نهايةُ عقودٍ من تقاليد العائلة المالكة إثر صعودِ نجمِ أميرٍ سعودي

نهايةُ عقودٍ من تقاليد العائلة المالكة إثر صعودِ نجمِ أميرٍ سعودي
Spread the love

binsalman

بقلم: مارك مازيتي — بن هابارد لصحيفة نيويورك تايمز — للأمير محمد بن سلمان، وليّ وليّ العهد السعودي، يدٌ في جميع جوانب السياسة السعودية. لجأ إلى تخفيض ميزانية الدولة، وتجميد العقود الحكومية، وتقليل رواتب موظفي الدولة، في إطار سلسلة من إجراءات التقشف الصارمة استجابةً للأزمة التي تمر بها المملكة العربية السعودية إثر انخفاض أسعار النفط.

إلّا أنه وفي العام الماضي، وقعت عينا وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على يختٍ لم يملِك مقاومته.

فبينما كان الأمير بن سلمان يقضي عطلته في جنوب فرنسا، رأى يختًا طوله 440 قدمًا يطفو على الماء قبالة الساحل. وعلى الفور أرسل أحد مساعديه ليشتري له اليخت المعروف باسم “سيرين” والمملوك لملياردير الفودكا الروسي يوري شيفلر. لم تستغرق الصفقة سوى ساعات بيعَ خلالها اليخت بمبلغ 500 مليون يورو تقريبًا (نحو 550 مليون دولار اليوم)، حسبما ورد عن أحد شركاء السيد شيفلر وأحد الأشخاص المقربين من العائلة المالكة. وفي نفس اليوم، أخلى الروسي اليخت.

تلك إذن مفارقة الأمير بن سلمان الذي يبلغ من العمر 31 عامًا: رجلٌ يسعى إلى تغيير التقاليد القديمة، وإعادة هيكلة الاقتصاد، وترسيخ سلطة المملكة – لكنه في الوقت نفسه يتشبث بكلّ ما أوتِيَ من امتيازات ملكية. وفي أقل من عامين، صعد نجم بن سلمان كأكثر أفراد العائلة المالكة حضورًا في واحدة من أكثر دول العالم العربي ثراءً، وهو ما جعله منافسًا محتملًا على عرش المملكة.

للأمير بن سلمان يدٌ في كافة جوانب السياسة السعودية – بدءًا من الحرب في اليمن التي كلّفت المملكة مليارات الدولارات وأسفرت عن انتقادات دولية جرّاء وقوع القتلى من المدنيين، ووصولًا إلى الجهود المبذولة على الصعيد الداخلي بهدف الحدّ من عادات البذخ في الإنفاق في المملكة العربية السعودية ووضع نهاية لحالة “إدمان النفط” في المملكة. علاوةً على ذلك، بدأ بن سلمان في تخفيف وطأة القيود الاجتماعية المفروضة على الشباب.

وهكذا وضع صعود نجم الأمير بن سلمان نهايةً لعقود من التقاليد التي طالما تمسّكت بها العائلة المالكة، والتي تَعتبر احترام الأقدمية ومشاركة السلطة بين فروع العائلة المالكة قيمًا راسخة. فلم يحدث من قبل في تاريخ المملكة أن استأثر وليّ وليّ العهد، الذي يحتل المرتبة الثانية على قائمة انتظار العرش، بكلّ هذا القدر من النفوذ. وهذه المركزية في السلطة كانت سببًا في إثارة غضب الكثيرين من أقاربه.

وبسبب طموحات الأمير الشاب التي لا حدّ لها على ما يبدو، ظن كثيرٌ من المسؤولين داخل المملكة وخارجها أن وليّ وليّ العهد لا يسعى فحسب إلى تنفيذ خطة التحول الوطني في المملكة، بل يضع نصب عينيه أيضًا إزاحة وليّ العهد الحالي – ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي يبلغ من العمر 57 عامًا – من المشهد السياسي، ومن ثمّ يمهّد لنفسه الطريق ليكون الملك المقبل للسعودية. خطوةٌ كهذه قد تؤدي إلى تفاقم غضب أقاربه، وإذا قُدّر لها النجاح، فستكون سابقةً في تاريخ البلاد التي ستشهد للمرة الأولى ملكًا شابًّا قد يبقى على سُدة الحكم عقودًا طويلة.

لطالما احتفظ وليّ العهد بن نايف، وزير الداخلية والمعروف بأنه قيصر الحرب على الإرهاب، بعلاقات وطيدة مع واشنطن وبدعم الكثيرين من كبار أفراد العائلة المالكة. وبرغم أن قراءة الخيوط المتشابكة للعائلة المالكة أشبه بمحاولة الدوران داخل غرفةٍ مليئةٍ بالمرايا، يرى كثيرٌ من المسؤولين الأميركيين والسعوديين أن الأمير بن سلمان قد اتّخذ خطوات استهدفت الوصول إلى ملفات الأمير بن نايف وتقويض موقفه.

في ظلّ ظروف كهذه، لم يجد المسؤولون في واشنطن بُدًّا من توخّي الحذر من خلال توطيد علاقاتهم مع الرجلين في آنٍ واحد، لأنهم ليسوا على يقين من سينتهي به المطاف على سُدة الحكم. تلقّى البيت الأبيض إشارة مبكرة تفيد بصعود نجم الأمير الشاب في أواخر عام 2015، عندما تحدّث الأمير بن سلمان – خلافًا للبروتوكولات المتّبعة – عن إخفاق السياسة الخارجية الأميركية وذلك في لقاء جمع والده الملك سلمان والرئيس أوباما.

يحظى الأمير بن سلمان بإعجاب قطاع كبير من الشباب السعودي، إذ يعتبرونه نموذجًا أعلى لجيلهم بعد نجاحه في التصدّي لعدد من المشكلات داخل المملكة بجرأة غير معهودة. أما القنوات الإعلامية التابعة للملك، فقد روّجت للأمير باعتباره قائدًا مثابرًا وعمليًّا وأنه أقل اهتمامًا من أسلافه بزخرف الملك والسلطان.

على الجانب الآخر، هناك من ينظر إلى الأمير بن سلمان على أنه شخصٌ حديثُ عهدٍ بالسلطة متعطّشٌ لها، وأنه يخاطر بزعزعة استقرار البلاد من خلال إحداث تغييرات جذرية في وقت قياسي.

كشفت سلسلة لقاءات استمرت شهورًا مع مسؤولين سعوديين وأميركيين، وأفراد من العائلة المالكة والمقربين منهم ودبلوماسيين مهتمين بالشأن السعودي، عن أن الأمير الشاب في عجلة شديدة من أمره ليثبت أن بوسعه تنفيذ التحوّل المنشود في المملكة العربية السعودية. أما الأمير بن سلمان، فقد رفض طلبات عدّة لإجراء مقابلة لهذا المقال.

لكنّ السؤال الذي يطرحه كثيرون – من دون إجابة حتى الآن – هو هل سينجح هذا القائد المتحمّس في شق طريق جديد تسير فيه المملكة مستقبلًا، أم أن اندفاعه وانعدام خبرته سيُفضيان إلى زعزعة أكبر اقتصادات العالم العربي في وقت تجتاح فيه الاضطرابات منطقة الشرق الأوسط.

صراع على السلطة
في مطلع العام الحالي، غادر وليّ العهد الأمير محمد بن نايف المملكة متجهًا إلى فيلا عائلته في الجزائر؛ في مجمّع سكني مترامي الأطراف على بعد ساعة من شمال العاصمة. ورغم أنه اعتاد قضاء عطلات الصيد في هذا المكان، فإن كثيرين ممن يعرفونه قالوا إن هذا العام كان مختلفًا. فقد بقي وليّ العهد هناك لمدة أسابيع من دون اتصال بالعالم الخارجي، وكثيرًا ما كان يرفض الردّ على الرسائل الواردة من مسؤولين سعوديين وأشخاص مقربين في واشنطن، حتّى إن جون برينان رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية، الذي يعرفه منذ عقود، لم يتسنَّ له الاتصال به.

يعاني وليّ العهد من السكّري ومن بعض تبعات محاولة الاغتيال التي تعرّض لها عام 2009 على يدّ جهادي فجّر قنبلة كان يخفيها داخل شرجه.

لكن غيابًا طويلًا كهذا وسط انخفاض أسعار النفط، واضطرابات تسود منطقة الشرق الأوسط، وحرب متعثّرة بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، جعل عدد من المسؤولين الأميركيين يفكّرون أن وليّ العهد يتفادى الاحتكاك بإبن عمه الأصغر سنًّا وأنه يشعر بالقلق من الخطر الذي يعتري فرصته في اعتلاء سُدة الحكم.

منذ أن تولّى الملك سلمان الحكم في كانون الثاني – يناير 2015، حظي نجله بصلاحيات جديدة بعضها يقوّض نفوذ وليّ العهد. فقد قام الملك سلمان بتفكيك ديوان وليّ العهد وضمّه إلى الديوان الملكي، ومنح الأمير محمد بن سلمان سلطة الوصول مباشرةً إلى الملك. وسرعان ما أعلن الأمير محمد بن سلمان عن تشكيل تحالف عسكري يضم الدول الإسلامية من أجل مكافحة الإرهاب، وهي مهمّة طالما كانت من اختصاص الأمير محمد بن نايف، إلا أنه لم يكن له أو لوزارة الداخلية التي يرأسها أي دور في الخطة الجديدة.

طبيعة العلاقة الشخصية بين الرجلين يلفّها الغموض أيضًا، وهو ما يؤجج النقاش داخل المملكة وفي عواصم العالم حول هوية الملك المقبل. ومما يزيد الأمر غموضًا تلك الاختلافات الجليّة بين السيرة الذاتية لكلا الرجلين. فالأمير محمد بن نايف اعتاد البقاء بعيدًا عن الأضواء، برغم زيارته إلى نيويورك الشهر الماضي لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة توجّه بعدها إلى زيارة رسمية لتركيا.

أما ابن عمه الشاب، فقد سعى إلى الوقوف في دائرة الضوء من خلال زياراته إلى عواصم العالم، وحديثه مع الصحافيين الأجانب، والتقاط صور له مع مارك زوكربيرغ رئيس شركة فيسبوك، وتقديم نفسه على أنه وجه جديد للمملكة العربية السعودية.

يقول جوزيف كيشيشيان الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض والذي له علاقات مع عدد كبير من أفراد العائلة المالكة، “ما من شيء أهمّ من مسألة انتقال السلطة، خصوصًا في الوقت الحالي. فهذا الأمر يمثل أهمية للنظام الملكي، وللحلفاء الإقليميين، ولشركاء المملكة الدوليين.”

من بين أهم المبادرات التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان، الذي يشغل منصب وزير الدفاع، كانت الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن، والتي منذ بدايتها العام الماضي أخفقت في إجلاء المتمردين الحوثيين وحلفائهم من العاصمة اليمنية. دفع الشعب اليمني ثمن الحرب عندما واجه قطاع كبير منهم خطر المجاعة فضلًا عن مقتل آلاف المدنيين منهم، في حين تكبّدت الحكومة السعودية عشرات المليارات من الدولارات جرّاء تلك الحرب.

إن إسناد حرب كهذه إلى أمير يفتقر إلى الخبرة العسكرية قد أجّج الخلافات بينه وبين أبناء عمومته الأكبر سنًّا، حسبما أفاد مسؤولون أميركيون وأفراد من العائلة المالكة. فهناك ثلاثة أجهزة أمنية رئيسية في المملكة تخضع لإشراف الأمراء؛ وبرغم أنها اتفقت جميعًا على ضرورة استجابة المملكة لاستيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية وإسقاط الحكومة الشرعية، فقد اتّخذ الأمير محمد بن سلمان المبادرة وشنّ الحرب في آذار – مارس 2015 من دون تنسيق بين الأجهزة الأمنية الثلاثة.

لم يتلقَّ وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله أي أنباء عن الحرب وكان خارج البلاد عندما انطلقت الضربات الأولى، وفقًا لما ذكره أحد كبار المسؤولين في الحرس الوطني.

والآن، يسيطر الحرس الوطني على معظم الحدود اليمنية.

أصيب المسؤولون الأميركيون بخيبة أيضًا عندما سافر الأمير محمد بن سلمان في عطلة إلى جزر المالديف إبّان تصاعد حدة العمليات العسكرية في اليمن. وأشار عدد من المسؤولين الأميركيين إلى أن وزير الدفاع آشتون كارتر لم يستطع الوصول إليه طوال أيام في إحدى محطات رحلته.

الحرب التي طال أمدُها في اليمن كان لها دورٌ أيضًا في تأجيج حدة التوتر بين الأمير محمد بن سلمان، والأمير محمد بن نايف الذي حظي بتقدير المسؤولين السعوديين والأميركيين لنجاحه في تفكيك تنظيم القاعدة في المملكة قرابة عقد مضى، وها هو الآن يرى استغلال التنظيم لحالة الفوضى التي يشهدها اليمن، حسبما أشار مسؤولون ومحللون أميركيون.

قال بروس ريدل، وهو محلل سابق لشؤون الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات الأميركية وزميل مؤسسة بروكينغز: “لو أنّ محمد بن نايف أراد الظهور بمظهر الداعم القوي لهذه الحرب، لكان قد فعل خلال عام ونصف عام مضت.”

مع اقتراب الحرب، تبنّى الأمير محمد بن سلمان موقف المناصر الجسور للحملة أمام الرأي العام، وكثيرًا ما كانت تظهر صور الأمير أثناء زياراته للقوات أو اجتماعه بالقادة العسكريين. لكن مع وصول الحملة إلى طريق مسدود، أخذ هذا الحضور يتلاشى شيئًا فشيئًا.

تُلقي حرب اليمن الضوء على خطط السياسة الخارجية الجسورة التي ينتهجها الأمير محمد بن سلمان والتي تستهدف تخفيف الاعتماد على قوى الغرب كالولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بالحفاظ على أمن المملكة. وقد وجّه محمد بن سلمان انتقادات للتغير الإيجابي الذي طرأ على العلاقات الأميركية الإيرانية وعلى تعليقات أوباما في حوار أُجري معه هذا العام عندما قال إن المملكة العربية السعودية لا بد وأن “تتشارك الجوار” مع إيران.

يرى المحللون أن هذا الأمر جزءٌ من مساعي الأمير محمد بن سلمان لتعزيز الشعور بالهوية الوطنية السعودية التي لم يكن لها وجود منذ تأسيس المملكة عام 1932.

وهنا يقول أندرو بوين الخبير في الشأن السعودي لدى مركز ويلسون في واشنطن: “ظهرت موجة من القومية السعودية منذ بدء العمليات في اليمن، حيث ساد شعور بأن المملكة العربية السعودية قادرة على اتخاذ قرار جماعي مستقل.”

غير أن السيد بوين يرى في الوقت نفسه أن هذا الدعم من جانب السعوديين الأصغر سنًا قد يتلاشى إذا طال أمد هذا الصراع. ويؤكد دبلوماسيون أن حصيلة القتلى بين الجنود السعوديين تفوق الأرقام المعلنة من جانب الحكومة، بالإضافة إلى أن غارةً جوية استهدفت مجلس عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء مؤخرًا قد دفعت جماعات حقوق الإنسان وحقوقيين أميركيين إلى إطلاق الدعوات لحظر أو إرجاء بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.

وقد ذكر بعض الأشخاص الذين التقوا الأمير محمد بن سلمان أنه يأبى إلا أن تكون المملكة العربية السعودية أكثر حزمًا في رسم خارطة الأحداث في الشرق الأوسط وفي التصدّي للنفوذ الإيراني في المنطقة؛ سواءٌ أكان ذلك في اليمن، أم سوريا، أم العراق، أم في لبنان.

في هذا الصدد، أشار برايان كاتوليس، خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز “أميريكان بروغريس” في واشنطن، والذي التقى الأمير هذا العام في الرياض، إلى أن لديه أجندة واضحة. قال السيد كاتوليس: “رسالته الرئيسية هي أن المملكة العربية السعودية قوة لا يستهان بها.”

صعود مفاجئ
لا تزال المملكة العربية السعودية تتبنى نظام المَلَكية المطلقة من بين بضع دول في العالم، وهو ما يعني أن الأمير محمد بن سلمان قد نال كلّ ما لديه من صلاحيات بقرار شخصٍ واحدٍ فحسب هو والده.

صعد نجم الأمير الشاب أوائل عام 2015 بعد وفاة الملك عبد الله إثر إصابته بسرطان الرئة، واعتلاء الملك سلمان سدّة العرش. ومن خلال سلسلة من المراسيم الملكية، أعاد الملك سلمان هيكلة الحكومة وأدخل تعديلات جذرية على نظام الخلافة في العائلة المالكة أفضت جميعها إلى حصول ابنه على قدر هائل من الصلاحيات.

عُيّن الأمير وزيرًا للدفاع، وتولّى رئاسة مجلس أعلى جديد مهمته الإشراف على الاقتصاد السعودي، كما تولّى رئاسة المجلس الأعلى لشركة النفط السعودية الحكومية أرامكو التي تعد المحرك الرئيسي للاقتصاد السعودي.

علاوةً على ذلك، أصدر الملك أمرًا جديدًا أعاد من خلاله هيكلة نظام الخلافة حيث أطاح بآمال الملك عبد الله وأعفى وليّ عهده الذي كان قد عيّنه من قبل، الأمير مقرن بن عبد العزيز، من ولاية العهد وعيّن بدلًا منه الأمير محمد بن نايف.

وبرغم أن جميع الملوك وأولياء العهد السابقين كانوا من أبناء مؤسّس المملكة، فإن الأمير محمد بن نايف كان أول المنضمّين إلى قائمة انتظار العرش من أحفاد المؤسّس الأول. نالت هذه الخطوة استحسان الكثيرين بسبب نجاح الأمير في حربه ضد تنظيم القاعدة؛ ولأنه ليس لديه أبناءً من الذكور، فقد عُقدت الآمال على أنه سيختار خليفته على أساس الجدارة لا النسب.

سرعان ما تبددت تلك الآمال عندما عُيّن الأمير محمد بن سلمان وليًّا لوليّ العهد، وكان حينها يبلغ من العمر 29 عامًا كما أنه لم يكن معروفًا لدى حلفاء المملكة السعودية المقربين.

عصفت هذه الخطوة بالتطلعات السياسية لأقارب الأمير الأكبر سنًّا، ومنهم كثيرون ذوو باع طويل في العمل العام وفي قطاعات حيوية في الدولة مثل قطاعي الدفاع والنفط. بعضهم لا يزال غاضبًا، لكنهم لم يبوحوا بذلك علنًا انطلاقًا من احترامهم للملك الذي يبلغ من العمر 80 عامًا.

منذ ذلك الحين، أسرع الأمير محمد بن سلمان ببناء سيرته العامة والترويج لنفسه لدى الدول الأخرى باعتباره الرجلَ المهمّ في المملكة.

أمّا على الصعيد الداخلي، فقد ركّز الأمير محمد بن سلمان على خطة طموحة لمستقبل المملكة أُطلق عليها اسم ”رؤية 2030”. أُطلقت رؤية 2030 في شهر نيسان أبريل 2016 بهدف تحويل المملكة من خلال تنويع مصادر اقتصادها بعيدًا عن النفط، وزيادة فرص العمل السعودية، وتطوير التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الحكومية. وبعدها بقليل، أُطلقت “خطة تحوّل وطني” تتضمن أهدافًا لتطوير وزارات الدولة.

من جهة، تبدو هذه الخطط أهدافًا طموحة لتغيير نمط الحياة المعروف عن المملكة العربية السعودية. لكن من جهة أخرى، تبدو هذه الخطط إدانة لاذعة للنهج المتردّي الذي سار عليه أسلاف الأمير محمد بن سلمان في إدارة شؤون البلاد.

ثمة خطط حكومية رسمية تستهدف تحقيق التنمية ويرجع عهدها إلى عقود مضت وجميعها يطالب بتقليل الاعتماد على النفط وزيادة فرص التوظيف في المملكة، غير أنها ليست ذات أثر ملموس. وفيما يتعلق بالدعوة إلى تعزيز قيم مثل الشفافية والمساءلة، تدرك الخطة أن كلاهما لم يكونا على المستوى المطلوب. يرى دبلوماسيون واقتصاديون أن الغموض لا يزال مسيطرًا على جوانب كثيرة في الاقتصاد السعودي، بما في ذلك رواتب أفراد العائلة المالكة وتكلفة الامتيازات السخية التي يتمتعون بها.

لقد باتت الحاجة إلى إحداث التغيير الآن أهمّ من أي وقت مضى، خاصةً مع انخفاض أسعار النفط العالمية أقل من نصف ما كانت عليه في عام 2014، ومع دخول مئات الآلاف من الشباب السعودي سوق العمل سنويًا. دعا الأمير محمد بن سلمان إلى عهد جديد من المسؤولية المالية، وبالفعل شهد العام الماضي زيادة في أسعار الوقود والمياه والكهرباء، في حين تم خفض رواتب بعض موظفي القطاع العام، وهو ما يفرض أعباءً على ميزانية المواطن السعودي العادي. كما أعلن محمد بن سلمان أن الحكومة ستبيع أسهمًا في شركة أرامكو السعودية، التي يُرجَّح أنها الشركة الأعلى قيمة على مستوى العالم.

ينظر كثيرٌ من السعوديين إلى صغر سنّ الأمير وطموحاته باعتبارها مزايا في وقت لا بد فيه من تغيير طرق التفكير التقليدية.

وفي هذا السياق، قالت هدى الحليسي عضو مجلس الشورى في المملكة والمُعيّنة من قبَل الملك: “إنه يتحدث بلغة الشباب. لطالما قاد البلادَ جيلٌ من القادة الأكبر سنًا، والآن نحن في حاجة إلى البحث عمن سيقود الجيل المقبل.”

لم تكن بعض المبادرات التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان مدروسة على النحو الكافي؛ ففي شهر كانون الأول – ديسمبر 2015 عقد أولى مؤتمراته الصحافية ليعلن تشكيل تحالف عسكري للدول الإسلامية بهدف التصدّي للإرهاب. غير أن عددًا من الدول التي أعلن الأمير انضمامها إلى التحالف ردّت بأنها ليست على علمٍ بذلك وأنها لا تزال في انتظار المعلومات قبل اتخاذ قرار بشأن الانضمام للتحالف.

على الجانب الآخر، لاقت بعض المبادرات الأخرى شعبية كبيرة. فبعد أن طالب الأمير محمد بن سلمان بتوفير المزيد من الخيارات الترفيهية للأسر السعودية والشباب الذين غالبًا ما يقضون عطلاتهم خارج البلاد، أصدر مجلس الوزراء مجموعة من القرارات التي تحجّم نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. علاوةً على ذلك، أسّس الأمير هيئة ترفيهية أطلقت أولى أنشطتها والتي تضمنت عروضًا كوميدية، ومصارعة المحترفين، وسباقات الشاحنات.

سعى الأمير محمد بن سلمان إلى الحفاظ على مسافة بينه وبين هيئة كبار العلماء، وهي هيئة تضم كبار رجال الدين الذين يضعون السياسات الدينية الرسمية ويصدرون الفتاوى الدينية التي كثيرًا ما تكون محط سخرية من الشباب السعودي بسبب انعزالها عن الواقع المعاصر.

بدلًا من ذلك، سعى الأمير إلى كسب تأييد رجال الدين الشباب ممن لديهم ملايين المتابعين على صفحات التواصل الاجتماعي. فبعد إطلاق رؤية 2030، أقام الأمير محمد بن سلمان حفل استقبال للصحافيين والأكاديميين السعوديين، وضمّ الحفل عددًا من رجال الدين الشباب والمهتمين بالتكنولوجيا الحديثة الذين أشادوا بدورهم بخطة الأمير.

لم يكن أحدٌ ليتوقع هذا النفوذ الحاليّ الذي يحظى به الأمير محمد بن سلمان خلال سنواته الأولى التي قضى شطرًا كبيرًا منها بعيدًا عن أنظار المسؤولين في الغرب والذين يتابعون عن كثب شباب العائلة المالكة ممن يُتوقع أن يؤول إليهم حكم المملكة يومًا.

استطاع عدد من أبناء الملك سلمان، الذين درسوا خارج المملكة بُغية إتقان اللغات الأجنبية والحصول على أرفع الشهادات العلمية، بناء سيرة ذاتية مرموقة. فأحدهم أصبح أول رائد فضاء عربي، وآخر أصبح نائب وزير النفط، والثالث يتولّى إمارة منطقة المدينة المنورة.

أما الأمير محمد بن سلمان، فقد ظلّ في المملكة العربية السعودية وهو لا يتقن التحدث باللغة الإنجليزية، وإن كان واضحًا أنه يفهمها. بعد تلقيه تعليمًا خاصًا بالمدرسة، درس الأمير القانون في جامعة الملك سعود في الرياض، ويُقال إنه حلّ في المرتبة الرابعة على صفّه لدى تخرجه. وقد ذكر أحد الأمراء من نفس جيله أنه تعرّف عليه في المرحلة الثانوية عندما استضاف أحد أعمامه حفلات عشاء متكررة للأمراء الشباب في قصره، وأضاف أن الأمير محمد بن سلمان كان واحدًا من المدعوين آنذاك مشيرًا إلى أنه كان يحب لعبة “بريدج” وكان من المعجبين بمارغريت تاتشر(رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة).

يُذكر أن الملك سلمان يرى نفسه في ابنه المفضّل، آخر الأبناء في سلالة أسرة حكمت معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية على مدار ثمانية عقود.

عام 2007، عندما زار سفير الولايات المتحدة الملك سلمان، الذي كان أميرًا لمنطقة الرياض آنذاك، ليودّعه في نهاية فترة خدمته، طلب منه سلمان أن يساعده في تخطّي الإجراءات الصارمة لاستخراج تأشيرة إلى الولايات المتحدة، حيث لم تستطع زوجته الحصول على تأشيرة لزيارة طبيبها. وبرغم أن أبناءه الآخرين كانوا على استعداد للخضوع لإجراءات استخراج التأشيرة، رفض ابنه الأمير محمد أن يذهب إلى السفارة الأميركية لتقديم بصماته “كالمجرمين” حسبما ورد في برقية إلى وزارة الخارجية آنذاك.

تخرّج الأمير محمد بن سلمان من الجامعة في ذلك العام وواصل العمل مع والده، الذي عُين وزيرًا للدفاع عام 2011، إلى جانب عمله في سوق العقارات والأعمال.

لا يزال كثيرون من أفراد العائلة المالكة مرتابين من الدوافع وراء مشاريع الأمير الشاب وطموحاته، بينما سخر منه البعض بأن لقبوه باسم “أمير الرؤية”، فضلًا عن أنهم أبدوا استياءهم من الفريق الضخم الذي يحيط به الأمير نفسه من مسؤولين ومستشارين أجانب يتلقون أموالًا طائلة.

أبدى آخرون استياءهم من الخلية الإعلامية التي أسّسها الأمير داخل الديوان الملكي للترويج لمبادراته على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالمجموعة التي يُطلق عليها اسم “مركز الدراسات والشؤون الإعلامية” في الديوان الملكي لم تدّخر جهدًا في التركيز على تقديم صورة إيجابية لحرب اليمن في واشنطن، كما وظّفت عددًا من جماعات الضغط والشركات المتخصصة في الشؤون العامة في واشنطن للمساعدة في تحقيق تلك الغاية.

وعلى الصعيد الداخلي، نجحت الحكومة في إبقاء الانتقادات الموجهة إلى الأمير ومشاريعه بعيدًا عن الرأي العام. فأسرة الأمير تهيمن على الشركة المالكة لمعظم الصحف السعودية التي تسابقت في تغطية مبادراته، وقد حصل عدد من كبار المحررين والصحافيين السعوديين الذين رافقوا الأمير في رحلاته إلى الخارج على مبالغ تصل إلى 100 ألف دولار نقدًا، حسبما أفاد شخصان كانا ضمن الوفد المرافق للأمير.

في الوقت نفسه، تم إسكات بعض الصحافيين السعوديين كثيري الانتقاد من خلال مكالمات هاتفية تخبرهم بمنعهم من النشر، بل ومن السفر خارج البلاد في بعض الأحيان.

ففي شهر حزيران يونيو 2016، نشر الصحافي السعودي سلطان السعد القحطاني مقالًا باللغة العربية على موقعه الإلكتروني، الرياض بوست، تطرّق فيه إلى غياب النقاش حول صعود الأمير محمد بن سلمان.

كتب القحطاني: “تستطيع أن تشتري عشرات الصحف، ومئات الصحافيين، لكنك لن تستطيع شراء التاريخ الذي سيكتب عنك”.

وأضاف أن شعبية الأمير بين السعوديين “منبعها الرغبة الجارفة لقطاع كبير في التغيير” وأنهم يحبونه آملين في قدرته على “تحويل أحلامهم إلى واقع”.

تلا ذلك الجملة التي اعتُبرت مصدرًا للخطر عندما كتب القحطاني: “إذا فشلت، فإن هذا الحب يذوي سريعًا كأنه لم يكن، ويحلّ محلّه شعور عميق بالإحباط والكراهية”.

قال القحطاني إن الموقع حُجب في اليوم التالي للمرة الثالثة في 13 شهرًا (والموقع قائم الآن كنسخة احتياطية على عنوان جديد).

المستقبل
رغم أن المبادرات التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان تتضمن أهدافًا طويلة الأمد وواسعة النطاق، فإنها في الوقت نفسه ربما تكون معلّقةً بشعرة دقيقة هي علاقة الأمير بوالده الذي ذكر مسؤولون أجانب التقوا به من قبل أنه مصابٌ بنوبات من فقدان الذاكرة. ومؤيدو الأمير أنفسهم يؤكدون أنهم غير واثقين ما إذا كان سيحتفظ بدوره الحالي بعد وفاة أبيه أم لا.

في غضون ذلك، يسابق الأمير بن سلمان الزمن كي يؤسّس لنفسه شهرةً ويرسّخ مكانه في هرم السلطة بالمملكة.

فصعوده السريع، وزياراته الخارجية التي حظيت بتغطية واسعة إلى كلّ من واشنطن، وأوروبا، والشرق الأوسط، وبعض المناطق في آسيا، دفعت المسؤولين في إدارة أوباما إلى التفكير في احتمال تخطّيه للأمير بن نايف وتولّيه مقاليد الحكم بالمملكة العربية السعودية خلفًا للملك سلمان.

ولذا لجأ المسؤولون الأمريكيون إلى موازنة الأمور بحيث أقدموا على توطيد علاقتهم بالأمير بن سلمان دون أن يكونوا طرفًا في أي خصومة مع الأمير بن نايف. وقد صرّح مسؤولون في إدارة أوباما أن العلاقات مع الأمير محمد بن سلمان قد تحسّنت بوجه عام، ولكن بعد بداية متعثرة كانت تشهد بين الحين والآخر توبيخًا لكبار المسؤولين الأميركيين – بل وللرئيس نفسه.

فأثناء اجتماع قمة العشرين في شهر تشرين الثاني – نوفمبر في أحد المنتجعات على الساحل التركي، ألقى الأمير محمد بن سلمان ما اعتبره المسؤولون الأميركيون خطابًا مطولًا حول ما وصفه بأنه إخفاق للسياسية الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط – بدءًا من موقف إدارة أوباما المتحفظ إزاء سوريا ووصولًا إلى جهودها لتحسين العلاقات مع إيران، ألدّ خصوم المملكة العربية السعودية.

لطالما اعتمدت الولايات المتحدة في علاقاتها مع السعودية على العلاقات الشخصية، غير أن إدارة أوباما بذلت جهدًا كبيرًا للبحث عن الشخص المناسب لتوطيد علاقته مع الأمير محمد بن سلمان. وأخيرًا، أُسندت هذه المهمة إلى وزير الخارجية جون كيري الذي استضاف الأمير مرات عدة في منزله في “جورجتاون”. وفي يونيو حزيران 2016، تشارك الرجلان حفل إفطار في شهر رمضان. أما في أيلول سبتمبر 2015، فقد استضاف كيري الأمير في حفل عشاء في منزله وانتهى الحفل بعزف الأمير محمد بن سلمان مقطوعة لبيتهوفين لوزير الخارجية وباقي المدعوين.

في أيار مايو 2016، دعا الأمير محمد بن سلمان السيد كيري لاجتماع على متن اليخت “سيرين” الذي اشتراه من الملياردير الروسي.

تنعكس رغبة الأمير محمد بن سلمان في إعادة هيكلة المملكة العربية السعودية في الشعور بالإعجاب – بل والحسد كما أسماه البعض – تجاه أكثر جيران المملكة تحضرًا وتقدمًا في الخليج العربي، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة.

يحظى الأمير بمؤيدين ذوي نفوذ في دولة الإمارات، وتحديدًا وليّ عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي سعى للترويج للأمير محمد بن سلمان في كلّ من الشرق الأوسط وواشنطن.

يُعد وليّ العهد محمد بن زايد، وهو الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، أحد الأشخاص المقربيّن لمسؤولي إدارة أوباما الذين يرون فيه حليفًا جديرًا بالثقة وصوتًا جديرًا بالاحترام في العالم السنّي. غير أن وليّ العهد لديه خصومة شخصية مع الأمير محمد بن نايف، وهو ما يزيد من أهمية دعمه للمنافس الأول لوليّ العهد السعودي.

في أبريل – نيسان من العام الماضي(2015)، ترأست مستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما سوزان رايس وفدًا صغير يضم عددًا من كبار المسؤولين في البيت الأبيض لزيارة الشيخ محمد بن زايد في منزله في ضاحية ماكلين في ولاية فيرجينيا. وخلال اللقاء، حثّ الأمير الأميركيين على توطيد علاقاتهم بالأمير محمد بن سلمان حسبما ورد عن عدد من المسؤولين الذين حضروا اللقاء.

ووفقًا لما ذكره دبلوماسيون مهتمون بالشأن السعودي، فإن جميع الأسئلة المتعلقة بمستقبل الأمير محمد بن سلمان تعتمد في الأغلب على طول فترة بقاء أبيه في الحكم.

فإذا توفي الملك قريبًا، فسوف يتولّى الأمير محمد بن نايف مقاليد الحكم وربما يزيح ابن عمه الأصغر. والحقيقة أن الملك سلمان هو أول من ابتدع هذه السابقة عندما أزاح وليّ العهد الذي كان قد عيّنه الملك السابق.

يقول السيد ريدل المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية: “إذا تدهورت صحة الملك، فعلى الأرجح سيسعى محمد بن سلمان إلى إزاحة محمد بن نايف من المشهد.”

لكن كلما طال بقاء الملك في الحكم، زادت حاجة الأمير الشاب إلى ترسيخ نفوذه أو إقناع الأمير محمد بن نايف بأنه جدير بالبقاء في هرم السلطة إذا ما آلت مقاليد الحكم إلى الأمير محمد بن نايف، حسبما أشار بعض المسؤولين الأجانب.

لا يتوقع معظم المراقبين للشأن السعودي وصول أي شقاق داخل العائلة المالكة إلى الرأي العام، إذ يعي جميع أفراد العائلة المالكة تبعات وصول تلك الخلافات إلى العامة أو ارتخاء قبضتهم على المملكة.

يقول السيد كيشيشيان وهو أحد المحللين الذي له علاقات مع عدد كبير من أفراد العائلة المالكة: “من منطلق متابعتي لهذا الشأن، لديّ قناعة بأن العائلة الحاكمة للمملكة العربية السعودية تضع مصلحة العائلة فوق وقبل كل ما عداها من مصالح.”

ويضيف: “ما من شخص واحد في العائلة المالكة قد يفعل شيئًا يُلحق الضرر بالعائلة.”

شارك في التحقيق: نيكولاس كوليش، جو بيكر، ومات أبوزو

المصدر: صحيفة نيويورك تايمز