مشكلة سبينوزا.. الفيلسوف اليهودي المنبوذ

مشكلة سبينوزا.. الفيلسوف اليهودي المنبوذ
Spread the love

قراءة: #غنوة فضة* | بين زمنين مختلفين، وشخصيتين متباعدتين في الفكر والتكوين، تتراوح أحداث رواية # “مشكلة سبينوزا” لكاتبها الوجودي الأميركي الطبيب النفسي إرفين د.يالوم، الصادرة عن منشورات الجمل 2019، ترجمة خالد الجبيلي.

الشخصية المحورية الأولى، للمفكر والفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا الذي عاش في القرن السابع عشر، حيث تحاكي الرواية تفاصيل حياته بما يشبه السيرة الذاتية، يمزج فيها الكاتب الواقع بالخيال معللاً ذلك لنقص المصادر المكتوبة حول الحياة التي عاشها الفيلسوف المنبوذ من قبل الطائفة اليهودية .
سبينوزا الذي توقع العلمنة، نبذه اليهود واتهم بالهرطقة إثر قيامه بدحض ما جاء في التوراة من تناقضات ومسلمات اتهم الحاخامات بتشويهها ووضعها للسيطرة على عقول الناس، فعمد إلى تكذيب مقولة شعب الله المختار، ومعاداة رجال الدين الذين اعتبرهم السبب الأكبر لتجميد سلطة العقل وتقزيمه وجعله سلعة تتلاعب بها فتاواهم وممارساتهم التي تثقل كواهل الناس وتكبل تفاصيل حياة سكان أمستردام اليومية.

الفيلسوف الذي نادى بإعلاء سلطة العقل وإحيائه لنشر المعرفة الصحيحة التي تصل إلى حالة الكمال العقلي عبر الشك والبحث والتفكير والابتعاد عن المسلمات، حتى الوصول إلى معرفة الله الأكثر كمالاً “القانون الناظم للطبيعة” فتجري من خلال الرواية المجادلات والمحاكمات العقلية بين سبينوزا ومعاصريه لمعرفة ما إذا كان يؤله الطبيعة أم يطبع الإله؟

الشخصية المحورية الموازية لاسبينوزا، هي شخصية ألفرد روزنبرغ، الرجل الذي صنع هتلر وصقل شخصيته، حيث عاصر روزنبرغ تفاصيل هزيمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، حاملاً الحقد والضغينة على اليهود والبلاشفة الذين حملهم إصر الخسارة، فعمد إلى تمجيد الأمة الألمانية، ودعا لإعادة إحياء العرق الآري، مع إعلان معاداته لليهود في كل المنابر، الأمر الذي قرّبه من هتلر الشاب، حتى كبر الاثنان وفق المنحى التاريخي المعروف، ولعبا دوراً كبيراً في تكون ألمانيا النازية، ووصول روزنبرغ لترؤس صحيفة الحزب النازي.

د. يالوم، الطبيب النفسي الشهير، يكشف من خلال شخصية متخيلة لطبيب نفسي – بفستير -عاصر روزنبرغ، عن حقيقة وأصل شخصية سايكوباتية تعاني عقد نقص طفولية المنشأ، فيظهر ببراعته الطبية، عن طرق تفكير ذهانية أوصلت القائد النازي للمصحة العقلية، وحتى إلى المشنقة في أميركا بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وانتحار هتلر.

يتناول الكتاب مؤلفات سبينوزا، من كتابه “الأخلاق” الذي بجّله غوته العظيم، و كتابه “رسالة في اللاهوت والسياسة”، إضافة إلى كمّ غني من المجادلات والمحاورات العقلية بين اسبينوزا المنبوذ الخارج من بيئته وطائفته، بعد أن طبقت الحرم عليه، وبين مريديه الذين عاصروه، إلى أن مرض في لاهاي، وتوفي منبوذاً، بعيداً عن عائلته، جراء إصابته بمرض السل.

لاحقاً، بعد تعدد المناطق المقترحة لإنشاء وطن قومي لليهود، وبعد احتلال فلسطين وترؤس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الشعب اليهودي، يتم الاعتراف باسبينوزا كأهم فيسلوف يهودي وعالمي، وتنصب النصب التذكارية المتخيلة لصورته، ويرفع الحرم الكنسي عنه.

يذكر أن إرث سبينوزا الفكري ومكتبته تم نهبها وإخفاؤها من قبل روزنبرغ إثر اقتحامه متحف الفيلسوف في أمستردام، وكل ما يوجد عنه اليوم من صور ولوحات متخيلة. أما مكتبته الخاصة فهي ليست الأصلية، بل نقلت وترجمت من قبل القلة التي آمنت بفكره .

مما جاء في الرواية:
– ما يجب عليّ فعله هو تغيير استجابة عقلي للأحداث.
– لا يجرؤ الخوف أن يدخل القلب الذي تطهر من الخوف من الموت.
– الهدف الأساسي من الحياة هو بلوغ أسمى أشكال المعرفة وهو الخير الذي أسميه انسجام الروح .
– أنا أسلم، أنه لا توجد لدى الله رغبات أو أمنيات حول كيف، أو حتى إذا مجدناه، اسمح لي إذا، أن أحبّ الله على طريقتي !!

#مشكلة_سبينوزا

*كاتبة وروائية سورية.

Optimized by Optimole