انعكاسات الاضطرابات في المنطقة على وضع إسرائيل الاستراتيجي

Spread the love

بقلم: آري شافيط – محلل سياسي إسرائيلي —

•عندما ينظر الجيش الإسرائيلي إلى العالم من حوله، يرى واقعاً استراتيجياً ليس له مثيل منذ قيام الدولة. التهديد الإيراني معلق، والتهديد العسكري السوري لم يعد موجوداً، حزب الله غارق في وحل الحرب السورية والوحل السياسي اللبناني، و”حماس” معزولة. ولا يوجد في الأفق خطر قيام ائتلاف عربي قوي يهاجم حدودنا. وليس هناك أي نسبة بين قوتنا وقوة الأطراف التي ما تزال معادية لنا.

•بالإضافة إلى ذلك، فإن جزءاً كبيراً من العالم العربي صديق لنا. وتسود شبكة جديدة من علاقات تقارب خفية بين العديد من الدول السنية المجاورة والدولة اليهودية. لذلك يمكننا القول بحذر ومن دون مبالغة إن وضعنا لم يكن على الإطلاق مريحاً وآمناً كما هو اليوم. كما أن التفوق الجوي والاستخباراتي والتكنولوجي يحول إسرائيل إلى صخرة استقرار وسط شرق أوسط مفكك.

•إن جزءاً أساسياً من قصة النجاح في السنوات الأخيرة ليس نابعاً من عمل إسرائيلي، فباراك أوباما هو الذي منح إسرائيل متسعاً من الوقت في مواجهة التهديد الوجودي الإيراني. والاضطرابات العربية هي التي فككت الجيش السوري وهي التي خفضت من أغلبية التهديدات الأخرى التي تتعرض لها إسرائيل من دول أخرى. والحرب السورية هي التي أدخلت حزب الله في أزمة تنظيمية وسياسية. والمعارضة العربية للإخوان المسلمين هي التي وراء الحصار المصري المفروض على “حماس”. والخوف من أعداء مشتركين (إيران، وداعش) وخيبة الأمل من حلفاء مشتركين (الولايات المتحدة)، هما اللذان حولا العديد من المعارضين إلى أصدقاء. ويمكن القول إن عدم الاستقرار هيأ نوعاً من الاستقرار يخدم جيداً مصالح دولة إسرائيل.

•في المقابل، ثمة جزء آخر من قصة النجاح الاستراتيجي هو من صنع إسرائيلي، فأغلبية المعارك غير المتناظرة التي خاضها الجيش الإسرائيلي في العقد الأخير (2006، 2008، 2012، 2014) لم تكن ناجحة، لكن نتيجتها الاجمالية أدت إلى ردع مهم. فعلى سبيل المثال وفرت عملية “الجرف الصامد” هدوءاً على الحدود مع غزة لم نشهد مثله منذ 48 عاماً. والجيش الإسرائيلي ينشط أيضاً بين الحروب، ولهذه الحرب الصامتة نتائج بعيدة المدى، فهي من جهة تفرض قيوداً على تعاظم قوة حزب الله و”حماس”، ومن جهة أخرى تزيد من التعاون الإقليمي. إن الهدوء الذي شهدناه في عيد السنة العبرية في العام الماضي لم يكن مصادفة بل جاء نتيجة النشاطات المكثفة والمتواصلة للجيش الإسرائيلي التي تجري وراء الكواليس.

•في السنة المقبلة سيخيم على الهدوء ثلاثة تساؤلات: ماذا سيجري في إيران بعد الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو 2017؟ وماذا سيحدث في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] مع غرق عباس التدريجي؟ وماذا سيحدث في غزة في ظل غياب أي أمل؟ ما يزال الغموض كبيراً في إيران، فإذا قرر الجنرال الكاريزماتي قاسم سليماني الترشح للرئاسة وفاز على حسن روحاني، فإن نافذة الوقت الخاصة باتفاق أوباما النووي ستتقلص كثيراً.

•إن الفلسطينيين هم الخطر المباشر والقريب. وعدم الارتياح في الضفة الغربية يمكن أن يتطور إلى عدم هدوء، وقطاع غزة أشبه بقنبلة موقوتة حقيقية. وإذا لم يحدث شيء في المستقبل القريب، فمن المحتمل أن تشهد سنة 2020 انهياراً كاملاً للنظام مما سيسبب كارثة إنسانية.

•في استطاعة الجيش الإسرائيلي أن يكون فخوراً بسنوات الهدوء الجيدة التي منحها لشعب إسرائيل. لكن من المنتظر أن تأتي سنوات صعبة. إن السباق على التسلح الإقليمي المجنون، وانعدام الهدوء الإقليمي عملا حتى الآن من أجل مصلحة إسرائيل، لكن يمكن أن يعملا ضدها في المستقبل. ومع مرور سنة وقدوم أخرى يمكننا أن نسأل الأسئلة عينها التي لا يستطيع الجيش أن يطرحها: هل فعلنا ما فيه الكفاية لاستغلال العهد الذهبي الاستراتيجي الحالي؟ وهل بذلنا كل ما في وسعنا من أجل ضمان الهدوء الحالي وكي لا يتحول إلى هدوء مخادع؟

•الجواب على السؤالين: كلا، كلا.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole