روسيا وتوازن القوى في منطقة شمال شرق آسيا

روسيا وتوازن القوى في منطقة شمال شرق آسيا
Spread the love

بقلم: أرتيوم لوكين — مراجعة: محمد يسري أبو هدور* —
تحاول هذه الدراسة الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أن تدرس نظام توازن القوى الناشئ في منطقة شمال شرق آسيا، حيث تشهد تلك المنطقة المهمة من العالم تواجداً لعدد من القوى المختلفة، وهي (الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا، اليابان، كوريا الجنوبية، وكوريا الشمالية).
والمؤلف أرتيوم لوكين هو أستاذ مشارك للعلاقات الدولية في كلية الدراسات الإقليمية والدولية بجامعة (Far Eastern Federal University) الواقعة في مدينة فلاديفوستك الروسية.

التواجد الأميركي: توازن أم هيمنة
يعرض المؤلف لوجهتي نظر فيما يخص الحضور الأميركي في منطقة شمال شرق آسيا، وجهة النظر الأولى ترى أن تلك المنطقة تخضع لما يمكن أن نسميه بـ”الهيمنة الأميركية المطلقة”، ولا ينكر أصحاب ذلك الطرح أن تلك الهيمنة قد أصابها الكثير من الضعف والفتور في الفترة الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية الأميركية والحروب المتعددة التي خاضتها في أفغانستان والعراق، كما أن أحد أسباب ضعف تلك الهيمنة، هو الصعود المتنامي للقوة الصينية ومشاركتها بقوة على الساحة السياسية الدولية.
ولتلك الأسباب فإن مكانة أميركا قد تراجعت بشكل كبير، حتى من الممكن أن نصف وضعها الحالي بـ”الهيمنة المبتورة” أو “ببقايا الهيمنة”، والأمل الوحيد المتبقي لأميركا للحفاظ على هيمنتها، يكمن في احتفاظها بعلاقات قوية ووطيدة مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
أما وجهة النظر الأخرى، فتعتقد أن الريادة الأميركية العسكرية من جهة والعلاقات الودية التي تربط ما بين واشنطن وسيول وطوكيو من جهة أخرى، لم تعد كافية للحفاظ على الهيمنة الأميركية الإقليمية في شمال شرق أسيا، خصوصاً مع تنامي القوة الصينية والروسية، وتضخم قدرات كوريا الشمالية الصاروخية، ولذلك، فإن ذلك الرأي يرفض الاعتراف بوجود هيمنة أميركية من الأساس، ويميل إلى الاعتقاد بوجود حالة من “التوازن في القوى” ما بين اللاعبين الرئيسيين في تلك المنطقة المهمة من العالم، وهذا الطرح يؤيده المؤلف ويتوسع في تحليله وشرحه في باقي فصول الدراسة.

الشكل الأول من التوازن: توازن عدائي
يرى المؤلف أن حالة التوازن، من الممكن أن تكون مبنية على شكلين متمايزين، الشكل الأول، وهو (التوازن العدائي) بمعنى أن كل قوة على الساحة الإقليمية ترى في باقي القوى المحيطة بها، أعداء ينبغي العمل على إضعافهم والحد من نفوذهم.
ويرى المؤلف أن تاريخ تلك المنطقة وحاضرها، يدعمان من احتمالية تحقق ذلك الشكل العدائي، فهناك نزاعات حدودية وصراعات وتوترات قلقة في شبه الجزيرة الكورية وتايوان على وجه الخصوص.
كما أن هنالك حالة من فقدان الثقة المتبادل ما بين دول تلك المنطقة وبعضها البعض، فما تزال الضغائن والأحقاد مثارة ما بين الصين واليابان على سبيل المثال، ولم تستطع الأنظمة السياسية في البلدين أن تتجاوز الخلافات التاريخية ما بينهما.
كما أن هناك عاملاً آخر مهماً تختص به منطقة شمال شرق آسيا دوناً عن غيرها من باقي مناطق العالم، ألا وهو أنه في تلك المنطقة تشهد معظم الكيانات السياسية الواقعة فيها، الكثير من سمات القوى الكبرى، مثل (أميركا- الصين- روسيا- اليابان). كما أن عدداً آخر من الدول تطمح للوصول إلى مصاف القوى العظمى، مثل كوريا الجنوبية على سبيل المثال. وهذا الأمر لا نكاد نشهده في أي منطقة أخرى في العالم، ويذكرنا بما كان يحدث بين الدول الأوروبية في القرون ال16 وال17 وال18م، عندما دخلت انجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا في حروب طاحنة ضد بعضهم البعض.
وهناك سبب ثالث مهم يطرحه المؤلف في ذلك السياق، وهو أن شكل وبنية الأنظمة السياسية في عدد من دول تلك المنطقة، مثل الصين، اليابان، كوريا، تعتمد على المشاعر الوطنية والقومية المتأججة، وهو ما يساعد بشكل كبير في زيادة فرص العمل على وضع تلك القوى في مصاف القوى العظمى، عبر حشد جميع الإمكانيات البشرية والمادية في الدولة وتسخيرها في سبيل تحقيق ذلك الهدف.
فكما أفرز نموذج الدولة القومية في أوروبا، الحربين العالمتين الأولى والثانية في القرن العشرين، فإنه من المحتمل أن تمر منطقة شمال شرق آسيا بمراحل متشابهة، وأن يتمخض نموذج الدول القومية العظمى الشمال آسيوية عن حرب إقليمية جديدة.

الشكل الثاني من التوازن: التوازن المستقر
بعد أن يشرح المؤلف العوامل التي قد تبشّر بمستقبل عدائي للقوى العظمى في منطقة شمال شرق آسيا، فإنه يبدأ بطرح الرؤية المعارضة والمقابلة، عبر عرض عدد أخر من الأسباب المهمة.
يقول المؤلف: “على الرغم من جميع الأسباب التي ذكرناها والتي تدعم من فكرة حدوث صراع بين القوى العظمى في منطقة شمال شرق آسيا، فإن هناك عدداً من العوامل الأخرى التي ترفض ذلك الطرح وتعتقد أن المنطقة سوف تتجه إلى وضع الاستقرار والهدوء”.
يورد المؤلف ثلاثة عوامل رئيسة، يرتكز عليها “سيناريو الاستقرار”، تلك العوامل هي: التركيبة السكانية، المؤسسات متعددة الأطراف، الأسلحة النووية.

التركيبة السكانية
طبقاً لما ذكره تشارلز موريسون، رئيس مركز شرق-غرب، فإن “الانخفاض الكبير في معدلات النمو السكاني يمثل واحداً من التوجهات الكبرى التي تُعيد تشكيل منطقة آسيا-المحيط الهادي”.
فدول شمال شرق آسيا، تعاني من انخفاض كبير في معدلات المواليد الجدد من جهة، وتزايد أعداد المسنين بها من جهة أخرى.
ففي اليابان على سبيل المثال، نجد أن عدد السكان كان له علاقة مباشرة بالسياسات الخارجية، فعندما تضاعف عدد سكانها في الفترة من 1870-1940م، مثّل ذلك ضغطاً كبيراً على أنظمتها السياسية، مما أدى إلى توجهاتها التوسعية في محاولة لتلبية احتياجات العدد المتزايد من سكانها.
ولكن الصورة الآن مختلفة بشكل كامل، فقد صار معدل المواليد في اليابان واحداً من أدنى معدلات المواليد في العالم كلّه، كما أن الرعاية الصحية الجيدة قد أسهمت في ارتفاع نسبة المسنين، مما جعل الكثير من المحللين والخبراء يرون أن عدد سكان اليابان سوف يقل بنسبة 25% في عام 2050م، وأن 40% من سكان البلاد وقتها سيكونون ممن هم أكبر من 65 عاماً.
هذا كلّه سوف يؤدي إلى انكماش نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتزايد حجم الإنفاق على الفئات العمرية التي دخلت في مرحلة الشيخوخة، كما سيتقلص عدد الأفراد المتوافرين للتجنيد، وكل ذلك سيؤدي بالتبعية إلى تراجع مكانة اليابان وقوتها في المنطقة.
أما الصين، فمن المتوقع أنها ستشهد في عام 2050م، تزايداً غير مسبوق لنسبة سكانها الذين دخلوا مرحلة الشيخوخة، وهو الأمر الذي سيصاحبه عجز في القوى البشرية المنتجة في المجتمع، مما سيؤدي إلى ظهور مشكلة اصطلح الخبراء على تسميتها بـ”مشكلة 1-2-4″، وهي تعني أن كل شاب عامل في الأسرة سوف يضطر أن يرعى ويُعيل أبويه وأربعة من أجداده.
ويرى الكثيرون أن هناك نوع من المفارقة في الحالة الصينية تحديداً، ففي الوقت الحالي لا تزال الصين في مرحلة الوضع السكاني الإيجابي، غير أنها لا تزال أضعف من الولايات المتحدة الأميركية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، ولكن حين تبدأ الصين في مرحلة الاقتراب من الولايات المتحدة الأميركية من حيث القوة الإجمالية بعد عام 2020م، فإن عوامل التركيبة السكانية سوف تبدأ في العمل ضدها.
أما بالنسبة لكوريا الجنوبية، فإنها تشهد أكبر تراجع في حجم القوى العاملة، ومن المتوقع أنه مع حلول عام 2050م، سوف تقترب نسبة العاملين من نسبة المسنّين الذين دخلوا مرحلة الشيخوخة، مما سيؤدي بالتأكيد إلى عرقلة عجلة النمو الاقتصادي.
وربما قد تتغير قتامة تلك الصورة، في حالة تم توحيد الكوريتين، وذلك أن كوريا الشمالية تشهد معدلات مواليد أكبر من جارتها الجنوبية، مما يعني أنه في حالة الاندماج، سوف يحدث تحسّن للتركيبة السكانية الكورية بشكل كبير.
فإذا ما نحينا وجهنا نحو أميركا، فإننا سنجد أنها تتعرض لنفس المشكلات السكانية التي تتعرض لها القوى الشمال شرق آسيوية الأخرى، إلا أنها تتميز عنهم بعاملين مهمين، وهما ارتفاع معدلات الولادة، وتدفق الهجرة إليها بشكل مستمر، مما سيجعل شيخوخة المجتمع الأميركي تحدث بشكل أكثر بطئاً.
أما الاتحاد الروسي، فيؤكد المؤلف على كونه يعاني بشكل كبير فيما يخص تركيبته السكانية، فروسيا التي كانت الدولة صاحبة المركز الرابع من حيث عدد السكان في عام 1950م، أضحت تحتل الآن المرتبة التاسعة. كما أن منطقة الشرق الأقصى الروسي على وجه الخصوص، تشهد تراجعاً حاداً في عدد قاطنيه، بعد أن هاجر الكثير من السكان إلى المناطق الغربية من جبال الأورال.
وبعد هذا العرض السريع لمشكلات التركيبة السكانية في الدول الشمال شرق آسيوية، يؤكد الباحث على أن تزايد عدد المسنين وتراجع حجم السكان في منطقة شمال شرق آسيا، سوف يؤديان إلى تقليص القدرات المادية والبشرية والميول النفسية اللازمة للتوسع والتمدد، مما سيؤدي بالتبعية إلى البعد عن أي سياسات متشددة ومتصادمة، واللجوء إلى الطرق الودية والدبلوماسية، وهو ما يعني الدخول في عصر “السلام السكاني”.

البنية المؤسسية الناشئة في شمال شرق أسيا: اللعب فوق رقعتي شطرنج
من المعروف أن المؤسسات الدولية تعزز من حالة السلم والأمن عن طريق تسهيل سبل الحوار والتعاون المشترك. وعلى الرغم من أن منطقة شمال شرق آسيا لا تزال متخلفة عن الكثير من المناطق الأخرى في مجال بناء المؤسسات، إلا أن هناك بعض التقدم الملحوظ الذي تحقق في هذا المجال في السنوات الأخيرة.
ومن أهم الأمثلة على ذلك التطور “المحادثات الخاصة بالبرنامج النووي لكوريا الشمالية”، والتي بدأت في عام 2003م، وشملت كل من أميركا، روسيا، الصين، اليابان والكوريتين.
وربغم أن تلك المحادثات لم تأتِ بالثمار المرجوة منها بعد، إلا أنها عملت على إنشاء وتأسيس هيئة استشارية بالنسبة للمشكلة الكورية، ومن الممكن أن يتطور دور تلك الهيئة في السنوات المقبلة.
أما المثال الثاني، فهو التعاون الثلاثي ما بين اليابان والصين وكوريا الجنوبية، والذي تمخض عن عقد أول قمة بين زعماء الدول الثلاثة في ديسمبر – كانون الأول 2008م، كما تم إنشاء أمانة عامة في سيول عام 2011م، تختص بترتيب اللقاءات الثلاثية، وجاري العمل في دراسة اتفاقية ثلاثية للتجارة الحرة.
ففي حالة حدوث اتفاق ما بين اليابان والصين، فإنه يمكن القول إنه من المحتمل وقتها أن يظهر كيان اقتصادي ضخم وهائل الحجم في منطقة شمال شرق آسيا.
وربما كان التواجد الاقتصادي الأميركي والروسي في المنطقة، هو السبب الرئيس الذي يمنع من تغوّل القوة الاقتصادية الصينية في شمال شرق آسيا.
كل تلك التطورات المؤسساتية سوف تسهم كثيراً في المستقبل في صياغة البنية التنظيمية الإقليمية في منطقة آسيا-المحيط الهادي، بحيث يتم تقييد القوة الصينية والأميركية من جهة، وتمكين الأطراف المصنفة في الدرجة الثانية في المنطقة، مثل روسيا واليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي سيلقي ظلاله على وضع التوازن الإقليمي وتحويله ليكون أكثر استقراراً وهدوءً.

الأسلحة النووية والاستقرار الاستراتيجي في المنطقة
تُعتبر الأسلحة النووية عاملاً رئيسياً في صياغة وتشكيل العلاقات الدولية المعاصرة، حيث يرى الكثير من الخبراء أنه في حالة تملك الدولة للسلاح النووي، فإنه بالتأكيد سوف تزيد احتمالية فرص التعايش السلمي بينها وبين مثيلاتها من الدول العظمى.
فعلى سبيل المثال، يؤكد الباحث كينيث والتز على أن للأسلحة النووية دوراً مهماً جداً في تحقيق الاستقرار، ويستشهد على ذلك بتاريخ التفاعل بين الدول النووية مع بعضها البعض، حيث يظهر بشكل قاطع التأثير المتمثل في التهدئة واعتدال المواقف الناجم عن الخوف المتبادل، ولذلك فإن احتمالية اندلاع حرب كبرى بين الدول النووية تقترب من الصفر.
يقول والتز: “استناداً إلى تجربة 50 عاماً، يجوز لنا أن نخلص إلى أن الأسلحة النووية تحافظ بشكل فاعل على المصالح الحيوية لأي دولة، غير أن فائدتها محدودة في توسيع نطاق سيطرة دولة ما على دولة أخرى”.
ويتفق سيرغي كاراغنوف، والذي يشغل منصب رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية في روسيا، مع ذلك الطرح، فيقول إن الأسلحة النووية “تُعد أصولاً جيدة هدفها إنقاذ البشرية من شرور نفسها”.
وربما كانت أبرز الأمثلة على ذلك، هي حالة النموذج النووي الهندي-الباكستاني، فالدولتان وقعت بينهما الكثير من الخلافات والمشكلات، ولكن ظل التسليح النووي عند كل منهما يمثّل حجر عثرة في سبيل إقدام أي منهما على إعلان الحرب الكبرى على جارته، في الوقت الذي نجد فيه أن المرحلة التي سبقت امتلاكهما للسلاح النووي قد وقعت فيها ثلاث حروب بينهما في (1947-1948م، 1965م، و1971م).
فالكثير من الخبراء يرون أنه في حالة عدم امتلاك الباكستان للقوة النووية، فإن مصيرها كان بالتأكيد هو الاجتياح الهندي لأراضيها، خصوصاً أن الهند تمتلك من القوات البشرية والمادية ما تتفوق به على الباكستان بمراحل، ولكن بمجرد أن امتلكت الباكستان السلاح النووي وقامت بتجربة التفجير الذري الأولى، فإنه قد تم كبح جموح الهند التوسعي، ودفع البلدين للالتزام بالحوار الدبلوماسي الهادئ.
أما في منطقة شمال شرق آسيا، فتوجد أربع قوى نووية، وهي أميركا، الصين، روسيا، وكوريا الشمالية، بينما لا تصنّف كل من اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية على كونهم قوى نووية، وإن كانت تلك الدول الثلاث تملك من الإمكانيات المادية والتقنية والمالية، ما يؤهلها لتصبح قوى نووية في فترة زمنية قصيرة جداً.
ويؤكد المؤلف أن “اليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع التحول إلى قوة نووية بين عشية وضحاها”، وأنها وإن كانت ملتزمة كلياً بالبعد عن التسلح النووي، إلا أن بعض السياسيين اليابانيين قد أشاروا خلال فترات متباعدة إلى إمكانية التحول إلى قوة نووية.

ولكن ما هي العوامل التي تربط ما بين التسلح النووي المتبادل والسلام؟
يحدد المؤلف ثلاثة عوامل للربط ما بين الأمرين، وهي:
العامل الأول، أنه يجب على الأطراف النووية أن تتحلى بالعقلانية، وهي بطبيعة الحال سمة متوفرة في أغلب الأنظمة السياسية الحاكمة في منطقة شمال شرق آسيا.
العامل الثاني، أن الردع النووي لن يتم إلا في حالة وجود عداء مستحكم ما بين الأطراف المتعادية، وهو الأمر الذي تتدخل التركيبة السكانية والمؤسسات الإقليمية والمصالح المتبادلة، في الحد والتلطيف من أثره كما ذكرنا من قبل.
أما العامل الثالث، أنه لكي تلعب الأسلحة النووية دورها في صناعة السلام والاستقرار، فإنه ينبغي أن تكون الجهات المالكة للسلاح النووي كيانات سياسية قومية ووطنية في صورة دول ذات حدود ثابتة ومستقرة، لا أن تكون بعض تلك الجهات جماعات إرهابية أو طائفية، وهو الأمر الذي يتوافر في دول شمال شرق آسيا بامتياز.
إذن فكل العوامل الثلاث تصب في احتمالية أن يزيد التسلح النووي في صناعة الاستقرار والهدوء في منطقة شمال شرق آسيا.

روسيا: خيارات في لعبة توازن القوى
لما كانت جنسية المؤلف هي الجنسية الروسية، فقد كان من الطبيعي أن يختتم كتابه بمبحث عن دور وخيارات روسيا في مستقبل المنطقة. ويؤكد المؤلف أن روسيا في مرحلة رئاسة كل من فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف قد عملت على تدعيم نفوذها بشكل قوي في المنطقة، فقامت بتجديد اتصالها مع كوريا الشمالية من جهة وحرصت على إامة علاقات وطيدة مع سيول من جهة أخرى. كما أن روسيا في الوقت نفسه قد أقامت علاقات اقتصادية متميزة مع الصين، وظهرت آثار تلك العلاقة بشكل قوي في “منظمة شنغهاي للتعاون”.
ويطرح المؤلف ثلاث سيناريوهات لمستقبل العلاقات الروسية مع القوتين الأكبر في المنطقة، أميركا والصين، تنحصر تلك السيناريوهات في:
السيناريو الأول، الوقوف بجانب الصين، وهو الخيار الذي تنتهجه روسيا في الوقت الحالي.
السيناريو الثاني، الوقوف بجوار أميركا.
السيناريو الثالث، الوقوف على الحياد.
يرى المؤلف أن موقف روسيا المستقبلي، سيعتمد في المقام الأول على ظروف علاقتها مع أميركا، والتي ستتحدد بدورها بحسب المواجهات المباشرة ما بين مصالح البلدين في مناطق مختلفة في العالم، مثل شبه جزيرة القرم، القوقاز، أوروبا الشرقية، والشرق الأوسط.
فإن سمحت أميركا لروسيا بالتقدم في تلك المناطق، فعندها من الممكن جداً أن نجد انحيازاً روسياً مع أميركا ضد الصين.
ويرى المؤلف أن إرهاصات ذلك الانحياز الروسي لأميركا تبدو واضحة في الأفاق في تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين الروس، ومن ذلك ما صرح به نائب وزير الخارجية الروسي في عام 2007م، عندما قال “عندما يكون عدد سكان جارك عشرة أضعاف عدد سكان بلادك، وأن هذا الجار يفتقر إلى بعض الموارد الطبيعية، فعندئذ عليك توخي الحذر حيال كيفية بناء علاقتك معه”.
ومن المهم أن نلاحظ أنه من بين جميع المناطق التي تشهد تداخلاً ما بين المصالح الروسية والمصالح الأميركية، فإن منطقة شمال شرق آسيا والمحيط الهادي هي المنطقة التي تشهد “الحد الأدنى من تعارض مصالح البلدين، والقدر الأكبر من توافق مصالحهما”.
وتبقى أهم العوامل التي قد تؤثّر بالسلب على مستقبل التعاون ما بين أميركا وروسيا، هي الخلافات الأيديولوجية الهائلة ما بين النظامين الحاكمين، فالنزعات الاستبدادية في الكرملين تثير القلق في واشنطن، بينما تتخوف موسكو من تبشير أميركا بالديموقراطية والليبرالية.

Optimized by Optimole