الدول والحدود في الشرق الأوسط: ليس ما تظنون

الدول والحدود في الشرق الأوسط: ليس ما تظنون
Spread the love
جندي تابع للحرس الحدود السعودي يتفقد منطقة جبل الدخان على الحدود السعودية - اليمنية (AFP)
جندي تابع للحرس الحدود السعودي يتفقد منطقة جبل الدخان على الحدود السعودية – اليمنية (AFP)

بقلم: موران نجا — في السنوات الأخيرة تحصّن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حدودها تدريجيا بمنظومات من الأسوار والسياج ووسائل رقابة مكثّفة. هذا التوجه ليس محصورا في الشرق الأوسط، فموجات الهجرة تدفع دولا عديدة في أوروبا نحو إقامة حواجز مادية تمنع الوصول إلى أراضيها، وتدفع الصراعات الأخرى في العالم أيضا إلى اتخاذ خطوات مشابهة، تعتمد على قدرات تكنولوجية تتطور وفقا لذلك.

في تحديد الحدود بين الدول هناك مراحل لا يمكن فصلها: تحديد الحدود وإدارتها. في مرحلة التحديد توضع علامات في الأرض كي تظهر الحدود بوضوح. في الشرق الأوسط تواجه هذه الخطوة صعوبة كبيرة بسبب الطابع الصحراوي لأجزاء كبيرة في المنطقة، وعقب حقيقة أنّ الحدود ليست بالضرورة متداخلة مع معالم مادية في المنطقة. نتيجة لذلك رُسم العديد من الحدود من خلال معالم منفردة أو أنها لم تُرسم إطلاقا. في مرحلة الإدارة، التي لا تُقاس وفق الوقت، تقرر الدول كيفية إدارة الحدود. من شأن هذا التعامل أن يتغيّر من حدود لأخرى ومن وقت لآخر.

إنّ التهديد الفوري الذي تواجهه دول الشرق الأوسط من جهة تنظيم “الدولة الإسلامية” والظواهر المرافقة له (مثل الهجرة) زادت من حاجتها إلى إنشاء حواجز مادية بينها
إنّ التهديد الفوري الذي تواجهه دول الشرق الأوسط من جهة تنظيم “الدولة الإسلامية” والظواهر المرافقة له (الهجرة، تزايد التطرف وغيرها) زادت من حاجتها إلى إنشاء حواجز مادية بينها، حتى لو كانت هذه الأسباب في حالات معينة مجرد ذريعة، أو تعزيز، لدوافع داخلية لإنشاء الحواجز.

المملكة العربية السعودية هي النموذج الأبرز لذلك. تفعل التنظيمات الإرهابية، مهرّبو المخدّرات والمهاجرون من دول مختلفة كل ما يخطر في البال في الأراضي المفتوحة الواسعة للمملكة، وهذا يوجّه ميزانيات ضخمة لمشاريع الرقابة والإشراف على حدودها. من بين نحو 4,272 كيلومترا من الحدود البرية تقيم السعودية سياجا إلكترونيا على طول نحو 1,000 كيلومتر على الحدود مع العراق وسياجا آخر طوله نحو 1,800 كيلومتر على الحدود مع اليمن. إلى جانب ذلك يتم تعزيز الرقابة وتنظيم قوات الجيش في الحدود، بل وفي بعض الأحيان يتم إخلاء قرى من المناطق الريفية، على الأقل بشكل مؤقت، نتيجة الصراع المستمر مع اليمن.

وقد بدأت تونس أيضًا بإنشاء منظومة تحصينات على طول نحو 200 كيلومتر على حدودها مع ليبيا. إن منظومتها أقل تطوّرا من المنظومة التي في السعودية، وتحظى بتمويل خارجي لاستكمال المشروع. إنّ تفكك ليبيا المجاورة، وتكاثر العمليات الإرهابية التي تأتي منها، أجبرت تونس على تخصيص موارد لذلك في الوقت الذي تكافح هي نفسها من أجل استقرار نظامها الجديد. تبني تركيا أيضًا منظومة متكاملة من السياج والأسوار على طول نحو 900 كيلومتر على حدودها مع سوريا، عقب تهديدات الميليشيات المختلفة في سوريا ومحاولة إيقاف التعاون بين الأكراد على جانبي الحدود.

يبدو أنّ هذا الاتجاه لم يترك أية دولة في الشرق الأوسط. ففي الفترة الحالية تحصّن الجزائر، الإمارات العربية المتحدة، عُمان، وإسرائيل حدودها أيضًا، وتعزز الدول الأخرى أمنها على الحدود. تتم هذه العملية بسرعة فائقة في العقد الأخير فقط.

إنّ أسباب تحصين الحدود للاحتياجات الأمنية واضحة بذاتها، ولكن التغيير المادي للحدود يترافق أيضًا مع تغييرات تصوّرية لا تتم مناقشتها بشكل كاف في الخطاب العام ولا حتى في الخطاب الأكاديمي. بالنسبة للإسرائيليين، يُنظر إلى حدود الدولة في الغالب كحاجز يهدف إلى تنظيم المرور الحر بين إسرائيل والدول المجاورة وإلى الحفاظ على أمن البلاد.

إن تصوّر الحدود كسور واقٍ وحاجز فصل مادي هو تصوّر جديد وثوري على المستوى الإقليمي، ويمكن أن يؤدي الإغلاق المادي للدولة، إلى تعزيز الوعي الوطني وفي نفس الوقت إلى تقليل العلاقات والتعاون بين الدول العربية
ولكن هذه النظرة لا تتلاءم بالضرورة مع الحدود الأخرى في الشرق الأوسط. تشترك المجتمعات العربية بين بعضها البعض بهويات مشتركة متجاوزة للحدود الوطنية التي تم تحديدها بين الدول الحديثة في المنطقة. بل إن هذه الهويات شكلت التعامل مع الحدود منذ تحديدها، ولهذا السبب بقي الكثير من الحدود في العالم العربي غير محدد، أو غير مرسوم بشكل دقيق، حتى بداية القرن الحالي. في معظم الحالات تمت إدارة الحدود ببلادة، وباستثناء حالات استثنائية تم تخصيص موارد قليلة فقط لأغراض حراسة الحدود.

أحدثت التحوّلات العميقة في النظام الإقليمي في بداية القرن الواحد والعشرين أيضًا تحولا في تعامل دول المنطقة مع مفهوم الحدود وإدارتها. إن تصوّر الحدود كسور واقٍ وحاجز فصل مادي هو تصوّر جديد وثوري على المستوى الإقليمي، ويمكن أن يؤدي الإغلاق المادي للدولة إلى تعزيز الوعي الوطني وفي نفس الوقت إلى تقليل العلاقات والتعاون بين الدول. بقي الآن أن نرى هل ستساهم هذه العملية التدريجية من الفصل المادي بين الدول أيضًا في عملية فصل الهويات العربية المختلفة، التي تكافح من أجل مكانتها في الدول الوطنية العربية طوال سنوات قيامها.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي، عن موقع “المصدر” الإسرائيلي