سنة على الهبة: الدافع الشخصي

سنة على الهبة: الدافع الشخصي
Spread the love

بقلم: أيال زيسر – باحث إسرائيلي في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا —

•منذ سنة تواجه إسرائيل موجة إرهاب فلسطيني سمتها البارزة هجمات يقوم بها مخربون أفراد صغار في السن، قرروا العمل بصورة مستقلة وبطريقة عفوية من دون تخطيط مسبق. وأغلبيتهم ليس لهم سوابق تورط في عمليات إرهابية ولا ينتمون إلى تنظيم إرهابي معين.

•عندما بدأت موجة الإرهاب العام الماضي كان يقع هجوم إرهابي يومياً تقريباً. خلال الشتاء تراجعت الموجة فأصبحت هجوماً كل أسبوع أو أسبوعين، لكن يبدو اليوم أنها تعود من جديد. نحو 39 إسرائيلياً حتى الآن قتلوا وجرح نحو 500. وكان من الممكن أن يكون هذا العدد أكبر بكثير لولا عمليات الإحباط الحازمة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، وفي أحيان معينة الأجهزة الأمنية الفلسطينية. إن أغلبية منفذي الهجمات، أكثر من مئتين، جرى القضاء عليهم أثناء محاولات الهجوم، الأمر الذي يُحوِّل هذه الهجمات إلى هجمات انتحارية فرص الخروج منها على قيد الحياة ضئيلة.

•عندما عادت موجة الإرهاب مجدداً كان هناك من ربطها بالتوتر الذي ساد حول جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] الذي أججته الحركة الإسلامية في إسرائيل تحت عنوان “الأقصى في خطر”. لكن النفوس هدأت في جبل الهيكل، ليتضح أن الدافع للهجوم على يهود ليس بحاجة إلى سبب أو خلفية مسبقة.

•إن ما يميز موجة الإرهاب الحالية هو عدم وجود يد تحركها أو طرف منظّم. لقد تجنبت السلطة الفلسطينية إدانة المهاجمين بل هي حتى تبنتهم، لكن بخلاف الانتفاضة السابقة ليست هي ولا أجهزتها الأمنية من يقف وراء هذا الإرهاب أو يشجع عليه. أما “حماس” فتغرق في صراع على بقائها في غزة، وهي في جميع الأحوال أضعف من الدعوة إلى موجة إرهاب شعبي واسع النطاق في الضفة، باستثناء هجمات إرهابية محدودة تقوم بها خلايا تابعة لها ما تزال موجودة على الأرض. كما تجدر الإشارة إلى أن عموم السكان الفلسطينيين لا يشاركون في الموجة الحالية للعنف حتى لو كانوا يقدمون دعمهم للمهاجمين. وكل فلسطيني عاقل يدرك أن الواقع الحالي الذي يعيش في ظله الفلسطينيون في الضفة – مهما كان معقداً – أفضل من الواقع السائد في شتى أنحاء العالم العربي، بدءاً من ليبيا وسورية والعراق وغيرها، وحتى أفضل من الوضع في قطاع غزة.

•لكن منفذي الهجمات الذين أغلبيتهم صغار في السن لهم منطقهم الخاص، فالحافز بصورة عامة شخصي وهدفه تحدي الواقع الذي هو في الحقيقة واقع حياة الشباب العرب في الشرق الأوسط كله. ويتوجه التحدي نحو المجتمع – القريب والبعيد – نحو العائلة ونحو المجتمع الفلسطيني والعربي أيضاً. وما يجري الحديث عنه هنا هو جيل شاب يتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي ويعمل بوحي منها، متجاهلاً الأهل والأطر الاجتماعية. ويعتبر الإسلام الراديكالي القريب من تعاليم تنظيم داعش هو الأكثر تأثيراً على شبكات التواصل الاجتماعي هذه.

•من الصعب افتراض أن يشغل فتى في الـ13 أو الـ15 من عمره نفسه بأسئلة من نوع الزعامة الفلسطينية إلى أين؟ أو ما هو مستقبل المناطق [المحتلة] بعد مرحلة أبو مازن؟ في بعض الأحيان يشكل الاحتكاك مع جنود إسرائيليين عاملاً مشجعاً، لكن الواقع بمعناه الواسع، واقع جيل عربي شاب من دون مستقبل ولا أمل تملأ وسائل التواصل الاجتماعي حياته، وهذا ما يدفع الشباب الفلسطيني للقيام بهجمات. (…)

•ومثل موجات الإرهاب الماضية، فإن هذه الموجة ستخمد، ومن الصعب التقدير إن كان هذا سيحدث خلال أشهر أو سنوات. لقد نجحت إسرائيل في الحؤول دون التصعيد ونشوب موجة عنف شعبي واسعة من خلال الرد الفوري على الهجمات لكن من دون تدمير العلاقات مع المجتمع الفلسطيني ومع السلطة، اللذين ليسا معنيين بالتصعيد وبحدوث تدهور. ومثل فصول سابقة من حياتنا، يتعين علينا أن نصبر وأن نواصل إحباط هجمات وأن نرد بحزم وننتظر أياماً أفضل لا بد آتية.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هيوم”، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية