إسبارطة الخليج

إسبارطة الخليج
Spread the love
الملك سلمان ومحمد بن زايد  خلال لقائهما في الرياض
الملك سلمان ومحمد بن زايد خلال لقائهما في الرياض

بقلم: يوئيل غوجانسكي — أدى إخلاء القوات البريطانية من منطقة “شرق السويس” في عام 1970 إلى التسريع في إقامة دولة الإمارات العربية المتحدة بالاستناد إلى دول “الساحل المتصالح” (Trucial coast). وبعد 45 عاماً من ذلك تركز دولة الإمارات العربية المتحدة – صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وكذلك صاحبة الجيش الأكثر تدريباً وتسليحاً من بين الجيوش العربية – تركز على تحييد التهديدات الإقليمية وعلى بث القوة بعيداً عن حدودها.

لقد غيرت الاضطرابات في الشرق الأوسط سلوك عدد من دول الخليج العربية، وعززت من وزنها السياسي، وذلك في أعقاب ضعف المراكز السياسية والعسكرية العربية التقليدية. والنموذج لذلك دولة الإمارات العربية المتحدة التي تضع نفسها كلاعب مركزي في عملية إعادة صياغة المنطقة من جديد. وبعد أن قامت بمواجهة التهديدات الداخلية، أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة (التي تضم أبو ظبي ودبي وعجمان والفجيرة ورأس الخيمة والشارقة وأم القوين) القيادة لنفسها في مواجهة عدد من التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي جلبها معه “الربيع العربي”.
لقد أدى إخلاء القوات البريطانية من منطقة “شرق السويس” في عام 1970 إلى التسريع في إقامة دولة الإمارات العربية المتحدة بالاستناد إلى دول “الساحل المتصالح” (Trucial coast). وبعد 45 عاماً من ذلك تركز دولة الإمارات العربية المتحدة – صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وكذلك صاحبة الجيش الأكثر تدريباً وتسليحاً من بين الجيوش العربية – تركز على تحييد التهديدات الإقليمية وعلى بث القوة بعيداً عن حدودها. ولا تزال علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، وكونها جزءاً من “مجلس التعاون الخليجي”، لا تزال تحتل مكاناً مركزياً في نظرية الأمن الخاصة بدولة الإمارات. إلا أنه ومنذ بداية الاضطرابات الإقليمية، تقوم دولة الإمارات العربية باستخدام جيشها بوتيرة متزايدة. والحزم الذي يميز السياسة الخارجية للإمارات يرتبط ارتباطاَ وثيقاً بالمخاوف القائمة لجهة الالتزام الأمريكي بأمنها، وكذلك لجهة المخاوف من تعاظم قوة إيران والإسلام المتطرف وتأثير ذلك على الاستقرار الداخلي. وقد قال وزير خارجية الإمارات في عام 2014: “إننا لا نستطيع أن ننعم بالاستقرار إذا كانت النيران تضطرم من حولنا”.

“إسبارطة الصغرى”

وكجزء من هذا التوجه قامت الإمارات العربية المتحدة بتدشين ميناءين، بحري وجوي، في إريتريا الواقعة على ساحل البحر الأحمر، وبذلك أصبحت الدولة العربية الوحيدة التي توجد لها قاعدة عسكرية خارج أراضيها. كما أفادت التقارير مؤخراَ أنها قامت ببناء قاعدة عسكرية أخرى في شرق ليبيا. وعلى الرغم من أن جيشها صغير (حوالي 50 ألف جندي)، إلا أنه مزود بأفضل العتاد الغربي، ولديه خبرة قتالية واسعة في أفغانستان والصومال والبوسنة. وكان لقواتها دور حاسم في قمع الانتفاضة الشيعية في البحرين عام 2011، كما أن سلاحها الجوي شارك في الحملة لإسقاط حكم القذافي في ليبيا. وجيشها (الذي يضم مرتزقة أيضاً) يقوم بدور مركزي في المعركة الجوية والبرية والبحرية المتواصلة ضد الحوثيين في اليمن، وهي الشريكة العربية الأكثر فعالية في التحالف ضد “الدولة الإسلامية” (هذا في موازاة الدعم الذي تقدمه لجماعات المتمردين الذين يريدون إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد). وعلاوة على ذلك فإن سلاح جو دولة الإمارات العربية المتحدة قام عدة مرات بقصف أهداف في ليبيا، من خلال استخدام قواعد جوية مصرية. وإلى جانب الدعم المالي الذي تقدمه لنظام السيسي، تسمح الإمارات العربية المتحدة لمصر باستخدام العتاد العسكري الذي تنتجه هي بما في ذلك الطائرات الصغيرة المتطورة بدون طيار في شبه جزيرة سيناء.

وعلى خلاف جارتها العربيات، التي تقوم بشراء منظومات أسلحة متطورة والتي تبقى دون استخدام، تقوم الإمارات العربية المتحدة بشراء ما تحتاجه وتستخدم هذه المشتريات إلى أقصى حد ممكن حتى التصق بها لقب “إسبارطة الصغرى”. ويوجد لجيشها، وبخاصة لسلاحها الجوي، شهره كبيرة وهو يحظى بالاحترام في الغرب. وعلاوة على ذلك فإن دولة الإمارات تريد، عن طريق السماح لسلاح الجو والبحرية الأمريكيين العمل من أراضيها (هناك حوالي 5000 جندي أمريكي منتشرين على أراضيها)، وعن طريق مشتريات الأسلحة الضخمة، تريد أن تردع إيران، وبما لا يقل عن ذلك أيضاً، تقريب الولايات المتحدة منها. وكانت الإمارات العربية المتحدة أول من اشترى المنظومات المتطورة المضادة للصواريخ (THAAD)، وهي تريد الآن شراء الطائرة المقاتلة F-35.

والنسبة بين عدد السكان الصغير (من حوالي 9 ملايين مقيم هناك حوالي مليون مواطن فقط) وبين احتياطيات النقط الهائلة الموجودة في أراضيها (حوالي 100 مليار برميل مؤكدة) تجعل منها إحدى الدول الغنية في العالم بمصطلحات الناتج المحلي للفرد. وقد ساعد هذا الثراء ولي العهد، والحاكم الفعلي، محمد بن زايد على تحقيق الهدوء في الداخل. وكانت موجة الاحتجاجات الإقليمية قد أدت فعلاً في عام 2011 إلى صحوة معينة في أوساط المثقفين والشباب في دولة الإمارات. إلا أن هذا الاحتجاج، الذي وجد تعبيراً عنه بشكل أساسي في شبكات التواصل الاجتماعي، قد تم قمعه. ومنذ ذلك الحين تقوم الإمارات بقمع أي اضطرابات محتملة، وبخاصة تلك المحسوبة على الإخوان المسلمين. وإلى جانب القمع، وبسبب المخاوف من انفجار الاحتجاج في ظل التراجع في أسعار النفط خلال العامين الأخيرين، تم تقديم هبات سخية للمواطنين، كما تم تخصيص أماكن أكبر بكثير في مؤسسات الدولة للنساء وللشباب.
العلاقات مع إيران

إن للتوتر بين الإمارات العربية المتحدة وبين إيران خلفية تاريخية تعود إلى ما قبل الثورة الإسلامية في إيران، وهو قد تفاقم خلال السنوات الأخيرة وذلك بسبب دعم إيران لحركة أنصار الله في اليمن وللحكومة في سوريا. ووفق رؤية الإمارات العربية المتحدة فإن إيران هي التهديد الرئيس على الاستقرار الإقليمي، ولا يتردد مسؤولوها عن توجيه النقد إلى الجمهورية الإسلامية بسبب تدخلها المتواصل في الشؤون العربية. وإلى جانب هذا فإن دولة الإمارات تحرص على الحفاظ على علاقات تجارية عادية مع إيران، وهي تريد استغلال رفع العقوبات عن الأخيرة بهدف زيادة حجم التجارة بين الدولتين.
ولكونها الشريك التجاري الثاني من حيث الأهمية لإيران، بعد الصين، فقد دفع ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تبني موقفاً أكثر براغماتية من جاراتها تجاه إيران. كما أن هذه السياسة قد نبعت أيضاً من الخوف من احتمال حصول ضربة إيرانية، وعكست في الوقت نفسه مواقف مختلفة داخل دول الاتحاد بالنسبة لإيران (أبو ظبي، وهي الأهم من بين الإمارات، تتبنى الموقف الأكثر تشدداً من بين شريكاتها). وعلى الرغم من حجم التجارة المرتفع مع إيران فإن قضية الجزر الثلاث المحتلة ألقت بظلالها على العلاقات بين الدولتين: فمع انسحاب القوات البريطانية من الخليج استولت إيران على ثلاث جزر إستراتيجية بالقرب من مضيق هرمز: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. وفي عام 1992 سيطرت إيران على أبو موسى، وطردت قوات الحماية التي كانت عليها وانتهكت بذلك اتفاق تقاسم السيادة بين الدولتين. وقد عمقت إيران خلال السنوات الأخيرة من سيطرتها على الجزر، وهي لا تعترف بالعلاقة التاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة بها، وتدّعي أن ملكيتها لهذه الجزر ليست موقع شك.
العلاقات مع العربية السعودية

منذ بداية الاضطرابات في الشرق الأوسط توطدت العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث تقوم الدولتان بالتعاون في العديد من المجالات. وقد ساهمت في تحسين العلاقات بين الدولتين العلاقات الشخصية الطيبة بين محمد بن زايد وبين محمد بن سلمان، نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي. كما ساهمت في هذا التقارب، بشكل أساسي، النظرة المتشابهة للتهديد. وكانت العلاقات بين العائلتين المسيطرتين في الدولتين، آل نهيان وآل سعود، متوترة لفترة طويلة من الزمن قبل استقلال دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أن التوترات على خلفية النزاعات الحدودية، وكذلك الخلاقات حول الدور القيادي في العالم العربي وفي داخل “مجلس التعاون الخليجي”، كانت كثيرة ومتكررة. إلا أن الريبة المتبادلة لم تختفِ بشكل كامل، وذلك على الرغم من التحديات المشتركة، وهو ما وجد تعبيراً عنه في أمور عديدة منها الموقف المختلف الذي تتبناه كل من أبو ظبي والرياض تجاه الأخوان المسلمين ونظام السيسي في مصر. وأبو ظبي هي الدعامة الاقتصادية الأقوى لمصر، وربما كان لها دور في صعود السيسي إلى السلطة.

التنمية النووية

في عام 2017، ما لم تكن هناك أية عوائق، سيتم ربط المفاعل النووي الأول (من المفاعلات الأربعة التي يتم بناؤها الآن) بشبكة الكهرباء، وستكون الإمارات الدولة العربية الأولى التي تمتلك برنامجاً نووياً قابلاً للحياة. وعلى الرغم من أنه يوجد في باطن أراضيها كميات نفط هي الأكبر في العالم إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة، تخطط لتنويع مصادرها من الطاقة، التي تعتمد في معظمها على الوقود الأحفوري. وإلى جانب الاستثمار في تطوير الطاقة الشمسية، قامت الإمارات العربية المتحدة بتدشين برنامج طموح لإنتاج الكهرباء عن طريق مفاعلات الطاقة حيث تذهب التقديرات إلى القول إنه مع انتهاء بناء المفاعلات، فإنه ستضاف 5.6 ميغا واط إلى شبكة الكهرباء. وسيمنح نضج المشروع النووي في دولة الإمارات العربية المتحدة للاتحاد هيبة كبيرة، ومكانة إقليمية متقدمة، مقارنة مع إيران وجاراتها العربيات.
وتطرح دولة الإمارات العربية المتحدة تبريرات مقنعة لجهة حاجتها إلى البرنامج النووي وهي: الطلب العالي على الطاقة وتقليص الارتباط بالوقود الملوث وتحرير كمية أكبر من النفط للتصدير. وبالفعل فإن الإمارات لا تشكل أي تهديد، على المدى المنظور، على صعيد الانتشار النووي. ولكن من شأن البرنامج النووي أن يكون له في المستقبل مساهمة معينة على صعيد الردع، ولو كان ذلك بسبب إشارات الاستفهام التي يمكن أن تنشأ عند خصومها في ما يتعلق بإمكانية أن يكون للبرنامج جوانب عسكرية. وقد أثيرت مؤخراً بعض الشكوك حول استمرار التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بحظر تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وذلك في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، وتصريحات كبار المسؤولين في الإمارات حول الموضوع.
ستواصل دولة الامارات العربية المتحدة استخدام مواردها الاقتصادية الضخمة، وقوتها العسكرية وذلك بهدف التأثير على الاتجاه الذي يخطو فيه العالم العربي. وكانت الإمارات قد أبدت في السابق ضبطاً للنفس في إدارة علاقاتها الخارجية وقبلت الوقوف في ظل الآخرين، إلا أنها اليوم هي القوة المحركة وراء الكثير من المتغيرات الإقليمية، ولاعب محوري في الكثير من الساحات بما لا يقل، وفي بعض الأحيان أكثر، من العربية السعودية. وهناك الكثيرون في العالم العربي، وخارجه، يدركون الآن أن في وسعها التأثير على اتجاه التطورات الإقليمية، وهم يحاولون شدها إلى جانبهم. وفي إسرائيل يدركون الآن أنه في إطار الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات مع الدول السنية في المنطقة العربية، فإن دولة الإمارات تشكل هدفاً غاية في الأهمية.

ترجمة: مرعي حطيني

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، عن الميادين نت

Optimized by Optimole