قانون القومية وتداعياته: هل الديمقراطية الإسرائيلية في خطر؟

قانون القومية وتداعياته: هل الديمقراطية الإسرائيلية في خطر؟
Spread the love

بقلم بنينا شرفيت باروخ – باحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

· يثير النقاش بشأن قانون أساس: الدولة القومية للشعب اليهودي (قانون القومية) عاصفة من الجدل داخل المجتمع الإسرائيلي. من جهة، هناك من يقول إنه إرساء قانوني مناسب وضروري للطابع القومي لدولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، في مواجهة أطراف تسعى لإلغاء حقوق الشعب اليهودي في وطن قومي على أرضه. من الجهة الثانية، هناك من يقول إنه قانون تمييزي يسعى للقضاء على الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل ويعبر عن رسالة قومجية. وعلى ما يبدو، الحقيقة موجودة ما بين هذين الموقفين المتطرفين. إن التطرق إلى القانون ودلالاته يجب أن يجري من خلال النظر إلى مسارات عامة أكثر تجري داخل المؤسستين السياسية والقضائية في الدولة، من الاتجاهين. ومن المهم فحص انعكاسات القانون على الأمن القومي في الداخل والخارج.

· من جهة، هناك من يقول إن القانون هو في المحصلة إرساء لهوية الدولة كدولة للشعب اليهودي في قانون أساس. وهذا الإرساء ضروري كثقل مضاد لتكريس حقوق الإنسان المتعددة في قوانين أساس أُخرى. وبحسب وجهة النظر هذه، بما أن القصد من قوانين الأساس هو أن تشكل بنوداً في دستور الدولة، ونظراً إلى صعوبة صوغ دستور شامل، فإن المطلوب هو “أن نضيف إلى المنظومة القانونية مجموعة أحكام تتناول الصفات الأساسية للدولة كدولة يهودية” (كما ورد في الشرح التوضيحي للقانون). عدم وجود مثل هذه الأحكام يخلق عدم توازن لمصلحة المكوّن الديمقراطي للدولة، الذي يجري التعبير عنه مثلاً في الأحكام الصادرة عن محكمة العدل العليا، التي يقال إنها تعطي الأفضلية للمكوّن الديمقراطي على المكوّن القومي – اليهودي للدولة.

· من جهة أُخرى، هناك من يقول إن طابع الدولة كدولة للشعب اليهودي مكرس في وثيقة الاستقلال وليس عرضة لأي خطر حقيقي. وقوانين الأساس الموجودة تتعامل مع إسرائيل كدولة “يهودية وديمقراطية” ومحكمة العدل العليا تتطرق إلى هذا البعد في أحكامها. بناء على ذلك، القانون ليس ضرورياً من أجل هذا الغرض. في المقابل فإن تكرار التشديد في القانون على الطابع اليهودي للدولة، وعلى مكانة الشعب اليهودي، وعلى أهمية المستوطنات اليهودية، بالإضافة إلى التقليل من مكانة اللغة العربية، يخلق انطباعاً بأن كل مَنْ هو غير يهودي مستبعد عن الجماعة، ويقدَّم كأنه ليس شريكاً كاملاً في الدولة.

· يظهر تفحُّص أحكام القانون بحد ذاته عدم احتوائها على أي كلام واضح يسمح بالتمييز ضد كل من هو ليس يهودياً. البنود الإشكالية في القانون من نوع موافقة الدولة على بناء تجمعات سكانية منفصلة للجماعات تشمل فقط أبناء ديانة وقومية معينتين أُزيلت من الصيغة التي أصبحت قانوناً. بقي البند المتعلق باللغة العربية الذي يقلل من مكانتها مقارنة باللغة العبرية. المشكلة الأساسية في القانون تتعلق بالتركيز على هوية الدولة كدولة قومية للشعب اليهودي، يمارس فيها حقه في تقرير مصيره، من دون أن يشمل ذلك المكوّن المكمل الوارد في وثيقة الاستقلال بشأن المساواة بين جميع مواطني الدولة، وأيضاً من دون التطرق إلى الطابع الديمقراطي للدولة. ومن هنا التخوف من أن تشديد القانون على الهوية القومية للدولة سيكون على حساب مواطنيها غير اليهود.

· تفاقم هذا التخوف في أعقاب الجدل الدائر بعد إقرار القانون الذي أدى إلى ردة فعل غاضبة من جانب الجمهور الدرزي الذي عبّر عن إحساسه بالخيانة والإقصاء عن المجتمع الإسرائيلي وتصنيفه كجمهور من الدرجة الثانية في بلاده. رداً على ذلك أعرب مؤيدو القانون عن أسفهم إزاء هذه المشاعر بل وحتى قالوا إنه ربما هناك مجال لتعديل القانون كي يشمل المواطنين الدروز، و”سائر المواطنين المخلصين”، مثل البدو والشركس وغيرهما، أي من يتجند في الجيش الإسرائيلي ويساهم في الجهد الوطني. ومن المفارقات أن هذا النقاش أظهر الصعوبة الأعمق في القانون كما عكستها ردات الفعل هذه، وهي الفكرة القائلة إن القانون يضع كل من هو غير يهودي في مرتبة أدنى. وأيضاً، لدى مؤيدي القانون، هناك مجال لتعديل الخلل فيما يتعلق بـ”المواطنين الجيدين” الذين يساهمون في الجهد الوطني، أمّا فيما يتعلق بالمواطنين الآخرين، أي العرب من مواطني الدولة فليس هناك حاجة إلى ذلك. إن وجود وضع فيه مساواة كاملة بين مواطنين ومساواة أقل بين مواطنين آخرين، يقوّض أحد المكونات الأساسية في النظام الديمقراطي، أي المساواة بين جميع المواطنين، ويمس بمكوّن حيوي آخر في النظام الديمقراطي الذي يقدم حماية جوهرية للأقلية، بالإضافة إلى كونه تعبيراً عن سيطرة الأكثرية.

· عند التطرق إلى قانون القومية ودلالاته يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً مسارات أُخرى تجري على المستويين السياسي والقانوني. يتمثل أحد هذه المسارات في محاولات إضعاف قوة القضاة في مجال الخدمة العامة ومحكمة العدل العليا. من المشروع انتقاد المبالغة في اللجوء إلى “القوانين” والتدخل القضائي في موضوعات تتعلق بقرارات سياسية. لكن بعض الانتقادات الموجهة إلى القضاة وإلى محكمة العدل العليا تهدف إلى المس بشرعية الجهاز القضائي، وتقف ضد قرارات قضائية صرفة، من خلالها تمارس محكمة العدل العليا دورها “الحامي للديمقراطية”، والمتمثل في نقد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وحماية حقوق الفرد. تآكل هذا الدور من شأنه أن يقوّض أحد المكونات المهمة في النظام الديمقراطي، أي فكرة “التوازنات والكوابح”.

· فيما يتعلق بانعكاسات قانون القومية والمسارات المتوقعة: على الصعيد الداخلي، يبدو أن من السابق لأوانه الحديث عن خسارة الديمقراطية الإسرائيلية. إذ يدل النقاش العاصف الذي أثاره القانون على أن إسرائيل ما تزال دولة ديمقراطية وتسمح بنقاش نقدي منفتح. هناك عمليات تشريع متعددة تضمنت محاولات للمسّ بحقوق الفرد جرى لجمها قانونياً أو أوقفتها محكمة العدل العليا. مع ذلك، فإن ازدياد المحاولات التشريعية والقرارات الإدارية المتعددة التي تنتهك التوازن المفروض، يستدعي اليقظة ومنع تآكل محتمل للقيم للديمقراطية في المستقبل. من المثير للقلق أيضاً رؤية النقاش العام الذي تغذيه تصريحات السياسيين الذين يعبّرون عن تأييدهم للمشاعر القومية وتقييد حرية الأقليات أو من يعتبرونهم مختلفين. وهناك تخوف أيضاً من أن يؤدي تجذر هذه الأيديولوجيا إلى تعبيد الطريق نحو حلول الدولة الواحدة من دون مساواة في جميع أنحاء أرض إسرائيل.

· بصورة ملموسة أكثر، يثير قانون القومية والنقاش الذي أثاره التخوف حيال الانعكاسات المحتملة على المجتمع العربي الإسرائيلي. وهذا جمهور مخلص، أغلبيته الساحقة ترغب في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي. وثمة تخوف من أن ينجر ّ هذا الجمهور إلى تبني مواقف أكثر تطرفاً بسبب شعوره بأنه أُبعد إلى خارج المعسكر. وهذه النتيجة تتعارض بوضوح مع مصلحة دولة إسرائيل ويمكن أن تمس بأمنها الوطني.

· على الساحة الدولية، قانون القومية، مثل خطوات أُخرى وُصفت أعلاه وبصورة خاصة تلك التي استهدفت أطرافاً في المجتمع المدني، زادت من الشرخ بين دولة إسرائيل وبين يهود الولايات المتحدة الذين هم في أغلبيتهم من الليبراليين، وبين إسرائيل والدول الغربية، حلفاء إسرائيل المهمّين. كما أن هذه الخطوات قدمت سلاحاً قيماً إلى الذين يحاولون مماحكة إسرائيل وتشويه مكانتها الدولية، مثل ناشطي حركة الـBDS وآخرين يتآمرون على وجود الدولة.

· في الخلاصة، تعزيز البُعد القومي للدولة ليس مرفوضاً في الأساس. مع ذلك، من المهم أن نضمن ألاّ يتحول البُعد القومي إلى بُعد قومجي، ويجب أن نضمن المحافظة على التوازن بين البُعد القومي والبُعد الديمقراطي، لأنهما معاً يعبّران عن هوية دولة إسرائيل التي أقامها الآباء المؤسسون.

· بناء على ذلك، من المؤسف ألاّ يتضمن قانون القومية النص التفصيلي لوثيقة الاستقلال التي جاء فيها:” تفتح دولة إسرائيل أبوابها من أجل الهجرة اليهودية وجمع الشتات؛ وتدأب على ترقية البلاد لمصلحة سكانها جميعاً، وستكون مستندة إلى دعائم الحرية والعدل والسلام مستهدية بنبوءات أنبياء إسرائيل؛ وتقيم المساواة التامة في الحقوق اجتماعياً وسياسياً بين جميع رعاياها من دون تمييز في الدين والعنصر والجنس؛ وتؤمّن حرية الأديان، والضمير والكلام، والتعليم والثقافة، وتحافظ على الأماكن المقدسة لكل الديانات؛ وتراعي مبادىء ميثاق الأمم المتحدة”. هذه الصيغة يستطيع أن يوقّعها جميع مواطني الدولة تقريباً، لقد كان يمكن لقانون القومية أن يكون قانون توحيد بدلاً من أن يكون قانون تفرقة.

المصدر: مجلة “معاريف”مباط عال” الإسرائيلية،، العدد 1080، 31/7/2018، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

Optimized by Optimole