عن الموقف الروسي الجديد في اليمن

عن الموقف الروسي الجديد في اليمن
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — فاجأت روسيا مجلس الأمن الدولي ليل الأربعاء الماضي خلال جلسة مغلقة حول اليمن برفضها صدور بيان من المجلس يطالب “أنصار الله” وحلفاءهم بالتعاون مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بقبول حل اقترحه المبعوث في مشاورات الكويت ورفضه وفد صنعاء، كونه يجزئ الحل إلى ويقدم الحل العسكري ويؤجل الحل السياسي إلى جولة أخرى.
فقد طالب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بـ”بضرورة ألا تقتصر دعوة المجلس لجماعة الحوثيين(أنصار الله) و(الرئيس السابق) علي عبد الله صالح فحسب، وأن تشمل أيضاً جميع الأطراف”.
وكان المبعوث الدولي قد طالب أعضاء مجلس الأمن بالتحرك وإظهار الدعم اللازم لمسودة الاتفاق الأممية التي يعتبرها وفد صنعاء منحازة لوفد حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية.
ويقضي مشروع اتفاق للحل الذي قدمه الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد للوفدين اليمنيين في مشاورات الكويت، بانسحاب “أنصار الله” وحلفائهم من العاصمة صنعاء ونطاقها الأمني، ومن محافظتي تعز (وسط البلاد) والحديدة (غرب اليمن)، تمهيداً لحوار سياسي يبدأ بعد 45 يوماً من التوقيع على هذا الاتفاق، وهو مشروع وافق عليه وفد حكومة هادي المدعومة من السعودية، فيما رفضه وفد صنهاء الذي يتمسك بخيار الانخراط في حكومة شراكة وطنية قبل الشروع في أي إجراءات أخرى.
الناطق الرسمي لتنظيم “أنصار الله” محمد عبد السلام أشاد بموقف روسيا في مجلس الأمن الرافض لاستمرار العدوان والحصار على الشعب اليمني.
وقال في تغريدة له على “تويتر”: “نعبّر عن تقديرنا لموقف روسيا في مجلس الأمن الرافض لاستمرار الحرب والحصار على الشعب اليمني والداعم لمسار الحل السياسي الشامل وليس فرض الإملاءات”.
في المقابل، قلّل نائب مدير مكتب الرئاسة اليمنية عبدالله العليمي من الموقف الروسي قائلاً أنه من الممكن قراءة موقف المندوب الروسي بأنه موقف احتجاجي عام من تعثر المشاورات، وليس موقفا ضد الشرعية أو في صالح الانقلاب”، في إشارة إلى انتفاضة “أنصار الله” ضد شرعية حكومة الرئيس هادي في أيلول سبتمبر 2014.
وأضاف العليمي، وهو عضو في وفد حكومة هادي في مشاورات الكويت، في تغريدة على تويتر، أن “الموقف الروسي كان جلياً منذ اللحظة الاولى.. رافضاً للانقلاب واختطاف الدولة، مقدراً للحكومة موقفها الجاد في المشاورات، ورغبتها في السلام”.
وكان وفد حكومة هادي قد غادر الكويت، الاثنين الماضي، في محاولة للضغط على وفد صنعاء بعد رفضه اقتراح الحل الذي قدمه المبعوث الدولي للأمم المتحدة.
وبرغم عودة وفد حكومة هادي إلى الكويت فقد نفت مصادر دبلوماسية أن تكون عودة الوفد هدفها استئناف المشاورات مع “أنصار الله” وحلفائهم، مشيراً إلى أن “الوفد الحكومي الذي عاد للكويت جاء لتثبيت الإعلان عن انتهاء هذه الجولة من المشاورات، ولتقديم الشكر للكويت”، مؤكدة أن عودته “لن تكون بهدف الدخول في مفاوضات جديدة”.
وأضافت هذه المصادر أن المبعوث الدولي يحاول إصدار بيان دولي يثبت المبادئ التي تم الاتفاق عليها مسبقاً، ويتضمن إعلانا برفع المشاورات لمدة شهر لتعقد في بلد آخر، على ألا يحمّل البيان الدولي أي طرف مسؤولية عرقلة المشاورات.
ويشير ذلك إلى نجاح الاعتراض الروسي في خلق توازن ما وكبح انحياز المبعوث الدولي لحكومة هادي وداعميها الخليجيين.
وينبغي التذكير بأن روسيا، ومنذ إطلاق التحالف السعودي لعملية “عاصفة الحزم” فجر الخميس 26 آذار – مارس 2015 ضد اليمن، قد أبدت قلقاً واضحاً إزاء ما يجرى وتداعياته المستقبلية على استقرار المنطقة. إذ عبّر المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف عن شدة قلق موسكو من تطورات الأوضاع في اليمن، فيما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية الوقف الفوري للقتال في اليمن، وضرورة تفعيل الجهود، بما في ذلك جهود الأمم المتحدة، لبلورة حلول سلمية للنزاع اليمني، وإطلاق حوار واسع بمشاركة جميع القوى السياسية والدينية في البلاد.
لكن ذلك الموقف تزامن مع تأكيد وزارة الخارجية الروسية على دعم موسكو لسيادة اليمن ووحدة أراضيه، داعية الأطراف اليمنية وحلفاءها إلى وقف الأعمال القتالية، فيما أعلن أكد وزير الخارجية سيرغي لافروف أن “السبيل الوحيد لحل الأزمة اليمنية هو المفاوضات، وشدد على أن اللعب على التناقضات بين الشيعة والسنة أمر بالغ الخطورة”.
وبرغم كون الموقف الروسي أقرب إلى دعم شرعية حكومة الرئيس هادي لاعتبارات عدة، أبرزها رفض الانقلابات والتمردات العسكرية ضد رئيس منتخب أو حكومة منتخبة، وهو موقف مبدئي وقفته موسكو في سوريا وأوكرانيا، فلماذا تغيّره في اليمن؟
ويمكن رد القلق الروسي من “عاصفة الحزم” من دون إدانتها أو الاعتراض عليها في مجلس الأمن الدولي في ضوء جملة من العوامل، أبرزها حرص موسكو على استقرار منطقة الشرق الأوسط وتجنيبها حرباً إيرانية – سعودية أو سنية – شيعية، ورفض روسيا للإسلام السياسي بجناحيه السني والشيعي، برغم تحالفها مع إيران وحزب الله في سوريا. كما أن لروسيا مصالح اقتصادية وسياسية مع دول الخليج العربية والدول المسلمة السنية في العالم، وهي دولة سبعة في المئة من سكانها مسلمون، أي نحو عشرة ملايين نسمة أغلبهم من المسلمين السنّة الذين يتأثر بعضهم بمواقف وسياسيات السعودية. لذلك توازن روسيا في علاقاتها بين إيران الشيعية والدول المسلمة والعربية السنّية، برغم خلافها مع بعض الدول السنّية في الشأن السوري.
فروسيا حريصة على علاقاتها بدول الخليج العربية وتركيا ودول آسيا الوسطى وباكستان، وهي كلها ذات غالبية سنّية، بقدر حرصها على العلاقة مع إيران. وقد أعلن لافروف في شباط – فبراير 2014 عن استعداد موسكو للإسهام في تطبيع العلاقات بين إيران ودول الخليج، داعياً إلى عقد اجتماع دولي حول ضمان الأمن في منطقة الخليج، وتطوير نظام للأمن الجماعي كصيغة مثلى لضمان أمن الخليج على غرار مجموعة شنغهاي.
كما تخشى روسيا من أن يؤدي استمرار الحرب في اليمن إلى ازدياد التطرف وزيادة نفوذ تنظيمي “القاعدة” و”داعش” وغيرهما من التنظيمات الأصولية والتكفيرية، التي تهدد الأمن القومي الروسي وتشكّل مثالاً لبعض المسلمين في الاتحاد الروسي، خصوصاً في الشيشان والقوقاز عموماً.
وعليه، يصب الموقف الروسي الجديد في سياق وقف الحرب وتداعياتها الإقليمية، ومحاولة دعم حل سياسي يرضي الطرفين في اليمن ولا يشكّل هزيمة لطرف، على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، التي أطلقها رئيس الوزراء اللبناني الراحل صائب سلام خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
فمشاورات الكويت التي بدأت في نيسان – أبريل الماضي، قد فشلت في ردم الهوة بين الطرفين بسبب إصرار الطرفين على مواقفهما وتشبث حكومة هادي ومن ورائها السعودية بفرض حلول تعني استسلام “أنصار الله” وحلفائهم، وتقديم تنازلات في محادثات السلام، لم تتمكن الرياض وأتباعها من تحقيقها في الحرب.
ويطالب وفد حكومة هادي ورعاته الخليجيون “أنصار الله” وحلفاؤهم بتنفيذ قرارات دولية ظالمة لهم، تقضي بانسحابهم من المدن التي استولوا عليها وإلقائهم السلاح والإفراج عن المعتقلين، من دون تزامن التنفيذ مع الحل السياسي وتشكيل حكومة شراكة وطنية تتولى تنفيذ هذه الخطوات، وإعادة تشكيل السلطة.
ويعتبر “أنصار الله” وحلفاؤه من “المؤتمر الشعبي العام” أن الرئيس هادي قد فقد شرعيته بفراره من اليمن ودعوته السعودية ودول أخرى في التحالف معها إلى قصف اليمن وتدميره لاستعادة سلكته، مشيرين إلى أن هادي لا يملك أي حيثية أو شعبية لا في الشمال ولا في الجنوب الذي ينحدر منه، إذ أنه تولى الرئاسة بعد تنازل الرئيس علي عبدالله صالح له بصفته نائباً له وممثلاً للمؤتمر الشعبي العام، قبل أن ينقلب عليه ويصبح رجل السعودية في اليمن.
والجدير بالذكر أنه في 28 تموز يوليو الماضي، أعلن “أنصار الله” و”المؤتمر الشعبي العام” تحالفهم رسمياً من خلال إنشاء مجلس سياسي جديد لإدارة شؤون البلاد، في خطوة وصفها ولد الشيخ أحمد بأنها “تقوّض جهود السلام”.
ولد الشيخ أحمد مبعوث دولي يفترض أنه يمثّل الأمم المتحدة وأن يكون محايداً في وساطته بين طرفين يمنيين وليس منحازاً لطرف دون آخر، خشية غضب الدول الخليجية ووقف تمويلها للأمم المتحدة. وهو أمر قد أثّر على حيادية المنظمة الدولية وأمينها العام بان كي مون الذي أعلن الثلاثاء الماضي رفع اسم “التحالف العربي” بقيادة السعودية من تقرير الأمم المتحدة عن مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال في اليمن.
لا شك أن إعلان اتفاق “أنصار الله” و”المؤتمر الشعبي العام” على مجلس الحكم في صنعاء كان ضرورة فرضتها ظروف الحرب واستمرارها، وهي ورقة ضغط مهمة يلوحان بها في وجه السعودية والمجتمع الدولي، وتعني أن وفد صنعاء سيعود هذه المرة إلى المفاوضات بحيثية جديدة، إذ كان قد تم تأجيل إعلان تشكيل المجلس أكثر من مرة بعد تدخل سلطنة عمان والكويت حتى انتهاء المشاورات.

المصدر: الميادين نت