الهوية والانتماء بحسب أمين معلوف

الهوية والانتماء بحسب أمين معلوف
Spread the love

بقلم: رانيا يونس —
برز جدل كبير في الاونة الاخيرة حول تعريف الهوية والانتماء وتحديد عناصرهما، وبات كل مثقف يضع تعريفه الخاص لهذين المفهومين. من ناحيته، رفض أمين معلوف التسليم بمعظم تلك التعريفات التي وضعت، ووضع أسساً خاصة به للهوية والانتماء كما برز في كتابه “الهويات القاتلة”. وكان رفضه لحصر هذين المفهومين بالبلد الأم من أبرز نقاط اختلافه مع معظم من قام بوضع أسس تعريفهما، حيث أنه بيّن تعلقه ببلده الأم “لبنان” حيث ولد ونشأ وتشرّب عاداته وتقاليده من جهة، وتعلقه “بفرنسا” التي هاجر إليها واعتبرها بلده الثاني. وبين انتمائه لكل من لبنان وفرنسا يقول معلوف إن الهوية لا يمكن أن تتجزأ لا ثنائية ولا ثلاثية بل إن كل انسان يجد هويته في قرارة نفسه.
لذلك وجد أن كلمة “هوية” هي كلمة مضللة دفعت الكثير من الناس الى القتل باسم هويتهم ووجدوا أن هويتهم مقسمة الى هوية دينية، وقومية، وعرقية،… ما يوضح اللغط الحاصل في دمج مفهوم الهوية بمفهوم الانتماء، حيث أن هذه العناصر المذكورة هي عناصر مفهوم الانتماء وليس الهوية.
هذه العناصر تتغير أولويتها بحسب الظروف، ففي حين تكون أولوية الانتماء في بلد معين الى الوطن ثم القومية ثم الدين….نجدها بعد سنوات قد تغيرت حيث تصبح الأولوية للدين والعرق….. وللأسف فإننا بتنا نحكم على الجماعات وفقاً لهذه الانتماءات. فمثلاً يحكم البعض على الإسلام أنه دين إرهاب ووحشية من دون أن يفهم أسس الدين الإسلامي بشكل صحيح. فهو دين الاعتدال والتسامح والحض على طلب العلم وخلال الحقبات الإسلامية تم تشجيع العلوم من فلسفة وطب وفلك ورياضيات. لكننا نجد التحول الجذري اليوم في نظرة غير المسلم للإسلام، اضافة الى أن المسلمين فقدوا لهفتهم على الابتكار ولجأوا الى استيراد كل شيء ونسخه عن الغرب بعد أن كانوا أحد مصادر العلم.
وبما أن الغرب وجد أن الفرصة متاحة له لنشر جميع أفكاره ومعتقداته والساحة خالية أمامه للقيام بما يريد من دون مقاومة، بدأت مظاهر العولمة تتجلى على جميع الصعد ولا سيما على الصعيد اللغوي، فكم من لغة اختفت بسبب هيمنة لغات اخرى عليها؟!
ولكون اللغة ضرورية في جميع الحضارات، نشأت صلة قوية بين اللغة والأديان مثل: الإسلام واللغة العربية، الكنيسة الكاثوليكية واللغة اللاتينية، واليهود واللغة العبرية. وثمة ملاحظة هنا هي أن الدين هو انتماء حصري على عكس اللغة، حيث أن الإنسان يمكن أن يتكلم عدة لغات ولكن لا يمكنه أن ينتمي لأكثر من دين. ومن هنا فإن كل انسان بحاجة الى لغة انتمائية يستعملها بحرية وقد تكون أهم من حرية المعتقد لأن المعتقد أحياناَ قد يحمي عقائد مناهضة للحرية ومنافية للحقوق الأساسية للبشر.
وإذا أخذنا موضوع الانتماء الى أبعد من اللغة، فكيف يمكن إدارة واقع عندما يشعر سكان إحدى الدول أنهم ينتمون الى جماعات مختلفة دينياً واثنياً وعرقياً…؟
قد يكون لبنان هو أفضل نموذج للإجابة على هذا السؤال، فهو قد أعطى لكل طائفة موقعاً بدلاً من تسليم كل السلطة الى طائفة واحدة، ووضع نظاماً ساعد على الحريات والفنون. إلا أن هذا النظام قد ساده الفساد لا سيما في نظام المحاصصة الذي اعتمده والذي ادّى الى ظهور فئة مهمشة تطالب بالحصول على حقوقها، وهذا ما يعزز الشعور بالانتماء الى “العشائر” أكثر من الانتماء الوطني. ولذلك فإن الاقتراع في لبنان هو اقتراع متهور وليس اقتراعاً واعياً نتيجة اختلاف الانتماءات وتعددها(دينية، حزبية، مناطقية).
وفي النهاية، ولكي نتمكن من الوصول الى عالم تسوده العدالة والهدوء، يجب أن نعثر على هوياتنا البعيدة عن الانتماءات التي قد تكون سبباً من أسباب الصراعات، وان نعمل على مبادئ الديمقراطية الحقيقية البعيدة عن منطق المحاصصة أو الأخذ بالأكثرية وتجاهل الأقلية، إضافة الى التعرف على الثقافات الأخرى واحترامها من دون العمل على الغاء أي من الثقافات السائدة، مما يساعد على الانصهار بين الشعوب، ودون الاضطرار الى إخفاء ثقافتنا وانتماءاتنا بسبب الاختلاف بين الثقافات والخوف من عدم تقبل الآخر لنا.

Optimized by Optimole