دلالات العرض العسكري لحزب الله في القصير بالنسبة لإسرائيل

دلالات العرض العسكري لحزب الله في القصير بالنسبة لإسرائيل
Spread the love

بقلم: د. يارون فريدمان – خبير إسرائيلي في الشؤون العربية —

•إن السؤال الذي يقلق إسرائيل منذ بدء تدخل حزب الله العسكري في سورية هو: هل التدخل العسكري لهذا التنظيم الإرهابي في الحرب الأهلية السورية يقوّيه أم يُضعفه؟ الجواب على السؤال جاء يوم الجمعة الأخير من خلال العرض العسكري الذي قام به الحزب للمرة الأولى على الأراضي السورية في بلدة القصير في محافظة حمص. فما هي دلالة هذا العرض بالنسبة إلى إسرائيل؟

•في القصير سارت صفوف طويلة مؤلفة من مئات جنود الحزب احتفالاً بـ”يوم الشهيد” وإحياء لذكرى قتلى الحزب. وهؤلاء لم يظهروا في الاستعراض كتنظيم إرهابي أو مجموعة تخوض حرب عصابات أو ميليشيات، بل كانوا يرتدون بزات موحدة مع خوذ وسترات واقية من الرصاص، برفقة دبابات ومدرعات بكميات لم نشهد مثلها من قبل لدى حزب الله.

•الصور التي انتشرت على شبكات التواصل في مطلع الأسبوع أثارت دهشة العالم العربي ومخاوف كثيرة وسط الدول السنية. في إحدى المقالات التي نشرتها محطة “العربية” التي تمولها السعودية طُرح السؤال التالي: كيف تجرأ حزب الله على القيام بمثل هذا الاستعراض من دون أن يخاف قصف سلاح الجو الإسرائيلي؟ وخطب نائب اللجنة التنفيذية في الحزب هاشم صفي الدين أمام الجنود باسم الأمين العام للحزب حسن نصر الله وقال إن الحزب سيواصل القتال في سورية حتى تحقيق النصر ضد “الإرهاب”.

•في استعراض حزب الله شوهد سلاح روسي وسلاح أميركي أيضاً. ومعنى ذلك أن السلاح لا يتدفق إلى التنظيم الإرهابي الشيعي من روسيا من خلال إيران والجيش السوري فقط، بل أيضاً هناك سلاح أميركي لدى الجيش اللبناني يصل إلى حزب الله. ليس واضحاً كيف وصل هذا السلاح الأميركي إلى حزب الله. وهل هناك أطراف فاسدة في الجيش اللبناني تبيع السلاح إلى حزب الله؟ لقد سارع الناطقون العسكريون بلسان الجيش اللبناني إلى تكذيب ذلك، لكن من المحتمل أن جهات استخباراتية تعرف الطريقة التي بواسطتها ينتقل السلاح الأميركي إلى الحزب، وربما هذا هو السبب الذي من أجله أوقفت السعودية السنة الماضية تمويل الجيش اللبناني.

•احتُلت بلدة القصير في سنة 2013 في المرة الأولى التي دخل فيها حزب الله إلى سورية من أجل إنقاذ نظام بشار الأسد من الانهيار. وتحولت معارك القصير التي انتصر فيها الحزب على تنظيمات المعارضة وعلى “الجيش السوري الحر” إلى رمز لانتصار “المقاومة” ومحور المقاومة الشيعية لإسرائيل. وتحولت المنطقة التي احتُلت إلى قاعدة ثابتة لحزب الله في سورية. ومعنى ذلك أن الحزب انضم إلى التنظيمات والدول التي تستغل تفكك سورية من خلال قضم أراضيها.

•يسيطر حزب الله حالياً ليس فقط على القصير بل على مناطق أخرى في حمص ودمشق وحلب وقرى شيعية في سورية قريبة من لبنان. والذريعة الرسمية للاحتلال هي الدفاع عن السكان الشيعة ضد التنظيمات الإرهابية السنية وفي طليعتها جبهة النصرة.

•لقد أثار تدخل الحزب في الحرب الأهلية السورية، على ما يبدو بطلب من إيران، انتقادات وسط السنة في سورية ولبنان، لكنه استُقبل بتفهم من قبل الأقليات مثل الدروز والمسيحيين الذين يتخوفون من التنظميات الجهادية السنية ولذا أيدوا خطوة حزب الله. وفي لبنان ادعى زعماء مسيحيون أنه لولا حزب الله لكانت التنظيمات السنية غزت لبنان وحولته إلى إمارة إسلامية. في المقابل يدعي كثيرون أن حزب الله لم ينقذ لبنان، بل بالعكس فهو ورّط لبنان في حرب ليست حربه.

•إن الرسالة الأساسية لاستعراض حزب الله هو أن الحزب راكم قوة كبيرة خلال الحرب السورية. فالوحدات المدرعة التي شوهدت في الصور أنشئت خصيصاً من أجل تدمير واحتلال أراض في سورية، وليس لدى الحزب نية للخروج من هناك في المدى القريب. وقد أثبت الحزب للروس أن له وزناً استراتيجياً يوازي الوزن العسكري للجيش السوري واللبناني وأنه قوة يجب أخذها في الحسبان.

•وبالنسبة إلى إسرائيل أثبت حزب الله أنه لا يخاف إقامة عرض عسكري تحت عينها الساهرة علناً وفي وضح النهار. ومن دون شك، فإن التدخل الروسي الذي بدأ في صيف 2015 يتيح للحزب العمل من دون خوف، لأنه أصبح يتعين على إسرائيل من بعده أن تكون حذرة في مهاجمة منطقة واقعة حالياً تحت نفوذ روسيا. وليس من المستبعد أن تكون إسرائيل ارتدعت حالياً بسبب صواريخ إس-300 المضادة للطائرات التي نقلها الروس إلى سورية.

•وفي الواقع، فإن المظلة الروسية تمنع في المدى القريب عمليات استفزازية من جانب حزب الله ضد إسرائيل، لكنها تتيح لجيش الأسد والحزب زيادة قوتيهما والعمل بحرية في غرب سورية وارتكاب مجازر وجرائم حرب ضد المعارضة السنية تحت شرعية “الحرب على الإرهاب”.

•هناك من يرى في توغل الحزب في سورية محاولة للقيام بتطهير إثني من خلال طرد السكان السنة مثلما حدث في القصير. قبل 2013 دافع حزب الله عن سهل البقاع وعن منطقة القرى الشيعية الواقعة على الحدود اللبنانية – السورية، وبعد ذلك احتل الحزب القصير لمنع تسلل التنظيمات السنية إلى لبنان، واحتل حلب لإنقاذ نظام الأسد. إلى أين سيتوجه لاحقاً؟ وأين سيتوقف هذا التنظيم؟

•بحسب التقديرات فإن خسائر حزب الله خلال 24 عاماً من نضاله ضد إسرائيل منذ تأسيسه في سنة 1982 بلغت 2500 قتيل. في مقابل ذلك، فإن عدد قتلى الحزب خلال ثلاث سنوات من تدخله في سورية وصل إلى قرابة 1300 قتيل، ولا تلوح نهاية حرب الاستنزاف السورية في الأفق، بيد أن الثمن الإنساني المرتفع الذي يدفعه الحزب لم يؤد إلى احتجاج يعرض الحزب إلى الخطر في لبنان. وطالما استمرت الحرب في سورية، فسيحصل الحزب على المزيد من السلاح ومن التدريبات وميزانيته التي يحصل عليها من إيران ستزداد وستكبر بسبب الدور المؤثر الذي يقوم به في سورية.

•لدى الحزب آلاف المقاتلين في سورية، وعددهم الدقيق ليس معروفاً. وفي الواقع، بما أن الاستعراض العسكري جرى في القصير وليس في الجولان، فإن أغلبية المعلقين في العالم يعتقدون أن الرسالة الأساسية موجهة إلى السوريين واللبنانيين، وليس إلى إسرائيل حيث أنه من الأسهل للجيش الإسرائيلي تدمير قوة مدرعة من هذا النوع على مواجهة خلايا حرب عصابات تختبئ بين السكان المدنيين. لكن على الرغم من ذلك فهناك رسالة مهمة موجهة إلى إسرائيل: التنسيق الروسي – الإسرائيلي لا يمنع أبداً تعاظم قوة حزب الله.

المصدر: موقع يديعوت الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية