ما هي دلالات فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق الضفة؟

ما هي دلالات فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق الضفة؟
Spread the love

بقلم: بنينة شرفيط باروخ – باحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•كثرت في الآونة الأخيرة الأصوات التي تدعو إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. ويختلف حجم المقترحات، هناك من يتحدث عن المنطقة كلها، بينما يقصد آخرون المنطقة ج، أي المنطقة الواقعة خارج تجمعات البلدات والقرى الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية (منطقتي أ وب)، وهناك من يقترح البدء بتطبيق السيادة على جزء أو على كل المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة. وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق القانون الإسرائيلي على المنطقة هو عملياً بداية السيادة، والسيادة هي فعلياً الضم. والفارق في المصطلحات يستند إلى حساسيات سياسية ورسمية، لكن ليس بينهما فارق قانوني جوهري.

•تعتمد المقترحات المطروحة بصورة عامة على حجج إيديولوجية تتعلق بحقوق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل الكاملة، لكن تبرز أيضاَ حجج تتمركز على حقوق المدنيين الإسرائيليين الذين يسكنون في هذه المناطق، أولئك الذين يجدون أنفسهم “كمواطني درجة ثانية” ، لأن القانون الإسرائيلي لا يطبَّق على الأماكن التي يسكنون فيها بصورة كاملة.

•في سنة 1967 استولت إسرائيل على مناطق يهودا والسامرة (وعلى مناطق إضافية). وعلى الرغم من ادّعاء إسرائيل بشأن حقوقها في المنطقة، لم تطبّق مطلقاً سيادتها على هذه المناطق، بل طبقتها فقط على القدس الشرقية. بالنسبة إلى المجتمع الدولي، المنطقة كلها، بما فيها القدس الشرقية هي أرض محتلة ولا يحق لإسرائيل ضمها إليها. وانسجاماً مع ذلك، لم يعترف العالم بضم القدس الشرقية، بما في ذلك الولايات المتحدة، ولا يتعامل العالم معها بصفتها جزءاً من أرض دولة إسرائيل. فيما يتعلق بالمناطق [المحتلة] طبقت إسرائيل عملياً قوانين السيطرة الحربية، أي قوانين الاحتلال، لأنها منظومة قوانين يعتبرها القانون الدولي تنطبق على الوضع الذي يجري فيه الاستيلاء على أرض خلال حرب، وفي ضوء الحاجة إلى إطار قانوني من أجل تنظيم صلاحيات ومسؤوليات السلطة حيال السكان الذي يسكنون في المنطقة.

•في يهودا والسامرة لا يطبَّق القانون الإسرائيلي. ويستند القانون الداخلي المطبق إلى القوانين التي كانت موجودة قبل 1967 وتشريعات أمنية صادرة عن قائد قوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة. ومع ذلك فقد أصدر القائد العسكري أوامر بلدية تتعلق بكل المستوطنات الإسرائيلية جرى فيها تطبيق العديد من إجراءات القانون الإسرائيلي، مثلاُ في مجال التعليم، والرفاه، والسلطة المحلية وغيرها، ويخلق تطابقاً كبيراً بين النظامين القانونيين. وقد نُشر في الفترة الأخيرة، وبطلب من وزيرة العدل، فقد أُعطيت التعليمات من أجل تحسين وتقصير عملية ملاءمة القوانين المطبقة في المستوطنات مع التغييرات في القانون الإسرائيلي.

•ومعنى هذا أن جزءاً كبيراً من الفجوات القانونية الموجودة المتعلقة بسكان المستوطنات يمكن حلها من دون الحاجة إلى تطبيق القانون كله على المناطق [المحتلة]. بيد أن الفجوة الجوهرية هي المتعلقة بالقوانين المطبقة على الأملاك في المنطقة.

•إن المشكلة الأساسية التي تنطوي عليها أفكار تطبيق السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة، أو على أجزاء من هذه المنطقة، هي تجاهل نتائج هذه الخطوة على الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنطقة وعلى مستقبل السلطة الفلسطينية، وتجاهل انعكاساتها على إسرائيل، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.

•إن خطوات تطبيق السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة من شأنها أن تؤثر مباشرة في الفلسطينيين الذين يسكنون في المناطق التي ستُطبَّق عليها السيادة. في المنطقة ج يسكن نحو 200 ألف إلى 300 ألف فلسطيني. وإذا تحولت هذه المنطقة إلى جزء من إسرائيل، سيتحول هؤلاء الفلسطينيون إلى سكان دائمين في إسرائيل، مع كل الحقوق المترتبة على ذلك، بما فيها حرية الحركة وحقوق الحصول على الضمان الاجتماعي. كما سيكون من حقهم المطالبة بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، ويمكن الافتراض أنهم سيكونون في وضع مشابه لوضع سكان القدس الشرقية الذين لم يحصلوا على الجنسية، وهذا وضع إشكالي بحد ذاته.

•تطبيق السيادة الإسرائيلية على المنطقة ج كلها سيؤثر أيضاً في الفلسطينيين الذين يسكنون خارج هذه المنطقة (في منطقتي أ وب). أولاً، وفي منطقة ج توجد أراضٍ، وبنى تحتية وممتلكات أُخرى يملكها هؤلاء السكان، أو توفر حاجاتهم اليومية. بالإضافة إلى ذلك، من أجل الانتقال من مكان إلى آخر في منطقتي أ وب لا بد من المرور في منطقة ج (التي تشكل نحو 60% من المناطق). وإذا نظرنا إلى الخريطة يتأكد لنا هذا جيداً.

•بالإضافة إلى ذلك، توجد علاقات عائلية وغيرها بين سكان منطقة ج وسكان أ وب. والمسّ بحقوق الفلسطينيين في المنطقة وفرض قيود على حركتهم سيثير احتجاجات كبيرة في شأن انتهاك حقوق الإنسان الأساسية.

•يضاف إلى ذلك، أن مثل هذه الخطوة سيخلق أزمة حادة في العلاقة مع السلطة الفلسطينية وبشأن التعاون معها، في المجالين الأمني والمدني على حد سواء. والمقصود هنا هو خطوة تتعارض بصورة واضحة مع الاتفاقات بين الطرفين، وهي عملية تدل على عدم وجود نية من أجل التوصل إلى إنهاء النزاع في إطار توافقي. وستكون هناك نتيجة أُخرى هي خلق إحساس باليأس وسط الفلسطينيين إزاء فرص تحقيق تطلعاتهم الوطنية، الأمر الذي سيزيد في الحافز الإرهابي والوطني.

•إن تطبيق القانون فقط في حدود المستوطنات الإسرائيلية سيقلص إلى حد ما انعكاسات هذه الخطوة على الجانب الفلسطيني. لكن مع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة سيقوي الادعاءات بشأن “الأبرتهايد”، بسبب وجود نظامين منفصلين من القوانين ضد الفلسطينيين لمصلحة الإسرائيليين. بالإضافة إلى أن هذه الخطوة ستلحق ضرراً كبيراً بالتعاون مع السلطة، وخصوصاً في المجال الأمني، وستمس بصورة كبيرة بأدائها لعملها.

•على الصعيد الدولي، كل خطوة لتطبيق السيادة الإسرائيلية على المناطق، حتى لو كان المقصود أيضاً المستوطنات فقط، ستُعتبر خطوة إضافية لإحباط خيار الدولتين، وسوف تُتهم إسرائيل بالمسؤولية عن استمرار النزاع. كما ستُعتبر هذه الخطوة خرقاً واضحاً للقانون الدولي وللقرارات الدولية في هذا الشأن.

•طبعاً، من المحتمل أن الإدارة الأميركية الحالية ستقطع الطريق على اتخاذ قرار في مجلس الأمن ضد إسرائيل، لكن من المتوقع اتخاذ خطوات في المنتديات الدولية الأُخرى، وكذلك من جانب الاتحاد الأوروبي، ودول أُخرى، وحتى فرض عقوبات على إسرائيل.

•يمكن أن يؤثر قرار الضم أيضاً في إمكان القيام بإجراءات جنائية دولية. في هذه الأيام تُجري محكمة الجنايات الدولية فحصاً يتعلق بالمستوطنات التي تُعتبر جريمة حرب في قانون المحكمة. واتخاذ قرار بالضم يمكن أن يؤثر في قرار فتح تحقيق أو أن يؤدي إلى تقديم لوائح اتهام. ومثل هذه اللوائح يمكن أن تُقدَّم أيضاً ضد وزراء وحتى ضد رئيس الحكومة، لأنه لا توجد في محكمة الجنايات الدولية حصانة لرئيس دولة.

•يستنتَج من هذا المقال أن لقرار تطبيق السيادة الإسرائيلية على المناطق [المحتلة]ٍ نتائج مهمة جداً على الصعيدين الداخلي و الدولي. على الرغم من هذا كله يمكن أن تقرر حكومة إسرائيل أنها تريد الدفع قُدُماً بخطوات تطبيق السيادة كجزء من تحقيق موقف إيديولوجي. لكن مثل هذا القرار يجب أن يُتخذ بعد نقاش استراتيجي جدي، وبعد مواجهة جميع النتائج والانعكاسات المتوقعة، وكجزء من سياسة شاملة، هدفها الدفع قُدُماً نحو وضع دائم يلائم الحكومة، وليس كخطوة جزئية ذات دوافع سياسية داخلية.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 1007، 7/1/2018، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole