“جُند الأقصى” بين الضرورات الآنية والنفوذ الاقليمي

“جُند الأقصى” بين الضرورات الآنية والنفوذ الاقليمي
Spread the love

jund-aksa

بقلم: عبّاس الزين* –لم يكن ظهور تنظيم “جُند الأقصى” على الساحة “الجهادية” في سوريا أمراً عبثياً مرتبطاً بأجندة خاصة لقادته ومُسلّحيه، وإلا لكان التنظيم بكوادره العسكرية تابعاً لإحدى الفصائل المُسلّحة التي تتشارك معه الأيديولجيا والوجود الميداني والهدف. أُرِيد لهذا التنظيم أن يكون في مرحلةٍ ما لاعباً من ضمن خطّة بديلة نشهد تبعاتها اليوم، بعد بروز اسم “الجُند” بشكلٍ لافت، بدءاً من ريف إدلب وصولاً إلى ريف حماه والرّقة. فقد أعطى تنظيم “جُند الأقصى” في تحرّكاته العسكرية بما فيها من تحالفاتٍ وصِراعات مع الفصائل المُسلّحة على تنوّعها، صورةً واضحةً عن تبعيّة الجماعات المُسلّحة وارتباطها بالمصالح والأجندات الآنيّة لبعض الدول المعنية بالأحداث في سوريا، والتي تتبّدل مع مُستلزمات الميدان المُتقلّبة.
التنظيم الذي يَندَرج ضمن لائحة المُنظمات الإرهابية المُتّفق عليها دولياً، والذي حمل إسم “سرايا القدس” قبل انفصاله عن “النصرة”، كان يتزعّمه “أبو عزيز القَطَري”، المُقرَّب من زعيمي القاعدة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. “القَطَري” الذي أسّس إلى جانب أبو مصعب الزرقاوي ما عُرِفَ إبّان الاحتلال الأميركي للعراق بـ ” كتائب التوحيد والجهاد”، قَدِم الى سوريا مع بداية الأحداث، وأسّس مع “الجولاني” “جبهة النصرة لبلاد الشام”، لينشقّ بعد ذلك عن جبهة النصرة ويُشكّل تنظيم “جُند الأقصى”، بعد خروج النصرة من عباءة “داعش”، واستقلال الجولاني عن قرار “أمير داعش” أبي بكر البغدادي.
برز اسم التنظيم بشكلٍ لافت، في المعارك التي خاضتها “النصرة” سابقاً ضدّ فصائل “الجيش الحر” في الشمال السوري. فقد كان “الأقصى” الذِراع الطولى التي اعتمد عليها “الجولاني” في حربه ضدّ “جبهة ثوّار سوريا” التي يقودها جمال معروف، بالإضافة إلى حركة “حزم” وغيرهما من الفصائل في إدلب وريفها. حيث بدأ “الجُند” عملياتهم في ريف إدلب مع بداية العام 2014، بملاحقة مُسلحي “معروف”، والسيطرة على مقرّاتهم العسكرية والأمنية وذلك بتحريضٍ من “الجولاني”، الأمر الذي أفضى في وقتٍ لاحق إلى سيطرة “النصرة” على تلك المقرّات وطرد معروف ومُسلّحيه من ريف إدلب. بَيدَ ان المعارك بين “الأقصى” و”جبهة ثوّار سوريا” في تلك الفترة أدّت إلى مقتل زعيم التنظيم “أبو عزيز القَطَري”، الذي عُثِرَ عليه بعد عشرة أشهر من اختفائه في مقابر جماعية في ريف إدلب، بعد مقتله على يد مُسلّحي “ثوّار سوريا”، بحسب بيان “الجُند” حينها.
لم يكتفِ تنظيم “جُند الأقصى” باتّهام “ثوّار سوريا” بقتل زعيمه، بل اتّهم أيضاً “أحرار الشام” بالتواطؤ والضلوع في قتله، عَبرَ استدراج القَطَري من قِبَل “الأحرار” إلى جبل الزاوية في ريف إدلب لتتكفّل “ثوّار سوريا” بالباقي، بالأخصّ أن موقف “الأحرار” حينها من القِتال الدائر بين “الجُند” ومُسلّحي معروف لم يكن واضحاً، بل أكثر من ذلك عَمِلَ “الأحرار” على الوقوف في وجه توسّع “الجُند” في الريف الإدلبي، لما يُشكّله ذلك من تهديدٍ لنفوذهم هناك، ما أسّس في وقتٍ لاحق لاغتيالات طالت العديد من قادة “أحرار الشام” كان تنظيم “جُند الأقصى” المُتّهم الأبرز بها.
ويُذكر، أن حُذيفة عزّام في شهادته الشهيرة حول “النصرة” كان قد ذكر بعضاً من تفاصيل معركة ريف إدلب بين جُند الأقصى وجبهة ثوّار سوريا. فقد أشار عزّام في تعليقه على المحكمة الشرعية التي كان من المُزمَع تشكيلها للحُكم في الخلِاف المُستعِر بين “الجُند” و”ثوّار سوريا” إلى أنه “ومع توالي الضغوطات لتطويق اﻷزمة وحَقن الدماء حصل شيء من اللّين من قِبَل جبهة النصرة، ولكن جُند اﻷقصى هدّدت جبهة النصرة بالقطيعة وعدم العمل معها بعد هذه اللحظة إن وافقت على محكمة شرعية أوهدنة أو صلح وأنه ﻻ حل مع جبهة ثوّار سوريا إﻻ الحرب والسيف وعلت حِدّة نبرة جبهة النصرة ثانية”.
بعد القضاء بشكلٍ تام ٍعلى “جبهة ثوّار سوريا” من قِبَل “النصرة” و”جُند الأقصى”، توالت المعارك ضدّ فصائل “الجيش الحر” المتواجدة في ريف إدلب وصولاً إلى حماه وحلب، بذريعة مُساندة “جمال معروف”، الأمر الذي وصفه عزّام في شهادته بأنه “استمرار لمشروع “إدارة التوحّش” ﻹقامة إمارة قاعدية خالصة” في إدلب وريفها، ما أدّى إلى الغاء مُعظم تشكيلات الجيش الحر في المنطقة، إما بزوالها نهائياً أو باندماجها ضمن تشكيلات جديدة مُتحالفة مع “النصرة”.
على صعيدٍ مُتّصل، استطاع تنظيم “جُند الأقصى” فرض نفسهِ كفصيلٍ مُسلّح مُستقلٍ نوعاً ما عن الحركات “الجهادية” الأخرى، مُعتمداً بالدرجة الأولى على عُنصر “المُهاجرين” فيه من جنسياتٍ مختلفة، الأمر الذي جعله عنصر جذبٍ للمُقاتلين الأجانب غير الراغبين بالبقاء ضمن فصائل مُسلّحة، بدأت في مرحلةٍ مُعيّنة تتبنّى مشروع المفاوضات غير المُباشرة مع “النظام” كأحرار الشام، أو الخارجة من الولاء للقاعدة والراغبة بحصر القتال ضمن المُسلّحين المحليين كـ “النصرة” مؤخراً. أمام تلك المُتغيّرات ذهب “الجُند” أيضاً نحو التقارب أكثر من “داعش” في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أدّى إلى بروز خلافاتٍ بين “النصرة” و”الأقصى”، كادت أن تصل إلى حد اشتعال المعارك بينهما في الريف الجنوبي لإدلب، وذلك بعد اكتشاف مُعسكرات تدريب تابعة لـ”جُند الأقصى”، وبإشرافٍ مُباشرٍ من قِبَل قادة “الجُند”، يتم خلالها تدريب مقاتلين وتسليمهم لتنظيم “داعش” بتهريبهم عن طريق البادية باتّجاه ريف حماه الشرقي، تحديداً منطقة العقيربات، التي يُسيطر عليها التنظيم. وفور اكتشاف هذا الأمر في حزيران من العام 2016، تسارعت قيادات “جيش الفتح” إلى مطالبة القاضي الشرعي لـ “جيش الفتح” عبدالله المُحيسني بوقف “الجُند” عند حدّهم، مُتّهمينهم بأنهم عُملاء “داعش” في ريف إدلب، مُحمّلينهم مسؤولية الاغتيالات التي طالت قيادات الفتح ومُسلّحيه.
كل محاولات المُصالحة بين “النصرة” و”الجُند”، والتي كان عرّابها المُحيسني لم تنجح في ثني “النصرة” عن اقتحام مقار “الجُند” التي يتم فيها تدريب المقاتلين، واعتقال مُسلّحي “الجُند” المتواجدين فيها ومصادرة أسلحتهم، ما أرغم “أمراء الجُند” على إغلاق مقارّهم والانسحاب إلى منطقة سنجار جنوبي إدلب، مقابل إطلاق سراح مقاتليها من سجون النصرة. بَيدَ أن انسحاب مُسلّحي “الجُند”، كشف عن خلافاتٍ بين القادة الميدانيين لـ “جُند الأقصى”، الذين يُجاهِرون بتأيدهم لتنظيم “داعش”، وبين أمير التنظيم الذي خَلَفَ “القَطَري”، المدعو “أبو ذرّ النجدي”. ففي تغريدةٍ له فضح أحد عناصر “الجند”، أبو أحمد الحموي أميره، مُعتبراً أنّ “أبو ذرّ النجدي، أمير تنظيم جُند الأقصى، شخص ضعيف وسهل عليه تسليم عناصره، وخاصة لجبهة النصرة، ولا يهمّه عناصر أو ساحة جهاد، أو إذا لُغَّمت الطرقات”، مطالباً “النجدي بالتوقّف عن الكذب على إخوانه في الفصائل، فالجُند يؤيّدون داعش في مقارهم، وبشكل مُعلَن”.
ما كشفه “الحموي”، يوضح إلى حدٍ ما، الانتهازية التي يتّبعها “النجدي” في علاقاته مع الفصائل الأخرى، لا سيما “داعش” و”النصرة”، فهو لا يريد المُجاهرة بتأيده لتنظيم “داعش” كي لا يخسر تحالفه مع “النصرة” في ريف “إدلب”، وفي نفس الوقت يُراهن على علاقته الخفيّة مع “داعش” لتوسيع نفوذه أكثر. ويُذكر هنا، أن التقارب العسكري الأخير بين “الجُند” و”داعش” جاء بالتزامن مع قيام “النصرة” بفكّ الارتباط مع “القاعدة”، حيث أن إنتهازية “النجدي” تذهب باتّجاهين: الأول، استغلال تنظيم “جُند الأقصى” الوضعية الجديدة لـ “النصرة” بعد فكّ ارتباطها مع القاعدة، فبالرغم من إيحائه قبول قرار الجولاني من خلال بيانٍ صدر عنه، يحاول “النجدي” جَذبَ المُقاتلين غير المُقتنعين بقرار الجولاني الأخير، حيث يُعتبر تنظيم جُند الأقصى الأقرب لهم، لا سيما الأجانب منهم، كونه لا توجد أية خلافات عقائدية بينهم. الاتّجاه الثاني، رغبة “الجُند” في استلام زِمام المُبادرة في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “داعش” بعد الحملة الدولية الشاملة عليه، الأمر الذي سيؤدّي في حال تفكّك الجسم العسكري لـ “داعش” على المدى المنظور، إلى ذهاب مسلحيه باتجاه “الجُند” أيضاً.
انطلاقاً مما تقدّم، نسجَ تنظيم “جُند الأقصى” تحالفاتهِ بما يتناسب مع تواجده الميداني وما يحفظ له هذا التواجد، أو ما يؤمّن له تواجداً جديداً. على سبيل المِثال، بقاء التحالف بين “الجُند” و”النصرة” في إدلب وريفها يؤمّن للجُند غطاءً في تحركاتهم ضدّ “أحرار الشام” و”الجيش الحر” بما أن “النصرة” تُعتبر الفصيل الأبرز والأقوى في تلك المنطقة، كما أن عدم دخولهم ضمن معركة حلب الأخيرة إلى جانب “جيش الفتح”، وتحالفهم مع “داعش” في الهجمات الفاشلة المُتكرّرة التي شنّها على طريق خناصر-أثريا في الوقت نفسه، أمّن “للجُند” تواجداً ملحوظًاً على مَقرُبة من “الرقّة” لم يكن من قبل، مع حفاظهم على تواجدهم في ريف إدلب، ليمتدَّ مؤخراً إلى ريف حماه.
لعب تنظيم “جند الأقصى” دوراً بارزاً في معارك ريف حماه، التي اشتعلت في تموز من العام 2016، بتحالفه مع “الجيش الحر” وحركة “أحرار الشام” ضمن ما تمّت تسميته بـ “غزوة مروان حديد”. تحالُف “الأحرار” و”الجيش” مع “الجُند”، يعود إلى رغبتهم بمنع “الجُند” من التفرّد بالسيطرة العسكرية على حماه، بما أن المحافظة الواقعة في وسط سوريا، يحدّها من الشمال إدلب وحلب ومن الشرق الرقّة وحمص جنوباً، في ما يحدّها من الجهة الغربية طرطوس وحمص. ما يعني أنه في حال استطاع تنظيم “جُند الأقصى” الوصول إلى مدينة “حماه” والسيطرة عليها، فإن الأمر سيفُضي إلى تغيّرات جذرية في الخريطة العسكرية للفصائل المُسلّحة، ليصبح تنظيم “جُند الأقصى” مُتحكّماً حتى بالقرارات الميدانية لتلك الفصائل، عبر استحواذه على ورقة حماه، وتأمينه لخطوط الإمداد باتّجاه المحافظات الست. تأثير سيطرة “الجُند” على حماه إذا ما تمّت، لن يطال الجيش السوري والفصائل المُسلّحة على الصعيد الميداني فقط، بل له ارتدادات دولية لها علاقة بالمُفاوضات الجارية بين الدول المعنية بالأزمة السورية، بحيث أن الدولة التي تدعم وتتبنّى تنظيم “الأقصى” في تحرّكه، ستنتزع المُبادرة من الدول الأخرى لتفرض شروطها على الجانب السوري بالإضافة الى دول داعمة لفصائل مُسلّحة أخرى.
بناءً عليه، فإن تحرّك “الجُند” باتّجاه حماه في أوج المعركة الدائرة في حلب، ومن دون أي تنسيقٍ مع “جيش الفتح”، سببه الصِراعٍ التركي-السعودي على الميدان السوري. ففي الوقت الذي نجحت فيه تركيا في تبنّي المعركة الدائرة في حلب لوجستياً وعسكرياً وسياسياً، بالتزامن مع تعاظمٍ الدور التركي في الشمال السوري، كان لافتاً الدور السعودي الذي بدأ بالتضاؤل لاعتباراتٍ محلية سورية، بعد التراجع الأخير لـ”جيش الإسلام” في مناطق الغوطة الشرقية، و”المصالحات” تحت الضغط العسكري للجيش السوري في الغربية منها واقليمية لها علاقة بالانتكاسات السياسية والعسكرية في حربها على اليمن.
انطلاقاً مما تقدّم، سعى الطرف السعودي إلى التواجد بقوة من جديد في الميدان السوري عبر تنظيم “جُند الأقصى”، والعودة إلى المشهد العسكري من بوابة حماه. وقد ظهر النزاع التركي-السعودي في الميدان السوري من خلال التصريحات التي أطلقها بعض قيادات “جُند الأقصى” مع بدء “ملحمة حلب الكبرى” معتبرةً أن تلك “الملحمة” ليست إلا “معارك استعراضية وإعطاء فيديوهات إعلامية للرئيس التركي أردوغان كي يُفاوض الرئيس الروسي من موقع أقوى”، ما يعني أن فتح الجبهات على اختلافها من قِبَل الجماعات المُسلّحة ليس من ضمن تنسيق اقليمي سعودي-تركي، بل يعود إلى صِراعٍ على النفوذ بينهما.
وفي ما يخصّ معارك حماه، فإن الانتهازية التي يسستخدمها “الجُند” في علاقاتهم مع الفصائل المُسلّحة، ظهرت بشكلٍ واضح هناك، حيث علّل بعض قيادي “الجُند” في وقتٍ سابق، سبب خروجهم من تحالف “جيش الفتح” في أواخر العام 2015، إلى مشاركة ما اعتبروه فصائل غير “إسلامية” في التحالف او الى جانبه في المعارك ضد الجيش السوري بالاضافة الى رغبة “الجيش” في قتال “داعش”، بيد أن تلك الحجج لم تدم مصداقيتها طويلاً مع تحالف “الجُند” وجماعات مُسلّحة تابعة للجيش الحر في معركة ريف حماه الشمالي ضدّ الجيش السوري، ووفقاً لتغريدات قادة إعلاميين في “جيش الفتح”، فإن “سعي أبو ذر (القائد العام لجند الاقصى) لفتح أية معركة يأتي لإخماد الحِراك داخل فصيله بسبب عدم فتحهم معارك ولكن سيفتح معركة في حماة ليغنم حاجزاً ثم ينام ففي أوج معارك الريف الجنوبي فتح أبو ذرّ معركة حماة وقاتل مع الجيش الحر وهو مَن خرج من جيش الفتح بحجّة وجود الفيلق وكانت النتيجة كارثية”.
يظهر، أن انفصال “الجُند” عن “جيش الفتح” أيضاً، يعود لأسباب تتعلّق بالتغيّرات الميدانية، المرتبطة بمصالح خارجية، ولا علاقة له بتحالف “جيش الفتح” مع فصائل من “الجيش الحر” في وقتٍ سابق، سيما أن هذا الانفصال تبعه فكّ ارتباط “النصرة” عن القاعدة.
الخطوتان المتتاليتان من “جُند الأقصى” بانفصالها عن “جيش الفتح”، ثم “جبهة النصرة” بفك ارتباطها عن “القاعدة”، تأتيان في سياق سعي بعض الدول الداعمة والمُتحكّمة بقرار الجماعات المُسلّحة وإن بشكلٍ غير مباشر، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، إلى توحيد “المُعارضة السورية” تدريجاً على الصعيدين العسكري والسياسي، بعيداً عن التصنيفات المُرتبطة بلائحة الإرهاب، الأمر الذي دفع إلى خروج تنظيم “جُند الأقصى” من “جيش الفتح” مع بقائه على الولاء “للقاعدة”، وفكّ ارتباط “النصرة” مع “القاعدة” مع بقائها ضمن تشكيل “جيش الفتح”. لتصبح الصورة كالتالي: “جيش الفتح”، تنظيم عسكري سوري مُعارض يخلو من أي انتماء للقاعدة يخوض معاركه الأساسية في حلب، مع إبقاء قوة عسكرية تابعة للقاعدة مُتمثّلةً بـ “جُند الأقصى” والعمل على تقويتها ميدانياً بالعديد والعتاد في المناطق التي تشهد معارك حيوية بين الفصائل المُسلّحة والجيش السوري كإدلب وحماه والرقّة.
رغبة واشنطن بإبعاد أي تنظيمٍ حافظ على انتمائه للقاعدة عن حلب، سببه أن المحافظة الشمالية تدور في فلكها المفاوضات الدولية، وبالرغم من عدم اعتراف واشنطن بـ”النصرة” كفصيلٍ تابعٍ للمُعارضة المُعتدلة، فإنها لا تريد إحراج نفسها أمام الجانب الروسي بتواجد أي فصيل ينتمي إلى القاعدة في المعارك الجارية هناك ضدّ الجيش السوري وحلفائه، لأن ذلك سيزيد من الضغط عليها في مفاوضاتها الجانبية مع موسكو ما يُعطي انطباعاً أن الخلاف السعودي-التركي بين حماه وحلب، تتحكّم فيه واشنطن بما يتناسب مع مصالحها الخاصة ميدانياً وسياسياً، مُستغلّة رغبة حلفائها الاقليميين في توسيع نفوذهم، فمهما تقدّم “الجُند” في حماه بدعمٍ سعودي، وقابله تقدم لـ “جيش الفتح” في حلب بدعمٍ تركي، فإن الإدارة الأميركية تسيطر على الجبهتين وتجيّرهما بمفاوضاتها مع موسكو، بمعزلٍ عن صراع النفوذ بين الجانبين التركي والسعودي.
تلك الترتيبات الجديدة للفصائل المُسلّحة في سوريا، تذهب واشنطن من خلالها باتّجاه التماشي مع مُستلزمات المفاوضات الدولية، بعد أن فرضت نتائج الميدان نفسها على المشاورات القائمة مع الجانب الروسي، حول الحل السياسي المُرتبط بمشاركة “المُعارضة السورية” بعيداً عن التصنيفات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، تريد الإدارة الأميركية الحفاظ على تواجد “القاعدة” في الميدان السوري، متمثلةً بعد فكّ ارتباط “النصرة”، بـ “جُند الأقصى” وغيرها من التنظيمات المُسلّحة المتواجدة جنوباً وشمالاً لما يؤمنه ذلك من مُبرّرات لأي تدخّلٍ عسكري مُستقبلي، بحيث تصبح تلك التنظيمات التي أبقت على ولائها للقاعدة ذريعة، بعد استنزافها عسكرياً قدر الإمكان، فـ “الحال الأفغانية” لا تزال حاضرة، وتُكرّر نفسها بمسمّيات وميادين مختلفة.

*صحافي وكاتب سياسي وباحث مُختص في شؤون الجماعات المُسلّحة.

المصدر: الميادين نت
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.