عماد الدين عيشة: كتاب الخيال العلمي المصري يضاهون الكتاب العالميين

عماد الدين عيشة: كتاب الخيال العلمي المصري يضاهون الكتاب العالميين
Spread the love

أجرى هذا الحوار محمد نازرين شاهول حامد مع الكاتب الدكتور عماد الدين عيشة ونُشر في عدد تشرين الثاني – نوفمبر 2018 ونشر في “ديوان ساسترا” وهي مجلة أدبية ماليزية. كانت المقابلة حول قصتين قصيرتين في الخيال العلمي: الأولى هي “منحنى في الفضاء الخارجي”، تم نشره في الأول من أيار – مايو 2017؛ والثانية هي “سيمفونية التقدم”، نشرت في 27 كانون الأول – ديسمبر 2017.

 

ـ ما مصدر الإلهام وراء قصتي “منحنى في الفضاء الخارجي” و”سيمفونية التقدم”؟

من الطريف أن تسأل عن ذلك! في حالة “منحنى في الفضاء الخارجي” راودتني الفكرة في شهر رمضان العظيم؛ كان هذا في عام 2016. في مصر تُعرض المسلسلات التلفزيونية طيلة الشهر، وتقريبًا طيلة اليوم. اعتدنا أن تكون هناك برامج تسلية في رمضان ]فوازير [ ولكنها انقطعت. كنت أشاهد مسلسلاً تلفزيونياً معيناً ـ من دون أن نذكر أسماء ـ وكان فيه مشهد زفاف، في فندق خمسة نجوم. حفل زفاف تقليدي للغاية ومزعج، فقلت لنفسي: “الأمر ميؤوس منه، إذا وضعت المصريين على المريخ فسيتصرفون بالطريقة ذاتها ويتمسكون بالتقاليد القديمة، وحفلات الزفاف التي عفى عليها الزمن!”

وفي تلك الوهلة، راودتني فكرة القصة. بدأت أرى صورًا في مخيلتي عن المصريين على المريخ، يشتغلون بالأرض ويتورطون في المشكلات مع بعضهم البعض؛ يتنازعون على الأراضي ويرفعون الدعاوى القضائية ضد بعضهم البعض.

ولكن عندما بدأت أكتب القصة في اليوم التالي، دخل خيطان آخران إلى القصة. أحدهما كانت رواية قد قرأتها، للكاتب غراهام غرين، رائعته الكلاسيكية “لُب الموضوع” التي تدور أحداثها في مستعمرة بريطانية غير محددة في أفريقيا، حيث ينقسم المجتمع التجاري السوري بانقسام الأديان والطوائف ويحاول رجال الأعمال المختلفون توريط منافسيهم في مشكلات مع السلطات. هذا أعطاني فكرة الحي السوري المقسم إلى أحياء عدة، بما يتماشى مع الحرب الأهلية السورية الجارية حالياً. ولكني جعلت سائق السيارة الأجرة لبنانياً عن عمد، فلسبب ما عندما تكون هناك رواية بريطانية تجري أحداثها في الشرق الأوسط يكون لديك سائق سيارة أجرة لبناني، ولكنني جعلته أقل دناءة عما تجده عادةً في الروايات البريطانية!

أما بالنسبة للرائد ]مدير وكالة الفضاء العروبية  [وصراعاته مع المموّلين العرب، فكنت قد شاهدت أيضًا منذ فترة طويلة أحد الأفلام المفضلة في طفولتي، رحلة إلى الجانب البعيد من الشمس (1969). هناك حكاية طريفة وراء ذلك أيضًا ولكني لا أستطيع الحديث عنها الآن. (كان اسم الفيلم الأصلي هو القرين). ولكن مواضيع الفيلم، التي شاهدته أول الأمر وأنا طفل، قد أثارت اهتمامي وبدت ملائمة للعالم الذي نعيشه الآن، مثل الاتحاد الأوروبي والعلاقات العابرة للمحيط الأطلسي، وخصوصاً انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي كان حاضرًا في ذهني في ذلك الوقت. ومن هنا ولدت فكرة المرشد ووكالة الفضاء العربية والاجتماع من خلال الفيديو مع الكبار في دول النفط في الخليج العربي التي تموّل الطموح المصري العلمي، هؤلاء الذين هم لا يضاهون الرائد في المستوى العلمي.

القصة وراء “سيمفونية التقدم” أكثر تعقيدًا؛ كنت أكتب مقالًا أكاديميًا عن ثورات “الربيع العربي” معتمدًا على نظريات المُنَظّر الإعلامي الكبير مارشال ماكلوهان. (كنت أعمل في الجامعة الأميركية في القاهرة حتى عام 2013 عندما بدأت في بحثي عن الموضوع). ماكلوهان مشهور بأبحاثه عن التلفاز، و”القرية الكونية” أو العولمة. ولكن له أبحاث أيضًا عن الراديو بشكل مختلف تمامًا، وقد خلص إلى أن الراديو في الماضي كان يجمع الناس سويًا. إنه تجربة جمعية، على عكس قراءة كتاب مما يميل إلى الفردانية، ولكن بمرور الوقت صار الراديو يفرّق الناس. أحد الأسباب هو أن الصوت مسألة شخصية وعاطفية. الصوت يدخل إليك فيحمسك، ويجبرك على تخيّل أشياء في عقلك أيضًا، لأنه صوت فقط غير مصحوب بصورة لذا يكون عليك استخدام خيالك. الناس تستمع إلى الأشياء بشكل مختلف عن الآخرين.

تذكرت أيضًا أنهم في معتقل غوانتانامو يستخدمون موسيقى الهيفي ميتال لتعذيب المشتبهين بالإرهاب. (حقًا!) كتابة الخيال رغم أنها شاقة إلا أنها أكثر مرونة من الكتابة الأكاديمية وأردت أن أسبر أغوار الاحتمالات في أعمال ماكلوهان. لذا قلت لنفسي: ماذا لو… كنت تستطيع استخدام الصوت لعلاج الناس من الميول العدوانية؛ كنوع من عكس التعذيب المستخدم مع “المشتبهين”. ماذا لو… أن الصوت جزء من العزلة، كصدمة ثقافية. الأصوات، الأصوات القبيحة، يصير مبالغًا فيها عندما تكون في أرض أجنبية.

وهكذا واتتني فكرة القصة، مع محاضر يقدم النظرية، في تسلسل من الفلاش باك، بينما في الوقت الحاضر هو يجري التجربة على زعيم “غير محدد”. (لقد واتتني الفكرة جزئيًا من لقاء مع إدوارد سعيد. قال إنه قد ألقى كلمة ذات مرة في البنتاغون وتفاجأ بوجود أشخاص عسكريين معارضين لحرب الخليج!). ثم رأيت إعلان كندي عن مجموعة قصصية من أدب الخيال العلمي عن دونالد ترامب، مجموعة ترامب اليوتوبيا أو الديستوبيا، وهكذا قمت ببعض التعديلات وأرسلتها، ثم تلقيت بعض المداخلات الفنية من المحررين في دارك هيلكس للنشر؛ جي اف جارارد وجين فرانكل.

 

ـ ما الذي تحاول أن تقوله للقراء من خلال هاتين القصتين؟

بخصوص رسالة “منحنى في الفضاء الخارجي”، فالأمر يتلخص في العنوان. نحن، كعرب، من المفترض أن نتوجه إلى الفضاء الخارجي، أن نتوجه إلى المستقبل، ولكننا في الواقع نأخذ منحنى العودة إلى الوطن، إلى الأرض، حيث توجد كل مشاكلنا. هذا ما أردت أن يفهمه القارئ؛ وهي مهمة صعبة حيث أن القارئ عربي والقصة إنجليزية!.

المشكلة هي الأمتعة التي نحملها معنا، انقطاعنا الثقافي وعاداتنا الاجتماعية السيئة ومشاكلنا السياسية. مصر هي قلب العالم العربي وحيث يوجد كل العلماء والمهندسين، ولكننا لا نمتلك التمويل الكافي لحدوث كل ذلك، ومن هنا يأتي دور الخليج. السوريون تجار بارعون، ولكنهم لديهم مشاكل مع بعضهم البعض، على أساس الطائفة والدين والمنطقة والمدينة والحي والطبقة والعشيرة والقبيلة … إلخ.

هذا هو ما يعيقنا كعرب ويجعل إسرائيل متقدمة علينا. قصتي تسخر من الوضع الحالي في الشرق الأوسط، فيما لا يحرز أي تقدم يذكر إلا تركيا وإيران، الدول الإسلامية غير العربية. وأنا أربط هذا بالتاريخ، وهو شغفي الثاني بجانب الخيال العلمي. صلاح الدين لم يكن عربياً في المقام الأول، وقد فعل ما لم يستطع عربي فعله، فحرر القدس ووحد المسلمين.

أما عن “سيمفونية التقدم” فهي مجددًا أكثير تعقيدًا. كنت أكثر اهتماماً بعلم الأعصاب وعلم الاجتماع وما يترتب عليهما من آثارٍ سياسية. الجزء الديني منها أضيف لاحقًا في الواقع، عن أصوات الحج في مكة والأصوات في الجنة. وقعت يداي لاحقًا في جوانب غير معروفة تمامًا من الإسلام تتعلق بالتلوث الضوضائي في كتاب كنت أقرأه بالصدفة بعد أن كتبت القصة فطلبت من دارك هيلكس تعديلها.

أما العنوان فهو يشير إلى كون الاستماع إلى الموسيقى الجميلة وتقدير الموسيقى هو جزء من الحضارة والتقدم لا صنع الضوضاء التي تزعج جارك، ما يشبه ألا تلقي القمامة في الشارع وألا تدفع الناس في طريقك وألا تدخن في أماكن عامة.

ـ لماذا توجد لماليزيا مستعمرتان في “منحنى في الفضاء الخارجي”؟

لدي مستعمرتان تماشياً مع ما قلته بالأعلى عن كون الدول الإسلامية غير العربية هي ما تحرز كل التقدم، وأردت التركيز بشكل خاص على قصة نجاح ماليزيا، وما أحرزته من تقدم اقتصادي واستقلال سياسي منذ عهد مهاتير محمد وحتى الآن. نحن جميعاً فخورون بماليزيا في مصر والعالم العربي.

منذ ذلك الحين توسعت في قصة “منحنى في الفضاء الخارجي” لتصير رواية، لا تزال لم تنشر بعد وتعد مسوّدة، وقد أعطيت فيها جنوب شرق آسيا وشرق آسيا دوراً كبيراً وإن كان غير مباشر. وكذلك أردت أن أقول في القصة وفي الرواية (أسميتها سجلات الجزيرة الخضراء) أنها كلما عزلت نفسك عن بقية العالم الإسلامي ـ كعرب ـ حرمت نفسك من قصص نجاحهم والقصص التي من الممكن تعلّمها من حداثة وتصنيع وديموقراطية، ناهيك عن الدبلوماسية وأن يكون لك حلفاء في العالم، من الناحية السياسية والتكنولوجية.

نحن نركز على الغرب حين نتحدث عن النماذج التي يجب أن نحذو حذوها لنتقدم وننسى الهند والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا، ناهيك عن إندونيسيا وتركيا، البلاد التي لديها ظروف مشابهة لظروفنا كعالم ثالث.

 

 

عماد الدين عيشة
د. عماد الدين عيشة

 

 

ـ ما رأيك في الخيال العلمي في مصر؟

إنه يتطور، دعني أقول ذلك، الطاقة والأفكار التي يقدمها جيل الشباب هي ظاهرة استثنائية. إنهم يتجاوزون كل الحدود في أدبنا العربي ويضاهون الخيال العلمي في بقية العالم بل وصار لهم مضمارهم الخاص كعرب ومسلمين. ولكن الجو العام للخيال العلمي في مصر سيء، لا يفهمه العدد الكافي من الناس؛ إنه يعتقدون أنها حكايات سوريالية أو خرافية، ومجال النشر في حالة فوضى، والوضع الاقتصادي لا يساعد.

لا يوجد وكلاء أدبيون في مصر، ولا في العالم العربي، لا يكاد يوجد محررون (على الأقل في مصر حين نتكلم عن الأدب) ولا توجد طريقة لضمان حقوق الكاتب وضمان حصوله على مبلغ مالي معقول، إن جاز التعبير. الكتاب الشباب مضطرون للكتابة في الرعب والأدب البوليسي للحصول على المال، وينتهي بهم الحال إلى إهدار موهبتهم.

ولكنّي متفائل بالمستقبل، إذا استطعنا أن نقدم الخيال العلمي المصري إلى جمهور عالمي، بالإنجليزية واللغات الأخرى، هذا سينقذ الوضع قليلًا. ونحن نحتاج بالتأكيد إلى التعاون مع أشقائنا في هذا اللون الأدبي في العالم العربي والإسلامي، والعالم الثالث.

 

ترجمة: أحمد صلاح المهدي كاتب ومترجم وناقد مصري، متخصص في الخيال العلمي والفانتازيا وأدب الطفل.

 

توجد النسخة الإنجليزية من المقابلة في موقع ذا لفيانت على الرابط التاليhttp://the-levant.com/egyptian-science-fiction-criticises-arabs/:

http://the-levant.com/egyptian-science-fiction-criticises-arabs/

 

 

 

 

 

 

 

 

Optimized by Optimole