“موت المؤلف”

“موت المؤلف”
Spread the love

د. تامر عطية_ طبيب وروائي وناقد مصري صدرت له العديد من الروايات منها “موت المؤلف”/
لا شك أنه قد حدثت تغيرات شبه جذرية فيما يتعلق بفكر الإنسان عموماً، وبالفن خصوصاً، وأكاد أجزم أن التغيرات الفكرية الفنية قد تجاوز أثرها حدود الفن إلى كل مناح الحياة، العمارة، الملبس، السلوك، الرؤية، بل والطبيعة ذاتها.
لكني هنا سأقف على جزء من الفن وهو الأدب، حيث الكلمات تشكل المادة الخام، وبالأخص نظرية “موت المؤلف”.
تلك النظرية التي قد لا يدرك الكثير أثرها على الأدب إبداعاً وتلقياً.
وكتمهيد، يمكن القول إن الأدب قد مر بأربع مراحل كبرى، مرحلة الاهتمام بالكاتب (لاهوت المبدع)، الاهتمام بالنص (النصية)، موت المؤلف (سطوة اللغة)، ثم الاهتمام بالقارئ (الدلالات اللانهائية).
بنظرة سريعة للميثولوجيا يمكننا إدراك أن دراسة مرحلة بمعزل عن الباقين هو أمر مستحيل، ضرب من الخيال بل والخبل، حيث تنحسر الحواجز بين المناهج، فهي تتلاقح فيما بينها صانعة مزيجاً لا يقبل استخلاصاً واحداً ومناقشته على انفراد، هذه هي الطبيعة التي لا انفلات من سطوتها.
عند التعرض لنظرية (موت المؤلف) لا بد وأن يتردد اسمان بقوة هما فردينان دي سوسير، ورولان بارت، سوسير السيميائي السويسري الأشهر المتوفى عام (1913)، وهو من أعظم الباحثين في علم اللسانيات والإشارة والدلالة.
بارت هو المنظر والباحث والناقد الفرنسي، والمتوفى عام (1980)، وهو أحد أهم الفلاسفة، ومن أهم رواد علم الإشارات والدلالة.
مقدمة لا بد منها
عندما نادى (فريدريك نيتشه) بموت الإله، انزياح السماء من فوق الأرض، ودحر المنظور الغيبي لتفسير المبهم من الأمور، طغت اللايقينية المطلقة، حيث لم يعد هناك مقياس وحيد للحكم (الصواب والخطأ)، بل عدد لا نهائي من المقاييس والأحكام، تساوي عدد مخيلات البشر جميعاً، فما يعتقد إنسان في صوابه قد يكون هو الخطأ بعينه عند الكثيرين، وما لا يمكن تبريره مادياً صار من الممكن تبريره حسياً.
ذلك اللا يقين يفضي إلى العدمية بالأخص، فغياب المقياس الثابت يفقد كل شيء قيمته، ويفرغه من مضمونه ولو كان الوجود الإنساني.
هذا ليس ربطاً مطلقاً بين النظريتين (موت الإله) و(موت المؤلف)، لكن هناك رأي وجيه يعتمد تأثر (بارت) بالنيتشوية.
وكان (مالارميه) من أوائل من نادوا باستبدال مالك اللغة باللغة نفسها، والمؤلف بالنص، أي أن النص هو كل شيء، وبشكل أوضح استبدال الغائب المحتمل، بالموجود.
لكن (وهذه وجهة نظر خاصة) أرى أن الأمر أبعد من (مالارميه) بكثير، فمن الأثر (الذي لم أطلع عليه كاملاً) توجد دلالات وإشارات تفيد انسحاب الكاتب من نصه، وطرحه للتأويل دون الرجوع إلى شخصه، هنا أعود بالزمن إلى المتنبي القائل:
“أنام ملء جفوني عن شواردها ** ويسهر الخلق جراها ويختصم.”
كان هذا البيت الشعري واضحاً، وكأنما يضع تأصيلاً للنظرية قبل طرحها، كتب ما كتب وترك الدلالات تعصف بالمتلقين.