تعالوا نتحدث عن الضمّ

تعالوا نتحدث عن الضمّ
Spread the love

بقلم: ألوف بن – محلل سياسي إسرائيلي —

•قالت وزيرة العدل أييليت شاكيد بعد قرار مجلس الأمن إنه يجب التحدث عن ضمّ. إذاً تعالوا نتحدث عن ضمّ. لنحاول معرفة اللحظة التي تخلت فيها إسرائيل بالفعل عن حل الدولتين، ووضعت الأسس للدولة الواحدة من البحر إلى نهر الأردن. اللحظة التي قررت فيها إسرائيل ضمّ أغلبية مناطق الضفة وإبقاء الفلسطينيين في جيوب معزولة محاطة بمستوطنين وجنود إسرائيليين.

•أذكر جيداً هذه اللحظة. حدث ذلك في 25 تموز/يوليو 2000 في نهاية مؤتمر كامب ديفيد، الذي رفض الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات فيه اقتراح التسوية الذي قدمه رئيس الحكومة إيهود باراك. يومها لخص باراك القمة الفاشلة بالقول: “لا يوجد شريك”. وخلال رحلة العودة إلى إسرائيل سألته ماذا سيحدث “للنبضة الثالثة” [المقصود بذلك المرحلة الثالثة من الانسحاب وفقاً لاتفاق أوسلو]؟ قال باراك: “لقد ماتت موتاً طبيعياً”، وعاد إلى الوفد المرافق له في مقدمة الطائرة.

•كان من المفترض أن تكون “النبضة الثالثة” المرحلة النهائية من اتفاق أوسلو، التي تنسحب إسرائيل بموجبها من المناطق التي كانت لا تزال تحت سيطرتها باستثناء المستوطنات و”مواقع عسكرية محددة”. وتخيّل الفلسطينيون بأنه سيكون انسحاباً من 90% من الضفة الغربية بحيث تبقى فقط المستوطنات التي كانت آنذاك أقل [عدداً وحجماً] بكثير من الآن، وكذلك تبقى معسكرات الجيش، كلها تحت سيطرة إسرائيل حتى التسوية الدائمة. لكن إسرائيل رأت الأمور بطريقة مختلفة تماماً، فقد ركز رئيسا الحكومة الإسرائيلية نتنياهو وباراك اللذان توليا منصبيهما خلال فترة اتفاقات أوسلو، سياستيهما على تمييع وتأجيل النبضة الثالثة. وعارض نتنياهو (ولا يزال يعارض) إخلاء أي منطقة، في حين أراد باراك أن تحتفظ إسرائيل “بالممتلكات الجغرافية” حتى التسوية الدائمة، على افتراض أن إسرائيل ستحصل مقابلها على تنازلات من الفلسطينيين.

•لقد عمل كل واحد منهما بطريقة مختلفة بما ينسجم مع شخصيته ومع القيود السياسية: نتنياهو من خلال الرفض والاحتكاكات مع الإدارة الأميركية، وباراك من خلال اقتراحات “سخية” لم تلقَ استجابة من الفلسطينيين لكنها حظيت بدعم أميركي. وجاءت النتيجة متشابهة، فقد جرى إبعاد النبضة الثالثة نهائياً عن جدول الأعمال، وجرى تأجيل كل تغيير جغرافي في الضفة الغربية إلى حين “التسوية النهائية”.

•عندما أخلى أريئيل شارون المستوطنات في غزة في عام 2005، اقترح المستشار القانوني في وزارة الخارجية ألن بايكر، أن تعلن إسرائيل أن الانفصال عن غزة هو تنفيذ جزئي للنبضة الثالثة، وبذلك تبدو إسرائيل أنها تعمل وفقاً لاتفاق أوسلو وليس منفردة. رفض شارون الفكرة، لكن منطق بايكر لا يزال ساري المفعول. تستطيع إسرائيل اليوم أيضاً إخلاء أي منطقة تريدها في الضفة الغربية بما يتلاءم مع الاتفاقات الموجودة، ومن دون البحث عن شريك لإجراء مفاوضات من جديد.

•القضاء على النبضة الثالثة أبقى المنطقة ج (60% من الضفة) والقدس الشرقية، تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، الأمنية والمدنية، ومع السيطرة تأتي الشهية. فقد توسعت المستوطنات ومعها المساعي لطرد الفلسطينيين من المنطقة ج. إن الاحتلال له ثمن: فالجزء الأكبر من قوات الجيش الإسرائيلي (55%) منتشر حالياً في منطقة ج. وحالياً يطالب نفتالي بينت بضم هذه المنطقة رسمياً إلى إسرائيل وبتقديم دعم قانوني للوضع السائد عملياً.

•نتنياهو راضٍ عن النتيجة: تسيطر إسرائيل على المناطق المحتلة من دون ضمها رسمياً، وبثمن محتمل من الإدانة الدولية، مثل قرار مجلس الأمن القاضي بأن المستوطنات غير قانونية، وهو يأمل أن تزول هذه الإدانة الدولية في عهد دونالد ترامب. لكن باراك الذي يقود حالياً الجمهور تحت شعار المطالبة باستبدال نتنياهو، يحذّر من أن الاحتفاظ بالمناطق المحتلة سيحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية ستغرق في حرب أهلية بين أغلبية عربية محرومة من الحقوق وأقلية يهودية تتمسك بمكانتها المتفوقة. وتحولت “الممتلكات الجغرافية” التي أراد الاحتفاظ بها خلال وجوده في الحكم، إلى عبء ثقيل وحبل مشنقة لفته إسرائيل حول نفسها. قد تكون النبضة الثالثة ماتت موتاً طبيعياً كما قال باراك لدى عودته من مؤتمر كامب ديفيد، لكنها بموتها دفنت أيضاً “الدولة اليهودية الديمقراطية ” وهي حية.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole