عيساوي فريج أنقذ اليسار الصهيوني

عيساوي فريج أنقذ اليسار الصهيوني
Spread the love

بقلم: آدم راز – مؤرخ إسرائيلي، ومؤلف كتاب “مجزرة كفر قاسم: بيوغرافيا سياسية” —

أمر واحد واضح: عضو الكنيست عيساوي فريج من حركة “ميريتس” أنقذ اليسار الصهيوني. من دونه لما كانت ميريتس استطاعت تجاوز نسبة الحسم. وقول تمار زاندبرغ [زعيمة ميريتس] “ميريتس نجت من التسونامي بفضل الناخبين العرب” كان صادقاً ودقيقاً. وليس عبثاً ذهابها إلى كفرقاسم في يوم الانتخابات. حقيقة، من مجموع 156.362 ناخباً صوتوا للحزب، نحو 40 ألفاً هم مواطنون عرب – ما بين الربع والثلث.
نسبة العرب الذين صوتوا لميريتس في انتخابات 2019 كانت أكبر بكثير من نسبتهم في انتخابات 2015. في 2015 حصلت ميريتس على 12 ألف صوت في البلدات العربية، و3000 صوت في المدن المختلطة. وبينما بلغت نسبة تصويت الجمهور العربي بأكلمه في هذه الانتخابات 48.70%، نحو خمسهم صوتوا لميريتس – وهذا إنجاز مهم للحزب يقلل نسبياً من خيبة الأمل بأن عدد الذين انتخبوا ميريتس أقل بـ9000 شخص من الانتخابات السابقة.
لكن المعطيات الإحصائية هي جزء فقط من القصة. لم ينقذ فريج ميريتس واليسار الصهيوني من الانقراض، بل إن حزب ميريتس، اليوم على الأقل، عندما نتفحص ناخبيه، هو حزب يضم أعضاء ومواطنين مؤيدين من الشعبين الشريكين في البلد. وهنا تكمن إمكانية حقيقية، ربما ليس لإحداث انقلاب في الحكم، لكن من أجل قيام حزب عربي – يهودي حقيقي، يسعى لمجتمع عادل ومتساوٍ. في الماضي التشديد على الجمع بين اليهودية والديمقراطية – اللتين أُضيف عليهما أيضاً العدالة والمساواة والأخوة بين الشعوب- كان شعار اليسار الصهيوني.
إزاء هذه “الإمكانية الحقيقية” (التي يجب التعامل معها بنسبية صحيحة) التي تنطوي عليها اللحظة الحالية، يجب أن نكتب بعض الكلمات عن عيساوي فريج. تعرفت على فريج قبل وقت ليس بعيداً، عندما طلبت منه أن يشهد أمام المحكمة العسكرية للاستئناف التي كانت تدرس طلبي الكشف عن المحاضر السرية لمحاكمة مذبحة كفرقاسم. تحدث فريج ابن هذه القرية، والذي قُتل أبناء من عائلته في المذبحة، طوال ساعة عن أمور قاسية ومؤثرة يجب على الأساتذة أن يعلموها لتلامذتهم: “أنا هنا أمثّل نفسي، وأمثّل الأم التي فقدت أبناءها، وأمثّل الأيتام الذين يجلسون هنا… أنا أمثّل المجتمع العربي وأخوتي من المجتمع اليهودي الذي يريدون أن يعرفوا الحقيقة. دولة إسرائيل هي دولتي… ويجب ألاّ تخاف من الحقيقة”. أيضاً أصر في لحظات الشهادة الأكثر شخصية، على أن العدالة ضرورية ليس فقط بالنسبة إلى المجتمع العربي بل لأن تحقيقها ضروري لليهود والعرب في آن معاً.
عندما انتُخب فريج من دون أي تحصين في مكان متقدم على قائمة ميريتس في الانتخابات التمهيدية الأخيرة للحزب، تعالت أصوات استخفاف واستياء في أوساط ميريتس. سمّوه صاحب ألاعيب وموظف حزبي. مثل هذه المزاعم معروفة وتتكرر دائماً بشأن كل ما له علاقة بالأداء والتصويت في المجتمع العربي. على أية حال، ومهما كان شكل الموكلين بصناديق الاقتراع والحمائل [جمع حامولة]، لولا مساهمة فريج شخصياً في إقبال العرب على صناديق الاقتراع، لكانت ميريتس الآن مشغولة بتنظيم صناديق أرشيفها. نعم، الناخبون العرب صوتوا مع ميريتس بفضل فريج.
إن تاريخ الجهد لإقامة شراكة سياسية يهودية – عربية مثل تاريخ الصهيونية، وإحدى المحاولات الأكثر جدية وتعقيداً هي التي قام بها “مبام” الذي يشكل أحد مصادر حزب ميريتس. لكن في السنوات الأخيرة (عملياً، في العقود الأخيرة) وُضعت الفكرة على الرف لأسباب مكيافيلية: مغازلة اليمين. وتفكك التحالف الذي باركه بناة الدولة، والذي يفككه الآن أشخاص في حزبيْ العمل وميريتس. تدل الانتخابات الأخيرة على أن التوجه نحو اليمين والعداء للعرب الذي يظهره آفي غباي لم ينفع حزب العمل في صناديق الاقتراع، بينما جرى إنقاذ ميريتس. يتبين عند الاختبار الانتخابي أن فريج أهم من اللواء في الاحتياط طال روسو.
الآن يُطرح السؤال الأساسي “إلى أين؟”. هل يجب العمل على توحيد الجهود مع ميريتس، أو ربما، كما يقترح جزء من أعضاء حزب العمل، الانتظار حتى يتفكك أزرق أبيض، والاندماج في أقسام منه وتشكيل حزب “وسط” حقيقي. هناك إمكانية أُخرى: الاستمرار في اللحظة التي أوجدها فريج، والتوصل في نهاية الأمر إلى تشكيل حزب يهودي – عربي. لماذا؟ ليس من أجل ضمان الفوز في الانتخابات، وليس من أجل إقامة “كتلة مانعة” ضد اليمين، بل لأن هذا صحيح ومحق ومطلوب.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية