استقرار الردع الإسرائيلي: استعدادات ضرورية لاحتمال حدوث تصعيد

استقرار الردع الإسرائيلي: استعدادات ضرورية لاحتمال حدوث تصعيد
Spread the love

بقلم: عاموس يادلين – مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•أعادت الأحداث الأمنية التي وقعت الأسبوع الماضي في الشمال والجنوب الاهتمام الإسرائيلي بجبهتي المواجهة الأكثر قابلية للانفجار: في مواجهة حزب الله و”حماس”. ففي 5 و6 تشرين الأول/أكتوبر أطلق تنظيم سلفي متطرف صواريخ وقذائف مدفعية من قطاع غزة على إسرائيل. وردّت إسرائيل بعنف من الجو بصورة خاصة. وفي الوقت عينه أُعلن أنه في الشمال جرى إلقاء القبض على خلية من سكان قرية الغجر تابعة لحزب الله كانت تخطط للقيام بهجمات في إسرائيل. تطرح هذه الحوادث سؤالاً: هل هناك انعطافة في الجبهتين التي يواجهنا فيهما التنظيمات الإرهابية؟ وهل نحن أمام بداية جولة قتال إضافية في الجنوب والشمال، أو ربما في الجبهتين في آن معاً؟ تجدر الإشارة إلى أن حزب الله و”حماس” ليسا معنيين في الوقت الحالي بالتصعيد، لكن ثمة احتمال أن تؤدي أحداث تكتيكية من النوع المذكور أعلاه إلى تدهور. سنحلل في هذا المقال موازين القوى والأطراف التي يمكن أن تخرق التهدئة، ونشدد على المشكلات التي يتعيّن على إسرائيل فحصها قبل المواجهة المقبلة.

•للجبهتين [الجنوبية والشمالية] سمات متشابهة، ففيهما يواجه الجيش تنظيمات إرهابية تمأسست واكتسبت خصائص دولتية. والعدو في الجبهتين ليس معنياً في الوقت الراهن بالقتال ضد إسرائيل. وتحقق في مواجهة حزب الله وكذلك “حماس” ردع قوي في إثر جولات القتال السابقة – في حرب “لبنان الثانية” [حرب تموز/يوليو 2006] وفي “الجرف الصامد” [صيف 2014]. وتحقق هذا الردع من جراء الثمن الباهظ الذي دفعه التنظيمان والسكان المدنيون الذين يعتمد التنظيمان عليهم.

•لقد صمد الردع في مواجهة حزب الله في الاختبارات التي تعرض فيها التنظيم لعمليات اغتيال مسؤولين كباراً فيه ولهجمات ضد عمليات تهريب السلاح النوعي من سورية إليه، وصمد أيضاً بسبب تدخل حزب الله العميق في القتال في سورية، الذي يكبده خسائر فادحة، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي يعانيها (هناك توقعات بأن تتدفق إليه من إيران مساعدة مالية كبيرة بعد الصفقة النووية وإلغاء العقوبات). إن حزب الله مرتدع بشدة عن الدخول في حرب ضد إسرائيل ولا يتوق إلى فتح جبهة ثانية.

•في الجبهة الجنوبية تنشغل “حماس” بموضوعات داخلية – إعادة بناء غزة بعد جولة القتال السابقة وزيادة قوتها العسكرية. وتعاني الحركة مثل تنظيم “فتح” في الضفة الغربية من تآكل واضح في شرعيتها الشعبية، وهي عرضة لانتقادات شعبية حادة بسبب ضخامة الضرر الذي تكبده السكان خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل والإنجازات الضئيلة التي تحققت في هذه المعركة. وفي الساحة السياسية تجد “حماس” نفسها في مواجهة مع مصر بسبب قربها من الإخوان المسلمين الذين يعتبرهم السيسي عدواً وتهديداً وجودياً. ونجحت مصر في توجيه ضربة قاسية إلى شبكة أنفاق التهريب من شبه جزيرة سيناء إلى القطاع، وتجعل هذه الضربة من الصعب على “حماس” استعادة قوتها العسكرية كما كانت عشية عملية “الجرف الصامد”، أضف إلى ذلك الضرر الذي لحق بالقطاع بعد ابتعاد السودان عن إيران. أما الدول الداعمة لـ”حماس” وفي طليعتها تركيا وقطر، فلا تشكلان دعماً عسكرياً وسياسياً قوياً لها بما فيه الكفاية، وليس من المتوقع أن يدعماها في حال وقوع جولة قتال جديدة.

•ولكن على الرغم من عدم وجود مصلحة في التصعيد لدى الطرفين الأساسيين، يمكن أن يحدث على الجبهتين تدهور يؤدي إلى انفجار. يبحث حزب الله عن رد على الهجمات التي تعرضت لها شحنات السلاح النوعي، والتي ينسبها إلى إسرائيل، وعن رد عسكري ذي سمات مشابهة لهذه الهجمات يمكن أن يشمل عمليات سرية من دون تحمل المسؤولية (وفقاً للدينامية التاريخية بين حزب الله وإسرائيل، الردّ على عمليات سرية يكون عبر عمليات سرية). هذا هو تحديداً مخطط عمل الخلية التي اكتشفت في الشمال: فالنشاط الإرهابي الذي كشف عنه كان من المفترض أن يحدث من دون أن يحمل توقيع جهة واضحة، ومن دون علاقة مباشرة بحزب الله أو تحمل المسؤولية عنه من جانب الحزب. ويجب أن نتوقع أن يواصل الحزب محاولات تطوير وسائل من هذا النوع لضرب إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن هجمات جديدة ضد انتقال السلاح النوعي إلى حزب الله، خاصة إذ حدثت في الأراضي اللبنانية، من المحتمل أن تؤدي إلى ردّ من جانب الخلايا النائمة التابعة للبنية التحتية الإرهابية للحزب في الخارج ضد أهداف إسرائيلية، بالإضافة إلى هجمات على الحدود في هضبة الجولان وعلى حدود لبنان. وسيزداد خطر التصعيد بصورة كبيرة لو تسببت الهجمات بوقوع خسائر بشرية، إسرائيلية أو لبنانية، بحجم يعتبر الطرفان أنه يفرض رداً.

•إن الوضع على الجبهة الجنوبية أقل استقراراً منه على الجبهة الشمالية حيث المواجهة ثنائية وبالتالي يمكن السيطرة عليها أكثر. وعلى الرغم من جميع القيود، فإن إسرائيل وحزب الله يمكنهما توقع خطوات الطرف الآخر ولجم التدهور نحو الحرب بسهولة نسبية. بالإضافة إلى ذلك لا توجد في الشمال أطراف لنا معها احتكاكات مستمرة تزيد من خطر التدهور. في المقابل توجد في الجبهة الجنوبية عوامل تؤدي إلى حدوث احتكاكات دائمة، من بينها القيود المفروضة على الدخول إلى غزة والخروج منها، والحصار البحري، وحفر أنفاق داخل أراضي إسرائيل والتوتر بشأن الحاجة الإنسانية لإعادة إعمار البنية التحتية المدنية في القطاع. كما أن الجبهة الجنوبية أكثر تعقيداً بسبب كثرة اللاعبين فيها، إذ تقوم تنظيمات سلفية بإطلاق نار على إسرائيل من أجل استفزاز “حماس” أكثر مما هي تهدف إلى المس بإسرائيل. وهي تفترض (عن حق) أن إسرائيل تعتبر “حماس” مسؤولة عن الوضع في المنطقة وأنها سترد عليه. لذا فإطلاق الصواريخ ضد إسرائيل معضلة متعددة الأوجه. إن سياسة حكومة إسرائيل حيال كل إطلاق نار من القطاع واضحة: رد عنيف ضد أهداف لـ”حماس”. وعلى الرغم من ذلك، تنطوي هذه السياسة على مقاربة خطرة هي احتمال خطأ في تقدير رد “حماس”. على سبيل المثال إذا شعرت الحركة بأنها تخسر أرصدة بوتيرة كبيرة، أو لو وقعت في القطاع خسائر كبيرة في الأرواح، من المحتمل أن ترد الحركة بقصف واسع النطاق على إسرائيل. ومن هناك تقصر الطريق إلى جولة مواجهة إضافية.

•إن مصلحة إسرائيل العليا هي استتباب الأمن والهدوء على حدودها. لم يتخل حزب الله ولا “حماس” عن دعوتهما إلى القضاء على إسرائيل، وهما يعتبران أن المواجهة العسكرية معها هي السبيل لتحقيق هذا الهدف. ومن أجل كبحهما يتطلب الأمر ردع قوي وضرب تعاظم قوتيهما العسكريتين. لكن مع ذلك، فبالإمكان تأجيل جولة قتال أخرى في الشمال أو في الجنوب لو أحسنت إسرائيل إدارة التوتر الناشئ عن تطلعها إلى المحافظة على الهدوء وحاجتها إلى تعزيز الردع ومنع تعاظم قوة هذه الأطراف الإرهابية.

•في الفترة الأخيرة جرى احتواء التوتر بصورة جيدة مع حزب الله. وجرت المحافظة على الهدوء منذ أكثر من عشر سنوات بفضل الردع الإسرائيلي القوي (ثمة من يدّعي أن الردع متبادل)، وبسبب تدخل الحزب في سورية، ولكون المواجهه ثنائية. كما جرت معالجة تعاظم القوة العسكرية لحزب الله من خلال سياسة عاقلة تركّز على منع تزود حزب الله بسلاح نوعي (صواريخ دقيقة، وسائل دفاع جوي، طائرات من دون طيار، صواريخ بر – بحر وسلاح كيميائي)، والامتناع عن تحمل مسؤولية الهجمات العسكرية التي وقعت بصورة عامة في أراضي سورية فقط.

•لكن يتعين على المسؤولين إيلاء الهدوء الهش الذي يسود الساحة الجنوبية المزيد من الاهتمام. كما يتعين على إسرائيل درس سياسة الردود التلقائية على كل إطلاق نار من القطاع. إن تدخل طرف ثالث يتمثل في تنظيمات سلفية ترغب في وقوع مواجهة بين إسرائيل و”حماس”، هو بمثابة عنصر إشكالي يجب بلورة وسائل لمواجهته. من الأفضل مهاجمة التنظيمات المسؤولة عن خرق وقف إطلاق النار إذا كان ذلك ممكناً استخباراتياً وعسكرياً، مع عدم التخلي عن تحميل “حماس” المسؤولية عما يجري. كل ذلك مع الأخذ في العلم بأن المس بمكونات قوة مهمة بالنسبة لـ”حماس” أو المس بالأرواح بصورة كبيرة في القطاع سيؤدي إلى تغير سلوك الحركة وإلى مواجهة.

•إن سياسة “كل هجوم سيردّ عليه بهجوم” هي سياسة ميكانيكية للغاية. إن أحد الإنجازات الأكثر أهمية في حرب لبنان الثانية هو خسارة نصر الله ثقته بقدرته على توقع ردود إسرائيل. إن عدم اليقين في ما يتعلق برد إسرائيل هو عنصر كابح بالنسبة للعدو ويجعل من الصعب عليه إدارة المخاطر من خلال السير حتى النهاية. حالياً يمكن توقع رد فعل إسرائيل جيداً، وفي استطاعة التنظيمات المارقة (السلفية والمتمردين السوريين وداعش) “استدعاء هجمات سلاح الجو الإسرائيلي” ضد السلطة التي هم في مواجهة معها (“حماس” أو نظام الأسد) كلما أرادوا ذلك.

•انطلاقاً من ذلك، ثمة حكمة أساسية تتعلق بإمكانية التصعيد: إن الأصح بالنسبة إلى إسرائيل هو عدم الدخول في مواجهة واسعة النطاق قبل استكمال التحقيق في عملية “الجرف الصامد” وتطبيق دروس العملية وبلورة حلول أفضل للمشكلات الاستراتيجية والتنظيمية والتكتيكية التي فشلت إسرائيل في مواجهتها في هذه المعركة. وليس من الصواب التدهور مرة أخرى نحو مواجهة من دون تخطيط مثلما حدث في المواجهة في “الجرف الصامد” التي استمرت 50 يوماً وانتهت من دون تغيير للوضع الاستراتيجي، ومن دون وضع قواعد وتسويات لمنع تعاظم قوة “حماس” مستقبلاً، ومن دون توجيه ضربة مؤلمة إلى الحركة وذراعها العسكرية بصورة خاصة – بينما عمل الجيش انطلاقاً من معلومات استخباراتية غير صحيحة تتعلق بنيات العدو وبأنفاقه.

•بناء على ذلك، وقبل الدخول في مواجهة عسكرية في الجنوب أو الشمال على حد سواء، يتعين على المستوى السياسي وعلى الجيش درس واستيضاح المشكلات الاستراتيجية والتكتيكية التالية:

1-ما هو الهدف الاستراتيجي الذي تريد إسرائيل تحقيقه؟ وما هي نتائج كل بديل؟
2-ما هي الرافعة الأساسية لتحقيق الهدف؟ وهل ستتضمن هجوماً على البنية التحتية المؤيدة للمجهود القتالي لدى الخصم؟
3-كيف نقصّر أمد المعركة وما هي آليات إنهائها؟
4-كيف ستدار المعركة السياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي؟ وفي هذا الإطار، هل سيتدخل في المعركة لاعبون دوليون وإقليميون (من خلال التهديدات والعقوبات أو حتى من خلال التدخل العسكري)؟ متى سيطلب لاعبون دوليون وإقليميون وقف المعركة؟ ومتى وكيف ستجري المفاوضات بشأن قرار لمجلس الأمن في هذه المسألة، إن كان سيصدر قرار؟ وكيف نستغل لاعبين دوليين وإقليميين من أجل تقصير أمد المعركة وتحقيق أهدافها؟
5-ما هو التوقيت الصحيح للمعركة؟ وهل من الممكن القيام “بضربة استباقية” أو على الأقل القيام بإحداث مفاجأة تكتيكية تؤدي إلى إنجازات مهمة؟
6-ما هي نوعية ومستوى المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية بشأن قدرات الخصم ونياته؟ ما الذي تغير الآن عن المعارك السابقة؟ وكيف يمكن أن تفاجأ إسرائيل وبأي طريقة؟ ما هي الموضوعات التي يمكن أن تكشف التقديرات أنها نظرية استخباراتية أو عسكرية أو سياسية غير صحيحة؟
7-هل ستشمل المعركة مناورة برية؟ وإذا كان هذا هو الحال، فما هي خطتها؟ وما هو التوقيت والعمق المناسبان لها؟ وهل التوجه الإسرائيلي هو نحو احتلال الأرض أم نحو بقاء موقت؟
8-كيف ستعمل إسرائيل من أجل استهداف كبار المسؤولين في هذه التنظيمات؟ وما هي القدرات المطلوبة لذلك وما انعكاسات هذه العمليات؟
9-كيف سيجري تحضير الجبهة المدنية الإسرائيلية لمواجهة المعركة؟ وكيف يمكن إدارة توقعات الجمهور؟ وما هي قدرة الجبهة الداخلية على الصمود؟
10-ما هو خطر فتح جبهة ثانية، وكيف نستعد لمواجهة مثل هذا الاحتمال؟

•إن كل موضوع من هذه الموضوعات يتطلب نقاشاً حكومياً معمقاً، ويجب القيام بذلك قبل المعركة وليس خلال القتال أو بعده في مواجهة لجنة تحقيق. إن الزعامة المسؤولة تختار توقيتاً صحيحاً ومناسباً للمعركة، ولا تسمح بتدهور غير مسيطر عليه فيما يتعلق بتوقيت المعركة وطريقة إدارتها. إذا فُرض على إسرائيل الدخول في مواجهة جديدة – في الجبهة الجنوبية أو الشمالية – يجب الاستعداد لمواجهتها بصورة حكيمة ومخطط لها – بخلاف جولات المواجهات الأخيرة في لبنان وقطاع غزة.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 863، 19/10/2016، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية