انعكاسات معركة حلب على استمرار الحرب في سورية

انعكاسات معركة حلب على استمرار الحرب في سورية
Spread the love

بقلم: أودي دِيكل – باحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي —

•توشك معركة السيطرة على حلب، ثاني أكبر المدن السورية، على الانتهاء بانتصار قوات الأسد المدعومة من الائتلاف المؤيد لها أي روسيا وإيران وحزب الله وقوات شيعية تقودها إيران. ويسود القوات المعارضة للأسد شعور “بالخيانة الكبرى” نتيجة الحصار والتجويع وقصف الأحياء السكنية، وقتل المدنيين الأبرياء، واستخدام قنابل الكلور ضد التجمعات السكانية، والعالم صامت. جميع الذين وعدوا بإحداث تغيير في سورية لم يصمدوا عندما حانت ساعة الامتحان – الولايات المتحدة التي تعهدت بالتوصل إلى حل سياسي ينهي حكم الطاغية الأسد لم تحرك إصبعاً؛ والقوى السنية الأساسية في المنطقة مثل السعودية وتركيا اللتين التزمتا مساعدة الأكثرية السنية في الوصول إلى السلطة لم تفعلا شيئاً لوقف القتال الذي خاضته روسيا وإيران من أجل إنقاذ الحكم العلوي بزعامة الأسد؛ والمجتمع الدولي الذي تخلى عن الشعب السوري ولم يوقف سفك الدماء الذي حصد قرابة نصف مليون قتيل حتى الآن ولم يمنع هذه الكارثة الانسانية الهائلة.
•لكن الذي برز بصورة أساسية هو فشل سياسة الولايات المتحدة في سورية. ففي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في محاولة للتوصل إلى حل، كانت الطائرات الروسية ومدافع الأسد تقصف المنطقة المحاصرة وتصيب المدنيين عشوائياً. لقد اختارت الولايات المتحدة تقليص تدخلها في سورية ولم تشأ الغرق في مغامرة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط تفرض عليها إرسال قوات برية، ونفضت يديها عندما خاب أملها من عدم قدرة المعارضة المعتدلة على توحيد صفوفها. لكن سقوط حلب في يد الأسد هو أيضاً دليل على فشل القوى العظمى السنية الإقليمية. فقد افتقرت تركيا بسبب المواقف المتقلبة للرئيس أردوغان إلى سياسة ثابتة باستثناء الوقوف في وجه مسعى الأكراد السوريين في توسيع المنطقة التي يسيطرون عليها وتشكيل نوع من الحكم الذاتي. في هذه الأثناء أهملت تركيا سائر تنظيمات المتمردين السنة خاصة تلك التي تنتمي إلى الجيش السوري الحر خلال الاختبار الكبير الذي عاشته في القتال على حلب. أما بالنسبة إلى السعودية فهي لم تنجح في إقامة ممر آمن وثابت لنقل المساعدات والعتاد العسكري للمتمردين. وحتى المعارضة السورية فشلت فشلاً ذريعاً لأنها لم تنجح في بلورة قيادة وفي توحيد قواتها المقاتلة وفي إيقاظ العالم لإنقاذ الشعب السوري الذي يعاني.

•بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن سقوط حلب سيعمق الثغرات والخلافات داخل مجموعات المتمردين، وبينهم وبين قيادة المعارضة السياسية. لم تنجح قوات المتمردين في تشكيل إطار قيادة مشتركة في القتال. وهنا يطرح السؤال: ما هي الأهداف التي ستضعها المعارضة لنفسها؟ هل سيتبنون النموذج الأفغاني مع قوى منتشرة ومتحركة تعرقل كل إمكانية لإقامة نظام مستقر وطبيعي في سورية؟ نرى على الأرض دلائل تشير إلى أن المتمردين يخططون للمرحلة المقبلة من ثورتهم المستمرة.

•على الجانب الآخر، لا يرى الأسد في الانتصار في حلب نهاية صراعه دفاعاً عن بقائه، فهو قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة “الوطن” السورية إن السيطرة على حلب هي بمثابة أخذ الأوراق من يد المتمردين ومؤيديهم لكن هذا لا يشكل نهاية الحرب ضد الإرهابيين. إن تحرير حلب يعزز سيطرة الأسد على “العمود الفقري” في سورية الذي يمتد من حلب مروراً بحماة وحمص وصولاً إلى دمشق، بما في ذلك الشريط العلوي في منطقة الساحل الغربي.

•واستنفدت روسيا التكتيك الذي طبع نشاطها في سورية منذ أيلول/سبتمبر 2015: أي استخدام قوة عسكرية مكثفة ووحشية حتى ضد المدنيين من دون رحمة، وتسجيل بعض الوقائع على الأرض من أجل الوصول إلى طاولة المفاوضات من موقع قوة. ومن أجل زيادة الضغط على المتمردين منعت روسيا صدور قرار في مجلس الأمن لوقف النار في حلب لأهداف إنسانية. وبموازاة المعارك تجري روسيا محادثات سرية في اسطنبول مع ممثلي المتمردين كي تفرض عليهم شروطها. ومن الموضوعات الجوهرية قطع المتمردين أي اتصال لهم مع تنظيم جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً التي تنتمي إلى القاعدة). وتعهد موفدو روسيا أمام مجموعات المتمردين الذين لا ينتمون إلى جبهة فتح الشام الخروج الآمن إلى منطقة إدلب. لكن من المنطقي افتراض أن المتمردين يدركون أن مستقبل إدلب لا يختلف عن حلب، وأن التحالف المؤيد للأسد سيقوم بسحقهم هناك أيضاً. وفي اللقاءات مع المتمردين تهتم روسيا بالمرحلة المقبلة وبمسألة كيفية السماح بتحرك مئات المجموعات المحلية من دون زعزعة الحكم المركزي. ولهذا الغرض تجري محادثات مع زعامات محلية وفي الوقت عينه تسعى إلى التوصل إلى تفاهمات مع المتمردين في جنوب سورية انطلاقاً من مبدأ أنهم إذا تخلوا عن سلاحهم فلن يصيبهم ضرر.

•يبذل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كل ما في وسعه من أجل إنهاء المعركة في حلب قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومن أجل تعزيز سيطرة الأسد في المناطق الحيوية بالنسبة لروسيا وجعلها مسألة منتهية. وفي الواقع يتعين على الرئيس الأميركي الجديد أن يقرر ما إذا كان سيواصل السياسة الحالية وعدم القيام بشيء، أم سيغير توجهه مثل: 1- عقد حلف مع روسيا بناء على فكرة محاربة تنظيم داعش والإرهاب. ويبدو أن ترامب ينحو نحو هذا الاتجاه فقد سبق وألمح إلى أنه مستعد لأن يعطي بوتين “بطاقة سورية”؛ 2- دعم نظام الأسد وقواته وإعلانه كمنتصر في الحرب على الإرهاب السلفي – الجهادي. ومثل هذه الإمكانية واردة إذا تعهد الأسد بالامتناع عن القيام بعمليات تطهير للمعارضين له وضم الجيش السوري الحر إلى القوى السياسية؛ 3- بالنسبة إلى المساعدة العسكرية، سيكون على ترامب أن يقرر ما إذا كان سيتوقف عن مساعدة نحو 80 تنظيماً من تنظيمات المتمردين قامت السي آي إي بتدريبهم (نحو 50 ألف مقاتل)، وحصلوا على سلاح ولم يعطوا النتائج المطلوبة. فما الذي سيحدث لهؤلاء المقاتلين إذا قرر وقف المساعدة أو تقليصها بصورة كبيرة؟ هل سيعود هؤلاء إلى منازلهم؟ الأكيد أنهم لن يتخلوا عن سلاحهم ومن المعقول أن السعودية وتركيا ستواصلان دعمهما لهم؛ 4- على الصعيد التركي – الكردي، إذا جرى التوصل إلى لغة مشتركة بين أردوغان وترامب فمن المعقول ألا يعارض الأخير منطقة أمنية تركية على طول الحدود السورية – التركية داخل أراضي سورية؛ 5- بالنسبة إلى شمال شرق سورية – فجنرالات الجيش الأميركي سينصحون الرئيس بمواصلة القتال ضد تنظيم داعش ومساعدة الأكراد في السيطرة على منطقة في وسطها الحسكة حيث سيكون في الإمكان إنشاء قيادة مركزية أميركية والاحتفاظ بقوات وقواعد جوية ضرورية من أجل محاربة قوات تنظيم داعش، التي أثبتت أنها ما تزال حية وموجودة واستغلت انشغال الجميع بالمعارك في حلب كي تسيطر من جديد على مناطق في مدينة تدمر التاريخية.

•إن الاختبار المباشر للرئيس ترامب سيكون في المعركة على الرقة، عاصمة تنظيم داعش في سورية. وسيتعين عليه أن يقرر ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدفع بالقوات الكردية وقوات سورية الديمقراطية التي أنشأها الأميركيون للسيطرة على المدينة قبل أن تفعل قوات الأسد ذلك، أم أنه سيسمح لقوات الأسد بالسيطرة على الرقة (على افتراض أنهم مهتمون بذلك في المرحلة الحالية) وتعزيز صورة الأسد كمحرر سورية من يد تنظيم داعش وكمنتصر على الإرهاب السلفي – الجهادي. في هذا السياق من المهم القول إن توجهات الاستراتيجية السياسية لإدارة ترامب ليست واضحة في هذه المرحلة.

•وفي ما يتعلق بإسرائيل، يزداد افتراض أنه بعد سقوط حلب ستحاول قوات الأسد بتشجيع من إيران وحزب الله، توجيه مجهودها نحو جنوب سورية من أجل السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين. في مثل هذا الوضع سيدور قتال بالقرب من الحدود في هضبة الجولان بمشاركة قوات إيرانية ومن حزب الله مع خطر كبير أن تنزلق الأحداث إلى داخل أراضي إسرائيل.

•تدرس إسرائيل ما يحدث في سورية ضمن إطار إيراني واسع، وهي تعتبر ذلك عنصر تهديد أساسي ضد إسرائيل. لم ترتدع إيران عن إرسال قوات إيرانية وميليشيات شيعية خاضعة لها للقتال إلى جانب الأسد، وهي تقوم بنوع من تطهير أثني سني في مناطق معينة في سورية من أجل تعزيز الجسر الشيعي من طهران إلى بيروت مروراً بسورية. بناء على ذلك سيكون على إسرائيل إعادة درس سياستها القائمة على عدم التدخل في الحرب في سورية لأنه سيكون من الصعب عليها القبول بوجود إيراني أو فروع لهذا الوجود في هضبة الجولان، وسيكون عليها وضع خطوط حمراء واضحة كما فعلت في الماضي وتفرضها، لأنه من دون ذلك لا يمكنها التأثير على قواعد اللعبة في منطقة كثيرة التقلبات.

•في الوقت عينه يجب على إسرائيل مواصلة تقديم المساعدة المدنية – الطبابة والغذاء والوقود وغيرها – إلى السكان السوريين في هضبة الجولان شرط ألا يسمح هذا لعناصر الإرهاب بالعمل ضد إسرائيل. وفي ضوء غياب حل شامل للحرب الأهلية في سورية، المطلوب البناء من “الأسفل نحو الأعلى” كما فهمت روسيا ذلك وتنفذه من خلال اتصالاتها مع زعماء الجماعات المحلية. كذلك يجب أن تفعل إسرائيل ما وراء الحدود في جنوب سورية وبخاصة في هضبة الجولان، أي أن تقوم بدعم استقرار إقليمي محلي حتى لو يكن معروفاً ماذا سيكون عليه الوضع النهائي العام في سورية.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 877، 14/12/2016، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole