خطة إسرائيل للحرب في الشمال: تحصينات وعوائق وإجلاء 78 ألف شخص

خطة إسرائيل للحرب في الشمال: تحصينات وعوائق وإجلاء 78 ألف شخص
Spread the love

“مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط” – بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

•في السنوات الأخيرة غيّر الجيش الإسرائيلي بالتدريج توجّهه حيال حزب الله على ضوء إدراك أفضل للتحسن الذي طرأ على قدرات التنظيم اللبناني وتطور خططه العسكرية. في البداية تبلور إدراك بأن الأمين العام للحزب حسن نصر الله لا يهدد دون أن يعني ذلك فعلاً باحتلال الجليل في الحرب المقبلة، وأنه يخطط لهجمات خاطفة بالقرب من الحدود على أمل السيطرة لفترة زمنية قصيرة على مستوطنة إسرائيلية أو قاعدة عسكرية.

•وفي وقت لاحق، وعلى خلفية التجربة العسكرية المعقدة والغنية التي راكمها الحزب في الحرب الأهلية في سورية، انتقل الجيش الإسرائيلي إلى التعامل معه كجيش بكل معنى الكلمة وليس كتنظيم يخوض حرب عصابات. ووفقاً لتحليل الجيش الإسرائيلي، فإن حزب الله – الذي ليس معنياً حالياً بحرب أخرى مع إسرائيل في ضوء تدخله في سورية وخوفاً من الأضرار التي ستلحق لبنان من جراء جولة قتال جديدة – لن يكتفي بالدفاع في المرة المقبلة. وبالإضافة إلى إطلاق مكثف للصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية الواقعة حالياً كلها في مرمى النيران من لبنان، فإنه قد يحاول القيام بهجوم مبكر أو مضاد على طول الحدود. صحيح أن الحزب غير قادر على احتلال الجليل كله، لكنه يتطلع إلى إرساء قدرة للقيام بهجوم في وقت واحد على عدة قواعد عسكرية أو مستوطنات بالقرب من الحدود. ومن أجل هذه الغاية يمكنه استخدام سرايا كوماندوس تابعة لقوة “الرضوان”، وبموازاة ذلك إطلاق نار مكثفة على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من السياج الحدودي. وبالإضافة إلى الكاتيوشا القصيرة المدى والقذائف والراجمات، فقد تزود حزب الله في السنوات الأخيرة بسلاح هجومي آخر هو مئات من صواريخ “بركان” القادرة على حمل رؤوس متفجرة ثقيلة (تبلغ زنتها نحو نصف طن) ويمكن إطلاقها من بُعد بضعة كيلومترات وقادرة على التسبب بضرر كبير.

•في رأي حزب الله أن نجاح هجوم خاطف سيتيح له أن يحدث انطباعاً بتحقيق إنجاز كبير، وسيكون من الصعب على الجيش الإسرائيلي أن يزيل هذا الانطباع حتى لو ضرب الجيش الإسرائيلي الحزب خلال الحرب بشدة. كما أن هجوماً مفاجئاً سيعرقل أيضاً تحركات القوات العسكرية على طول السياج الحدودي، ويمكن أن يؤخر استكمال تعبئة وحدات الاحتياطيين وتقدمها نحو الجبهة.

•من المحتمل أن جزءاً من هذه المفاهيم العسكرية لحزب الله لها علاقة بدروس الأيام الأخيرة من الحرب على غزة خلال عملية “الجرف الصامد” في صيف 2014. فعندما واجهت “حماس” صعوبة في تحقيق إنجازات هجومية في القتال وتقريباً لم تتسبب بوقوع إصابات بين الإسرائيليين من خلال قصفها غوش دان بالصواريخ، ركزّت المعركة في الأيام الأخيرة على قصف واسع النطاق بالقذائف والراجمات على مستوطنات غلاف غزة. وقتل من جراء القصف بالقرب من السياج الحدودي اثنان من سكان الكيبوتسات وطفل في الرابعة من عمره. وألحق القصف أضراراً كبيرة في معنويات سكان الكيبوتسات والمستوطنات القريبة من الحدود وأدى إلى فرار جماعي للسكان استمر حتى انتهاء الحرب. إن قدرة حزب الله الهجومية أكبر بكثير من قدرة “حماس”، لكن توجهات التفكير لدى التنظيمين متشابهة.

•إن تحليل نيات حزب الله على الجيش الإسرائيلي فرض إعادة النظر في استعداداته. والجهد الأساسي يوظف منذ حرب لبنان الثانية في 2006، ولا سيما في السنوات الأخيرة، في تحسين القدرة الهجومية. وجرى تحسين نوعية وكمية المعلومات لدى استخبارات الجيش المتعلقة بالانتشار العسكري لحزب الله بصورة إلى حد كبير، وبموازاة ذلك جرى تطوير أساليب عمل مشتركة مع سلاح الجو تهدف إلى تحسين وتيرة ودقة الهجمات على الأهداف. كما أن تولي رئيس الأركان الجديد غادي أيزنكوت منصبه في شباط/فبراير 2015 أدى إلى تغيير سلم الأولويات الهجومية. وللمرة الأولى منذ سنوات يوظف الجيش جهداً منهجياً واسعاً في تحسين قدرته على المناورة البرية. لكن جميع هذه الجهود تتطلب أيضاً جهداً مكملاً دفاعياً. ولهذا الجهد نقطتا ضعف: الأولى – ميل الجيوش بطبيعتها نحو التركيز على الاستعدادات الهجومية. ثانياً – الدفاع معناه الاعتراف بإمكانية أن يتسبب لك العدو بأذى كبير، وفي بعض الأحيان قد يجبرك على القيام بانسحابات محلية. وفي المواجهة بين جيش نظامي قوي وتنظيم صغير، فإن الاعتراف بذلك ليس أمراً بسيطاً.

•على الرغم من ذلك، فمنذ نحو عامين يقود قائد المنطقة الشمالية اللواء أفيف كوخافي عملية تحصين وتنظيم منظومة دفاعية على طول الحدود من أجل إعاقة تسلل حزب الله [إلى داخل إسرائيل]. وقد حفرت القيادة خنادق لعرقلة توغل مفاجىء قد تقوم به وحدات حزب الله في داخل أراض إسرائيل، وحصّنت المستوطنات ومواقع القيادات من النيران ذات المسار المنحني (إطلاق نار من قبل القناصة وصواريخ مضادة للدبابات)، ومن النيران ذات المسار المرتفع (الصواريخ والراجمات)، ودرّبت القوات وفرق الدفاع المدني على الدفاع عن المستوطنات ضد عمليات التسلل.

•كانت الخطوة المطلوبة الإضافية أكثر صعوبة، وهي إعداد خطة لإجلاء المستوطنين الموجودين على خط المواجهة في زمن الحرب. وهنا يخاطر الجيش بتعرضه لانتقاد مبدئي حتى في الساحة السياسية، لأن ذلك يبدو خروجاً عن روحية الدفاع عن كيبوتس نغبا في المعارك التي دارت مع مصر على الجبهة الجنوبية في حرب الاستقلال [حرب 1948] والتي ترسّخت وتحولت تقريباً إلى مبدأ مقدس منذ ذلك الحين: يجب عدم إخلاء وعدم التخلي عن مستوطنات تحت وطأة هجوم عسكري للعدو مهما كان الثمن. وكل سنتيمتر من انسحاب سيعتبر فشلاً وحتى هزيمة. لكن عملياً فقد جرى إخلاء مستوطنات أخرى من السكان المدنيين وأحياناً هُجرت، في حرب 1948 وفي حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973] في هضبة الجولان. وفي جميع الأحوال، فإن الجيش لا يتحدث عن انسحاب قواته، بل عن إخلاء منظم قدر الإمكان للمدنيين من خط المواجهات في زمن الحرب من أجل تقليص الخسائر بين صفوف المدنيين والسماح للجيش بالدفاع عن المستوطنات بصورة أكثر فاعلية.

•وعلى الرغم من الانتقادات المتوقعة، بلور في السنة الماضية قائد المنطقة الشمالية اللواء كوخافي وقائد الجبهة الخلفية يوآل ستريك- الذي سيحل محل كوخافي في قيادة المنطقة الشمالية السنة المقبلة بعد أن يعيّن هذا الأخير نائباً لرئيس الأركان- خطة عمل واسعة اسمها “مساحة آمنة”. والخطة التي تُنشر تفاصيلها الكاملة هنا للمرة الأولى، معدة للتطبيق منذ لحظة بدء الحرب في الشمال، أو في حال وصول إنذار استخباراتي مسبق قبل ساعات من الحرب.

•وتشمل الخطة المستوطنات الواقعة على بعد 4 كيلومترات من الحدود مع لبنان، وهذا المدى يطابق في حجمه مدى صواريخ “بركان” الثقيلة، بالاضافة إلى مستوطنات أخرى تعتبر مكشوفة نسبياً. وتشمل الخطة نحو 50 مستوطنة يسكن فيها نحو 78 ألف نسمة. وهناك 22 مستوطنة من هذه المستوطنات موجودة على بعد كليومتر واحد فقط من الحدود.

•في المنطقة الأكثر تطرّفاً، الواقعة على بعد نحو كيلومتر من السياج يسكن 24 ألف شخص بينهم سكان مستوطنتين كبيرتين نسبياً هما بلدة شلومي ومستوطنة المطلة. ويبدو أن الهدف من نشر الخطة هو إعداد السكان معنوياً والتنسيق المسبق معهم بشأن ما هو متوقع والتوضيح لهم أنه عند الحاجة فإن ما سيحدث هو خطوة منظمة وليس فراراً من دون تنظيم.

•يقول ضابط كبير في قيادة الشمال لـ”هآرتس” إن إخلاء المستوطنات “يمكن أن يساعد في سحب البساط من تحت أقدام عمليات حزب الله. وحتى لو نجحت سرايا “الرضوان” في التسلل إلى مستوطنة فإنها ستجدها خالية من السكان وستضطر إلى مواجهة قوات الجيش الإسرائيلي، مما سيسحب البساط من تحت خططه. إننا نستكمل حالياً الاستعدادت في حال اضطررنا إلى استخدام هذه الخطة مستقبلاً. وإذا ما نشبت الحرب، فإن القرار النهائي بشأن إخلاء السكان سيكون بالطبع في يد المستوى السياسي”. ويقول العميد إيتسيك بار، قائد لواء الشمال في قيادة الجبهة الداخلية: “يجب أن ندرس الأمور جيداً، من دون أن نقيّد أنفسنا بالعواطف. في وقت الحرب يجب على الجيش أن يؤمن تقديم الخدمات الحيوية للسكان الذين يتعرضون للهجوم، وتحذيرهم من إطلاق الصواريخ على مناطقهم وإنقاذ حياة المصابين. وعندما تتعرض مستوطنة متاخمة للسياج لتهديد كبير إلى حد قد يكون من الصعب تأمين الحماية لها سيكون من الأفضل العمل بصورة مختلفة ودرس الإخلاء”.

•يضيف المقدم يانيف كرياف، ضابط الدفاع الإقليمي في مفرزة الجليل المسؤولة عن حدود لبنان، أنه في تقدير الجيش ليس جميع السكان سيرغبون أو سيقدرون على الإخلاء. وتعتقد قيادة الشمال أن نحو 40% من السكان سيخلون مستوطناتهم بصورة مستقلة، وبعضهم الآخر سيحتاج إلى مساعدة. وبالاستناد إلى كلام كرياف: “قرابة ربع سكان المستوطنات القريبة من السياج أصحاب مهمات تفرض عليهم البقاء: عناصر في الاحتياط، أشخاص موكلة إليهم مهمات في المستوطنات، وطواقم طبية وعمال في معامل حيوية. وسيكون هناك بالطبع من سيفضل البقاء في منازلهم لأسباب تتعلق بهم”.

•عادة تموّل وزارة الدفاع منسقي الأمن الجاري في كل مستوطنة وفرق الدفاع التي تعمل بالتنسيق مع قوات الجيش الإسرائيلي العاملة على الحدود. وفي أوقات الطوارئ يرسل الجيش إلى المستوطنات أقساماً من قواعد التدريبات للألوية التابعة لسلاح المشاة فيها جنود وصلوا إلى المرحلة النهائية من تأهليهم. وسيصل في ما بعد إلى هناك كتائب من لواء الإنقاذ من قيادة الجبهة الداخلية. وفي الأيام الأولى من الحرب ستعمل هذه الكتائب عند الحاجة في إنقاذ مصابين، كما ستساهم مع قوات القيادة الشمالية في تنظيم إخلاء السكان ونقلهم إلى مناطق أبعد. ونفترض أن نصف عملية الإخلاء على الأقل ستجري خلال تعرض المستوطنات للنار.

•ومن المفترض بسلطة الطوارئ القومية المساعدة في نقل السكان في باصات إلى خارج المستوطنات وإيصالهم إلى مواقع استيعاب في مناطق حددت مسبقاً بعيداً عن الحدود. وحتى هناك لا توجد حصانة مطلقة من صواريخ حزب الله، لكن سيكون هناك فارق كبير في مستوى الخطر بين المستوطنات القريبة من الحدود وتلك الموجودة في الوسط وفي الجنوب. وهناك خطط لإخلاء سكان من مستوطنات معينة في القدس إلى إيلات، وإلى وادي الأردن وإلى مستوطنات مجاورة لطولكرم وجنين. ويقول العميد بار أن الإخلاء سيكون إلى فنادق، ومنازل للشباب، وعند الحاجة إلى مؤسسات تعليمية سيجري إعدادها للسكن الموقت.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية