هآرتس: ليس بهذه الطريقة نصيب المرمى الإيراني

هآرتس: ليس بهذه الطريقة نصيب المرمى الإيراني
Spread the love

شجون عربية /يوسي ميلمان – محلل سياسي

تشير سلسلة الاغتيالات والأعمال التخريبية التي وقعت في إيران مؤخراً إلى أن إسرائيل تبنت استراتيجيا الفوضى، وبالمقارنة مع عالم كرة القدم يمكن تسمية هذه المقاربة “أهلاً بالفوضى”. يحدث هذا عندما يدرك الفريق إنه سيخسر ويقرر ركل الكرة في شتى أنحاء الملعب على أمل حدوث اضطرابات وظهور لاعب مثل جاريد مولر [لاعب كرة قدم ألماني حقق رقماً قياسياً في الأهداف] يستطيع أن يصيب المرمى من مسافة بعيدة.
هذه الاستراتيجيا وضعها رئيس الموساد ديفيد برنيع، الذي، في هذا الشهر، يمر عام على تسلمه منصبه. وقد حظيت بتأييد رئيس الأركان المنتهية ولايته أفيف كوخافي، كما حازت موافقة رئيس الحكومة نفتالي بينت والمجلس الوزاري المصغر.
في الأشهر الأخيرة وقعت سلسلة عمليات نُسبت إلى إسرائيل تدل على حدوث تغير. وقد شملت هذه العمليات ضرب طائرات من دون طيار في مخزن كبير للمسيرات الإيرانية. وقبل أسبوعين اغتيل في طهران حسن صياد خدائي الكولونيل في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي تنسب إليه جهات إسرائيلية تورطه في التخطيط لهجمات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية منذ سنة 2012. وقد أحصت إسرائيل 50 حادثة من هذا النوع في شتى أنحاء العالم من بينها في بلغاريا، والهند وتايلند، وقبرص، وأذربيجان، وكينيا، وأثيوبيا، وجورجيا. معظم هذه العمليات، وليس كلها جرى إحباطها. أمّا الحادث الأكثر دموية فكان مقتل خمسة سياح إسرائيليين وسائق باص في بورغوس في بلغاريا، في هجوم نفذه انتحاري جنّده حزب الله.
في الأسابيع الأخيرة جرى الحديث عن موت ثلاثة علماء في ظروف غامضة: إحسان غادباغ الذي قتل في هجوم بمسيرة انتحارية استهدفت مبنى في منشأة بيرشين العسكرية حيث يتركز البرنامج النووي والصواريخ؛ أيوب أنتازي، خبير في الملاحة الجوية والمسيرات، الذي توفي بعد وجبة عشاء وبحسب أحد التقارير جرى تسميمه؛ وكامران مالابور الذي كان يعمل في مركز لتخصيب اليورانيوم في نتانز وفي تطوير المسيرات.
ما هو القاسم المشترك بين هذه الأحداث؟ لا يمكن معرفته، باستثناء التقدير بأن هناك يداً محرّكة من ورائها، هي يد إسرائيل.
حتى استلام نفتالي بينت وبرنيع منصبيهما قبل نحو عقد ونصف العقد، كانت الحرب السرية التي تخوضها إسرائيل ضد إيران على أراضيها – بعكس الهجمات في سورية وفي البحر – تركز على البرنامج النووي. لكنها اليوم على ما يبدو توسعت لتشمل علماء وضباطاً في برامج الصواريخ والمسيرات وفي فيلق القدس والحرب السيبرانية. وقد تحدث بينت نفسه عن هذه السياسة الجديدة في آب/أغسطس 2021 ووصفها بأنها “الموت من ألف جرح” وهو تعبير مأخوذ من الإمبراطورية الصينية ومعناه الموت بالتعذيب البطيء.
لكن هل يعتقد رئيس الحكومة فعلاً أنه قادر على قتل إيران أي تعذيبها ببطء حتى تغيير النظام؟ صحيح أن الهجمات المتوالية تدل على أن الاستخبارات الإسرائيلية تسللت في عمق الدولة، وهو أمر مؤلم ويحرج النظام. وحتى لو أن بعض الذين ماتوا لم يقتلهم الموساد بل النظام الإيراني بسبب الشكوك فيهم، فإن هدف إحداث الفوضى تحقق. لكن السؤال: هل إسرائيل التي فشلت في محاولاتها فرض الحكومة التي ستحكم لبنان [إشارة إلى الغزو الإسرائيلي في سنة 1982 ومحاولات إسرائيل تغيير الحكم في لبنان] ستنجح الآن بعد مرور 40 عاماً في تحقيق الأمر في إيران الكبرى الدولة ذات التاريخ والثقافة والكبرياء الوطني؟
تدل التجربة التاريخية على أن الأنظمة تنهار عندما ييأس الجمهور منها ويخرج إلى الشوارع – بسبب أزمة اقتصادية وفساد وتفكك – وليس بسبب عمليات حتى لو كانت ناجحة قام بها جهاز استخبارات أجنبي.
عندما يكون واضحاً أن هجوماً من الجانب الإسرائيلي فقط ضد المنشآت النووية الإيرانية ليس مطروحاً، فما فائدة العمليات التي لا تركز على البرنامج النووي غير التحدي والإذلال والانتقام والمضايقة؟ بدلاً من أحلام لا فائدة منها من الأفضل لإسرائيل أن تضع لنفسها استراتيجيا أكثر وضوحاً تركز على هدف محدود وتعمل على أساسه.
إيران ضعفت لكنها مصرة على مواصلة برنامجها النووي على الرغم من العقوبات القاسية. أليس من الأفضل عدم التركيز على محاولات تعطيل البرنامج النووي بواسطة الهجوم على “مجموعة السلاح”، المرحلة الحساسة في تركيب سلاح نووي، وبدلاً من ذلك كسب الوقت من خلال العودة إلى اتفاق نووي معقول؟ ربما من الأفضل التفكير من خارج الصندوق، وكسر الدائرة المفرغة من الهجمات الانتقامية والاغتيالات وعمليات التخريب، حيث يختلط السبب بالنتيجة، ومحاولة التوصل، حتى لو كانت الفرصة ضئيلة، من خلال وسطاء إلى تفاهم صامت على وقف إطلاق النار.

Optimized by Optimole