نباتات النشور: العيش في بيئة معدومة الحياة

نباتات النشور: العيش في بيئة معدومة الحياة
Spread the love

بقلم: الدكتور ف خافيير كارمونا. نيويورك – ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو —

تعتبر الصحراء الكبرى أكبر صحاري العالم حيث تغطي ما يقرب من ربع القارة الأفريقية. تشرق الشمس كل يوم وتجعل بعض الأماكن في تلك الصحراء شديدة الجفاف وعالية الحرارة حيث تقترب معدلات درجات الحرارة هناك من 38 درجة مئوية في ظل انخفاض معدل الهطول المطري هذا إن وجد أساساً. ومع تضاؤل المياه العذبة تضطر معظم حيوانات الصحراء للهجرة بحثاً عن الموارد البديلة أو تدخل حالة سبات في كنف جحر ما حيث تقضي فصول الصيف القائظة. ولكن ما الذي يحدث عند تعثر الحركة والتنقل؟
تعاني النباتات بسبب طبيعتها الثابتة من ظروف الطقس المتطرفة وتضطر في سبيل البقاء للعثور على طرق بديلة للتعامل مع الحرارة المرتفعة وفترات الجفاف الطويلة.
وبالرغم من كافة الشدائد تجد الطبيعة طريقها نحو النجاة.
كان التأقلم مع التجفاف أحد أكثر الإنجازات الجسيمة لتطور الحياة على الأرض. طورت المخلوقات النباتية البدائية سلسلة من الآليات التي مكنتها من تحمل الجفاف واستيطان البيئات الأرضية قبل ملايين السنين. ولا تزال تلك التكيفات موجودة لغاية اليوم في نباتات المرتبة الأدنى مثل الطحالب والأشنيات والطحلبيات ولكنها لا تتواجد إلا في 300 نوع من النباتات المزهرة (ذاتية التلقيح).
تواجه نباتات النشور تلك اليبوسة الشديدة عبر التحول إلى حالة ساكنة حيث تتمكن من تحمل فقدان 95% من ماءها وتعود للنشاط الكامل عند الإرتواء.
تتحمل معظم النباتات عوز الماء إلى حد كبير من خلال إغلاق مساماتها ولكن إذا تجاوز الفاقد المائي 40% من المحتوى النسبي يصبح الضرر الخلوي مستديماً وتستسلم النباتات للموت.
وبالمقارنة أثبتت نباتات النشور سعة مواردها في تطوير استراتيجيات لتقليل الضرر الخلوي والنجاة من التجفاف الطويل الأمد. ومن بين تلك النباتات ما يسمى زهرة أريحا Selaginella lepidophylla . والتي تعتبر من الأنواع النباتية القليلة المتكيفة مع طقس الصحراء الجاف.
وتتمكن من العيش لسنوات وربما عقود في حالة جفاف عبر تكوير الفروع التي تحمي البذور من البيئة المعادية وتنام عبر اللأواء. عندما يبدأ هطول المطر تستيقظ النباتات وتفرد فروعها الجافة في غضون دقائق قليلة وتطلق البذور التي تعطي خلفات جديدة في أسابيع قليلة تالية.
عندما تجفف الشمس اللاهبة الأرض من جديد تعود زهرات أريحا الجديدة إلى حالتها الساكنة انتظاراً لقادم الغيث.
جلبت هذه الخصائص المذهلة لتلك النباتات المحبة للشروط المتطرفة انتباه علماء فيزيولوجيا النبات اللذين بدأوا بتفهم آليات تعاملها مع اليباس الشديد.

تكمن أكثر العواقب حدة لليباس على المستوى الجزيئي في الإنتاج الزائد لنوع الأوكسجين المتفاعل في صانعات اليخضور نتيجةلإختلال التمثيل الضوئي . ولذا يكون الضوء مصدر الإجهاد الأساسي أثناء التجفاف. تؤدي مستويات الأوكسجين المتفاعل المتراكمة إلى أكسدة البروتينات والدهون وتضرر الحمض النووي وتفضي بالتالي إلى موت الخلية المبرمج. وللحيلولة دون ذلك تقوم نباتات النشور بالإستجابة سريعاً لنقص المياه عبر التحول “لوضعية الإجهاد” والتي تؤدي لتوقيف التمثيل الضوئي بالكامل.
تمنع بعض الأنواع مثل حشيشة الحلفا Stipa tenacissma . إنتاج الأوكسجين المتفاعل في ظروف نقص المياه عبر تحليل صانعات اليخضور لديها وتفكيك جهاز التركيب الضوئي فيها.
تتفادى نباتات أخرى مثل زهرة أريحا تشكيل الجذور الحرة عبر المرور بتغيرات مورفولوجية تخفي النسج الخضراء فيها والتي تقوم بالتركيب الضوئي وتبعدها عن أشعة الشمس وبالتالي تحد من التدمير الضوئي.
تم انتقاء تلك الاستراتيجيات من الناحية التطورية كطرق لتخفيف الضرر الناجم عن الضوء أثناء التجفاف مع وجود فوارق بينها.
تتمكن النباتات المحتفظة بصبغيات الكلوروفيل من إستئناف النشاط الاستقلابي بسرعة أكبر. ولكنها تتعرض دائماً للضرر الذي يحدثه الضوء. وبالمقارنة يضمن تفكيك آلية التركيب الضوئي الحيلولة دون الضرر الضوئي ولكنه يفرض تأخيراً في إستعادة بدء التمثيل الضوئي.
تستخدم هذه النباتات بالتوازي مع توقيف التركيب الضوئي ترسانة من آليات الإستجابة للشدائد لتخفيف الأذى عن النسج وضمان البقاء أثناء الجفاف. وتشمل توليد إنزيمات مضادة للأكسدة وأيضات لتحسين افتراس الأوكسجين المتفاعل وتجميع صبغيات حاجبة للشمس وبوليفينولات تعمل كواقيات تناضح وتبدل دارتها ا لاستقلابية لتجميع السكروز وعديدات السكريات التي تحافظ على البنية الخلوية انتظاراً للحظة النشور.
ما الذي مكن تلك النباتات من تحمل الاجهاد الااحيائي المتطرف؟
عثر العلماء على إجابة هذا السؤال في البذور.

تبقى البرامج الوراثية لتحمل التجفاف
نشطة بشكل دائم في البذور لضمان إنتشار الأنواع النباتية بالرغم من الظروف غير المواتية. كشفت الدراسات الواسعة النطاق أن هذه المورثات مكبوحة بشكل دائم في النسج الخضرية لمعظم النباتات وحتى في بذور الأنواع التي تعيش في بيئات توجه فيها للانتاش المباشر مثلما يحدث لنباتات المحاصيل. حافظت مجموعة قليلة متنوعة من النباتات الذاتية التلقيح أثناء التطور والتي تعرضت لمنبهات بيئية على هذه البرامج الوراثية نشيطة في السيقان والأوراق وتمكنت من مقاومة قسوة الأجواء الجافة.
أظهرت الأبحاث أيضاً أن نباتات النشور تبقى دائماً على أهبة الإستعداد للتعامل مع الجفاف. تتميز البروتيوم والترانسكتيوم فيها بإنتاج مرتفع من مضادات الأكسدة وبروتينات الصدمة الحرارية ووسائل حماية أخرى.
إضافة إللى ذلك تتنشط تلك النباتات بشدة لدى إستشعار نقص الماء بالمقارنة مع الأنواع الحساسة للجفاف وتضمن بالتالي إستجابة سريعة لفقد الماء. ولكن لهذه المزايا نقاط قصورها.
ترتبط موارد الطاقة الموجهة للحفاظ على حالة الإستنفار الجزيئية الدائمة بنمو بطيء ونادراً ما تصل نباتات النشور لأحجام كبيرة.

تحسين انتاجية المحاصيل في مواجهة التغير المناخي
و نظراً للإمكانيات الكامنة لهذه النباتات في مقاومة شذوذ الطقس وسرعة تغير المناخ العالمي يقوم البحاثة باستهداف تعزيز هذه الخصائص في نباتات المحاصيل لتحسين الإنتاجية
. وهذا سبب وجيه إذا أخذنا بعين الإعتبار الجفاف الحاد الذي ساد خلال السنوات القليلة الماضية وعقابيله الأكثر وضوحاً والتي تمثلت في مناطق جنوب الصحراء بخسارة أكثر من 90% من غلال المحاصيل.
قدر تقرير صادر عن منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن زيادة عدد سكان الأرض المتوقعة عام 2050 ستتطلب زيادة هامة في انتاج الغذاء للتعامل مع مبدأ العرض والطلب. وإلى جانب الجهود الحالية لتخفيض فجوة توزيع الغذاء وتشجيع مناهج الزراعة المستديمة الأكثر إنتاجية وتقليل الأثار البيئية انتاج الغذاء سيواجه مستقبل البشرية المهيب استنباط حلولاً وافية لتلبية الطلب على الغذاء.

ظهرت إمكانية أخرى في هذا الإطار لتحسين نباتات المحاصيل المهمة من خلال تحفيز ظهور المورثات المتحملة للإجهاد في أنواع نمطية محددة.
أنتج إدخال مورثات تشترك بمظاهر عديدة من تحمل الجفاف مثل الإجهاد التناضحي ونقل الشوارد وتركيب السكروز في أنظمة المحاصيل المحورة وراثياً نمواً معززاً في ظروف نقص الماء بدون إحداث آثار ضارة على خصائص المحصول الغذائية أو تغيرات ظاهرية مهمة.
وبالتوازي مع ذلك قد تساهم تقنية كريسبر الحديثة في تحريض تنشيط المورثات الجوهرية الساكنة وتوافقياتها والتي تسمح بزيادة تحمل الإجهاد بطريقة فيزيولوجية.
ويتطلب تحديد المورثات والعناصر التنظيمية في الحمض النووي تطورات أكبر لتحسين تحمل الجفاف.
يواجه العلماء في هذا الحقل تنوعاً كبيراً في الآليات المستخدمة من قبل النبات لمحاربة نقص الماء لأن العديد من القيود البيئية المتنوعة تحدد انتقاء عدد محدد من استراتيجيات التأقلم المتنوعة.
ولم تفك شفرة التسلسل الجينومي للعديد من تلك الكائنات بعد. وهناك طريق طويل قبل أن نفهم بشكل تام هذه العمليات الفائقة البراعة ونسخرها لخدمة البشرية.
والقضية تتعلق ب”متى” بدلاً عن”إذا”في استخدام المحاصيل المحورة وراثياً. ولذا يجب ضمان إطار علمي وأخلاقي وحيوي وسياسي لتفعيل ذلك بطريقة منضبطة بهدف أولي ألا وهو توفير الغذاء للبشرية مع إحترام الأرض التي فيها معاشنا الوحيد.

المصدر:
https://mappingignorance.org/2016/04/25/resurrection-plants-surviving-lifeless-environments/ .
.

Optimized by Optimole