هل سيشعل الغاز في المتوسط حرب لبنان الثالثة؟

هل سيشعل الغاز في المتوسط حرب لبنان الثالثة؟
Spread the love

بقلم: عوديد عيران – باحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•في مقابلة أُجريت خلال المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي (31 كانون الثاني/يناير 2018) قال وزير الدفاع [أفيغدور ليبرمان] في سياق كلامه عن مشكلات الحدود بين إسرائيل ولبنان، إن الحكومة اللبنانية نشرت مناقصة لاستغلال الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وأن البلوك 9 الذي حصلت على حق استثماره عدة شركات دولية معروفة، هو لإسرائيل. وادّعى وزير الدفاع أن هذا خطأ كبير وسلوك “استفزازي” من جانب لبنان. وأثار كلامه ردات فعل عنيفة من جانب زعيم حزب الله حسن نصر الله، وتحدثت تقارير في وسائل إعلام في إسرائيل وفي لبنان عن تهديد الحزب بضرب منصات إسرائيل للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.

•النزاعات على الحدود البحرية ليست محصورة بلبنان وإسرائيل، وكما في مثل هذه الحالة، فإن جزءاً كبيراً من هذه النزاعات ناجم عن التسابق على موارد اقتصادية، سواء كانت مناطق صيد أو حقول نفط وغاز. وتمنح وثيقة الأمم المتحدة، بشأن القانون البحري (United Nations Convention on the Law of the Sea) الدولة حقوقاً اقتصادية حصرية في المنطقة الممتدة على بعد 200 ميل بحري عن شواطئها (Exclusive Economic Zone) [المنطقة الاقتصادية الخالصة]. لقد بدأت إسرائيل بالتنقيب في مياهها الاقتصادية قبل أكثر من عشرين عاماً ومنذ سنة 2003. وأعلن كنسورتيوم شركات التنقيب عن الغاز في حقل “لفيتان”، في كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة اكتشاف الغاز، وفي السنة نفسها وقّعت إسرائيل مع قبرص ترسيم الحدود البحرية بينهما (لأن المسافة البحرية التي تفصل بينهما تقل عن 400 ميل بحري)، لكن في صيف 2010 سارع لبنان إلى إيداع وثائق في الأمم المتحدة تضمنت ترسيماً للحدود البحرية بينه وبين إسرائيل.

•في حزيران/يونيو 2011، توجه لبنان مجدداً إلى الأمم المتحدة كي يعبّر عن معارضته الاتفاق بين إسرائيل وقبرص” الذي يخرق (بحسب لبنان) حقوق السيادة الاقتصادية، ويمكن أن يعرّض الأمن القومي للخطر، وخصوصاً إذا قررت إحدى الدولتين (ويمكن الافتراض أن المقصود إسرائيل أو قبرص) أن تطبّق من طرف واحد صلاحياتها السيادية في المنطقة التي يعتبرها لبنان جزءاً غير قابل للنقاش من منطقته الاقتصادية الخالصة. قدّمت إسرائيل في 12 تموز/يوليو 2011 ردها وضمنته إحداثيات ترسيم الحدود البحرية بينها وبين لبنان. وأظهرت الفجوات بين الترسيم الإسرائيلي والترسيم اللبناني وجود منطقة مساحتها 850 كيلومتراً هي موضع خلاف.

•في أواخر سنة 2011، بدأت إسرائيل بالبحث عن سبل لحل الخلاف الناشىء عبر طرق دبلوماسية، ومن خلال إبداء استعدادها للتوصل إلى تسوية. وبعد استشارات بين الوزارات، تقرر أيضاَ عدم منح حقوق جديدة للتنقيب بالقرب من المنطقة المتنازع عليها، من أجل السماح بالتوصل إلى حل وسط. وعلى الرغم من وجود قناة تحاور بين إسرائيل ولبنان برعاية اليونيفيل تقرر عدم استخدامها، لأن صلاحيات القوة الدولية لا تشمل خط الحدود البحرية، وتفضل إسرائيل وساطة لا ترعاها الأمم المتحدة. وأدى الاهتمام الإسرائيلي بالوساطة إلى إدخال أطراف أُخرى في الوساطة، وفي نهاية الأمر جرى تفضيل الوساطة الأميركية.

•فرِد هوف الذي اهتم بصورة مكثفة بالتطورات في سورية في إطار “الربيع العربي”، بصفته نائباً لموفد الإدارة الأميركية في هذا الموضوع، أخذ على عاتقه، في شباط/فبراير 2012، مهمة الوساطة. وكررت إسرائيل في المحادثات معه الإعراب عن رغبتها في حل الخلاف من خلال محاثات مباشرة مع ممثلين عن الحكومة اللبنانية، ورغبتها في التوصل إلى حل وسط. وقدّم هوف، في نيسان/ أبريل 2012، في اجتماعات ثنائية في لندن، في ضوء الرفض اللبناني المشاركة في لقاء ثلاثي، اقتراح تسوية لتقاسم المنطقة المختلف عليها. وفي 2 أيار/مايو 2012، وافق وزير الخارجية آنذاك أفيغدور ليبرمان على الاقتراح الأميركي، على الرغم من أن الاقتراح أعطى لبنان الجزء الأكبر من المنطقة. وحتى الآن لم يأتِ رد رسمي لبناني، مع أنه بحسب تقارير الدبلوماسيين الأميركيين الذين كانوا على صلة بالحكومة اللبنانية، ناقشوا معها إيداع الاقتراح الأميركي في الأمم المتحدة من قبل الطرفين [كل على انفراد]. ويمكن أن نفهم من ذلك أن الاقتراح كان مقبولاً من جانب الحكومة اللبنانية.

•بعد مرور عام على تقديم الاقتراح الأميركي الأصلي، نقل الموفد الأميركي الجديد أفكاراً شوَّهت الاقتراح الأصلي، ولم يكن واضحاً إذا كانت هذه أفكاره هو، أو أفكار الحكومة اللبنانية. وكان الخط الموجّه لهذه الأفكار إنشاء منطقة فاصلة بين إسرائيل ولبنان خارج المنطقة التي يطالب بها لبنان. بالإضافة إلى كون هذه الفكرة مرفوضة تماماً، فهي أيضاً يمكن أن تلحق ضرراً اقتصادياً جدياً بالدولتين، لأنها تمنعهما من تنقيب واستغلال للغاز متفق عليه في المنطقة موضوع الخلاف (تخزين جهود التنقيب وتطوير حقل عابر للحدود. هذا المجال يسمى UNITIZATION).

•على الرغم من فشل الوساطة الأميركية، فإن إسرائيل استمرت في الامتناع من فتح باب المناقصات في المنطقة المختلف عليها. وفي المقابل، نشرت وزارة الطاقة اللبنانية، في آذار/مارس 2013، خريطة المنطقة الاقتصادية وقسمتها إلى “بلوكات”، وهذا هو المصطلح المهني للمناطق التي تجري بشأنها المناقصات. وفي الخريطة، يمكن ملاحظة تجاهل الحكومة اللبنانية التام لموقف إسرائيل واقتراح التسوية الأميركي، وأنه في ثلاثة بلوكات، 8، و9، و10، هناك تسلل واضح إلى المنطقة التي تطالب بها إسرائيل. وبعد سنوات من تعرقل الموافقة على عملية المناقصات في لبنان، بصورة خاصة بسبب الأزمتين الرئاسية والحكومية في لبنان، تجدد التحرك في عملية المناقصات. احتجت إسرائيل في 2 شباط/فبراير 2018 على نية لبنان منح حقوق، وبنية الدفاع عن حقوقه، وأيضاً أعربت عن “…انفتاحها على الحوار والتعاون مع دول مجاورة مؤثرة بشأن الخط الشمالي للمياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة…” . وفي أعقاب ما نشرته هيئة قطاع النفط في لبنان، في 21 كانون الأول/ديسمبر 2017، تقدمت إسرائيل مرة أُخرى إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشكوى، بشأن منح حقوق التنقيب في بلوك 9 إلى كونسرتيوم يضم شركة توتال الفرنسية، و”إيني” الإيطالية، و”نوفتيك” الروسية، من دون موافقة إسرائيل، وهو ما يتعارض تعارضاَ كاملاً مع موقفها ودعوتها إلى الحوار والتعاون. وأعلنت إسرائيل أنها لن تسمح بأي نشاط اقتصادي غير موافَق ومتفق عليه، وتأسف لأن الحكومة اللبنانية تجاهلت دعوتها إلى الحوار. وتذكّر إسرائيل جميع الأطراف الثالثة، أي خارج لبنان نفسه، أن كل نشاط “… يخرق حقوقها السيادية أو يكون له علاقة بالتدخل في نشاطات غير موافَق عليها أو غير متفق عليها في هذه المنطقة البحرية… سيعرّضه لدفع ثمن (LIABILITY بحسب المصدر)”. وفي 9 شباط/فبراير، أعلنت شركة توتال أنها وشركاءها مدركون للنزاع، وأن نشاطهم سيكون على بعد 25 كيلومتراَ من منطقة الخلاف.

•في 26 كانون الثاني/يناير 2018، رد لبنان في مذكرة خاصة، وأعلن بعد أن رفض ادعاءات إسرائيل رفضاً مطلقاً: “إن الجمهورية اللبنانية لن تتردد في استخدام حقها في الدفاع عن نفسها إذا وقع هجوم مسلح ضد نشاطاتها الاقتصادية في منطقتها البحرية، وهي لن تتردد في اتخاذ كل الوسائل الملائمة ضد إسرائيل، أو ضد أصحاب الحقوق لديها، بما في ذلك شركة إينرجيان، إذا قرروا العمل في البلوك 13 وفي “ألون D”، حيث يوجد في حقل “قرش”، وقرروا استغلال الموارد الطبيعية اللبنانية في المنطقة البحرية اللبنانية، من خلال التنقيب فيها”.وكانت شركة إينرجيان (Energean) المسجلة في اليونان قد حصلت على حق التنقيب في “قرش” في “تنين” في نهاية سنة 2016، بعد قرار محكمة العدل العليا في إسرائيل المتعلق بتقليص سيطرة شركتي “ديليك” و”نوبل إنرجي”.

•بالإضافة إلى التصعيد الكلامي توجّه اللبنانيون إلى مؤسسات متعددة في فرنسا، بينها مؤسسات قانونية، بهدف خوض معركة عامة وقانونية، وإثبات حقهم في نزاعهم مع إسرائيل. وكان اللبنانيون توجهوا في الماضي أيضاً إلى الرئيس الفرنسي السابق، كي يتوسط بينهم وبين إسرائيل، لكن هذا لم يحدث. في مقابل ذلك، زار مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد، مؤخراً، إسرائيل ولبنان تحضيراً لزيارة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وقيل إنه أثار أيضاً موضوع الغاز. وقد برزت الحاجة إلى المسعى الأميركي بسبب زيادة حدة التهديدات التي صدرت بصورة خاصة عن الجانب اللبناني، وكذلك بسبب خطر التدهور إلى مواجهة عسكرية سيدفع فيها المنتصر والمنهزم ثمناً باهظاً.

•في خلفية التصعيد توجد عدة مواضيع. الأول منها هو إحساس حزب الله بالقوة، وهو الذي أخذ على عاتقه جزءاً مهماً من عملية المحافظة على نظام الأسد واسترجاعه قوته بعد خسارته أجزاء كبيرة لمصلحة القوات التي حاربته. لقد حصد تدخل حزب الله [في الحرب الأهلية السورية] ثمناً باهظاً من حياة مقاتليه، لكن مكانته في لبنان لم تضعف. ومن المتوقع أن تؤدي الانتخابات العامة التي ستجري في لبنان، في أيار/مايو 2018، إلى تعزز وضعه السياسي. إن تعزيز مكانة إيران في المنطقة بعد الاتفاق النووي الذي اعتبرته إنجازاً ،بالإضافة إلى تمركزها التدريجي في سورية، وتحولها إلى عنصر مهم في بلورة مستقبل هذه الدولة، ينعكس أيضاً على الشريك الصغير حزب الله. ويمكن أن نعثر في المذكرة اللبنانية الشديدة اللهجة التي قدمها الشهر الماضي على لهجة التهديدات التي يستخدمها منذ سنوات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في موضوع الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، والتي حتى الآن لم ترافق المحادثات بين لبنان وإسرائيل. كذلك، فإن قرار إسرائيل تعزيز السياج الحدودي بينها وبين لبنان، وبناء جدار في مقاطع منه (من دون تغيير خطوط “الخط الأرزق”)، واجهته الحكومة اللبنانية بلغة التهديدات.

•من جهة أُخرى، أوضح كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الذين عبّروا عن رأيهم في موضوعي سورية ولبنان، بما في ذلك في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي، أنه في المعركة العسكرية المقبلة، إذا حدثت، ستدفّع إسرائيل كل من يحاول ضرب جبهتها الداخلية ثمناً باهظاً، وأنها لن توافق على استمرار المعركة عدة أسابيع كما جرى في صيف 2006.

•التصريحات المتبادلة والتصعيد الكلامي العنيف من جانب الحكومة اللبنانية، وتجاهلها محاولات إسرائيل حل الخلاف في موضوع الحدود البحرية، كل ذلك يبرر تدخلاً خارجياً لمنع استمرار التدهور. لا علاقة للحوادث الأمنية التي وقعت بين سورية وإسرائيل في 10 شباط/فبراير بالموضوع، لكنها ستجعل من الصعب التوصل إلى حل وسط. وبينما ستستقبل إسرائيل بترحاب مساعي التهدئة الأميركية، من الصعب التنبّؤ بما سيكون عليه الرد اللبناني. ففي لبنان تغلبت المنافسة بين القوى السياسية على المصلحة الوطنية على الدوام، وتسببت بأضرار للدولة، بينها أضرار اقتصادية. ولو كانت الحكومة اللبنانية وافقت على اقتراح التسوية الأميركي المقدم في سنة 2012، لكان الاقتصاد اللبناني حظي بزخم كبير، وكذلك اقتصادات دول أُخرى في المنطقة. في إمكان الإدارة الأميركية تقليص خطر اندلاع مواجهات إذا أعادت لبنان إلى مسار التحاور مع إسرائيل، وإن يكن بصورة مباشرة، ومن خلال حل وسط عادل يخدم لبنان.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، 14/2/2018، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole