في تاريخ الكتاب

في تاريخ الكتاب
Spread the love

د. هيثم مزاحم — قررت منظمة اليونسكو في عام 1995 الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف في 23 أبرِيل / نَيسان من كل عام، تقديراً للكتاب والمؤلفين. وهذا التاريخ هو تاريخ رمزي في عالم الأدب العالمي، ففيه توفي كل من ميغيل دي سرفانتس ووليم شكسبير والاينكا غارسيلاسو دي لافيغا في عام 1616. كما يصادف هذا التاريخ ذكرى ولادة أو وفاة عدد من الأدباء المرموقين مثل موريس درويون، وهالدور ك. لاكسنس، وفلاديمير نابوكوف، وجوزيب بْلا، ومانويل ميخيا فاييخو.

تبدأ قصة الكتاب في الشرق وفي المنطقة العربية، وتحديداً في السهول الخصبة للجزء الجنوب من بلاد الرافدين، حيث أقام السومريون هناك حضارة متقدمة منذ نحو سبعة آلاف سنة.

إن أقدم الشواهد على الكتابة السومرية هي تلك الرقم الطينية الصغيرة التي نُقشت عليها الكتابة التصويرية والتي تعود إلى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد.

وبحسب الباحث اليوغوسلافي الراحل ألكسندر ستيبتشفيتش الذي نشر كتاباً مهماً عن “تاريخ الكتاب”، فإن من المحتمل أن يكون السومريون قد أخذوا الكتابة عن شعب آخر غير معروف كان يعيش قبلهم في الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين. وهناك فرضية تقول إنهم تعلموا الكتابة من شعب كان يعيش على ضفاف نهر الدانوب، لكنهم قاموا بدورهم بتطوير هذه الكتابة، وذلك بعدما تم العثور عام 1961 على الرقم الطينية التي تعود إلى العصر الحجري في منطقة تارتاريا في رومانيا.

وهكذا، تم العثور على مئات الرقم الطينية التي نقشت عليها الطتابة التصويرية التي طورها السومريون في مدينة أورك، وهي تعود إلى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد. وكان السومريون يستعملون أنذاك نحو ألفي إشارة تصويرية، لكن العدد بدأ يقل تدريجياً نتيجة لتزايد ارتباط الإشارات بالأصوات حتى وصل عددها إلى 500 -600 إشارة خلال الألف الثانية قبل الميلاد. كما تغيّر شكل الإشارات السومرية على مر القرون.

ومما ساهم في التطور المورفولوجي (علم دراسة الشكل) للإشارات الطريقة الجديدة لكتابة هذه الإشارات على الطين الطري بواسطة أقلام رفيعة من القصب أو الخشب الخ.. وسميت الكتابة المسمارية لأن الإشارات كانت تشبه المسامير.

وقد نجح السومريون في تطوير هذه الكتابة ودونّوا بها أدق المفاهيم وأرق المشاعر، رغم أن دافعهم الأساس لتطوير الكتابة كان تسجيل الاتفاقات التجارية والديون والمعاهدات مع الدول الأخرى.

كان السومريون – بسحب الرقم الطينية المكتشفة – يتمتعون بأدب غني ومعارف كثيرة، وكانوا يحتفظون بهذه الرقم في المعابد الدينية أو القصور الملكية أو المدارس.

وقد كشف الخبير الأميركي س. ن. كرامر المختص بتاريخ وثقافة السومريين أن أحد النصوص المدوّنة على رقم طيني محفوظ في المتحف الجامعي في مدينة فيلادلفيا (ولاية بنسلفانيا الأميركية)، يعود إلى نحو عام 2000 قبل الميلاد، ما هو إلا فهرس لإحدى المكتبات، يشير إلى وجود نظام تصنيف بدائي في المكتبات السومرية.

لقد سادت الثقافة السومرية في بلد الرافدين فترة طويلة تزيد عن 1500 سنة، أي من منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد وحتى بداية الألف الثانية قبل الميلاد. وتمكن الكتاب السومريون خلال هذه الحقبة الطويلة من تدوين عدد كبير من النصوص في موضوعات مختلفة، من علوم وآداب وديانات، على غرار حكاية البطل جلجاميش التي كان السومريون أول من سجّلها ثم قامت بتدوينها بعدهم الشعوب الكثيرة الأخرى التي أقامت حضاراتها في تلك المنطقة.

ويذهب ألكسندر ستيبتشفيتش إلى أن السومريين هم أول من خصّوا الكتاب بدور واضح وهو أن يكون الحافظ للإنجازات الإنسانية الحضارية والثقافية والتقنية، وأن يخدم الأهداف الرسمية والتعليمية وغيرها.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole