حروب الغرب التي لا تنتهي ضد العالم الإسلامي

حروب الغرب التي لا تنتهي ضد العالم الإسلامي
Spread the love

بقلم: عبداللطيف مشرف* — الحرب كلمة من ثلاثة حروف ولكن تحمل بحروفها هذه كل معاني الخصام والنزاع والقتل، وقد نهى ديننا الحنيف عن الحرب إلا عند الضرورة وعند بدء العدو بذلك لأنه لا شيء يأتي من الحرب سوى الموت في جميع الطرقات.
إن صراعنا مع الاستعمار الغربي الحديث إنما هو امتداد للصراع الصليبي القديم بين المشرق الإسلامي والغرب الصليبي، وبين حضارة العرب الممتدة جذورها في التاريخ، وبين حضارة الغرب التي أخذت في التألق بعد أفول نجم الحملات الصليبية القديمة، والتي كانت تحمل الطابع الديني شكلاً وموضوعاً ومضموناً على عالمنا العربي والإسلامي … وبكلمة أدق لا ريب فيها، يُمكننا القول: إن النيات الخفية للاستعمار الغربي الحديث هي هي ذات النيات التي كانت الحملات الصليبية ترفعها شعاراً لها وتتخذها كأهدافٍ وغايات ينبغي تحقيقها، وعلى رأسها الوقوف في وجه المد الإسلامي الحي، والديناميكي الزاحف كالنجوم في سماء قارات العالم الثلاث قديماً، و إلى جميع أنحاء الأرض حديثاً..!
يرى المفكر الفرنسي روجيه جارودي أن الحروب الصليبية لم تتوقف يوماً وأنها كانت تدخل مراحل كمون تفرضها بعض المتغيرات التاريخية لتستعر من جديد، ولتعود أشد ضراوة مما كانت عليه في السابق متى توفرت الوسائل والسبل.
ولعلنا معنيون أكثر من غيرنا بالحملات الصليبية لأسباب جغرافية وتاريخية وحضارية ليس هنا مجال تفصيلها ولأننا خضنا مواجهات مباشرة مع أوروبا الصليبية أكثر من كل البلدان الإسلامية، وأقصد بأوروبا الصليبية تلك التي تؤمن بألوهية يسوع لا أوروبا “الموحدة” التي ترى يسوعاً نبياً يوحى إليه. فهذه رحبت بالعبور المغربي إلى الأندلس مثلها في ذلك مثل اليهودية التي استبشرت عند الفتح الإسلامي بالتحرر من جبروت القوط ولهذا لم يتطلب فتح الأندلس إلا ثلاث سنوات مع أن عدد الفاتحين لم يتجاوز في أحسن الحالات إثنا عشر ألف مقاتل.
منذ “وادي لكة” التي عبدت الطريق أمام طارق بن زياد ومروراً بالزلاقة التي حمت الأندلس من شر الطوائف و”الأرك” التي وضعت حداً لمطامع متزعمي حروب الاسترداد و”الدونونية” التي أخمدت الروح الصليبية التواقة إلى الزحف على الغرب الإسلامي وانتهاء بوادي المخازن و”أنوال”، كان المغرب هدفاً لسهام الصليبية وظل كذلك على مدى ألف وثلاثمائة عام فهل يعقل أن يتناسى الصليبيون ورثة عقيدة التثليث ضغائنهم بعد كل هذا الصراع؟.
وقائع التاريخ تثبت أن الصليبية المعاصرة تعي دائماً أن للصراع بيننا جذوراً تاريخية عميقة ضاربة في القدم، فبالأمس القريب حين قاد نابليون حملته على مصر أصر على تدنيس الأزهر لأنه واحد من أهم الرموز المؤرخة لهذا الصراع المديد المرير (وهو بالمناسبة بناء مغربي شيده جوهر الصقلي). وحين دخل القائد العسكري هنري غورو سوريا بحث عن قبر صلاح الدين الأيوبي ووضع قدمه عليه ثم خاطبه مستحضراً هزائم أجداده في الزمن الغابر: “هاقد عدنا يا صلاح الدين”. وفي فاس أصر ليوطي على إذلال علماء “القرويين” منارة الدنيا والتي كان يصفها بالكهف المظلم لأنه يعي أن تلك المنشأة لم تغب عن تاريخ الصراع ضد الصليبية يوماً.
قال غوستاف لوبون: “إذا نظرنا إلى نتائج الحروب الصليبية التي ندب الصليبيون أنفسهم للاستيلاء على فلسطين، نجد النتيجة التي قامت لأجلها تلك الحرب نتيجة خاسرة بالرغم مما بذلت أوروبا من الرجال والأموال خلال قرنين، وظل المسلمون القابضين على تلك المقاطعات التي رغب النصارى أن يسلبوها من أيديهم”(كتاب “حضارة العرب” لغوستاف لوبونLa civilisation des Arabes).
ولا تزال النزعة الصليبية والعداء القديم للإسلام يسيطر على الغرب المسيحي السياسي، وعلى الولايات المتحدة الأميركية ذات الصبغة الغربية الأوروبية في الولادة والنشأة، ولقد أخذ هذا العداء صوراً وأشكالاً شتى تختلف بعض الشيء عن الحملات الصليبية القديمة. ولكن هذا الاختلاف في الشكل لم يُغيّر الهدف والمضمون من الحملات الصليبية السالفة الذكر، والمتمثل في الاستيلاء على خيرات الشرق المسلم، وربطه بعجلة الغرب ليظل سوق رائج لمنتجاته، ومن بين الأشكال والأطوار التي اتسمت بها الحروب الصليبية في العصر الحديث ما يلي:

• الاستعمار لديار العالم العربي والإسلامي.
• مساندة الخصم في الحروب المختلفة التي خاضها العرب ضد إسرائيل.
• الدسائس والمؤامرات والتلاعب لإحداث الوقيعة بين الدول العربيـة وبعضها البعض.
• تطبيق العدالة الدولية بكل حذافيرها ضد العرب من خلال مجلس الأمن والأمم المتحدة من خلال الحظر والحصار، بينما يُترك لسواهم الحبل على غاربة.
• القذف والتشهير والطعن في الدين الإسلامي، وتشويه الرموز الإسلامية وعلى رأسها الرسول الكريم – صلى الله عليه وآله وسلم -.

الراهب بطرس الناسك
إن الغرب المسيحي لم يستهدف أرض المسلمين وثرواتهم فقط، بل إنه استهدف عقولهم وقلوبهم وعلومهم بل وعاداتهم وتقاليدهم فإذا ما رجعنا إلى مرحلة عصورهم الوسطى، وعصور الازدهار الإسلامي، وجدنا بطرس الناسك يحرّض النصارى على حرب المسلمين واسترداد بيت المقدس من أيديهم، وكان هذا بتأييد البابا في الفاتيكان، وكانت الحروب الصليبية التي شغلت العالم الإسلامي قرابة قرنين من الزمان، عادت منها أوروبا بمعرفة أصول نهضة المسلمين، فأفادوا من ذلك وعاد المسلمون إلى النوم والسبات كنيجة حتمية لمداواة آثار تلك الحروب الطويلة.
وهذه فرنسا ما كادت تنجح ثورتها المشهورة (التي عدت من الثورات الكبرى في تاريخ البشرية) وأعلنت مبادئ حقوق الإنسان الذي يفتخر به الغرب حتى نقضت هذه الحقوق بالنسبة للمسلمين، ويقول في ذلك عصمت سيف الدولة في محاضرة له حول الإسلام وحقوق الإنسان (رضوان السيد الفكر الإسلامي المعاصر وحقوق الإنسان-الحياة 21 كانون الأول – ديسمبر 1994): “حتى عرفنا من واقع تاريخنا كيف تتحول الكلمات الكبيرة النبيلة إلى كبائر، فنحن لا نستطيع أن ننسى أن أصحاب إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي هم الذين لم يلبثوا – قبل أن يجف حبر إعلانهم – أن أعدّوا العدة وأرسلوا قواتهم بقيادة فتاهم نابليون لاحتلال مصر.”
فهل هذا التاريخ وهم؟! أو حقيقة؟!
لقد جانب الصواب القائد اللنبي بعد استيلاء الإنجليز على القدس في الحرب العالمية الثانية وهو واقف على قبر صلاح الدين حيث قال “الآن انتهت الحروب الصليبية”! فلقد كان مخطئاً صدقاً ويقيناً؟! فلم يكن يعلم أن الغرب المسيحي لم يشبع بعد من دماء المسلمين ولم تكفِه سبع أو ثماني أو تسع حملات في القرون الوسطى لإشفاء غليلها من المسلمين الموحدين، ولم تشفِها الحملات المعاصرة قبل وبعد الحربين الكونيتين في النصف الأول من هذا القرن، بدليل أن صيحاتهم باتت تصم الآذان، منذرة بقيام المزيد من الحروب الصليبية بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، وأنها لم تنتهِ بعد، صرّح بذلك مؤخراً كبيرهم الذي علمهم السحر، فقد نفد صبر الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ولم يستطع كتم عقيدته فصرح في مؤتمر صحفي أجراه يوم الأحد 16/9/2001 م الموافق 28/6/1422هـ بقوله:“This crusade, this war on terrorism, is going to take a long time
وترجمة كلامه المتقدم هو “هذه الحرب الصليبية، هذه الحرب ضد الإرهاب سوف تأخذ وقتاً طويلاً”. ثم قال “الواجب على الأميركيين أن يتحلوا بالصبر”. ومهما حاول بوش تحوير ذلك الخطاب والاعتذار فإن زيارته للمركز الإسلامي في أميركا لن تمحو ما أعلنه من حرب صليبية، فالحرب الصليبية تشن كل دقيقة في الإعلام الأميركي.
و الأمثلة على ذلك كثيرة منها ما نشرته مجلة ناشونال ريفيو تحت عنوان (إنها الحرب فلنغزِهم في بلادهم) “ليس هذا أوان ترف البحث عن أماكن المتورطين بالعمليات الإرهابية، المسؤولون عن هذه العمليات هم كل منْ ارتسمت على وجهه ابتسامة عندما سمع بالهجمات على نيويورك وواشنطن..لا نحتاج إلى تحقيقات مطولة أو أدلة جنائية ولا إلى تحالف دولي، أمتنا غزتها طائفة متطرفة مجرمة، علينا غزوهم في بلادهم وقتل قادتهم وإجبارهم على التحول إلى المسيحية”.

الرئيس الأميركي وودرو ويلسون
إن الحرب العالمية الأولى انتهت كما هو معلوم بالنقاط الأربعة عشر للرئيس الأميركي ولسون التي أصبحت أساس مبدأ عصبة الأمم، والتي بمقتضاها اتفق الغرب على وضع العالم الإسلامي تحت الوصاية الدولية أي تحت السيطرة الغربية، مع أن الأجزاء المهمة منه كانت قد وضعت من قبل تحت سيطرة الغرب باسم (الحماية) ومنها عدن والكويت ومشيخات الخليج. وبقيام الحرب العالمية الثانية انهارت عصبة الأمم كما انهارت القوة الاستعمارية التقليدية وبرزت قوتان جديدتان هما أميركا والاتحاد السوفياتي بزعامة روسيا، وكان وفاق المنتصرين فيها المتمثل في مؤتمر -مالطة- وفي التحكم في العالم من خلال الهيئة الدولية الجديدة (هيئة الأمم المتحدة) إذ احتفظ الطواغيت الكبار بحق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي كما يسمى!!.
وأخيراً وليس أخراً إليكم هذا الحدث في خضم حرب الخليج توجه الإعلامي الفرنسي برنار بيفو إلى المستشرق الفرنسي المعروف جاك بيرك قائلاً: “أمامك ثلاثون ثانية كي تقول للفرنسيين ما إذا كان القرآن أداة حرب أم لا”. بهذا الابتسار المتعمد بقيت لقرون صورة الإسلام في الوجدان الغربي تُرسم؟! فهل يمكن القول بأن الحروب الصليبية قد انتهت؟!

*باحث مصري.

المقالة تعبّر عن رأي كاتبها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع

Optimized by Optimole