نتنياهو ذهب إلى موسكو لتقريب وجهات النظر

نتنياهو ذهب إلى موسكو لتقريب وجهات النظر
Spread the love

بقلم: رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

هذا الأسبوع، وفي اللحظة التي جرى فيها التأكد من هوية جثمان زخاريا باومل، الجندي المفقود في معركة السطان يعقوب [قبل 37 عاماً]، اتصل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطلب الاجتماع معه ليشكره، وللتباحث في موضوعات أخرى تتعلق بما يجري في سورية ظلت مفتوحة بعد اللقاء السابق بينهما في شباط/فبراير الماضي. الموضوع الأكثر أهمية الذي سيطرحه نتنياهو في اجتماعه في موسكو هو حقيقة أن الإيرانيين يواصلون جهودهم لاقامة بنية تحتية عسكرية في سورية تسمح لهم بفتح جبهة شمالية-شرقية اضافية من سورية ضد إسرائيل.
قبل مغادرته إلى موسكو هذا الصباح تطرّق نتنياهو إلى المشكلة السورية وقال إنه سيبحث مع بوتين “الحوادث في سورية التي تتراكم” وكذلك “التنسيق الجاري والخاص بين الجيشين بالاضافة إلى موضوعات أخرى مهمة بالنسبة إلى دولة إسرائيل”.
الإيرانيون، بقيادة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، نقلوا على ما يبدو بضغط روسي، الجزء الأكبر من قواتهم إلى مناطق بعيدة من الحدود مع إسرائيل، كما وعد الروس نتنياهو في لقاءات سابقة. وبدلاً من أن تهبط في مطار دمشق طائرات الشحن المليئة بالمقاتلين والصواريخ والقذائف الموجهة إلى حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية التي تعمل في سورية، نقل الإيرانيون نشاطهم إلى شمال وجنوب شرق العاصمة السورية.
ويشمل هذا النشاط مخازن كبيرة للصواريخ- معظمها دقيقة وبعيدة المدى- موجهة إلى حزب الله، وليستخدمها أيضاً الحرس الثوري والميليشيات الشيعية الدائرة في فلك إيران من أراضي سورية في حال نشوب حرب مع إسرائيل.
كما يحاول الإيرانيون التمركز في ميناء اللاذقية الواقع في قلب المنطقة الشيعية –العلوية التي يسيطر عليها النظام والموالون لعائلة الأسد. مؤخراً تحدثت معلومات عن ارسال الإيرانيين وحدات من حزب الله وعناصر الميليشيات الشيعية إلى المنطقة المحاذية للحدود مع إسرائيل التي سيطر عليها تنظيم داعش حتى هزيمته في الأسابيع الأخيرة. إسرائيل مهتمة بمنع الإيرانيين من الوصول إلى البحر المتوسط، لكنها تواجه صعوبة في مهاجمة هذه المنطقة لقربها من منطقة النشاط الروسي.
قوات سورية محلية عارضت هذا الدخول لحزب الله والميليشيات التي تعمل تحت حماية إيران، والمؤامرة الإيرانية فشلت، لكن جوهر المحاولة الإيرانية لتسلل أنصارها سراً إلى منطقة الحدود مع إسرائيل بعد انسحاب داعش منها، هو بمثابة انتهاك صارخ لكل وعود بوتين لنتنياهو التي تعهد فيها ابعاد الإيرانيين إلى مسافة تتراوح بين 80-100 كيلومتر من خط وقف اطلاق النار مع إسرائيل في هضبة الجولان. في المقابل تعهد نتنياهو بالامتناع بقدر الممكن من القيام بهجمات عسكرية إسرائيلية في داخل الأراضي السورية.
احترمت إسرائيل وعودها، لكن اتضح مؤخراً أن الإيرانيين يستخفون بالروس ويفعلون كل ما يحلو لهم، بما في ذلك ادخال صواريخ دقيقة وطويلة المدى إلى سورية والاقتراب من الحدود مع إسرائيل.
ممكن الافتراض أن نتنياهو سيعرض كل هذه الحقائق على بوتين ويقول له إذا كانت روسيا تريد تهدئة وحلاً ديبلوماسياً في سورية، فإن إسرئيل مستعدة لممارسة ضبط النفس والامتناع بقدر الممكن من القيام بعمليات هجومية في سورية. لكن أيضاَ على روسيا احترام وعودها والضغط على الإيرانيين لمنعهم من اقامة بنية تحتية ومن الاقتراب من خط وقف النار، الأمر الذي يعرض أمن إسرائيل للخطر الشديد.
في الماضي ادعّى بوتين أن تأثير روسيا على إيران محدود. رد نتنياهو على ذلك بالقول إنه إذا استمرت إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة وتعريض أمن إسرائيل إلى الخطر حتى بعد الضغط الروسي، فإن إسرائيل أيضاَ لن تمتنع من ضرب البنى والاستعدادات الحربية الإيرانية.
موضوع آخر مطروح على جدول أعمال الاجتماع هو الموافقة على تطوير وتفعيل التنسيق الأمني بين سلاحي الجو الإسرائيلي والروسي في أجواء سورية بهدف منع المواجهات. من المحتمل أن يجري خلال الاجتماع في موسكو توقيع اتفاق جديد مطور يمنع وقوع أخطاء وحوادث غير مرغوب فيها، مثل إسقاط طائرة الاستخبارات الروسية في الصيف الماضي.
ومن المفترض بهذا الاتفاق الجديد أن يؤدي إلى تهدئة الأجواء بين المؤسسة العسكرية والأمنية في روسيا وبين المؤسسة العسكرية في إسرائيل التي توجد بينهما آليات تنسيق.
موضوع آخر سيطرح هو نقل السيطرة على بطاريات اعتراض الطائرات والصواريخ من طراز S-300 إلى جيش بشار الأسد. هاتان البطاريتان من الصواريخ الروسية، القادرتان على اعتراض طائرات فوق أجواء إسرائيل كلها، أعطيت إلى سورية بعد إسقاط طائرة التجسس الروسية. لكن استخدامها ما يزال في يد مشغليها من عناصر الجيش الروسي. يتدرب السوريون في روسيا على استخدام هاتين البطاريتين، اللتين تهددان حرية العمل الجوي لإسرائيل ليس فقط في سماء سورية، بل أيضاَ في اجواء لبنان وحتى إسرائيل.
في تقدير الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل قادرة على شل هاتين البطاريتين وتدميرهما اذا اقتضت الضرورة، لكن في إسرائيل يريدون الامتناع عن ذلك كي لا يحرجوا الروس وكي لا يمسوا بهيبة صناعة انتاج هذا السلاح، الأمر الذي يمكن أن يفاقم العلاقات مع روسيا.
لذلك سيطلب نتنياهو من بوتين عدم نقل السيطرة الكاملة على بطاريات S-300 إلى السوريين، وإلا فإن إسرائيل ستضطر إلى ضربها، وبصورة غير مباشرة المس بسمعة صناعة السلاح الروسي.
الموضوع الرابع الذي سيطرح في المحادثات هو وجود القوات الأميركية في سورية. يريد الروس أن تغادر القوات الأميركية التي حاربت داعش مع “قوات سورية الديمقراطية” (في الأساس من الأكراد) الأراضي السورية بصورة كاملة. وكما هو معروف، فقد أعلن الرئيس ترامب بأنه ينوي ابقاء حوالي 400 عنصر عسكري أميركي، في الأساس في منطقة التنف جنوبي شرق سورية. تسيطر القاعدة العسكرية الأميركية في التنف على أحد طرق الممر البري الذي يربط طهران بدمشق ومن هناك بلبنان، وتمنع الإيرانيين من نقل السلاح والأفراد من طريق البر في الشاحنات.
بناء على ذلك، ثمة مصلحة لإسرائيل في بقاء الجنود الأميركيين في سورية أيضاَ بعد أن خسرت داعش مواقعها شرقي نهر الفرات. في المقابل يريد الروس والإيرانيون خروج الأميركيين من الأراضي الخاضعة للسيادة السورية. وذلك ما يريده بشار الأسد أيضاً.
سيحاول نتنياهو اقناع بوتين بأن هذه القوات يجب أن تبقى لأن داعش ما يزال ينشط شرقي الفرات، وما تزال هناك حاجة إلى قوة أميركية صغيرة لمواصلة مساعدة الأكراد في خوض الحرب ضد التنظيم. في الاجتماع الأخير في شباط/فبراير الماضي وافق بوتين ونتنياهو على تشكيل لجنة مختصة بوجود القوات الأجنبية في سورية. لإسرائيل مصلحة في تشكيل مثل هذه اللجنة لأنها تشكل قناة سياسية للروس للحديث عن وجود القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في سورية. وللروس مصلحة في تلك اللجنة لأنهم بواسطتها يقدرون على الضغط على الأميركيين، واستخدامها كأدة ضغط إسرائيلية للخروج من أراضي سورية.
لكن مؤخراً برزت مشكلة: بعد اعلان ترامب عن اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان ثارت ثائرة السوريين وعادوا إلى مطالبة روسيا بأن تطلب من إسرائيل الانسحاب من الهضبة. اللجنة المختصة بوجود القوات الأجنبية في سورية يمكن أن يستخدمها الروس أيضاَ لمطالبة إسرائيل بالانسحاب من الجولان، أو تقليص وجودها هناك.
المحادثات بين نتنياهو وبوتين جرى تحديدها تقريباُ على عجل يوم الإثنين قبل 48 ساعة. وهناك من يرى فيها خطوة تهدف إلى جمع أصوات لنتنياهو في المعركة الانتخابية، لكن في الحقيقة توقيت الزيارة تحدد لأن الموضوعات ملحة، ولأن مؤخراً كانت هناك مواجهات للروس مع الإيرانيين في أراضي سورية، لذلك فإن هذا هو التوقيت الأنسب لإسرائيل للحديث مع موسكو عما سيحدث لاحقاَ.
وكما قلنا، هذه ليست مجرد زيارة الهدف منها تقديم نتنياهو كسياسي ذي شهرة عالمية، بل أن توقيت الزيارة يمكن أن يساعد حقاً في الدفع قدماً بالمصالح الإسرائيلية، وبالتعاون بين إسرائيل وروسيا في صياغة الوضع في سورية والحد من مخاطره على أمن إسرائيل القومي.

المصدر: موقع ynet الإسرائيلي عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole