الاحتجاجية اللبنانية يجعلها عرضة للاختطاف من قبل أطراف خارجية قوية. يمكن لأي شخص تقريباً أن يظهر ويضخ جدول أعماله في الحركة، ولكن تحت اسم آخر.

يقول معظم المشاركين في وسط بيروت إنهم يكرهون السياسة، ولم يكونوا يهتمون بشؤون البلاد قبل الاحتجاجات، ويبدو أنهم يمكن تحريكهم بسهولة من قبل أي شخص لديه رسالة ماكرة. إنهم الجمهور المثالي لجماعات مثل “بيروت مدينتي” وغيرها من مجموعات المجتمع المدني التي تثير التفاهات الفارغة ويبدو أنها تتجنب دائماً مسألة “إسرائيل”. وجاءت لحظة حرجة بعد أسبوع من الاحتجاجات عندما أمسك روبرت غالاغر، المحاضر الأميركي في الجامعة الأميركية في بيروت، بالميكروفون في مناقشة سياسية في وسط بيروت للمطالبة بتشكيل حكومة موازية. بدلاً من إخراس غالاغر، قام جمهوره بالتصفيق له. بغض النظر عن نوايا اليساريين المعنيين، ينظر حزب الله إلى الدعوات لإسقاط الحكومة كمحاولة من قبل خصومه لقلب انتصار الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 2018.

أصبح الخط الفاصل بين المتظاهرين والمنتقدين للتظاهرات متطرفاً للغاية بحيث انتهت الصداقات. لم يعد يتم دعوة بعض اللبنانيين للتجمع مع أصدقاء لهم لمجرد انتقادهم العناصر المدعومة من الغرب في الاحتجاجات. وقد حظرت الأسر المؤيدة لحزب الله أقاربهم عبر الإنترنت بسبب حضورهم التظاهرات.

وعلى الرغم من النزاع الداخلي، لا تزال الأحزاب اليسارية تدعم دور حزب الله كمنظمة مقاومة مسلحة. وهذا يميزهم عن الليبراليين والعناصر اليمينية في وسط بيروت الذين يركزون على استيائهم من حزب الله لدرجة هوس تقريباً.

بينما يحاول اليساريون التمسك بالخط، نجحت الأحزاب المؤيدة للولايات المتحدة والناشطون المنتمون إلى المنظمات غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني في صياغة مطالب الاحتجاج واحتلال الأضواء الإعلامية. لقد كانت هذه العناصر بارعة بشكل خاص في الترويج للدعوة إلى حكومة تكنوقراطية من شأنها إبعاد حزب الله من أي إدارة مستقبلية.

المطالبة بحكومة تكنوقراطية، ومحاكاة هونغ كونغ

كان مطلب الاحتجاج الذي حاز على أكبر قدر من اهتمام وسائل الإعلام هو الدعوة إلى تنصيب “حكومة تكنوقراطية”. قام ناشطون من جماعات المجتمع المدني بضخ منشورات مطبوعة وملصقات تطالب بحكومة تكنوقراطية. بدأت بعض وسائل الإعلام المحلية الكبرى التي يملكها الأوليغاركيون ذوو الأجندات السياسية المتنافسة في الإبلاغ فجأة، برسالة موحدة بشكل غير عادي، مفادها أن مطلب الاحتجاج الرئيسي كان التكنوقراط.

انتشرت هذه الدعوة بسرعة بين المحتجين غير الإيديولوجيين في جميع أنحاء البلاد الذين أثبتوا أنهم عرضة لشعارات جذابة. لكن ماذا تعني “حكومة تكنوقراطية” في الممارسة العملية في لبنان؟ لن يشتمل بالضرورة على حكومة غير سياسية، ولكن حكومة من شأنها أن تلغي القضايا السياسية الرئيسية التي تواجه البلاد، وخاصة “إسرائيل” واللاجئين الفلسطينيين، ومحنة فقراء البلد.

الأهم من ذلك، أن التكنوقراط تعني حكومة من دون حزب الله لا تستطيع مقاومة “إسرائيل” أو وكلاء دول الخليج المتطرفين الذين هددوا لبنان خلال الحرب على سوريا. هذا هو السبب في أن حزب الله وحلفاءه عارضوا بشدة استبدال الحكومة الحالية. مما لا يثير الدهشة، أن هذا المطلب، الذي بدأته الأحزاب السياسية الموالية لأميركا والمنظمات التي تمولها الحكومة الأميركية، هو بمثابة موسيقى تطرب آذان واشنطن.

في شهادته أمام الكونجرس في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، أبرز السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان الميزة في هذا الطلب: “مع دعوة المتظاهرين إلى حكومة تكنوقراطية وليس سياسية، يمكن أن تؤكد رسائلنا العامة على توقعاتنا بأن تكون حكومة لبنانية جديدة، إذا كانت تسعى للحصول على دعم دولي، يجب أن تتصدى بفعالية وبشكل فوري لتطلعات الإصلاح للشعب اللبناني. من خلال المطالبة بالتكنوقراط، يجادل المسؤول الأميركي المخضرم، بأنه يمكن للمتظاهرين “اغتنام الفرصة الانتخابية التالية لتجريد حزب الله من الشركاء البرلمانيين الذين يستخدمهم كمضاعفين للقوة لتأكيد إرادته سياسياً”.

ردد “معهد الولايات المتحدة للسلام”، وهو مركز بحثي تابع لوزارة الخارجية الأميركية تم تأسيسه في عهد الرئيس رونالد ريغان إلى جانب “الوقف الوطني للديمقراطية” NED، دعوة فيلتمان.

كان قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي كان يتعامل مع فيلتمان منذ فترة طويلة، أول من دعا علناً إلى حكومة تكنوقراطية، واستمر في ذلك. مع تطلعه إلى رئاسة الجمهورية، ألقى جعجع باللوم على حزب الله لعرقلة تشكيل هذه الحكومة التكنوقراطية بينما انتقد منافسيه المسيحيين، التيار الوطني الحر، لتحالفهم مع هذا الحزب.

جينو رعيدي الناشط المؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي واصل الدعوة إلى تعيين حكومة تكنوقراطية. وهو مدوّن شهير يعمل في مجلس إدارةMarch Lebanon ، وهي منظمة غير حكومية تتلقى تمويلًا من “الوقف الوطني للديمقراطية” NED بالإضافة إلى السفارتين البريطانية والكندية.

من خلال منظمته المدعومة من الغر ، جادل رعيدي ضد قيام الحكومة اللبنانية بفرض المقاطعة على “إسرائيل”. كما أعرب عن ازدرائه للنشطاء في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS) التي يقودها فلسطينون على مدونته الشخصية. تفاخر رعيدي مؤخراً على إنستغرام باجتماعه مع أحد المتظاهرين في هونغ كونغ في لبنان في 11 تشرين الثاني / نوفمبر – وهو نفس اليوم الذي ألقى فيه حسن نصر الله خطاباً شدد فيه على حاجة لبنان لتحدي الولايات المتحدة والانفتاح على الصين.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعبّر فيها رعيدي عن اهتمامه بهونغ كونغ. بعد ثلاثة أيام من احتجاجات لبنان، كتب في موقع “انستاغرام”: “إذا كنا بحاجة إلى ذلك، فسوف نقاوم مثل إخواننا وأخواتنا في هونغ كونغ”. تحولت احتجاجات هونغ كونغ بسرعة إلى حركة انفصالية أشرفت على أعمال عنف مرعبة ضد مؤيدي الصين. يتلقى العديد من شخصيات المعارضة في هونغ كونغ تمويلًا من نفس المصادر الأميركية مثل رعيدي، ويقومون بالتنسيق بشكل علني مع القيادة السياسية الأميركية.

اعترف رعيدي في مدونته المقروءة على نطاق واسع أن حماسه المبدئي حول التورط في الاحتجاجات له علاقة بكل ما يتعلق باستغلال المشاعر المعادية لحزب الله. وكتب يقول “الأمر الذي جعلني أقود سيارتي وأتجه نحو الاحتجاج، كان رؤية رجال ونساء في الضاحية والنبطية يخرجون ويظهرون معارضة واضحة للثنائي الشيعي لحزب الله وأمل”.

كما دعا أنطون عيسى، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط الممول من الإمارات العربية المتحدة، إلى حكومة تكنوقراطية، وغرّد قائلاً: “مطالب المحتجين واضحة – من الشمال إلى الجنوب، إلى بيروت والبقاع”. بعد ذلك بفترة وجيزة، حض عيسى عيسى واشنطن على استخدام الاحتجاجات في لبنان والعراق ضد إيران.

بعد استقالته الأخيرة، اشترط الحريري، حليف الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، مشاركته في الحكومة المقبلة بأن تكون تكنوقراطية ومحايدة سياسياً. في هذه الأثناء، كان حزب الله يضغط من أجل تشكيل حكومة مختلطة تتوفر فيها مساحة للسياسيين والتكنوقراط. مع رفض الحريري التنازل عن إصراره على حكومة تكنوقراطية، انهارت المفاوضات المتعلقة بتشكيل حكومة جديدة، مما أدى إلى وصول تشكيل الحكومة إلى نفق مسدود في ظل الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق. وختمت الكاتبة أنه يبقى أن نرى ما إذا كانت الاحتجاجات يمكن مشاركتها وإعادة توجيهها نحو الأهداف الأميركية لتغيير الأنظمة. في الوقت الحالي، ما زالوا يركزون على الاقتصاد، لكن الجو يزداد توتراً في كل يوم.

في الجزء الثاني من هذا التقرير، تظهر الكاتبة كيف تستخدم الأحزاب السياسية المدعومة من الولايات المتحدة تكتيكات استفزازية لإثارة حزب الله وحلفائه، في حين أن المتشددين في واشنطن يقومون بصقل خططهم لاستغلال اليأس الاقتصادي المتعمق للمواطنين اللبنانيين العاديين.

*رانيا خالق هي صحافية لبنانية – أميركية مستقلة مقيمة في بيروت.

المصدر: ذا غراي زون _ عن الميادين نت

Optimized by Optimole